السياسة والقانون في تعديل الدستور )3)

322

"القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد،والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها،وصون الدستور والديمقراطية،والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها،ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد،....."

تم إضافة الفقره السابقة فى مقترح التعديلات الدستورية على المادة 200 من الدستور بما يزيد من مهام وأعباء القوات المسلحة لتضيف إلى مهامها الرئيسية صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها.

والحقيقة أن هذا المقترح جاء مبهما وغير واضح بالإضافة لكونه مخالف للمفاهيم الدستورية والعقيدة العسكرية للقوات المسلحة التى تنأى وننأى معها بنفسها من الخو فى الصراعات السياسية وأكدت على ذلك فى الكثير من المواقف.ولكن لمناقشة هذا المقترح يجدر بنا الإجابة على عدة اسئلة وهى : ما معنى مدنية ؟ والتى أعترضت عليها الكتلة النيابية لحزب النور فى خيابة سياسية معتادة منهم ، والحقيقة أنه لا وجود لمصطلح الدولة المدنية فى مجال العلوم السياسية ومصطلح الدولة المدنية ليس مصطلحا متعارفا عليه فهو ليس له أثرا فى مراجع المصطلحات ومفاهيم العلوم السياسة ولا فى مراجع ومصطلحات علم علم الإجتماع حيث تشير تلك المراجع إلى مصطلح “مجتمع مدنى” وليس دولة مدنية فلم يع مفهوم الدولة المدنية إصطلاحا مجردا وإنما صار إصطلاحا محملا بالدلالات التى حملها من البيئة التى قدم منها.

ومدنية الدولة فى الحقيقة هو أختراع ظهر بعد ثورة 25 يناير من مجموعة من القيادات السياسية والتى حاولت من خلاله طرح تعبير المدنية بدلا من العلمانية لإكتساب رضا شعبى فى مواجهة الإسلاميين الذين قاموا بتشويه معنى العلمانية ،وتخوفا من سيطرة الإسلاميين على الحكم وتحويل الدولة المصرية لدولة ثيوقراطية ، وتبع ذلك ظهور تكتلات وجماعات سياسية تطلق على نفسها المدنية على الرغم من إنضمام بعض الجماعات الإسلامية لها وهو ما يؤكد على عدم وجود معنى سياسيى لكلمة مدنية .

وعلى جانب اخر فقد ورد معنى مدنية فى المعجم اللغوى أنها الجانب المادّيّ من الحضارة كالعمران ووسائل الاتّصال والتّرفيه ، يقابلها الجانب الفكريّ والرُّوحيّ والخلقيّ من الحضارة . وهو أيضا لا علاقة له بالمفاهيم السياسية ومن ثم فلا حاجة لوضعه فى دستور البلاد الذى يرسم الشكل السياسى للدولة .

السؤال الثانى : هل القوات المسلحة فى حاجة لهذا التعديل ؟ الإجابة أنه بالطبع لا فالقوات المسلحة المصرية هى ليست ملك الشعب فقط كما ينص الدستور وإنما هى الشعب المصرى فالجيش المصرى جيش وطنى يتشكل من المصريين فلا تخلو أسرة مصرية من وجود أحد أبنائها فى الجيش . كما أن عدم وجود هذا النص لم يمنع القوات المسلحة من الحفاظ على الدولة ودستورها من جهل وغشم وفكر الجماعة الإرهابية عندما تولت الحكم فى مصر وأنضم حينها الجيش لإرادة الشعب الثائر ضد إسائه الإسلاميين لمفهوم الدولة والدستور وإحتقارهم لثقافة الشعب ومقوماته الإساسية ،وهو ما فعلته سابقا أيضا فى الإنضمام لثورة ومطالب الشعب المصرى فى 25 يناير وسلمت الحكم بعد إنتخابات رئاسية ونيايبة دون طمع فى السلطة .

كما أن القوات المسلحة هى جزء من الدولة المصرية تحترم الدستور ولا تصونه فالحفاظ على الدستور يجب أن يكون نابع من ممارسات سياسية وليس من رقيب علي ذلك ،ومن ثم فإدراج هذا التعبير فى المقتر من شأنه إقحام القوات المسلحة فى عمليات سياسية ليست على دراية بها ولا يجب أن يكون لتظل القوات المسلحة درع الحماية لهذا الوطن . بالإضافة إلى أن هذا المقترح من شأنه وضع قيم على النظام السياسى المصرى وهو أمر غير مقبول دستوريا ،كما أن مصر من أقدم الدول التى عرفت الدساتير منذ 1882 فى عهد الخديوى توفيق ومن حينها وهناك دستور للدولة المصرية فمن العيب أن نلجأ ونحن فى عام 2019 لمادة للحفاظ على الدستور ،ولعلنا نتذكر أن ثورة يناير كانت أحد أسبابها تعديل الدستور الذى قام به الرئيس الأسبق مبارك لقصر الترشح للرئاسة فى مواصفات شخصية وليست مجردة ومن بعده مرسى حينما عبث بالإعلان الدستورى وأصدر إعلان دستورى مكمل فما كان من الشعب إلا أن أسقطه بعد إستدعائه للقوات المسلحة وإنضمامها له .

وأخيرا على مقترح تلك التعديلات الخجل من ذكر عباره صون الدستور فى أى من مواده لأنه أول من أنتهكه بتلك التعديلات الغير الغير دستورية واللا هدف لها إلا إحراج السلطة والتملق لها.

        يستكمل ,,

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك