عامان على المعركة

342

أعتقد أن الكلمات لا تجيد التعبير عن ما في جوفي، فبالرغم من بحورها الواسعة إلا إنها تنضب كلما حاولت الاستعانة بها، عامان على المعركة التي بدلتني وزلزلت وجداني عامان منذ أول طلة وأول لمسة في لقاء بين الصحوة والهذيان تحت تأثير البنج على ذلك السرير الموحش الذي يحمل جسدي الوهن كان أول موعد بينا. 

لامسته وسرت في جسدي قشعريرة تنبئ ببدء المعركة، رضيع لا يعرف من العالم سوى رائحة جسدي، تلك الرائحة كانت وسيلتنا الأولى في التواصل يهدأ بينما أحمله فيستكين، فأضع وجهي في حضنه الصغير استنشقه وأسمع دقات قلبه التي تشعرني أننا على أرض الواقع وليست في حلم طويل، واقع أنا بطلته، فأجهش في البكاء. 

منذ الليلة الأولي وحتى بعد أن تم رضيعي العامين وأنا أبكي،  لأكثر من عام أعيش في الظلام أكره النور،  وأود لو يستمر الليل في إسدال ستائره،  أود الخروج ولكني أخشاه، أخشى أن يتعب صغيري أو يبكي بشدة، واذا لو فشلت في تهدأته، أود الحديث مع رفيقاتي ولكن الكلمات تتوقف في حلقى وتخنقني. 

أيام فأسابيع فشهور أعيش وسط الناس وأكره وجودهم، كنت أتمني لو أبتلع صغيري وأحميه في جوفي ونفر هاربان، وحيدان،  شعري يتساقط بكثرة وعيناي منتفختان من فرط البكاء، عانيت مع الرضاعة الطبيعية لمدة ثلاثة أشهر أبكي كلما جاع صغيري. 

أخبرتني الطبيبة أن مشكلة الرضاعة ربما زادت حدتها بفعل الاكتئاب الذي أعاني منه،  لم أصدم من كلمات الطبيبة التي حاولت التخفيف من روعي، حقا فكنت أعاني منه من بداية الحمل ولم تخلص منه إلا بعد أن تم رضيعي عامه الأول،. 

لم أفكر في زيارة طبيب نفسي فكنت أشعر بأنه لن يجدي معي، أحب ذلك الكائن الصغير الذي يحمل من جيناتي الكثير أعشق ضحكته التي تكشف عن نغزتيه  اللتان حلمت أن يرثهما من والده، واستكين في حضنه وأتمنى لو تطول غفواتنا القليلة، أتمنى لو يطول السكون، أنبهر من حركاته الطفولية البديهية وكأنه عبر المانش. 

أغني له واحكي له الحكايات أدون إنفعالاته وأراقبه أحتضنه، ولكن أبكي  إذا نفذ مسحوق الغسيل، أو عند قيامي لتنظيف المواعين،  أو إعداد الطعام، أبكي عندما تغرق مياه المطر الغسيل الذي بات ليلته على الحبل حتى يجف،  حت إذا على صوت التلفاز، أنهار إذا شاهدت فيلم مؤثر  أو حتى سمعت لحن حزين.

أنام على تلك الكنبة البنفسجية بعد أن داهمتني الكوابيس المزعجة في غرفة نومي، أود لو تمر الأيام ولم أبرحها،  لم يكن لي يد في ذلك الحزن الذي ذبت فيه، حاولت مرارا أن أبعد عنه ولكن في كل محاولة كانت تبوء بالفشل كنت أغرق في الحزن آكثر،  بمجرد قرائتي للقرآن كنت أبكي حتى تنقطع أنفاسي،  لم تفلح رواياتي المفضلة في التخفيف عني بل كنت أضعها بجانبي وأطالعها فأبكي أيضا. 

حتى الحمام الدافئ والشكولاته والمزيكا والأفلام وقهوتي المعدة مخصوصا جميعهم خذلوني،  كنت وحيدة وأنا على يقين أنه ل يفلح أحد في نجدتي ما دمت لم أستطع مساعدة نفسي، هذا بالإضافة إلى وابل المشاكل التي كانت تلقى عليا من كل حدب وصوب وكأن الله يعاقبني على أحزاني الغير مبررة. 

"هو أنت أول واحدة تخلفي" تلك الجملة المعهودة التي تكرهها الأمهات الجدد كنت أشعر أنها صحيحة وأني أول من أنجبت،  فلا يعقل أن تكون احداهن مرت بما مررت به، فأين التضحية والأمومة التي عهدناها،  كنت أشعر أني غير البشر و أن الله يعاقبني فرزقني بهبة وأنا حزينة، فلماذا كل هذا الحزن؟ 

عندما أعرف أن إحدى صديقاتي أو قريباتي حامل، أشعر بالخوف والقلق وأدعو الله ألا تختبر ما مررت به،  دائما ما ندون لحظاتا السعيدة ونمتن لها، ولكن أردت أن أكتب عن معركتي التي خلقتني من جديد،  متنه لزوجي الذي تحملني وللظروف العصيبة التي مررنا بها وكادت تعصف بنا، ولأمي وأبي وأخواتي ورفيقاتي، ولكن أكبر امتناني لنفسي فأنا من استطعت إنهاء تلك المعركة الطويلة التي فتكت بي. 

أما عن صغيري فهو أفضل ما حدث لي منذ  جئت للحياة،  أتمنى أن أخرجه رجل حنون متصالح مع نفسه ومع العالم، أتعثر كثيرا وأتعب وأبكي قليلا ولكني على يقين أن الله لن يخذلني، وأن الحب الذي أزرعه فيه سيزهر يوما 

الحزن يبدلنا ولكنه قادر على اكتشاف ذواتنا، ممتنه لحزني، وأتمنى ألا يعيشه أحد...ولكل من تحمل في وفها أو بين ذراعيها صغير أنت تستحقين الأنحناء والتقدير،  أكتب ربما تصل كماتي لإحداهن ممن تتعايش مع الاكتئاب في صمت انتبهي فالأجمل لم يأتي بعد ولكنه قريب

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك