التعديلات الدستورية ولعبة الاحتمالات

462


لا يخفى عليكم ، وعلى أي من المهتمين بالشأن العام ، أن السيسي يكره الاحتمالات ، كراهة من طالب العسكرية  للرياضيات ، وعندما تكون الاحتمالات متعلقة به شخصيا وبمستقبل حكمه ، فهو يخشاها أيضا.

ولأنه يكره الاحتمالات ويخشاها، اتسمت فترة حكمه بمصادرة الاحتمالات في مهدها ، فالمقربين للسيسي يتحكمون في الأجهزة الأمنية والرقابية والاعلام ، لا يسمح بفرصة لمعارضة من الداخل أو الخارج ، اصلاحية كانت أو جذرية.

تجاربه لمحاربة الاحتمالات كانت واضحة في قضية "تيران وصنافير" التي لازال يراها عوارا في فترة حكمه ، ويتعلق جزءمن تعديل الدستور بمعالجة هذا العوار ، كما تعلم الدرس الوحيد الذي استمع فيه لأصوات عقلانية طالبته بالسماح بالتظاهر لمعارضي بيع الجزيرتين ، فيخرج المئات الى شارع عبدالخالق ثروت ، ثم تخرج تسريبات من الرئسة ، بأن ما حدث في 15أبريل 2016 لن يتكرر ، تتبعه حملات أمنية على منازل النشطاء وتنتهي بالقبض على المئات من الشوارع في25أبريل ، ويعيد احكام غلق باب الاحتمالات .

شهدت الانتخابات الرئاسية الماضية ، معركة جديدة للسيسي مع الاحتمالات ، العنف الشديد الذي واجه به السيسي مرشحي الرئاسة المحتملين "أحمد شفيق" و "سامي عنان" و "قنصوه" ، كان مؤشر جديد على رعب الاحتمالات ،ربما لو أخضع السيسي الانتخابات للعبة الاحتمالات ومراكزالقوى ، لانتهت لصالحه ،ولكنه لا يقبل باحتمال فوز كبير ، هو يريد تأكيدات.

ولولا تدخل أحد الأجهزة الأمنية في اللحظات الأخيرة بترشيح "موسى مصطفى موسى" ، لدخل السيسي الانتخابات وحده ، وهو ما كان يفضله منذ البداية.

تضم مظلة رفض التعديلات الدستورية ، معارضي السيسي من رايديكاليين واخوان ، بالاضافة الى قطاع من داعميه السابقين من أصحاب المراكز البسيطة في مؤسسات الدولة ،وعدد من الاصلاحيين انضم الى معارضيه مؤخرا ، بالاضافة الى أفراد من أصحاب المراكز بالدولة ، يرون التعديلات تأسيس لامبراطورية عسكرية جديدة،بالاضافة الى كتلة حرجة من المواطنين المتضررين من سياسات النظام.

تنوع المظلة واتساعها بطبيعته يفرض لعبة الاحتمالات .

مقاطعة الاستفاء يضع أمام السيسي احتمال وحيد ، وهو انتفاضة شعبية من الغضب الذي تتصاعد دته ، ومصادرة الأمل بتمديد الولاية لمدة 12عاما أخرى، وهو احتمال يظن السيسي أنه مستعد له جيدا، بشبكة تحالفات خارجية قوية ،واحكام لقبضته على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية .

بينماالمشاركة الواسعة في الاستفتاء ، واجتماع معارضي التعديلات على قرار برفضها في الصندوف ، سوف تفتح حتما الباب على مصراعيه أمام الاحتمالات المتضاربة متنوعة الخطورة ، سوف يجد السيسي نفسه رغما عنه في داخل لعبة الاحتمالات والسيناريوهات .

تنوع الاحتمالات واتساع مداها ، يجبر النظام على التعاطي سياسيا مع الوضع وتنيب التعامل أمنيا ، خاصة مع غياب خصم سياسي واضح يمكن ضرب الحملة بتشويهه أ القبض عليه.

يمكن أن نفكر معا في عدد من الاحتمالات التي تفرضها حملة رفض التعديلات:

- أن تتسع الحملة وتجد أدواتها في الوصول الى قواعد الجماهير وتسبب شرخا في كتلة الداعمين داخل مؤسسات الدولة .

- أن تقرر كتلة من القضاة رافضي التعديلات ، اعلان نتيجة الاستفتاء الحقيقية بحسب الصندوق.

- أن يدعم أفراد من داخل الدولة ، حملات تدعو لرفض التعديلات ، لمصالح شخصية ، أو مناوئة للنظام الحاكم.

- أن تحقق الدعوة دى واسع في الأوساط الشعبية ، مم يحمل جماعة الاخوان بما تبقى من تنظيمها وأداتها للحشد ، على المشاركة في الاستفتاء .

- أن يتدخل أطراف دوليون اذا ما نجحت حملة رفض التعديلات ، ويطالبوا بضمانات للاستفتاء .

- أن يخسر النظام في الصندوق فيضطر الى التزويرالفاضح أو المستتر .

- أن يخسر النظام في الصندوق فيضطر الى اعلان اعادة النظرفي التعديلات.

- أن يفوز النظام بفارق بسسيط ، وفي المقابل تتشكل كتلة بالملايين ترفض استمراره في السلطة ، تجبره على "لعبة احتمالات" جديدة في انتخابات 2022.

كل هذه الاحتمالات والعشرات غيرها ، سوف تضطر النظام وأجهزته الى دراستها تجهيز سيناريوهات للمواجهة في كل احتمال ، ولكنها تتوقف جميعا على نجاح حملة رفض التعديلات الدستورية واتساع قاعدة المشاركين في الاستفتاء برفض التعديلات .

فلنجبرهم على المشاركة في اللعبة التي يكرهها ويخشاها ، ومع كل انتصار تحققه الحملة تفتح الباب أمام احتمالات جديدة ، ولأنه يلعب اللعبة للمرة الأولى ، فالأخطاء واردة ،وهي في لعبتنا تعني مزيدا من الثغرت تطرح مزيدا من الاحتمالات التي تؤدي الى مزيد من الأخطاء والثغرات.

أنا بشكل شخصي أفضل دائما لعبة الاحتمالات ،بدلا من انتظار لحظة تاريخية أخرى كلحظة 28يناير ، ربما تحتاج سنوات ،ثم نضطر بعدها أيضا الى المشاركة في "لعبة الاحتمالات" .

كل احتمال جديد في اللعبة يحمل فرصة مكسب ، وقطعا اجمالي الاحتمالات يحمل من الفرص ربما بقدرما ضيعناه في سنوات.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك