عن الديمقراطية الإخوانية و٣٠ يونيو

333

اللي تابع التقارير الصحفية عن الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة هيلاقي إن مفيش كلام كتير عن تزوير، أو بمعني أصح ممكن نقول إن مكنش فيه تزوير فج من اللي كنا نعرفه عندنا،  ويبدو إن مكنش فيه تزوير وتلاعب في الأصوات والنتائج، لكن كمان في نفس الوقت فيه تقارير كتير بتقول إن مكنش يه تكافؤ في الدعاية بين المرشحين، أردوغان مسيطر علي كل شئ في الدولة، ومعظم وسائل الإعلام موالية وتحت السيطرة، وفيه جو عام من الترهيب، وكانت فرص المرشحين الآخرين أقل منه، ومكنش فيه منافسة حقيقية، لكن في نهاية الأمر الطرف المهزوم اعترف بالانتخابات وأقر بالهزيمة، وكمان كان فيه تصريح لأردوغان إن القوميين هايكون ليهم نسبة من المناصب التنفيذية.

لكن بشكل عام هنلاقي المعارضين لأردوغان وكذلك الجهات الدولية والاتحاد الأوروبي متخوفين من النظام السلطوي، اللي أصبح يحكم تركيا الآن بعد تغيير الخليفة أردوغان للدستور.

فبعد ما كان نظام الحكم في تركيا نظام برلماني كانت السلطة التنفيذية فيه لرئيس الوزراء، أصبح نظام رئاسي صريح وأصبح لرئيس الجمهورية سلطات واسعة، وكمان بعد التعديل الأخير في الدستور أصبحت كل السلطات والصلاحيات في يد رئيس الجمهورية.

بجانب استغلاله لمحاولة الانقلاب الفاشلة اللي اتعملت ضده، وأصبحت الحجة لتصفية أي صوت معارض، وبقي فيه عشرات الآلاف في سجون تركيا، نشطاء معارضين، وأكراد، ونواب برلمان  وصحفيين، كلهم في السجن بحجة التعاطف مع الانقلاب، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

في الفضاء الإلكتروني لو حد حاول  - مجرد محاولة -  إنه يقول مجرد ملحوظة عن المناخ اللي حصلت فيه الانتخابات، قول مثلا والله الانتخابا التركية دي جميلة قوي، وأردوغان دا راجل عظيم خالص، بس يعني كده كان فيه شوية اعتقالات كده شوهت المشهد والعرس الديمقراطي الفريد اللي حصل.

يووووه، هتلاقي آلاف اللجان الإخوانية اللي هاتدخل تشتم كل عيلتك وتنعتك بأسوأ الألفاظ (بما يخالف شرع الله وأخلاق الإسلام) ، بجانب تهمة معاداة الإسلام وكل ما هو إسلامي ( لإنهم هم فقط المسلمين )، ولكن برضه إحقاقا للحق، هتلاقي وسط سيل البذاءة والتطبيل لأردوغان واحد أو أتنين بيحاولوا يكونوا شكلهم موضوعي شوية، فهتلاقي اللي يقولك يا أخي شوف أردوغان عمل إيه فى الاقتصاد التركي وإزاي أصبحت من كبار الدول الصناعية ودخلت في عصر النهضة على يد أردوغان، وإيه يعني لما يكون فيه شوية انتهاكات بسيطة في مجال حقوق الإنسان، ومفيش حد كامل، وياريتنا زيهم، وبعدين كل دي مبالغات من الغرب الكافر اللي بيكره تجربة أردوغان والنهضة الإسلامية، وبعدين اذكر واقعة واحدة كان فيها سجن أو ظلم في تركيا، كلها تقارير مغلوطة ومفبركة من منظمات حقوقية مشبوهة زي "هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان بتاع الأمم المتحدة"، فين يا أخي الظلم والقمع في تركيا؟ اتق الله يا علماني يا كافر.

لكن السؤال اللى بثار بعد أي نقاش عقيم دون طائل مع اللجان الإخوانية، وبعد البذاءات اللى أصبحوا محترفين فيها، طالما بيدعموا أردوغان وبيدافعوا عنه مهما ارتكب من انتهاكات، إيه وجه اعتراضهم بالظبط على السيسي؟

يعني مثلا ما اللي بيحاول يعترض على أي حاجة في تركيا بيتقال عليه مؤيد للانقلاب أو متعاطف مع الاٍرهاب، هنا برضو بيقولوا على كل اللي بيتكلم عن حقوق الإنسان إنه اخواني أو مدعم للإرهاب.

هنك لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. زي هنا برضه.

هناك حديث عن نظريات المؤامرة، والغرب المتآمر على النهضة التركية، رغم العلاقات والاتفاقات السرية والعلنية مع أوروبا وأمريكا وإسرائيل.. زي عندنا بالظبط.

هناك بيتم مطاردة الصحفيين اللي بيقولوا رأيهم أو بيحاولوا يقولوا الحقيقة، طب ليه عامل نفسك مش شايف اللي هناك وبتتكلم عن مطاردة وحبس الصحفيين هنا، مش المفروض المبدأ واحد؟

هناك بقت سلطة مطلقة بدون محاسبة زي ما هنا برضه سلطة مطلقة دون محاسبة.

وإذا كان أردوغان عمل نهضة صناعية واقتصادية في تركيا، فممكن برضه السيسي يحقق نجاحات لو طبق اُسلوب الحكم الرشيد والإدارة الحديثة، واستعان بكفاءات وأهل الخبرة وليس أهل الثقة، تخيل بقي ساعتها هايبقى مؤيدين النظام هنا عندهم حاجة ملموسة يدافعوا عنها بدل ما هم دلوقتي مش عارفين بيدافعوا عن إيه بالظبط.

أردوغان بيحبس اعداؤه وخصومه السياسيين، وبالنسبة للإخوان يبقوا طبعا أعداء الدين وأعداء المشروع الإسلامي ويستاهلوا الحبس، لكن ماعندهومش مشكلة مع فكرة الحبس والقمع والتنكيل بشكل عام، طالما إن اللي بيتم قمعه هو "الآخر".

مفيش فروق كبيرة  بين نظام الحكم هناك وهنا ( بالنسبة للحريات واحترام حقوق الإنسان)، والإخوان بيباركوا الانتهاكات هناك زي ما أنصار السلطة هنا بيباركوا أي انتهاكات بتحصل للمعارضين.

 وزي برض ما كان الإخوان بيباركوا الانتهاكات في صفوف المعارضين لهم أيام ٢٠١٢ و ٢٠١٣، ويبرروا أي خطوة بتعملها السلطة، سواء كان المجلس العسكري في ٢٠١١ أو مرسي بعد ذلك، وكانوا ممكن يدافعوا عن الشيء النهاردة، ثم يدافعوا عن عكسه تاني يوم عادي، على حسب النشرة الداخلية.

الأيام دي مثلا هي موسم بكائيات ولطميات ٣٠ يونيو، وعلشان أنا من الناس اللي بيفرقوا بين اللي حصل في ٣٠ يونيو وبين اللي حصل في ٣ يوليو وما بعدها، على اعتبار إن ٣٠ يونيو كان فيها نسبة كبيرة من المباركة من قطاعات واسعة في المجتمع( أيا كان مين اللي رتبلها من وراء الكواليس) لكن كان فيه عنصر شعبي ضخم مؤيد للتظاهر في ٣٠ يونيو، إنكار إن كان فيه ملايين من المصريين رافضين حكم الإخوان ومرعوبين منه وشاركوا بكل قوة - مهما كان مين اللي داعي ومهما كانت التبعات - يعتبر زي دفن الرأس في الرمال، زي بالظبط  إنكار السلطة الحالية وكذلك إنكار (الأصولية العلمانية) إن فيه برضه ملايين المصريين بتميل للمشروع الإسلامي أو الفكر الإسلامي المحافظ بشكل عام.

ورغم دور الأجهزة في الإعداد، إلا إن فيه ملايين نزلت بنوايا طيبة في ٣٠ يونيو، لكن اللي حصل في ٣ يوليو وما بعدها ليس له علاقة بمطلب القوي الثورية بانتخابات رئاسية مبكرة بعدما فقدت الأمل بعد غرور الإخوان وبلطجته منذ الإعلان الدستوري الأحمق،

زي بالظبط ما كان خروج ملايين الناس بنوايا طيبة في ٢٥ يناير رغم كل النتائج والمعاناة اللي نتجت عن المسار اللي تم إجبارنا عليها بعد كده.

نعم كلنا جميعا (ومرسي أولهم) كنّا نعلم، وفيه نصائح وتحذيرات كتير، ولكنه الغرور والصلف اللي يعمي الأبصار.

الإخوان دائما بيتباكوا علي الديمقراطية الوليدة اللي أضاعها الحمقي اللي نزلوا ٣٠ يونيو (وهم كانوا يعلمون )، لكن خلينا نبص كده علي ديمقراطية الإخوان، هل كانت ديمقراطية حقيقية؟ طيب هل بالمنظور والأسلوب اللي كانوا ماشيين بيه ده من أول استفتاء مارس ٢٠١١ حتي ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ، كانوا ممكن يقودوا نحو نظام حكم ديمقراطي حقيقي؟ سيك من دعم دستور العسكر ٢٠١٣ ، ومغالبة لا مشاركة في انتخابات برلمان ٢٠١٢ ، وسيبك من تأييد كل الانتهاكات اللي حصلت في صفوف شباب الثورة، وسيبك حتي من نكث الوعود في تأسيسية ٢٠١٢، وسيبك حتي من الإعلان الدستوري اللي بدأ المأساة وأدار العجلة ضدهم، خلينا نتكلم عن نموذج واضح للحكم الإخواني عندما يستمر، هل في رأيك ممكن نقول إن فيه ديمقراطية حقيقة واحترام لحقوق الإنسان في تركيا؟

هايقولولك آه طبعا هي دي الديمقراطية، علشان عندهم الديمقراطية هي "الصندوقراطية" دون أي التزامات للتوافق أو للعدالة الاجتماعية أو احترام حقوق الإنسان، وهايقولولك آه طبعا أردوغن بيحترم حقوق الإنسان، لإن الإنسان عندهم اللي يجب احترام حقوقه هو الإنسان الإخواني فقط، أما كل من هو خارج المشروع فهو كافر ليس له حقوق، ماعندهومش مشكلة في التنكيل وإيذاء الآخر طالما مش معاهم.

كتير من شباب الثورة وكذلك الحقوقيين ( اللي بيتصنفوا كعلمانيين أو مؤيدين للتيار المدني أو رافضين للحكم الديني) ، بيتم اضطهادهم  ووضعهم في سلة الإخوان، لمجرد إنهم بيدافعوا عن حقوق الإنسان بشكل مجرد، وليطالبوا بمعاملة كريمة لكل من هو مسجون حتي لو إخوان، وبيطالبوا بمحاكمات عادل، أو بيطالبوا بعدم الإقصاء، أو رفضوا اللي حصل في رابعة، أو بيقولوا إن التيار الإسلامي له تواجد ضخم وليس من الصواب إقصاؤه ولن يتم إبادته، كل اللي بيقول كده هتلاقيه يا إما في السجن، أو في انتظاره، أو ممنوع من السفر، أو بيوقفوه في المطار كل مرة، أو بيتم اتهامه إنه خاين وعميل ومتعاطف مع الإخوان والإرهاب.

في حين هتلاقي شماتة علنية وغل مهول ( بما يخالف شرع الله وأخلاق الإسلام) عند الإخوان كل لما يتعرض حد كان معارض ليهم للتنكيل.

خلاصة التدوينة.. عايز تعرف إيه هي ديمقراطيتهم اللي كانوا عايزين يطبقوها هنا، شوف نظام الحكم في تركيا حاليًا.

عايز تعرف مدى تقبلهم للنقد أو الرأي الآخر وهل حصلت عندهم أي مراجعات من أي نوع؟ شوف تعليقاتهم عالمقال ده.




تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك