تباً لتشابهكم..من باحة للتنويريين إلى منفذ للمكيافيليين

220

بعد تشابك مضن، مع قيم براجماتية تروج بين أسوار إحدى كليات لقانون في مصر من قِبل الموظفين الممسكين بتلابيب إداراتها، وكلكلة من أعضاء هيئة التدريس؛ تعصف بهدف أساسي لإحدى المؤسسات المرفقية، وهو تخريج قانونيين وقانونيات يرشحون لامتطاء كراسي العدالة؛ يتحين طرح حفنة من التساؤلات تدور حول مضمون واحد.


أي عدالة نتحدث عنها؟! عندما تنطوي على قيم نفعية رديئة ترزح بمفهوم العدالة تحت مثالب الطبيعة البشرية، أي عدالة نتحدث عنها؟! عندما تعطي الأفضلية بمميزات مادية لإحدى كفتي ميزانها؛ فتجعل جميع القانونيين والقانونيات يهرولون لاقتناص هذه المميزات، وينظر نظرة دونية للكفة الأخرى التي يمثل شغورها تخلف العدالة بالمعنى الدقيق، أي عدالة نتحدث عنها؟! عندما يتم حصر مجاات كلية القانون في اتجاه أحادي (الوظائف البيروقراطية) يقابل نقيضه (الأشخاص التنويريون الطامحون إلى إعادة عصر التنوير من جديد عن طريق التوعية بدور القانون الهام في المجتمع ومحاولة تطبيق دولة القانون وضرورة التشابك بالمخزون المعرفي مع قضايا المجتمع وركس المبالغة في تأييد الاتجاه الأحادي) بالسخرية والتثبيط.


بالطبع للإجابة عن هذه التساؤلات الموضوعية؛ لا بد من أن نضع الأمور في نصابها الحقيقي، ونرى وضع كلية القانون الآن في مصر، التي باتت إحدى الكليات لتي ينظر إليها بنظرة دونية من قِبل المجتمع؛ مرجعه إلى سياسات تعليمية رديئ؛ أسفرت عن ما يضاهي التقسيم الطبقي في مجتمع أرستقراطي، وهو وضع الكليات التي تدرس العلوم الطبيعية موضع الطبقة الأرستقراطية، ووضع الكليات التي تدرس العلوم الإنسانية موضع طبقة البروليتاريا؛ مما يتمخض على ذلك الإخلال بمنظومة المجتمع بأكملها.


ريثما لا نبعد كثيرًا عن مضمون الموضوع الرئيسي، وهو وضع كليات العلوم الإنسانية في مصر الآن، ولا سيما كلية القانون؛ لأنها بمثابة منفذ للتنويرين ولخيوط ناظمة في مؤسسات المجتمع المختلفة، بل في المنظومة المؤسسية للدولة بأكملها، وينكشف عن تخلفها مجتمع مسربل بالغوغائية، لا بد من تفنيد الأسباب التي آلت بكلية القانون إلى منفذ للمكيافيلين بعد أن كانت باحة للتنويرين يصولون ويجولون فيها بأفكارهم وكتاباتهم في عصور تاريخية ليست بالبعيدة في عدة نقاط.


النقطة الأولى: من الممكن أن يكون مرجعها إلى أسباب سياسية، لا سيما في ظل سيطرة الأنظمة الديكتاتورية وزبانيتهم على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر لعقود طويلة؛ فأسفر عن ذلك حالة انخفاض شديد في نسبة الوعي بين المواطنيين والمواطنات دون تفرقة بين الأميين والمتعلمين، فسيطر الاتجاه الأحادي على تفكير مجتمع بأكمله، وأصبح التعليم من أجل اقتناص وظيفة بيروقراطية، وليس من أجل العلم لذاته؛ فنتج عن ذلك الإخلال بقواعد العرض والطلب، فباتت كلية القانون محصورة في اتجاه أحادي وهو؛ إما أن تربح مميزات وظيفة بيروقراطية وإما أن تكون في حضيض المجتمع.


النقطة الثانية: الترويج لقيم براجماتية من قِبل منصات أعضاء هيئة التدريس (كثير منهم يجعل من نفوس أبنائهم خاوية من ذاتهم فيورّثون إليهم وظائفهم) والعاملين في الإدارة ، فنظرًا لأهمية دور أعضاء هيئة التدريس في تكوين المخزون المعرفي للطلاب والطالبات، فمن الطبيي أن يكون لهم تأثير قوي في تشكيل عقول الطلاب لدرجة تتسق مع إمكانية رفعة مكانتهم الاجتماعية في نظر المجتمع التي تحولهم إلى مناطيد تحلق بين الكراسي القيادية في الدولة، فلا تثريب على الطلاب التي تصادم القيم المكيافيلية المروجة أمام أعينهم مع تردي أوضاعهم الاقتصادية، عندما يتجهون إلى اقتفاء آثار أساتذتهم فتتحول نفوسهم مثل الكثير من أبناء أساتذتهم إلى نفوس فاقدة لذاتها فينحو نحو اتجاه أحادي مروج له آناء الليل وأطراف النهار يتسق مع مثالب الطبيعة البشرية.


النقطة الثالثة: تتمثل في استبدال دور من أدوار الاتحادات الطلابية في توعية أقرانهم من الطلاب بدورهم المجتمعي الهام وضرورة استقلالهم بذاتهم، ورسم لسبل المفتوحة للومضات الإبداعية والتنويرية في ظل الظلام المستشري في أرجاء قلعة القانون، بأدوار أخرى وصولية تلبي طموحاتهم الشخصية وتجنبهم التصادم مع من يتملقون لهم وتحول أيضًا بينهم وبين بطش الأجهزة الأمنية.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك