سارق الفرح

569

 


اصطفى الله أناسا كُتب لهم أن تكون نهايتهم بدايات، ورحيلهم صحوة، ون يكون موتهم حياة، وذكراهم رسالة. من هؤلاء د. أحمد خالد توفيق الذي رحل ريلاً مفاجأً أفسد الفرح الذي نُصب للاحتفال بالفوز المزعوم للرئيس في محاولة لمحاكاة إنتخابات رئاسية تم فيها تجييش كل أجهزة الدولة ومؤسساتها وآلتها الإعلامية بكل أذرعها لحشد الجماهير للمشاركة في إنتخابات، إن جاز أن نسميها كذلك، محسومة ومعلومة النتيجة قبل بدايتها. 

 

نُصبت المراقص في اللجان الإنتخابية الخاوية في الأيام الثلاثة للإنتخابات، وبعد إعلان النتيجة بفوز الرئيس فوزاً ساحقاً على مرشح أٌوتي به من ضمن فريق مؤيدينه ليلعب دور المنافس في هذه المحاكاة الساذجة للإنتخابات، بعد أن أًجبر كل من تجرأ على الترشح فيها على الإنسحاب إما قهراً كما حدث مع الفريق شفيق، أو تضييقاً  كما حدث مع خالد علي ومحمد السادات، أو سجناً كما حدث مع الفريق عنان. وتبارت النساء في الرقص في زفة وفرح لم يُلبي الدعوةَ له سوى كبار السن والمضطرين الذين تم تهديدهم في عملهم او التلويح لهم بالغرامة، وغاب عنه الشباب غياباً واضحاً بالرغم من إلحاح الإعام في دعوتهم للحضور وصراخه وندائه المتكرر عليهم للمشاركة

 

          لم تنجح مئات الآلاف من لافتات الدعاية للرئيس التي ملأت كل شوارع مصر، ولا التهليل والدعاية له في القنوات الإعلامية التي كُرست جميعها للدعاية للمرشح الأوحد، أو الإغراءات التي تفنن منافقي الرئيس في تقديمها، ولا حتى المراقص التي نُصبت في الشوارع في دفع الشباب للنزول أو إغرائهم بالمشاركة. وبالرغم من عزف الشباب وإحجامهم عن التصويت الذي وصفه مؤيدي التزييف بالسلبية، وعزوا مقاطعة الشباب لقلة الوعي وإنعدام المسؤولية، وفي ذروة الفرح والاحتفال بفوز الرئيس والرقص نكاية في غالبية معارضيه من الشباب، فُوجئ الجميع بتهافت الشباب على النزول والمشاركة في وداع سارق الفرح د. أحمد خالد توفيق، كاتبهم المفضل الذي يلقبونه بالعراب

 

فكان التابوت لذي حمل د. أحمد خالد توفيق إلى مثواه الأخير هو الصندوق الذي صوت فيه الشباب بأعدادٍ غفيرة على حبه وإحترامه في إستفتاء نزيه لم يتم تزويره، ولم يجبرهم أحد على المشاركة فيه كان موته هو الحقيقة التي فضحت الكذب ونصرت الصدق وأنصفت الشباب وأحرجت المُدعين.

 

جاء رحيل أحمد خالد توفيق رسالة أفسدت إحتفالات العرس الديمقراطي المزعوم لأنها أيقظت الراقصين والمطبلين والعازفين فيه على حقيقة مزعجة ومؤرقة لهم، وهي أن هذا الشباب لا يُشترى، وأن الحب والإحترام أشياء تُكتسب لا تُباع، وأن هذا الشباب الذي نعتوه بالسلبية وإتهموه بقلة الوعي، ظهر إنه شباب مثقف وقارئ لكاتب لم يسمع معظمهم عنه لإنشغالهم بالكيد والرقص والتصفيق على ما لا يستوجب ذلك. فكان خروج الشباب لتحية العراب ومشاركتهم في وداعه مفاجأة صادمة أذهلت وأزعجت من يمتهنون التزييف. نفس الشباب الذي وصموه بالجحود يهرع ويتسابق للصلاة على فقيدهم وعلى حمل نعشه ووداعه بوجوه يعلُوها ألم وحزن حقيقي نابع من القلوب على من صدقهم فأخلصوا له. جاء موته تذكرة بأنه لا حياة بدون الشباب. من يعادي الشباب يختصم المستقبل، ولا أمل لمن لا مستقبل له. 

 

 شاء الله أن يكون أحمد خالد توفيق أحد هؤلاء الذين يكون موتهم رسالة مثل خالد سعيد الذي كان موته صيحة أيقظت الثورة، ومثل هؤلء الذين يُعرفون برحيلهم أكثر من حياتهم...جيكا والشيخ عماد عفت ومحمد يسري سلامة وباسم صبري وشيماء الصباغ وغيرهم ممن عاشوا صادقين فماتوا مُكرمين، وكانوا مُخلصين فكانت نهايتهم ذكرى مضيئة باقية، وسيرتهم تذكرة لمن تنفع الذكرى.  

 

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك