في تمام الساعة السابعة والنصف من مساء الـ12 من نوفمبر الجاري، بدء هطول الأمطار بغزارة على محافظة بورسعيد، وفي غضون نحو ساعة، كانت المياه قد غمرت الشوارع بالكامل، بسبب القصور في نظام التصريف، قبل أن ينقطع التيار الكهربائي بشكل تام عن مناطق محددة في الحي، من بينها الحرفيين والمعاشات ومنطقة الـ 11 عمارة ومحيط الجامعة، ويستمر نحو ٦ ساعات متواصلة، من الثامنة والربع مساءً وحتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وخلال هذه الفترة، عانى السكان أيضاً من انقطاع متكرر لمياه الشرب.
وعلى مدار الأشهر الماضية، نفذت الجهات التنفيذية ورئاسة الحي أعمال حفر وتكسير واسعة في نصف شوارع المدينة تقريبًا، بذريعة “الاستعداد لموسم الشتاء”، وكان من المتوقع أن تشمل هذه الاستعدادات تحسين شبكات الصرف وتركيب صفايات جديدة، إلا أن المفاجأة كانت أن أول موجة مطر لهذا الموسم كشفت عن فشل هذه “الاستعدادات” بشكل كامل، وأغرقت المدينة، مسببة أضرارًا بالغة، إذ ارتفع منسوب المياه ليغطي إطارات السيارات، وبات التنقل في الشوارع أشبه بالسباحة، وبعض المنازل في الطوابق الأرضية غمرتها المياه، والتي استمر تراكمها في معظم المناطق المتضررة لمدة ثلاثة أيام، مما أدى إلى انقطاع المواطنين عن أعمالهم ومدارسهم، بحسب ما تحكي إيمان يونس، المقيمة في حي بورفؤاد ببورسعيد.
تذكر إيمان أن هذا المشهد المأساوي ليس جديدًا؛ إذ تكررت كثافة المطر في عام 2019، مما يؤكد أن المشكلة الأساسية في البنية التحتية لم تُحل، معتبرة أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق المسؤولين الذين فشلوا في توفير بنية تحتية سليمة تجهز المدينة لاستقبال موسم الأمطار.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “في الحقيقة سيارات شفط المياه بدأت عملها فور بدء الأزمة، لكنها لم تكن كافية للتعامل مع حجم مياه الأمطار، وبعد يومين من المعاناة، بادر الأهالي، بتنظيم من ناشطين مجتمعيين مثل الأستاذ مينا عادل عبر مجموعة “صوت بورفؤاد”، بالنزول إلى الشوارع ومساعدة عمال الحي في جهود رفع المياه”.
المعاناة كانت أكبر بالنسبة إلى محمد الزيني، أحد سكان منطقة الفيروز الحديثة ببورفؤاد، إذ غمرت مياه الأمطار سيارته بالكامل في غضون ساعة واحدة فقط، مساء يوم الأربعاء، الأمر الذي أدى إلى تلف وحدة التحكم الإلكترونية في السيارة، والتي تُقدر تكلفتها بخمسة وعشرين ألف جنيه، بالإضافة إلى أضرار أخرى.
ويشير الزيني إلى أن منطقة الفيروز، وهي مشروع إسكان اجتماعي تابع لمحافظ بورسعيد، تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية وشبكات تصريف مياه الأمطار، واصفًا الوضع بأنه كارثي، إذ استمرت الشوارع غارقة في المياه لعدة أيام دون تدخل من الجهات المسؤولة لشفط المياه، منتقدًا كذلك جودة بناء الوحدات السكنية، التي تسببت في تسرب مياه الأمطار بغزارة، من خلال وحدات الإضاءة والمراوح، في أسقف بعض الشقق، مما شكل خطرًا داهمًا على السكان.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “السيارة كانت أسفل منزلي لحظة سقوط الأمطار، ولم أتوقع أن يهطل هذا القدر من المياه في غضون ساعة واحدة، الأمطار في السنوات السابقة، لم تتسبب في أضرار مشابهة، وما تزال الشوارع المحيطة بنا غارقة، والمياه لم تُشفط حتى الآن داخل حي الفيروز، عربات الشفط تحركت فقط في المناطق الحيوية داخل بورسعيد، بينما لم تصل أي منها إلى حي الفيروز”.

ويٌبدى الزيني تخوفه من تكرار المأساة نفسها في موسم الشتاء، متسائلًا عما إذا كانت المحافظة ستصرف تعويضات للسكان المتضررين من تلف سياراتهم أو أثاث منازلهم، بسبب تراكم مياه الأمطار في الشوارع، مشيرًا إلى أنه اضطر إلى تفكيك السيارة بالكامل لتجفيفها بعد أن تحولت إلى بركة مياه.
من جانبها، لم تشهد سلمى فهمي، المقيمة في مدينة بورفؤاد بمحافظة بورسعيد، هطول أمطار بهذه الكثافة في بورسعيد، بشكل تجاوز قدرة السكان على التعامل معه؛ إذ تعرض الأهالي لأضرار كبيرة، بعدما دخلت المياه إلى عدد من المنازل وغمرت العديد من المحال التجارية، ما تسبب في خسائر واسعة، في مناطق عدة.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “المدينة لم تكن مستعدة لمواجهة مثل هذا الموقف، طالبت حارس العقار بفتح بالوعة الصرف، لكنه رد بأن الغطاء الحديدي الصلب لا يمكن فتحه، والأبراج السكنية المحيطة وفيلات السادات وهيئة قناة السويس تحولت إلى ما يشبه برك المياه، نتيجة عدم وجود بنية تصريف قادرة على استيعاب كميات الأمطار، والأهالي أبلغوا عن مخاطر أخرى، منها انبعاث شرر كهربائي من بعض أعمدة الإنارة خلال الأمطار، ما يشكل خطراً كبيراً على المارة”.
وتشير سلمى إلى أن مجموعة من الشباب تدخلت بمضخات مياه للمساعدة في عمليات الشفط داخل بورفؤاد، وفي اليوم التالي، حضر رئيس الحي وأشرف على جهود رفع المياه استجابة لمناشدات السكان الذين تضررت منازلهم، مناشدة مسؤولي محافظة بورسعيد بوضع خطة واضحة لمواجهة الأمطار الغزيرة المحتملة خلال موسم الشتاء، تشمل فحص شبكة الصرف وتحديد قدرتها الاستيعابية والتأكد من جاهزيتها.

وتتقاطع شهاداتهم، مع ما يرويه هاني طنطاوي، أحد سكان مدينة بورفؤاد، بشأن موجة الأمطار الشديدة التي شهدتها محافظة بورسعيد، خلال الأسبوع الماضي، واستمرت على مدار يومي الأربعاء والخميس، والتي تسببت في غرق واسع في الشوارع بمستويات غير معتادة، ما جعل الوصول إلى المنازل صعبًا في بعض المناطق، خاصة داخل العمارات التي امتلأت بالمياه وعرقلت الحركة تمامًا.
ويوضح طنطاوي أن المساكن القديمة في بورفؤاد كانت الأكثر تضررًا، إذ تسربت المياه إلى البدرومات ووصلت إلى نحو نصف ارتفاع بعض الشقق، ما تسبب في خسائر كبيرة للأهالي، مؤكدًا أن حي بورفؤاد كان قد أعلن قبل هطول الأمطار عن جاهزيته واستعداداته، لكن ما حدث كشف عكس ذلك.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: ” الأضرار لم تقتصر على الشوارع، بل طالت محالًا تجارية تضررت بشدة، إضافة إلى منازل غمرتها المياه وتضررت محتوياتها، ما جعل الوضع شبه كارثي، رغم أن الأهالي استمعوا سابقًا إلى وعود بتحسين البنية التحتية وتطوير شبكات الصرف، والمحافظ السابق، اللواء عادل الغضبان، كان قد أكد تنفيذ هذه الخطط”.
ويضيف أن “أعمال شفط المياه بدأت في الليلة التالية للأمطار، لكن العمل استمر ثلاثة أو أربعة أيام كاملة بسبب كثافة تجمعات المياه، وقد تدخلت هيئة قناة السويس بشاحناتها ومعداتها للمساعدة في شفط المياه، والسيطرة على الوضع”.
ويرى طنطاوي أن من المفترض إجراء صيانة دورية بالوعات الصرف قبل موسم الشتاء، تشمل اختبارًا عمليًا بضخ المياه للتأكد من كفاءة التصريف، إلا أن هذه الإجراءات لم تُنفذ، ورغم أن بعض الشوارع جرى رصفها مؤخرًا، إلاّ أن الرصف نُفذ بميل أدى إلى دفع مياه الأمطار مباشرة نحو مداخل العمارات، ما تسبب في غرقها، مؤكداً أنه إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو ستتكرر الأزمة مرة ثالثة ورابعة.
ومن جهته يرى زياد بغدادي، المقيم في منطقة “بروتكس” بحي الضواحي في بورسعيد، أن الاستجابة من جانب المسؤولين بالحي الذي يقطنه، كانت سريعة، بعدما غمرت المياه الشوارع بشكل كبير، إذ تمكنت السلطات المحلية من شفطها وتجفيف الشارع الرئيسي الذي صوره في اليوم التالي مباشرة.
بالرغم من ذلك يؤكد زياد أن العديد من شوارع المحافظة، وخاصة في حي بورفؤاد، لم تكن مهيأة لاستيعاب هذه الكمية من المياه، وأنه شاهد سيارات متعطلة بسببها، مؤكدًا لـ”زاوية ثالثة”، أن هذه المشكلة تكررت بسبب عدم جهوزية شبكات الصرف أو حاجتها للصيانة.
وشهدت محافظة بورسعيد منذ الـ12 من نوفمبر الماضي حالة من عدم الاستقرار الجوي، استمرت نحو 72 ساعة، تخللتها أمطار غزيرة ومتقطعة أثرت على مختلف المناطق، ما أدى إلى غرق شوارع رئيسية وفرعية في أحياء العرب والشرق وبورفؤاد، مع دخول المياه إلى عدد من المحال التجارية والمنازل وتعطل حركة السير، ما نتج عنه حوادث متفرقة، فيما عزت مصادر رسمية أسباب الغرق إلى كميات الأمطار التي تجاوزت القدرة التشغيلية لشبكات ومحطات الصرف الصحي، ومن بينها محطتا 23 يوليو وبورفؤاد، فضلاً عن تعطل بعض المحطات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي.
نوصي للقراءة: عاصفة واحدة.. تكفي لكشف ما لا تتحمله الإسكندرية

غرق الشوارع رغم تطويرها
من جهتها تعتبر آية عصام الدين، -أمينة الشؤون السياسية في الأمانة المركزية لحزب حماة الوطن في بورسعيد-، أن ما شهدته محافظة بورسعيد خلال موجة الأمطار الأخيرة لا يرتبط بقوة الهطول بقدر ما يعكس تقصيرًا في استعدادات الأجهزة المحلية، مؤكدة أن بورسعيد شهدت خلال السنوات الماضية تطويرًا واسعًا في الشوارع والطرقات وبناء مساكن جديدة للشباب، إلى جانب مشروعات قومية وسياحية وضعت المدينة على خريطة السياحة العالمية، إلا أن ما وقع مؤخرًا كشف عن خلل في الإدارة، رغم أن بورسعيد مدينة ساحلية اعتادت تاريخيًا على هطول الأمطار، وأن ما تعرضت له كان أول أمطار في بداية الشتاء وبمستوى متوسط لا يُقارن بما قد تشهده المدينة خلال النوات المقبلة.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “ظاهرة غرق الشوارع كانت تحدث قديمًا عندما كانت معدلات التنمية أقل مما هي عليه الآن، إلا أن تكرارها اليوم في مناطق شهدت تطويرًا كبيرًا، بما في ذلك أرقى شوارع بورفؤاد وحي الشرق والأحياء الأكثر كثافة مثل الضواحي والزهور والمناخ والعرب، يعد أمرًا غريبًا ويثير التساؤلات حول مستوى الجاهزية”.
وتؤكد أمينة الشؤون السياسية لحزب حماة الوطن في بورسعيد، أن عدم الاستعداد الجيد كان السبب الرئيس فيما حدث، مشيرة إلى وجود إدارات مختصة بإدارة الأزمات في كل مؤسسة، كان من المفترض أن تتنبّه لاحتمالية وقوع أزمة مماثلة وأن تعمل على اتخاذ إجراءات وقائية مسبقة، معتبرة أن أهم خطوة في هذا السياق تتمثل في تنظيف الشوارع وتطهير البالوعات، وهو ما لم يحدث، ما أدى إلى انسدادها وتدفق المياه وغرق الشوارع الرئيسية والفرعية والمدارس والمنازل والمتاجر.
وتشير إلى أن سوء إدارة الموقف تسبب في تعطيل عدد كبير من الطلاب عن الذهاب إلى المدارس، ومنع الكثير من المواطنين من الوصول إلى أعمالهم، فضلًا عن الخسائر التي لحقت بالمحال والمطاعم، وتعطل حركة المرور داخل مدينة بورفؤاد، حيث توقفت الميكروباصات قبل منتصف الليل وغابت سيارات الأجرة، ما سبب شللًا شبه كامل في الحركة، لافتة إلى أن انقطاع الكهرباء لساعات دون إنذار فاقم من معاناة الأهالي.
وتُحمّل آية المسؤولية لرؤساء الأحياء ورئيس مجلس مدينة بورفؤاد، مطالبة بإعطاء ملف النظافة في بورسعيد أولوية عاجلة، وزيادة أعداد صناديق القمامة، وإيجاد حلول لظاهرة النباشين وفرز القمامة في الشوارع، داعية إلى تدريب عمال النظافة على أساليب الجمع السليمة، والعمل على إعادة منظومة الجمع المنزلي التي توقفت منذ جائحة كورونا وكانت تساهم في الحد من انتشار القمامة في الشوارع، مشددة على ضرورة تطهير وتسليك البالوعات بانتظام وتطويرها بحيث لا تكون فتحاتها واسعة تسمح بدخول المخلفات إليها، مؤكدة أن الاستعداد المبكر أصبح أمراً ضرورياً لتفادي تكرار الأزمة خلال العواصف المقبلة وضمان حماية السكان وممتلكاتهم.
وبحسب بيان صادر عن محافظة بورسعيد، في 14 نوفمبر الجاري؛ فإن الأجهزة التنفيذية بمحافظة بورسعيد، قد واصلت انتشارها الميداني للتعامل مع آثار موجة الطقس غير المستقرة التي تشهدها المحافظة، من خلال رفع وسحب تجمعات مياه الأمطار من مختلف المناطق، وأن الدكتور عمرو عثمان، نائب المحافظ، أشرف ميدانيًا على جهود رفع المياه وتيسير حركة السير، ودَفعت المحافظة بسيارات النافوري والنقل، إلى جانب معدات وكوادر الأحياء، لتعزيز العمل الميداني وتسريع وتيرة سحب المياه من الشوارع.
وأعلن اللواء محب حبشي، محافظ بورسعيد، أن جميع الفرق الفنية تعمل بكامل طاقتها، وأن المحافظة رفعت درجة الاستعداد القصوى لحين استقرار الأحوال الجوية، داعيًا إلى التنسيق بين غرف العمليات في المحافظة والأحياء ومدينة بورفؤاد، إضافة إلى الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، لضمان الاستجابة لأي بلاغات بشكل فوري.
نوصي للقراءة: جرافات التطوير تصلُ “ضاحية الجميل” ببورسعيد: إخلاءٌ دون تعويض

التغيرات المناخية
في السياق ذاته يوضح الدكتور عبد الله أبو خضرة، -أستاذ هندسة النقل والطرق بجامعة بني سويف-، أن التعامل مع مياه الأمطار في المدن، وخاصة الساحلية منها، يبدأ بإجراء الدراسة الهيدرولوجية قبل تنفيذ أي مشروع جديد، مشيرًا إلى أن هذه الدراسة تعتمد على تحليل بيانات تاريخية للهطول، وقياس معدلات تجمع المياه أثناء العواصف، وتحديد اتجاهات تدفقها، ما يسمح بتصميم شبكات تصريف قادرة على استيعاب الأمطار وتوجيهها للاستفادة منها بدلاً من تحولها إلى مصدر تهديد للبنية التحتية.
ويُحذّر أبو خضرة من أن التغيرات المناخية العالمية بات لها تأثير مباشر على مصر، إذ أن أنماط سقوط الأمطار تغيّرت خلال السنوات الأخيرة من حيث التوقيت والكمية، ما يفرض إعادة تقييم التصميمات الهندسية للمشروعات القائمة والجديدة، لذا أصبح التغير المناخي عاملًا أساسيًا يجب وضعه في الاعتبار عند التخطيط العمراني والهندسي.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الدولة اعتمدت منذ عام 2014 إلزامية الدراسات الهيدرولوجية والبيئية في جميع المشروعات، بهدف تقييم تأثير المشروعات على البيئة وضمان تحقيق أقصى استفادة من مياه الأمطار. والسنوات الماضية شهدت تنفيذ عدد من النماذج الناجحة، خاصة في مناطق مثل سفاجا ورأس غارب، حيث أُنشئت سدود ومنشآت مخصصة لتجميع مياه الأمطار وتخزينها، مما أسهم في الحد من آثار السيول التي كانت تسبب خسائر كبيرة في السابق؛ فإدارة مياه الأمطار لم تعد مسألة حماية فقط، بل أصبحت جزءًا من سياسة موسّعة لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز الأمن المائي في مصر”.
ويتطرّق أستاذ هندسة النقل والطرق إلى أزمة التعدي على مخرات السيول، مؤكدًا أن ضعف معدلات المطر في فترات سابقة شجع بعض السكان على البناء داخل مجاري السيول، وهو ما أدى إلى كوارث، أبرزها ما حدث في الصعيد عام 2008. وأكد أن الدولة تعمل حاليًا على إزالة هذه التعديات وإجراء صيانة دورية للمخرات لضمان جاهزيتها في مواجهة أي موجات سيول.
ويشدد على ضرورة توجيه مياه الأمطار نحو الاستخدام النافع، مشيرًا إلى أن ندرة الموارد المائية في مصر تفرض تعظيم الاستفادة من كل مصدر متاح، بما في ذلك مياه الأمطار، موضحًا أن عددًا من المشروعات الزراعية الحديثة يعتمد بالفعل على مصادر متنوعة، مثل إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية، إلى جانب تجميع مياه الأمطار في المناطق الغربية والشرقية والشمالية لزراعة مساحات جديدة.
وكانت قد شهدت مدينة بورفؤاد بمحافظة بورسعيد أعمال رصف ورفع كفاءة للمحاور الرئيسية، في عام 2024، من بينها شارع العباس بن عبد المطلب بطول 700 متر، وشارع نور الإسلام بطول 800 متر، مع تنفيذ توسعات مرورية، تخصيص أماكن لانتظار السيارات، وتدعيم شبكات بالوعات الأمطار، وشملت الخطة إنشاء شبكة صرف صحي جديدة تخدم 118 عقارًا وإزالة التشوهات البصرية.
وفي أغسطس الماضي أعلنت المحافظة عن خطة شاملة لإعادة الوجه الحضاري لمساكن الحزب الوطني بتكلفة 100 مليون جنيه، بجانب رفع كفاءة شبكات الصرف والمياه وإنشاء غرف وبالوعات لتصريف الأمطار في أحياء مثل الزهور والضواحي والمناخ، إلى جانب تمهيد الأرصفة وتحسين الحركة المرورية، وفي سبتمبر المنقضي، أعلنت المحافظة عن تحسين البنية التحتية في مساكن مشروع الـ9000، عبر رصف الشوارع ببلاطات الإنترلوك بعد إحلال وتجديد شبكات المياه والصرف والكهرباء، في إطار تحويل المنطقة إلى بيئة حضرية متكاملة.
نوصي للقراءة: حادث المطرية ـ بورسعيد.. تطوير بالمليارات والنتيجة جنازات جماعية
شتاء أبرد وأكثر مطرًا
فيما يكشف الباحث في الفيزياء والأرصاد الجوية، أحمد سعيد، أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها بورسعيد والإسكندرية، جاءت نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل المناخية المتزامنة، التي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار الجوي على الساحل الشمالي، موضحًا أن مصر تأثرت بوجود حوض بارد في طبقات الجو العليا، تزامن مع منخفض جوي بارد من أصل قطبي كان متمركزًا فوق وسط تركيا، ما أدى إلى دفع كتل من الهواء البارد نحو المنطقة، كما توافرت رطوبة بنائية كافية في طبقات الجو المتوسطة عند مستويي 700 و850 هيكتوباسكال، وهي عنصر أساسي لتكوين السحب.
ويوضح الباحث أن هناك تبريدًا ملحوظًا في طبقات الجو العليا عند مستوى 500 هيكتوباسكال، حيث تراوحت درجات الحرارة بين 15 و19 درجة مئوية تحت الصفر فوق السواحل، وهو ما أسهم في تعزيز تكوين السحب الركامية، كما خضعت المنطقة لتيارات هوائية صاعدة ساعدت في رفع الهواء الرطب إلى أعلى، إضافة إلى رصد تقارب في خطوط الضغط المتساوي في الطبقات العليا، وهو ما زاد من حدة عدم الاستقرار.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الفارق الملحوظ في كمية الأمطار بين بورسعيد والإسكندرية يعود إلى أن تقارب خطوط الضغط للرياح العلوية كان أشد فوق بورسعيد، ما أدى إلى تكوّن سحب رعدية أكثر كثافة وهطول أمطار بغزارة أعلى مقارنة بالإسكندرية، التي شهدت حالة أقل حدة، كما أن دفء مياه البحر المتوسط لعب دور محوري في تعزيز قوة الحالة الجوية، إذ أدى مرور الهواء البارد فوق سطح البحر الدافئ إلى زيادة معدلات التبخر وتكوّن الفقاعات الحرارية، التي تسهم في رفع الحمل الحراري وزيادة تكثيف السحب الرعدية:.
ويضيف: “التوقعات كانت تشير إلى تحرك المنخفض الجوي البارد من تركيا نحو جنوب قبرص، وهو ما كان سيضاعف كميات الأمطار على السواحل المصرية، إلا أن المنخفض انحرف شرقاً، ما قلل من تأثيره المباشر وجعل الأمطار تتوزع بشكل متفرق، والحالة الأخيرة كانت مثالاً واضحاً على تفاعل معقد بين عوامل جوية متعددة، شملت المنخفضات الباردة والرطوبة والتيارات الصاعدة ودفء مياه البحر، وهو ما يفسر شدة الأمطار خاصة في بورسعيد”.
ويتوقع الباحث أن تتراوح درجات الحرارة خلال الفترة المتبقية من الخريف بين حول المعدلات إلى أعلى منها بقليل، مع احتمالات لهطول أمطار متباعدة؛ أما بالنسبة لفصل الشتاء، فأكد أن المؤشرات الأولية تُرجّح أن يكون أبرد وأكثر مطرًا من الشتاء الماضي، مع عودة المنخفضات الباردة العابرة وتسجيل توزيعات ضغطية أقرب إلى النمط الشتوي التقليدي، بخلاف الشتاء السابق الذي اتسم بطابع أقرب إلى الخريف.
وكشفت موجة الأمطار الأخيرة في بورسعيد، بما خلّفته من شوارع غارقة، وسيارات معطلة، ومنازل اقتحمتها المياه، أن المشكلة لم تكن في كمية الهطول بقدر ما كانت في غياب جاهزية حقيقية للبنية التحتية، رغم مشروعات التطوير التي أُعلن عنها في السنوات الماضية، فيما رسمت شهادات الأهالي، من أحياء بورفؤاد والزهور والفيروز، صورة واحدة لمدينة فوجئت بأزمة كان يفترض الاستعداد لها مسبقًا، ويؤكد الخبراء أن ما جرى يعكس قصورًا في التخطيط والصيانة وإدارة المرافق، إلى جانب تجاهل تأثيرات التغير المناخي التي باتت تفرض معايير جديدة للتعامل مع الأمطار.
وبينما سارعت الأجهزة التنفيذية لاحقًا لرفع المياه وإعادة فتح الطرق، بقيت مخاوف السكان معلّقة: هل ستتكرر الكارثة مع أول موجة طقس سيء أو عاصفة قادمة؟ وهل تكفي الوعود والخطط المعلنة لضمان حماية منازلهم وممتلكاتهم في كل موسم شتاء؟
ختامًا يمكن القول إن تجربة هذا الأسبوع لم تكن مجرد حادثة طقس عابرة، بل إنذار واضح بأن البنية التحتية في بورسعيد تحتاج إلى مراجعة شاملة، وأن الاستعداد الحقيقي يبدأ قبل سقوط المطر، بتطهير البالوعات، وفحص شبكات الصرف، وتطبيق دراسات هيدرولوجية دقيقة، وتخطيط يأخذ التغيرات المناخية على محمل الجد. وحتى يتحقق ذلك، سيظل سكان بورسعيد يترقبون السماء بقلق في كل مرة تتلبد فيها الغيوم.