مختصر عن الفاشية, وليه لسه بدري؟

445



في السنين الاخيرة بنسمع كتير عن الفاشية, ناس كتير بتستخدمها لوصف كل ما هو غير ديمقراطي أو للتعبير عن التنظيمات الأصولية الدينية أو التنظيمات  المغلقة أو اللي بتخدع الجماهير عن طريق اثارة المشاعر الوطنية أو النعرات الطائفية 

 الفاشية زي أي مصطلح سياسي , مش بيكون له تعريف موحد , ولكن ممكن نقول أن من تعريفاتها إنها نزعة قومية عنصرية تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس، وبترفض نموذج الدولة اللي كان سائد في معظم أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر المعتمد في الاساس على الليبرالية التقليدية والديمقراطية البرلمانية والتعددية والإنتخابات وتداول السلطة بين الأحزاب , اعتبروا الديمقراطية والرأي والرأي الآخر والانتخابات وتداول السلطة مجرد حيل وألاعيب من الليبراليين وإن الكلام الفارغ ده هو اللي ضيع إيطاليا , وعلشان كده لازم إيطاليا تتحكم بيد من حديد علشان تنهض هي كمان.

الفاشية موضوع متشعب وفيه تنوعات كتير, يعني ممكن نقول أنها تيار سياسي بيعبر عن اليمين المتطرف, وممكن نقول انها نزعة قومية عنصرية بتمجد الدولة إلى حد التقديس, أو انه نموذج للحكم بيعادي النموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي وبرضه كان بيعادي النموذج الشيوعي في نفس الوقت, وظهرت الفاشية في أوروبا في بداية القرن العشرين، وتحديدا في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولي بعد الإحساس بالظلم  إلى حصل على إيطاليا وانهم ماطلعوش بحاجة من الحرب وكمان اتاخد منهم أراضي، بالاضافةالأزمة الاقتصادية التي حصلت  في  الوقت ده. 

وممكن نقول كمان إن مصطلح الفاشية بيستخدم لوصف المشاعر والخطابات المتعصبة بشكل مبالغ فيه والتي بتتسبب في ممارسات سلطوية قاسية , أو لوصف الأنظمة الشمولية , أو الأنظمة القمعية الشعبوية التي تعتمد بالأساس على اخطب العاطفية وإثارة المشاعر القومية للجماهير , وكذلك جرى العرف على إطلاق لفظ الفاشية على كل الممارسات المتعارضة مع القيم الليبرالية , أو المتعارضة مع نظم الحكم المشتقة من الليبرالية الغربية ,أو على الممارسات اللي بتعادي الحقوق الفردية والحريات.


واصطلاح الفاشيّة بالإنجليزية fascism أصله مشتق من الكلمة الإيطالية  fascio وهي تعني حزمة القضبان المعدنية أو الصولجانات كدليل على القوة والسلطان في روما القديمة , وبدأ استخدامها في إيطاليا في تسعينيات القرن التاسع عشر لتشير إلى جماعة أو ابطة سياسية . 

وجوهر فكرة الفاشية هو الولاء الشديد للأمة او العرق, وذا الولاء يجب أن يعلوا على أي ولاء أو التزام آخر , فليست الطبقة هي الأساس زي الإشتراكية , ولا الفرد الحريات الفردية هي المعيار كما هو في الليبرالية , بل الأمة فقط , واللي لازم تكون متفوقة على العالم كله ولازم تستعيد أمجاد الماضى.

وعلشان الامة تقود العالم وتنتصر عليه لازم الحاكم القوي والزعيم الملهم اللي يدافع عن قيم الامة ويحارب العالم كله ويعلي من شأن الامة.

وفي أغلب الحالات وفي أغلب التجارب بيوصل الفاشيون للسلطة بعد حدوث أزمة كبيرة, يعني بعد انهيار اقتصادي وأزمة بطالة , أو بعد هزية عسكرية ,زي إيطاليا ,وزي ألمانيا, أو بعد أزمة سياسية أو انسداد المسار السيسي وانقلاب عسكري زي ما كان بيحصل في دول أمريكا الجنوبية مثلا,وزي ما حصل برضه في أسبانيا بعد الانقلاب العسكري ثم الحرب الأهلية ثم انتصار الفاشية.

الحزب الفاشي بيكسب تأييد شعبي كبير لأنه بيقول وعود ضخمة بإنه مش بس هايرجع الأمن والاستقرار، ومش بس ها ينعش الاقتصاد ويزود فرص العمل ويزود الدخل.. لأ دا كمان هايرجع الأمة تبقى أعظم أمة في الوجود،، وهايرجع الكرامة ويدمر كل أعداء الأمة.


نتيجة للوعود الضخمة دي بيوصل الفاشيين للسلطة، إما عن طريق انتخابات نزيهة، لكن دي بتبقى أخر انتخابت تتعمل، وإما عن طريق إنقلاب عسكري يكون مصاحب له تأييد شعبي قوي ومباركة شعبة لكل التبعات اللي بتحصل بعد كده، وبعد كده يبدأ الحزب الفاشي أو الائتلاف الفاشي في احتلال كل المناصب الحكومية وكل الأماكن المؤثرة في الدولة، وكل مواقع السلطة التنفيذية، الولاء هو المعيار الوحيد، ومع الوقت بيتم السيطرة على السلطات التشريعية والقضائية  كمان.

وفي معظم تجارب الفاشية بيتم إلغاء وحل الأحزاب ماعدا الحزب أو التنظيم الواحد اللي بيمثل السلطة الفاشية أو الحزب الفاشي، وفي تجارب أخرى بيتم السماح للأحزاب القديمة بالبقاء بشكل صوري لكن مالهاش الحق في المشاركة، وبيميل المجتمع نحو العسكرة أو بياخد شكل عسكري في معظم الأنشطة، ولا يكتفي الفاشي باستخدم الجيش والشرطة في صفه، ولكن كتير بيتم عمل مليشيات فاشية مؤيدة بتمارس الإرهاب ضد أي صوت معارض،وكتير بيكون فيه ضرب أو اغتيالات من مليشيات الفاشية ضد المجموعات المعارضة أو الصحفيين والكتاب وأصحاب الصوت الحر. 

وتشترك التجارب الفاشية في الحنين الشديد للماضي وانجازاته والأمجاد القديمة للأمة، بالاضافة لتمجيد الذات والعرق والقومية والتحقير من القوميات والأعراق الأخرى ، الفاشية ممكن تكون بخطاب قومي، وممكن تكون بصبغة دينية، وممكن تكون بشعارات شعبوية أو اشتراكية ولكن بتاخد شكل عسكي , وبرضه من خصائص الفاشية الاستخدام القوي لوسائل الإعلام والسيطرة عليها تماما بهدف تغييب وعي الجماهير وخداعهم, وفيه مثال شهير على ده زي "جوبلز" وزير الدعايا السياسية في عهد هتلر اللي قدر يستخدم الإعلام والدعايا السياسية والثقافة والفن في خداع الملايين وتجييشهم لخدمة خطط هتلر المجنونة.

ومن خصائص الفاشية كذلك تقديس هيبة الدولة والمبالغة في التعصب الوطني والقومي، والتبجيل والتقديس للزعيم القوي اللي بيكون معتمد بالأساس على الخطاب الشعبوي والعاطفي اللي بيلهب حماس الجماهير، وكلما كان الزعيم القوي دمويا وجبارا كلما كان فيه تأييد وتقديس وعبادة من أنصاره له كلما كان فاجر كلما كان فيه تهليل له، ناس كتير بتعشق فكرة الزعيم الملهم اللي هيدمر العالم كله علشانهم.


وعلشان كده لازم يكون فيه عدو، ولو مفيش عدو فالزعيم لازم يخلق عدو، لازم يكون فيه حاجة الشعب يخاف منها ويفضل متمسك بالزعيم المنقذ، يهود شيوعيين، ليبراليين، أصوليين، كفار علمانيين، بقايا الاستعمار، المهم يكون فيه عدو الناس تخاف منه ، دا حصل في ألمانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال وإسبانيا  وكل تجارب الفاشية.


معظم التجارب الفاشية كانت نهاياتها دموية بعد أن تسبب  الزعماء الملهمين في دخول بلادهم مغامرات غير محسوبة يحركها جنون العظمة ،وتعتبر إيطاليا أول بلد التي تأسست فيها  الفاشية بشكلها المعروف، بعد الحرب العالمية الأولى إيطاليا   

فقد واجهت إيطاليا عقب الحرب العالمية الأولى أزمةً اقتصاديةً واجتماعيةً ونفسيةً شديده ً، بعد تجاهل مطالبها واستثنائها من المكاسب رغم مقتل اكتر من نصف مليون جندي إيطالي ورغم كل الأموال اللي صرفتها إيطاليا لدعم الحلفاء، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن حل الأزمات الاقتصادية والمجاعة في إيطاليا ، وفقدت الدولة هيبتها وانتشرت الفوضى والسرقة والبلطجة، واستغل موسوليني هذه الأوضاع لتأسيس الحزب الفاشي، والذي تمكن من الوصول إلى الحكم وتشكيل حكومةٍ عام ١٩٢٢، وأقام نظام حكم شمولي دموي سيطر به علي السلطة وقام بحل جميع الأحزاب ماعدا الحزب لقومي الفاشي طبعا ، وأغلق جميع وسائل التعبير عن الرأي ، وأطلق يد السلطة  التنفيذية  في الحبس والتنكيل بالخصوم والمعارضين ، وبارك جهود المليشيات الفاشية الموالية له في الاغتيالات واستخدام العنف ضد المجموعات الأخرى أو أي حد يحاول يتكلم  . 

 

إجراءات الفاشية لم تختلف كتير عن اللي حصل في النازية في  ألمانيا على يد هتلر ، اللي كان بيحلم بإقامة ألمانيا العظمي على أساس سيادة الجنس الآري، واستطاع بقدرته على الخطابة الحماسية  قيادة  حزب العمل القومي ثم جعله حزب الأغلبية، وبعد أن فاز بالأغلبية عام ١٩٢٩ أقام نظام قومي فاشي يحكم بالحديد والنا حكم ألمانيا لأكثر من ١٥ عاما إلى أن انتحر بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، أما في اسبانيا فقد استطاع فرانكو " قائد الجبهة القومية الإسبانية"  أن ينتصر في الحرب الأهلية الطاحنة في إسبانيا ١٩٣٦-١٩٣٩، وأقام نظام حكم فاشي دموي يمجد في القومية ويعمل على استعادة أمجاد الماضي، ولكنه استطاع تجنب المصير المؤسف الذي حدث لصديقيه هتلر وموسوليني، واستمر في الحكم حتى وفاته عام ١٩٧٥ بسبب عدم تورطه الكامل في الحرب العالمية الثانية، ولكن الافكار الفاشية بتعتبر من الأفكار المكروهه والمحورة بعد عودة الحكم الديمقراطي لأسبانيا ومحاكمة عهد فرانكو.. 

 

 

انتهت معظم تجارب الفاشية نهايات مأساوية بعد الهزيمة العسكرية أو بعد الثورات العنيفة أو الانقلابات المسلحة، فقد انتحر هتلر والعديد من قادة النازية، وتم محاكمة المئات من مساعديه بعد ذلك، وتم سحل وإعدام موسوليني وتعليق جثته في شوارع روما بعد الثورة عليه , جثته اتعلقت زي ماكان أنصاره بيعلقوا جثث المعارضين , وتجربة عبدالناصر انتهت بالهزيمة المريرة والمهانة في 1967 واللي لسه بنعاني من آثارها السلبية حتى اليوم, , وعندنا أمثلة كتيرة في الوطن العربي للفاشية زي الأسد وصدام حسين والقذافي غيرهم .

في أوروبا برضه كان فيه "بابادوبولوس" ديكتاتور اليونان اللي استولى على السلطة عام١٩٦٧ , فمات في السجن سنة 1999 بعد الانقلاب عليه وحبسه سنة ١٩٧٣، وحصل كذلك انقلاب ضد النظام البرتغالي الفاشي"اوليفييرا سالازار" سنة ١٩٧٤ بعد ما فضلت البرتغال تحت الحكم الفاشي لحوالي ٤٤ سنة , وبرضه انتهت تجارب الفاشية في أمريكا الجنوبية بثورات أو انقلابات عسكرية , ودلوقتي معظم هذه الدول في حالة استقرار بعد الوصول لحل سياسي واقتسام للسلطة أو بعد الدخول في مراحل العدالة الانتقالية.


خلاصة الكلام , فيه دول أوروبية مرت بمرحلة الفاشية وأدي ذلك إلى كوارث ودمار , لكن اتعلما الدرس وأصبحوا أكثر نضجا بعد مرحلة دموية طويلة , صحيح دلوقتي فيه مجموعات فاشية يينية بتتجمع تاني وبيلاقوا جمهور لخطابهم المتعصب , مستغلين موجات المهاجرين لأوروبا من العرب والمسلمين , لكن يظل الخطاب الفاشي والعنصري خطاب مذموم وكريه في أوروبا.

للأسف في المنطقة العربية لسه الخطاب الفاشي واليميني له جمهور كبير رغم كل الهزائم اللي حصلت على إيده , وللأسف في الوطن العربي لا يزال بديل الفاشية هو نوع آخر من الفاشية , وده معناه , إن لسه بدري.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك