قالولنا زمان.. بالدستور العجلة تدور

406


دائما بتكون أراء الناس المؤيدين للتعديلات الدستورية متشابهة في جوهرها على مرالعصور حتى لو اختلفت في بعض التفاصيل، مثلا لما  قرر السادات تعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء في السلطة إلى ما لا نهاية، الدعاية برضه قالت وقتها إن ده من أجل حماية الإنجازات العظيمة، ومن أجل الحفاظ على " السلام في مصر وفي المنطقة"،  وكمان من أجل تطبيق الشريعة، فتم وضع مادة (الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع) ضمن اتعديلات، بهدف مغازلة الحس المتدين المحافظ للمصريين، احنا هانعدل الدستور علشان نحمى شرع ربنا من الشيوعيين الكفار.


  في عهد مبارك اثناء تعديلات ٢٠٠٥ ثم ٢٠٠٧ قالوا كلام مشابه برضه  مثل حماية المكتسبات واستمرار الإنجازات، الحفاظ على الاستقرار، وقالوا كمان وقتها إن التعديلات دي من أجل المزيد من الديمقراطية ، أما في التعديلات الدستورية بعد الثورة في مارس ٢٠١٩، قالوا أن بعد إقرارها مباشرة سيبدأ الاستقرار ويعم الخير البلاد، الإسلاميين وأنصار مبارك وأنصار المجلس العسكري، اجمعوا إن التصويت بنعم من أجل الاستقرار، وكمان هايتم تطبيق شرع الله، وندور علة الانتاج.


نفس الكلام تقريبا عند طرح دستور ٢٠١٢ ،بالدستور العجل تدور، نعم من أجل تطبيق شرع الله، أما عند طرح دستور ٢٠١٤ فقد تغيرت الفرق والأشخاص ولكن تشابه الخطاب، بالدستور العجلة تدور، نعم من أجل الاستقرار والرخاء ومكافحة الاٍرهاب، وأضافوا للكلام  بعض المستجدات الإيجابية في الدستور مثل زيادة ميزانية الصحة والتعليم.

وبالرغم من أن دستور ٢٠١٤ لم يتم تطبيقه بشكل كامل ويتم مخالفته منذ اليوم الأول في تجاهل مواد الصحة والتعليم وحقوق الانسان بشكل عام، لكن دلوقتي عايزين يعدلوه قبل ما يتم تطبيقه كاملا، بزعم المحافظة على الاستقرار والانجازات غير لمسبوقة، حتى لو الإنجازات المزعومة والمشروعات العملاقة دي عليها خلاف من قبل المتخصصين.


في الدول الغربية أو الدول التي يمكن وصفها بجد بمصطلح دولة المؤسسات ، أيا كان موقعها شرق أو غرب ،هتلاقي هناك مشروع وطني"للدولة"، ل ٣٠ أو ٥٠ سنة قادمة، وبيكون فيه خطط طويلة المدى ومؤسسات مستقلة تعمل على الدراسات والتحليل والمتابعة، الناس هايبقى عددهم كام بعد ٢٠ أو ٣٠ أو٥٠ سنة، وعايزين كام طريق جديد وكام كوبري وكام مدرسة وكام جامعة و و و، وبيكون فيه برلمانات منتخبة بتدرس وتناقش علانية وتوافق أو تعدل حسب حاجة الناس ومتطلباتهم،  المشروعات القومية والتخطيط طويل المدى - اللي معمول لمتطلبات الناس كلها مش فئة معينة - بيستمر مهما تغيرت الحكومة و تغير رأس السلطة.


 دور رئيس السلطة التنفيذية - سواء كان رئيسا للوزراء أو للجمهورية - هو إدارة مؤسسات الدولة التنفيذية طبقا لبرنامج الحزب أو القائمة أو طبقا  لأيديولوجيا بيتبناها ،رئيس السلطة التنفيذية بيطبق برنامجه، يعني يبقى رأسمالي أكتر أو اشتراكي اكتر، متحررأكثر أو محافظ أكثر، يغير في اُسلوب الادارة أو الهيكل الاداري، يجيب مستشارين كويسين أو شايفهم كويسين، يختار حكومة سياسية أو تكنوقراط،  لكن الخطط الاستراتيجية والمشروعات القومية مستمرة ولا تتأثر بتغير رئيس لسلطة التنفيذية، لم نسمع أن هناك دولة متقدمة حاول البعض فيها تعديل الدستور بهدف التمديد لرئيس السلطة التنفيذية بدعوى الانتهاء من مشروعات المفروض أصلا كده كده تتم طبقا لخطة(الدولة) طويلة المدى!


أنظمة الحكم الحديثة بتقوم على بعض المبادىء المشتركة والمتعارف عليها، زي مثلا مبدأ سيادة القانون وإن فيه وثيقة قانونية بتحكم ( اللي هو الدستور) ، ومبدأ الفصل بين السلطات ،ومبدأ الشرعية، ومبدأ تداول السلطة.

الديمقراطية في الأساس بتقوم على فكرة وجود سلطات ومؤسسات مستقلة كل منهم عن الأخري، ثم على مبدأ التوازن بين السلطات , فلا تسيطر السلطة التنفيذية على التشريعية أو القضائية , بل تكون التشريعية رقيبا والقضائية حكما، كتير بيكون فيه صراع بين السلطات ، وطبيعي جدا إن يكون فيه صراع ، لكن التوازن هو أساس وجود ديمقراطية، والتوازن بين السلطات والمؤسسات هو اللي بيضمن عدم تغول إحداهم على الاخرى، وبيضمن استمرار الدولة وعدم تحولها لعزبة خاصة .


أنظمة الحكم دي بيطلق عليها ده بيطلق عليه لفظ نظم الحكم الليبرالية حيث أنها مشتقة في الأساس من عدة نظريات مثل نظرية الحق الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي , وبشكل عام يمكن القول بأن نظام الحكم الليبرالي/التعددي أصبح هو السائد في مقابل نظم الحكم الشمولية التي يسيطر فيها حزب واحد او فرد واحد على جميع المؤسسات, ويفترض أن نظم الحكم الشمولية انتهت بعد انهيار لاتحاد السوفيتي ، لكن بشكل عام لِسَّه فيه أنظمة حكم تصنف كنظم حكم سلطوية ولكن بتحاول تصبغ نفسها بصبغة ليبرالية، أو ديمقراطية مزيفة. .




وبعد معاهدة السلام مع اسرائيل, اتجه الرئيس السادات في مصر نحو المعسكر الغربي وتبنى للشكل الليبرالي للحكم, بالمحافظة طبعا على جوهر الحكم السلطوي وحكم الفرد,  وهرول وراؤه بعد ذلك الكثير من الحكام العرب، واستمر الشكل الليبرالي المزيف في عهد مبارك ، ولسه مستمر حتى الان، فالشكل الليبرالي لنظام الحكم هو الذي يضمن استمرار تدفق المسادات الأمريكية على الدول الحليفة، لإن القانون الامريكي بيمنع إعطاء مساعدات مالية وعسكرية للدول الاستبدادية الصريحة، فلازم يكون فيه شكل ليبرالي حتى لو مزيف أو شكلي علشان تستمر المعونات، رغم الاستبداد والسلطوية، ذلك الشكل الليبرالي اتجهت له العديد من الأنظمة العربية بعد ذلك واتجهت له العديد من أنظمة الحكم ذات الطابع السلطوي حول العالم , الاحتفاظ بقشور العملية الانتخابية, أو قشور وشكليات نظام الحكم ذو الاصول الليبرالي الغربي , واعتبار أن الصندوق والعملية الاجرائية هو الديمقراطية فقط لا غير , لا مجال هنا لتطبيق  باقي ال"الباكيدج" الموجودة في الغرب مثل تكافء الفرص وحرية الرأي والفكر والتعبير , أو حرية العقيدة أو حقوق الأقليات، أو حتى لحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.


وكلمة دولة المؤسسات بنسمعها كتير، لكن في واقع الأمر بيكون دور المؤسسات إجرائي شكلي، أو بيكون فيه تغول من مؤسسة على حساب الأخريات ، وبنسمع كتير مصطلح دولة القانون وسيادة القانون، لكن للأسف معروف برضه إن لما يتعمل قانون مخصوص ضد ناس معينة وقوانين لصالح ناس معينة فيه بيضرب كلمة دولة القانون في مقتل، ولما بيكون فيه قانون لكن بيتطبق على ناس وناس أو بيكون فيه فئات فوق القانون فيه برضه بفرع مصطلح سيادة القانون من مضمونه.


نيجي لوضوع الاستفتاء المزمع عقده قريبا واللي أكيد هايكون مفاجأة زي حاجات كتير بيفاجئنا بيها، كالعادة فيه أصوات بتقول مقاطعة وأصوات بتقول مشاركة، وكالعادة هتلاقي الأصوات اللي بتدعوا للمقاطعة بتقول لازم نقاطع علشان نزع الشرعية أو علشان الموضوع محسوم، وكالعادة هنلاقي الناس اللي بتدعوا للمشاركة علشان لازم نحاول ونخوض كل التجارب وإن المقاطعة لا تفيد، وطبعا كالعادة هنلاقي دعاة المقاطعة بيتهموا دعاة المشاركة بالخيانة أو الاستسلام أو بيع القضية أو تهم اخرى كتير، وماتستغربش لما تلاقي ناس كانت زمان بتقول مقاطعة ودولقتي بيقولوا مشاركة، أو زمان كانوا بيشاركوا في كل انتخابات ودلوقتي بيشتموا دعاة المشاركة، الدنيا عمرها ما بتفضل على حال واحد.


أنا على المستوي الشخصي ، من الناس اللي بتميل دائما للمشاركة وليس المقاطعة، من أيام التعديلات الدستورية في ٢٠٠٥ ثم الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٥ ثم انتخابات ٢٠١٢ ثم الاستفتاء على دستور ٢٠١٢.


لأسباب كتير منها إن المقاطعة مش هي اللي هاتنزع الشرعية، ومنها إن كل تجارب المقاطعة في مصر كانت مقاطعة سلبية لم تؤدي لنزع الشرعية، لإن مفيش نصاب للمشاركة، بالاضافة إن فيه طرق ملتوية بيتم استخدامها في الحشد كلنا بنشوفها زي الإغراءات المالية، والزيت والسكر، والتهديد بالغرامة، وأسالي تانية كتير.

ورغم أساليب التزوير دي لكن في وجهة نظري، المقاطعة مش حل خصوصا لما بتكون مقترنة بعزوف عام، طيب ما نجرب نقول للناس تنزل تشارك، ونجرب نخوض المعركة والطريق الأصعب من خلال القواعد المفروضة علينا.


ليه وإزاي؟

دا اللي محتاجين نفكر فيه باستفاضة، وللحديث بقية


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك