هورتون الفيل

254


من الأفلام اللي كانت علقت / أثرت معايا كتير, فيلم أنيميشن جميل اسمه (هورتون) Horton hears who!!

أو هورتون بيسمع مين, الفيلم كنت اتفرجت عليه في 2010, بحثت عن قصته لقيته إنتاج عام 2008 وتكلف 85مليون دولار وحقق أرباح وقتها أكثر من 300 مليون دولار, ولقيت كمان إن قصة الفيلم قديمة وكانت في الأصل قصة أطفال مصورة تم كتابتها عام 1954 كقصة تشجع الأطفال بعد الحرب العالمية التانية علي فكرة التسامح والتعايش وقبول الآخر حتى لو كان يعتبر عدو في الماضي.


الكاتب اسمه دكتور سوس  “ثيودور سوس جيزل”  المولود عام 1904 في سبرنجفيلد بماساتشوستس,  وكتبها في الأساس لتجاوز مشاعر الكراهية اللي كانت منتشرة في الولايات المتحدة ضد اليابانيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, لأنه كان عنده صديق ياباني.


بيحكي قصة جميلة قوي وفيها رسالة قوية,  بيحكي عن فيل اسه "هورتون" عايش في الغاية وسط الحيوانات, متسامح دايما مع باقي الحيوانات وبيحب المخلوقات كلها ، خدوم لأقصى درجة وبيساعد أي حيوان محتاج مساعدة في الغابة, حالم دايما وبيحب يقضي وقت في التأمل والتفكير.


لغاية ما جه يوم وسمع صوت صادر من زهرة برسيم طايرة في الهوا, صوت ناس بتتكلم من جوا الزهرة، أفتكر نفسه بيتهيأله في البداية وحاول تجاهل الأمر، لكن الأصوات الصادرة من الزهرة اتكررت كتير، فحاول يتكلم للزهرة، والمفاجأة إن لقى حد بيرد عليه.


اللي سمعه ورد عليه من داخل الزهرة كان حاكم مدينة ( who/ مين) ، وبرضه الحاكم ماكانش مصدق إنه بيسمع أصوات بتيجي من السماء، لإن طلع إن فيه شعب كامل اسمه شعب (who)  عايش علي ذرة غبار موجودة على زهة البرسيم، شعب كامل عايش علي الذرة كأنها كوكب، عالم متناهي الصغر ومايعرفوش إن فيه عالم تاني اكبر بكتير خارج هذه الذرة أو الزهرة، عالم كامل يعيش جوا الزهرة، عندهم ثقافة وتاريخ وقواسم مشتركة، وعندهم كمان نظام حكم ومؤسسات وقوانين وبرلمان منتخب يقيد سلطة الحاكم، وعندهم مدارس وجامعات ومستشفيات وعلماء وشوارع وأعياد سنوية ومواسم، وعندهم مشاكل ونقاشات حامية وصراعات ، مايعرفوش انهم مجرد مجموعة كائنات متناهية الصغر، عايشة على ذرة غبار متناهية الصغر، موجودة على زهرة برسيم صغيرة ملقاة وسط غابة واسعة، والغابة بدورها مجرد جزء من كوكب الأرض الكبير، اللي هو بدوره مجرد كوكب صغير جدا في عالم لا متناهي.


وبالمثل، لا هورتون كان ممكن يتخيل إنه ممكن يلاقي زهرة مرمرية في الغابة عايش عليها عالم كامل ماحدش يعرف عنهم حاجة، وحتى لما حاول يحكي لأصدقاؤه المقربين في الغابة، محدش صدقه، وافتكروه بيهذي ، ولما حاول يحكي للأطفال ( الحيوانات الصغيرة) ، ابتدت حاكمة الغابة تقلق منه، وابتدت تقول لباقي الحيوانات انهم مايسمعوش له لأنه " بينشر أفكار هدامة "  ويزعزع استقرار الغابة وينشر معتقدات جديدة ويبوظ دماغ العيال، ثم قررت عزله عن باقي الحيوانات.

حاكمة الغابة أو الوزيرة الأولي كانت " كونغور " متسلطة جدا ومابتحبش حد يعارضها أو يختلف معاها في الرأي، فاعتبرت إن اللي بيعمله هورتون ده خروج عن النظام العام،  فمحاولة إقناعه للحيوانات إن فيه عالم تاني مايعرفوش عنه حاجة ممكن تخليهم يشكوا في أي شيء ويناقشوا أي شيء،ومايصدقوش كل حاجة تقولهالهم، وممكن كمان في المستقبل يبقي ليهم رأي كمان بالمرة، ما هو دا اللي ناقص.


هورتون وحاكم كوكب أو مدينة who  كانوا بيتكلموا كل يوم وأصبحوا أصدقاء، وكل واحد يحكي للتأني عن العالم اللي عايش فيه، حاكم المدينة اندهش جدا لما عرف إن العواصف اللي بتحصل عندهم في الكوكب بتاعهم بتبقي نتيجة د عطس مثلا في الغابة، وإن الزلازل اللي بتحصل كل فترة ممكن تكون بسبب إن الزهرة وقعت علي الأرض، وإن التغير المناخي اللي بيحصل عندهم الايام دي سببه إن هورتون نفسه أتحرك لمكان خارج الغابة أو فوق الجبل ، ولكن تتصاعد الأحداث وتقرر الوزيرة إنها توقف الفتنة اللي بيعملها هورتون عن طريق تدمير الزهرة اللي حاططها جنبه وبيكلمها كل شوية ، لكن هورتون قرر يدافع عن الزهرة والعالم اللي عايش جواها بكل الطرق ،بالتالي بلغ حاكم مدينة أو عالم who انه لازم يحكي لشعبه علي اللي بيحصل ويخليهم يعملوا أصوات عالية بحيث إن الوزيرة ومساعديها يسمعوها ويتراجعون عن قرار تدمير الزهرة.


بالطبع كانت مهمة صعب علي حاكم المدينة إنه يقنعهم بحاجة زي كده، انهم مجرد كائنات ميكروسكوبية عايشة علي ذرة غبار فوق زهرة شايلها فيل علي زلومته، وإنهم لو وقعوا من فوق الزلومة ممكن يضيعوا كلهم ويفنوا للأبد، فكرتني الجزئية دي بحاجة كده شبه القصص الخيالية اللي كنّا بنسمعها زمان عن ثور اسمه أطلس شايل الأرض علي قرن من قرونه، أما بالنسبة لشعب who كان إقناعهم بحاجة زي كده صعب جدا، خصوصا كمان لما حاول يشرحلهم إنه عرف الكلام ده عن طريق صوت بيجيله من السماء، وكمان صوت فيل،  صحيح إن الشعب كان بيحب الحاكم ويثق فيه، لكن برضه فيه برلمان بيتشارك في السلطة، ورئيس البرلمان عاز أي فرصة علشان يزود سلطاته أو ممكن يعزل الحاكم بتهمة عدم سلامة قواه العقية وعدم الصلاحية، وللأسف حصل اللي كان الحاكم متوقعه، بدأ رئيس البرلمان يتهم الحاكم بالجنون ويسخن الناس عليه ، وبدأ الشعب يسخر من الحاكم الطيب، محدش صدقه غير زوجته وابنه اللي كان منطوي ومش بيتكلم ومش عاجبه الحال.


في نفس اللحظة كانت كل الحيوانات في الغابة بتطارد هورتون علشان تاخد منه الزهرة وترميها في الزيت المغلي، برضه كلهم اعتبروه مجنون ومحدش صدقه، كان الحل الوحيد إن الشعب اللي علي الزهرة يصرخ ويوصل صوته لحيوانات الغابة، وأخيرا بدأ الشعب اللي علي الزهرة يصدق انه داخل علي كارثة وإن رواية الحاكم حقيقية، ابتدوا يصدقوا لما لقوا زلازل بتحصل بشكل متكرر أقوى من أي مرة قبل كده , فبدأ الشعب كله يزعق زيغني ويطبل ويخبط علشان يوصل صوته بره الزهرة , في نفس الوقت اللي كان هورتون بيتحمل الضرب والاهانة والسخرية علشان يفضل متشبث بالزهرة ويمنعهم ياخدوها منه , في آخر المطاف ينجح ابن حاكم شعب هو في توصيل صوت الشعب عن طريق سماعات وابواق اخترعها في السر, الكونغور الصغير ابن الوزيرة المتسلطة يسمع الأصوات اللي خارجة من الزهرة في آخر لحظة, وباقي الحيوانات في الغابة تبدأ تسمع , والوزيرة يبقي منظرها بايخ بعد ما طلع اللي بيقوله هورتون كان صح, مابقاش ليها مصداقية خلاص في الغابة بعد ما اتضح انها متسلطة وكذابة.


الفيلم رغم بساطته ورغم إنه فيلم كارتون في الآخر إلا أنه في عدة معاني مهمة تستدعي التأمل, أصلا أفلام الكارتون والأنيميشن اللي معظم المصريين مش بيحبوها وبيعتبروها أفلام للعيال الصغيرة بتبقي أصلا أفلام للكبار قبل الصغار, وبيكون وسطها رسايل كتير وأحيانا رسايل فلسفية شديدة العمق لدرجة إن بعض أفلام الأنيميشن بيتم منعه في بعض الدول, زي فيلم sausage party علي سبيل المثال.

فيلم هورتون فيه معاني كتير ملفتة للنظر وتستحق التفكي ،منها مثلا إن شعب who  كانوا فاكرين إنهم هم العالم، وإن مشاكلهم هي أخطر مشاكل في العالم، ماكانوش يعرفوا انهم ومشاكلهم وخلافاتهم وصراعاتهم تعتبر لا شئ بالنسبة لكون، كذلك سكان الغابة اللي اكتشفوا إن فيه عوالم أخري مايعرفوش عنها حاجة، دا بيفكرني في اللي بيدخلوا صراعات صفرية مريرة على موضوع بيعتبروه نهاية الكون، لكنه في الآخر يعتبر لا شئ يذكر بالنسبة لحركة التاريخ.


من الحاجات المهمة في الفيلم إن اللي عايز يوصل رسالة ما أو فكرة ما لازم يناضل ويحارب علشان يوصل فكرته , الاستسلام معناه موت الفكرة, وممكن موت ناس تانيين , كان ممكن هورتون بمنتهي السهولة يقول وأنا مالي , اياكش تولع, وعادي يفضل الفيل المحبوب في الغابة, وماكانش هايتعرض للنبذ والني والضرب والاهانة لو كان نفض وكبر دماغه أو كان ماقالش للناس,لكنه قرر يقول الحقيقة، ويتحمل العقوبات الناتجة عن قول الحقيقة.


فكرني دا بالناس اللي بتحاول تقول الحقيقة في مجتمعاتنا، ليعترضوا علي إجراء كارثي أو سياسة ما، أو اللي بيعترضوا علي الظلم وحكم الفرد، أو اللي بيلفتوا الأنظار للأخطاء الإدارية الكارثية، أو اللي بيقولوا حاجة عكس موالد التهليل والتطبيل، فنتيجة لقولهم الحقيقة بيتعاملوا معاملة سيئة ويكونوا منبوذين في المجتمع، ويتقابل عليهم خونة وعملاء وسبوبة وعايزين يخربوا البلد، مع انهم بمنتهي السهولة هايريحوا دماغهم ويعيشوا في سلام لو ماقالوش الحقيقة، وممكن يعيشوا في نعيم وامتيازات كتير لو كذبوا وطبلوا زي ما ناس كتي بتعمل.


بس الحقيقة إن اللي عنده فكرة ما عايز يوصلها للناس أو ينشرها لازم يبقي نفسه طويل جدا وسيتحمل كل الاهوال والصعاب ويصبر لغاية ما يحقق هدفه أو ينشر فكرته، سواء كانت الفكرة دي دينية أو فلسفية أو اقتصادية أو سياسية ، وأيا كانت حلوة أو وحشة من وجهة نظرك أو مفيدة أو هدامة طبقا لقناعاتك، لكن الأساس هو الإصرار ، وبمقدار الإصرار والتضحيات والتخطيط السليم .. هاينجح، لكن اللي نفسه قصير أو بيتعب بسرعة فطبيعي يفشل وفكرته تتنسي، أو ييجي واحد تاني نفسه أطول ياخد الفكرة ويطرحها تاني، دا حصل مع قادة الفكر وقادة التغيير والفلاسفة ، والنَّاس اللي قالوا نظرية ما كنت مرفوضة في عصرها لكن مع الزمن أصبح ليها أتباع وأنصار، وقبل دا كله الأنبياء وأصحاب الرسالات. 

طبعا في أفلام الكارتون الخير هو اللي بينتصر في النهاية، لكن للأسف دا في أفلام الكارتون فقط، أو يمكن كان زمان، لكن في الواقع مابقاش فيه خير مطلق وشر مطلق، دلوقتي بقت حاجات كتير داخلة في بعض، فممكن تلاقي أهداف نبيلة لكن بيتم تحقيقها بوسائل سيئة، أو يختلط بيها ويصاحبها حاجات سيئة، وممكن تلاقي أهداف شريرة ويتم تسويقها علي انها أنبل ما يكون أو أعظم أشكال الوطنية وأكبر أمثلة القومية، لكن برضه الأكيد إن الحقائق بتتكشف ولو بعد حين، مهما طال الوقت ومهما تعمق الخداع.



تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك