30 يونيو..على صعيد آخر

309
عند الإشارة إلى أحداث 30 يونيو (حزيران) 2013، تسلط الأضواء على الفصائل السياسية التي كانت تشكل قوى المعارضة «جبهة الإنقاذ» لتحليل دورها في الأحداث التي كانت متفجرة في الشارع المصري آنذاك، وعلى الفصيل الحاكم حزب «الحرية والعدالة» التي كانت قوى المعارضة (التيار المدني) تحاول أن تداوي جراحها التي تنكأ عند صندوق الأنتخابات بواسطة الدعوى إلى تظاهرات – بالتعاون مع الأبواق الإعلامية للدولة العميقة، وبتمويل مالي من قبل الدول العميقة – تطالب بإسقاط نظام الرئيس المعزول (الدكتور محمد مرسي) الذي أخفق إخفاقات بينه في حق التجربة الديمقراطية، وارتكب قصور في تأدية دوره كحامل للواء التحول الديمقراطي، وأشاح بوجهه عن سياسات رديئة؛ أودت به إلى غياهب السجون، وكبلت التجربة الديمقراطية، وأودعتها وراء قضبان قضاة الدولة اعميقة للنكاية فيها. في خضم هذا الزخم، على صعيد آخر؛ كانت تدور سجالات ومناقشات اعتباطية ومحدودة العمق، كانت تتحول أحيانًا إلى خصام بين عقول مراهقة متحمسة خلال المرحلة الثانوية يتزامن تفتح أروقة وعيها مع حدث فريد من الأحداث التي من الممكن أن تعايش مرة واحدة فقط في العمر، وهي ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، فحمل كل عقل من هذه العقول راية الدفاع عن فصيل معين متماهيًا مع شخصية من الشخصيات البارزة – التي كانت بمثابة قدوة للبعض – للفصيل الذي يتولى الذود عنه، بعد أن مر بسلسلة متواترة من التحولات الفكرية – قبل أن ينضوي إليه – التي أضفت عليه طابع الجدية والعقلانية المصطنعة التي لا تتناسب مع فترة المراهقة، وكانت سلسلة الناقشات لا تنقطع طوال تواجدهم في المدرسة، بل امتدادها إلى خارج أسوار المدرسة من الأمور المعتادة. ففي مشهد سياسي يتلائم مع الوضع آنذاك؛ يصطف عمرو مع محمد للدفاع عن جبهة الإنقاذ، لاسيما الدكتور محمد البرادعي أمام هادي وعطية اللذين يتوليان الذود عن حكومة الدكتور محمد مرسي، ويقفان على قدم وساق لدحض حجج عمرو ومحمد التي تنتقد أداء حكومته، ورغم المناقشات المضنية؛ كان من الصعب أن يتزحزح أي فريق من الفريقين قيد أنملة عن القناعات التي يدافع عنها التي كانت منبثقة من الخطابات التي تلوكها ألسنة القيادات، سواء أكان هذا الفريق أو ذاك الفريق. بين الأمس واليوم، تمكنت الدولة العميقة من التحكم في زمام الأمور، بواسطة الزعيم الملهم وخطاباته الشعبوية، وتم تصفية جميع القوى السياسية، بداية من اليمين الديني، الذي استخدم ومازال يستخدم ضده كل الوسائل القمعية التي تشيب لها الرؤوس، حتى آلت العملية القمعية إلى التنكيل بكل صاحب رأي ومدافع صلد عن حقوق الإنسان، وفرضت الكردونات الأمنية على المجتمع المدني، وسيطر النمط الأحادي على الإعلام، وحجبت العديد من المواقع الصحافية الإلكترونية، فبات المجتمع المصري يضاهي المجتمع الأورويلي. وعلى صعيد آخر؛ انقلب الوضع رأسًا على عقب، فما بين اليوم والأمس انخرطت العقول المراهقة في خضام هذه الصيرورة الزمنية، وواجهت نفسها بشفافية شديدة، وتداركت آفة الدوغماتية التي كانت تنهش في أوصالها، وضربت بقناعاتها القديمة الساذجة والسطحية والمتعلقة بالعقلية القطعية عرض الحائط، بعد أن تذوقت مرارة آلام سيطرت على طموحاتهم، فهنا تفرقت جبهة عمرو ومحمد وانصرف كل منهم إلى قناعة جديدة، لا يمكن أن تجتمعا في بوتقة واحدة، واعتزل عطية المناقشات، وأي شيء يمت للمجال العام خوفًا من بطش الأجهزة الأمنية من ناحية، وحرصًا على مستقبله المهني من ناحية أخرى، أما هادي فقد انصرف إلى رسالته الحياتية، منتظرًا فرصة برز خبرته التي اغتنمها من تجربته، وتقابلت رؤيته الحاوية لمبادئ السياسة الميكافيلية مع رؤية عمرو بعد أن كانت أبعد من أن تتقابل مع رؤية عمرو، التي كانت هي الأخرى تصبو ناحية ديمقراطية السياسة النزيهة في يومٍ ما.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك