close

التوك توك يقاوم… والبديل الجديد يواجه رفضًا واسعًا بين السائقين

الجيزة تبدأ استبدال التوك توك بسيارات “كيوت” وسط مخاوف السائقين والخبراء من تأثير القرار على الملايين الذين يعتمدون على التكاتك كمصدر رزق، وبين الجدل يؤكد المسؤولون أن المنظومة اختيارية وليست إلزامية
Picture of آية ياسر

آية ياسر

في نوفمبر الماضي أعلنت محافظة الجيزة عن بدء تنفيذ منظومة استبدال مركبات “التوك توك” ببما أسمته سيارات صغيرة “الكيوت”، أكثر أمانًا وذات طابع حضاري، بغرض تحسين السيولة المرورية ورفع جودة الخدمات للمواطنين، وعزت المحافظة القرار إلى ما يسببه “التوك توك” من تحديات، من بينها إعاقة الحركة المرورية وصعوبة الوصول إلى بيانات السائقين، معلنة عن بدء تطبيق المرحلة الأولى من المنظومة في أحياء الهرم والعجوزة ومدن أكتوبر وحدائق أكتوبر، على أن يتم تقييم التجربة ميدانيًا قبل تعميمها تدريجيًا على باقي قطاعات المحافظة.

أثار القرار مخاوف سائقي “التوك توك”، فضلًا عن أصحاب معارض بيع المركبة وتجار قطع غيارها ومراكز الصيانة الخاصة بها، إذ تسائلوا عن مصير مركباتهم ورؤوس أموالهم، وعما إذا كانت منظومة استبدال “التوك توك” بالسيارات الصغيرة، التي أعلنت عنها المحافظة، سيتم تطبيقها إلزاميًا أم بشكل اختياري؟، وهل تستهدف الحكومة مستقبلًا إحلاله في جميع أنحاء الجمهورية؟، معبرين عن تخوفهم من مصائر أسرهم التي تعتمد اقتصاديًا بشكل أساسي على أرباح أجرة التوكتوك.

نادر علي، وهو سائق في العشرينات من عمره، أحد الذين أبدوا تخوفهم تجاه تطبيق المنظومة الجديدة، معتبرًا أن السيارات الجديدة المطروحة كبديل، “غير عملية ولا مناسبة صحيًا أو اقتصاديًا” للسائقين، إذ يصفها بأنها أقل متانة وقدرة على تحمل وعورة الطرق الجانبية غير المرصوفة، متوقعًا ارتفاع أسعار قطع غيارها مقارنة بقطع غيار “التوك توك”، فضلًا عن زيادة تكاليف التشغيل والصيانة.

نادر الذي يعمل سائقً “توك توك” منذ عام 2021، بعد عدم تمكنه من العثور على فرصة عمل مناسبة بعد حصوله على دبلوم فني تجاري، باتت مركبته التي لا يزال يسدد أقساطها، هي مصدر الرزق الأساسي له، الذي يساعده على إعالة والدته والادخار للزواج، في ظل محدودية فرص العمل المتاحة.

ويُعبّر السائق الشاب عن مخاوف كثير من السائقين الذين اشتروا مركباتهم بنظام التقسيط وبأسعار تجاوزت 250 ألف جنيه، ولا يزالون ملتزمين بسداد أقساطها، متسائلًا: “كيف يُطلب من السائقين التخلي عن “التوك توك” والانتقال إلى سيارة جديدة بينما لم ينتهوا بعد من سداد أقساط المركبة الأولى؟”.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “التوك توك” يسد فجوة حقيقية في منظومة المواصلات، ولا يمكن الاستغناء عنه في العديد من المناطق والشوارع الضيقة التي لا تستطيع السيارة الجديدة الوصول إليها، وكبار السن وسكان الشوارع الداخلية الضيقة يعتمدون عليه، والسيارة الجديدة لن تتمكن من دخول معظم هذه الأزقة الضيقة والحارات غير الممهدة”.

ويرى أن الحل الأمثل يكمن في تقنين وضع التوك توك وترخيصه بدلًا من منعه، وذلك عبر اشتراط الحصول على رخصة قيادة خاصة، وإجراء تحليل مخدرات، وفحص جنائي، بما يضمن منع غير المؤهلين، ولا سيما الأطفال، من قيادته، والكشف عن المركبات المسروقة. مشيرًا إلى أنه، وكثيرًا من زملائه السائقين، التزموا في السابق بقرارات الأحياء وحرصوا على تركيب أرقام تعريفية على مركباتهم، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلًا عن الترخيص الفعلي. كذلك يوضح أن بعض السائقين يتعرضون لمصادرة مركباتهم عند مرورهم في الشوارع الرئيسية، وتُحتجز لفترات تمتد من شهر إلى شهرين قبل استعادتها بعد سداد الغرامة.

ويطالب نادر، المسؤولين بإصلاح منظومة “التوك توك” بدلًا من إلغائها، لأن “وجود سلبيات في أي وسيلة لا يعني ضرورة منعها، وإنما معالجتها؛ إذ أن أي قرار من شأنه حظر التوك توك سيؤدي إلى زيادة البطالة وانتشار الممارسات غير القانونية.”

ويتفق معه محمد نصر الدين، – وهو سائق في الثلاثينات من عمره، يعمل بين محافظتي القاهرة والجيزة -، في أن تقنين “التوك توك” وترخيصه هو الحل الأمثل لتنظيم العمل، وليس استبداله بالسيارات الجديدة التي تعتزم الحكومة طرحها، مؤكدًا أن كثيرًا من السائقين، وهو منهم، يمتلكون بالفعل تراخيص من المرور، معتبرًا أن قطع غيار السيارة البديلة ومراكز صيانة الخاصة بها، غير متوفرة بعد بشكلٍ كافٍ، وأنها بالضرورة ستكون أعلى تكلفة من نظيرتها الخاصة بالتوكتوك.

محمد، الذي يعمل سائقًا منذ نحو ثلاث سنوات، يبدأ يومه مع السادسة صباحًا ولا ينتهي قبل 11 ليلًا، سعيًا لتأمين احتياجات أسرته والوفاء بالأقساط الشهرية للمركبة التي يقودها، ولا يزال أمامه نحو ثمانية أشهر لاستكمال سدادها. يرى أن خطط إحلال واستبدال “التوك توك” قد تهدد مصدر رزق آلاف الأسر التي تعتمد عليه كدخل أساسي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ويشير إلى أن أغلب السائقين مرتبطون بأقساط ثقيلة لمركباتهم الحالية، ما يجعل مطالبتهم بتحمل أقساط جديدة لسيارة بديلة أمرًا يتجاوز طاقتهم ويصعب تحقيقه.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “هناك  قطاع كامل يعمل خلف منظومة “التوك توك”، من كهربائيين ميكانيكيين وبائعي قطع الغيار والكاوتش والزيوت، سيتضرر بشدة إذا تم حظر المركبة، لأنها الأكثر استهلاكًا لهذه الخدمات مقارنة بالسيارات، ما يعني تأثر آلاف العاملين غير السائقين أيضًا”.

ويضيف أن السائقين يعانون من مشكلات يومية مع المرور والأحياء، تشمل توقيفهم المتكرر، ودفع رشاوى في بعض الحالات، وتهديدهم بالمحاضر أو حجز المركبات، لافتًا إلى أنهم فئة بلا حماية، فليس لديهم معاش أو مظلة تأمينية، رغم أنهم يدفعون رسومًا ومصاريف دورية للمرور.

ولا يرفض السائق إطلاق السيارات البديلة، لكنه يرفض أن يتم فرضها بالقوة مستقبلًا، بدلًا من منح السائقين حرية الاختيار، مؤكدًا أن المشكلة ليست في التوك توك ذاته بل في سوء الاستخدام وغياب الانضباط، وأن المطلوب هو التنظيم والانضباط وليس الاستبدال.

وتُقدّر إجمالي أعداد مركبات “التوك توك” في مصر بحوالي 5 مليون و400 ألف توك توك، بحسب تقديرات غير رسمية، فيما يوفر القطاع نحو 250 ألف فرصة عمل جديدة سنويًا، وبحسب بيانات نشرة حصر ‏المركبات المرخصة، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ فقد بلغ عدد مركبات التوك توك المرخصة في مصر، بنهاية العام 2024، نحو 186 ألف و918 على مستوى الجمهورية، وحازت محافظات الوجه البحري على غالبية التراخيص الصادرة للتوك توك بعدد 88 ألف و431 توك توك، يليها محافظات الوجه القبلي بعدد 80 ألف و582 توك توك مرخص، أما المحافظات الحضرية فقد بلغ عدد التوك توك المرخص بها 17 ألف و633 توك توك، في حين سجلت المحافظات الحدودية عدد 272 توك توك.

 

نوصي للقراءة: صديق البيئة عدو المسؤولين: مصادرة السكوتر في القاهرة وإغلاق المحال بلا إنذار

غياب التنظيم

في السياق ذاته يشرح شهاب أبو زيد، – مستشار السياسات ومدير البرامج في مؤسسة ندى لطرق مصرية آمنة-، أن انتشار “التوك توك” في المناطق الشعبية والريفية جاء استجابةً لحاجة الناس إلى وسائل نقل، خصوصًا في غياب النقل الرسمي، موضحًا أن هذا الحل جاء من المجتمع نفسه لمعالجة مشكلة النقل المحلية.

ويوضح لـ”زاوية ثالثة”، أن “التوك توك” غير منظم منذ دخوله مصر، إذ لا توجد قاعدة لاستيراده، ويتم نقله عادة كقطع غيار لتجميعه داخل البلاد، ما يحول دون قدرة الحكومة على تنظيمه أو مراقبته وضمان الالتزام بالقوانين، مشيرًا إلى أن هذا الوضع أدى إلى قيادة متهورة من قبل السائقين، نظرًا لغياب التنظيم الرسمي لهذه الوسيلة التي لم تُدرج ضمن وسائل النقل المعترف بها من الدولة.

ويرى أبو زيد أن اقتراح استبدال “التوك توك” بوسيلة نقل أخرى هو حل خاطئ، مشيرًا إلى أن السبب وراء انتشاره الواسع، هو صغر حجمه وانخفاض تكلفة أجرته، فيما ستكون وسائل النقل البديلة أغلى وأصعب تقبلًا من قبل المستخدمين، وربما لا تكون منظمة بشكل أفضل.

ويعتبر مستشار السياسات أن الحل يكمن في البدء من قاعدة المستخدمين أنفسهم، والاستماع إلى مقترحات سائقي “التوك توك” حول ما يمكن تحسينه من جانبهم، مؤكّدًا أن أي حلول مفروضة “من الأعلى” قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدل حلها، مشيرًا إلى استمرار غياب التنظيم الحكومي لهذه الوسيلة.

من جهته، يرى المهندس جمال عسكر، – الخبير في قطاع السيارات وهندسة الطرق والرئيس السابق للجنة الصناعة بنقابة المهندسين-، أن فكرة استبدال “التوك توك” بمركبات بديلة هي في أصلها خطوة جيدة، إلا أن التطبيق الجاري في محافظة الجيزة “خاطئ وغير ملائم لاحتياجات الواقع المصري”، موضحًا أن استبدال التوك توك بمركبات تعمل بالبنزين أو الغاز يمثل “رؤية قديمة وغير دقيقة”، خاصة في ظل ما يعانيه العالم من ارتفاع الانبعاثات الكربونية وتأثيراتها الصحية والبيئية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”:  “مصر تُعد من الدول التي ترتفع فيها الانبعاثات الناتجة عن المركبات بنسبة كبيرة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض نسبة الأكسجين في الهواء وزيادة الغازات السامة، وعلى رأسها أول أكسيد الكربون، ما ينعكس سلبًا على صحة الإنسان، خصوصًا الأطفال، ويؤثر أيضًا على الثروة النباتية والحيوانية، بينما الاتجاه العالمي السائد عند البحث عن بديل للتوك توك يقوم على استخدام مركبات كهربائية خفيفة، وهو ما “يتسق مع سياسات الطاقة الجديدة والمتجددة” التي تتوسع فيها مصر بالفعل عبر مشروعات الرياح والشمس”.

ويوضح الخبير أن الاتجاه إلى سيارات تعمل بالغاز أو خليط من البنزين والغاز سيخلق مشكلات أكبر على المدى القريب، مشيرًا إلى أن الاختلاف الكبير بين القيمة الحرارية لأنواع الوقود يسبب أضرارًا جسيمة للمحركات، كما أن الغاز الطبيعي يمتلك قيمة حرارية أعلى بكثير مقارنة بالبنزين منخفض الأوكتان المستخدم غالبًا في التكاتك، ما يؤدي إلى تآكل مكونات المحرك بسرعة وقد يصل إلى إتلافه تمامًا، نتيجة الفارق الضخم في الطاقة الحرارية، مبينًا أن هذه الأضرار ستظهر سريعًا لأن المركبات البديلة المقترحة ستعمل لساعات طويلة يوميًا، كما هو الحال مع التوك توك.

وفيما يتعلق بالسلامة، يرى عسكر أن المركبات ذات الأربع عجلات والأبواب المغلقة تمثل بديلًا أكثر أمانًا من “التوك توك” ذي العجلات الثلاث، الذي يسهُل انقلابُه ويسجَّل تورطه في حوادث كثيرة، إضافة إلى استخدامه في جرائم اجتماعية مثل الخطف والاعتداء، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن السيارات البديلة تعاني من ضيق المساحة وضعف الكفاءة، ولا تلبي الحد الأدنى من الراحة أو المعايير الفنية التي يجب أن تُراعى عند تصميم مركبة للاستخدام اليومي.

ومن الناحية الاقتصادية، يوضح أن المركبات البديلة ستكون أعلى تكلفة بشكل واضح، سواء من حيث ثمن الشراء أو تكاليف الترخيص والتأمين والضرائب والصيانة، كما أن السائقين سيحتاجون إلى رخصة قيادة رسمية وتحمّل أعباء تشغيل أعلى، ما سينعكس حتمًا على تعريفة الركوب، مُبينًا أن “التوك توك” انتشر في مصر لأنه وسيلة رخيصة وسهلة التشغيل، غير أن ذلك أدى إلى قيادة عدد كبير من الأطفال والقُصّر له، وهو وضع لا يوجد في أي دولة تحترم قواعد السلامة المرورية.

ويضيف: “التوك توك يمثل اقتصاد موازي ضخم؛ إذ يُقدّر عدد المركبات بنحو سبعة ملايين، يقودها نحو 14 مليون شخص على مدار اليوم، بخلاف الأسر المعتمدة عليها، ما يجعل الحظر أمرًا غير قابل للتطبيق دون بديل فعلي واقعي؛ فالحل لا يكون بمنع “التوك توك”، بل باستبداله تدريجياً بمركبات كهربائية آمنة وصديقة للبيئة، وبآليات تنظيم واضحة تحفظ حقوق السائقين والمواطنين، وتضمن عدم “تعرض المركبات للتهالك السريع أو التكاليف الباهظة”.

ويؤكد الخبير أن استبدال “التوك توك” ممكن وضروري، لكن بشرط اتباع “الطريق الصحيح” الذي يبدأ بتوفير مركبات كهربائية ملائمة وبنية تحتية داعمة، وليس بالاعتماد على مركبات صغيرة تعمل بالبنزين والغاز “وتفاقم المشكلات بدل حلّها”.

وكانت محافظة الجيزة قد أطلقت منظومة لتحويل مركبات “التوك توك” إلى سيارات صغيرة بديلة من طراز بجاج كيوت، وأعلنت عن حوافز تشجيعية تشمل استرداد مبلغ 10 آلاف جنيه بعد ترخيص السيارة، بالإضافة إلى دعم نحو 1000 جنيه لرسوم الترخيص، مما يصل إجمالي المردود إلى نحو 11 ألف جنيه.

وتعد شركة بجاج أوتو الهندية هي الشركة المصنعة الأصلية لسيارة بجاج كيوت، وفي مصر، تقوم شركة حلوان للآلات والمعدات (مصنع 999 الحربي) بتجميع السيارة بالتعاون مع شركة “إيتامكو”، ووفقًا للمواصفات، تسع السيارة أربعة أشخاص، وتمتاز بقطع مسافة تصل إلى 550 كيلومتر بخزان واحد، وتعمل بالبنزين أو الغاز الطبيعي، ويتراوح سعر السيارة الجديدة في السوق المصري بين 200 إلى 215 ألف جنيه.

 

نوصي للقراءة: عقود استعباد.. حقوق عمال الدليفري في مصر تُسحق تحت عجلات أرباح شركات التوصيل


تنظيم النقل العشوائي

من ناحيته يعتبر عبد الله أبو خضرة، – أستاذ هندسة الطرق بجامعة بني سويف-، أن إطلاق محافظة الجيزة لمنظومة السيارات البديلة للتوك توك، يأتي في إطار خطة أوسع لتقنين وتنظيم الحركة في الشوارع، والحد من المظاهر العشوائية في النقل داخل المدن، لافتًا إلى أن هذا التوجه طُرح سابقًا ضمن مقترحات تطوير المنظومة المرورية، خصوصًا في المناطق التي شهدت انتشارًا واسعًا للتوك توك داخل المدن والشوارع الرئيسية، بما لا يتناسب مع عمليات التطوير الجارية والمظهر الحضاري الذي تستهدفه الدولة، خاصة في محافظة الجيزة التي تضم مواقع أثرية كبرى مثل المتحف المصري الكبير.

ويشير أبو خضرة إلى أن عملية الإحلال والاستبدال تستهدف توفير مركبات أكثر أمانًا وتنظيمًا، من خلال اشتراط حصول السائقين على رخص قيادة، وتحديد سن قانوني للقيادة، وترخيص المركبات وخطوط سيرها، مع تخصيص ألوان للمركبات وفق كل مركز لضبط الحركة، معتبرًا أن هذه الإجراءات ستسهم في تحسين المستوى الأمني والمروري، فضلًا عن الحفاظ على البيئة وصحة المواطنين.

يقول لـ”زاوية ثالثة”:  “المحافظة كانت قد اتخذت خطوات تمهيدية قبل قرار الإلغاء، من بينها التعاون مع وزارتي التنمية المحلية والداخلية لتسجيل “التكاتك”، ووضع أرقام تعريفية لها، وإنشاء قاعدة بيانات لمالكيها وقائديها، إلى جانب حملات مرورية لضبط حركتها، هذا الجهد كان ضروريًا قبل إطلاق منظومة الاستبدال”.

ويتوقع أبو خضرة أن الخطوة الحالية تعد بداية لتعميم التجربة على باقي المحافظات، باعتبارها حاجة ملحة لضبط منظومة النقل وليس مجرد رفاهية، لافتًا إلى أن انتشار “التوك توك” بشكل عشوائي مثّل خطرًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، سواء من الناحية الأمنية أو المرورية، عازيًا ذلك إلى قيادة المركبة بواسطة أطفال دون السن القانوني، وغياب الرخص، وعدم وجود أي تقنين أو اشتراطات فنية للمركبة نفسها، إلى جانب خروجها إلى المحاور الرئيسية بصورة مخالفة، ما زاد من احتمالات وقوع الحوادث والمشكلات الأمنية.

من ناحيته يؤكد عادل عامر، – الخبير القانوني ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية-، أن قرار محافظة الجيزة بشأن استبدال مركبات “التوك توك” بسيارات بديلة هو قرار اختياري بالكامل، وليس إلزاميًا، ويُطبق فقط على من يرغب في استبدال مركبته بسيارة صغيرة تعمل بالغاز الطبيعي، موضحًا أن المركبات الجديدة ستكون أكثر خضوعًا للرقابة القانونية، نظرًا لأنها تُرخص رسميًا وتحمل لوحات معدنية مسجلة لدى إدارة المرور والمحافظة، ما يسهل رصد أي مخالفة أو جريمة مرتبطة بها.

ويشير إلى أن التوك توك ما زال حتى الآن غير مقنن قانونيًا، موضحًا أن قانون المرور ترك لكل محافظة حرية وضع القواعد المنظمة لتسجيله، وعلى الرغم من إقرار البرلمان قانون المرور الجديد مؤخرًا، إلا أنه يؤكد أن تقييم الوضع لن يكتمل قبل صدور اللائحة التنفيذية، التي ستحدد كيفية التعامل مع ملايين المركبات المنتشرة في الشوارع.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن انتشار “التوك توك” في مصر يرجع إلى البطالة، وبدء تصنيع التوك توك محليً، وعدم خضوعه للتسجيل أو المخالفات، وهو ما شجع على انتشاره بشكل واسع في القرى ثم المدن، ويعد منع التوك توك بشكل كامل أمر شديد الصعوبة، إذ يُقدّر عدد التكاتك في مصر بنحو 5 إلى 6 ملايين مركبة، يعتمد عليها ما يصل إلى 15 مليون فرد في دخلهم اليومي. ولذلك، الحل يكمن في الإحلال التدريجي، كما فعلت محافظة الجيزة عبر تطبيق الاستبدال بشكل اختياري، ثم تعميم الخطوة تدريجيًا على المحافظات الأخرى

 

نوصي للقراءة: غياب المسارات والقوانين يهدد حياة الدراجين في شوارع مصر


ما رد الحكومة؟

وردًا على الجدل المثار بشأن المنظومة ومخاوف وتساؤلات سائقي التوكتوك، يؤكد محمد مرعي، السكرتير العام المساعد لمحافظة الجيزة، لـ”زاوية ثالثة”، أن منظومة استبدال مركبات “التوك توك” بالسيارات الصغيرة “كيوت” هي منظومة اختيارية بالكامل، وليست إلزامية، مؤكّدًا أن السائق الراغب في الانضمام للنظام الجديد يتصرف في التوك توك القديم بالبيع وفقًا لرغبته، لافتًا إلى أن المحافظة على استعداد أن  تُرشد السائقين إلى تجار موثوقين لبيع مركباتهم حتى لا يتعرضوا للاستغلال، لكنه شدد على أن البيع يتم بمعرفة المالك وبشكل مباشر، دون أي تسليم رسمي للمحافظة.

ويضيف أن شراء السيارة البديلة متاح نقدًا أو بالتقسيط، وأن السائقين الذين ما زالوا يسددون أقساط التوك توك يمكنهم الاختيار بين استكمال أقساطه ثم استبداله لاحقًا، أو بيعه ونقل الأقساط للمشتري، أو تحمل الأقساط المتزامنة، مشيرًا إلى أن هذا الوضع مشابه لأي سلعة تُشترى بالتقسيط.

وفيما يتعلق بتقنين “التوك توك” بعد صدور قانون المرور الجديد، يؤكد مرعي أن المحافظة لا تمنع من يرغب في ترخيص التوك توك الحالي، لأن منظومة الإحلال اختيارية، ومن حق السائق الاحتفاظ بمركبته طالما أنها مرخصة، لافتًا إلى أن السيارات البديلة أكثر أمانًا وتنظيمًا، فالمركبة مرخصة، ولها ملف في المرور والحي، ومعروف مالكها وسائقها، ما يسهل على الشرطة تتبعها في حال حدوث مخالفة، بعكس التوكتوك الذي يفتقر إلى آلية رقابية مماثلة.

ويوضح مرعي أن المحافظة وجهت إدارة المرور إلى تكثيف الحملات الرقابية لضبط الشارع بشكل عام، وليس استجابة مباشرة لمنظومة الإحلال، مؤكدًا أن الحملات مستمرة طوال الوقت وتشمل المخالفات كافة، بما فيها ظاهرة عمالة الأطفال والتكاتك غير المرخصة.

وبشأن المخاوف المتعلقة بتوفر قطع غيار السيارة البديلة، أوضح مرعي أن المحافظة تتفق حاليًا مع الشركة المستوردة على مدّ فترة الضمان من ستة أشهر إلى سنة كاملة، مع رفع المسافة المضمونة إلى 50 ألف كيلومتر، مؤكدًا توافر قطع الغيار والصيانة عبر الوكيل المحلي، إذ أن السيارة تُصنَّع داخل مصنع تابع للإنتاج الحربي.

ويلفت  السكرتير العام المساعد لمحافظة الجيزة أن استيراد “التوك توك” وقطع غياره متوقف منذ عام 2022 بقرار حكومي، وأن المركبات المتداولة حاليًا إما مُجددة أو تم إجراء “عمرة” لها، وهو ما  يفسر ارتفاع أسعارها؛ إذ تجاوز سعر “التوك توك” في السوق قرابة 250 ألف جنيه، معتبرًا أن تكلفة تشغيل السيارة أقل منه، لأنها تقطع عددًا أكبر من الكيلومترات باستخدام نفس كمية الوقود، كما أن سعرها أقل من سعر التوك توك الحالي، ما يزيد من هامش ربح السائقين على المدى الطويل.

يبقى قرار محافظة الجيزة بإطلاق منظومة استبدال التوك توك بسيارات صغيرة خيارًا طموحًا لتنظيم والحركة المرورية وتحسين السلامة العامة، لكنه يواجه تحديات كبيرة على الأرض، سواء من الناحية الاقتصادية أو التشغيلية أو الاجتماعية؛ فالقطاع يعتمد على ملايين المواطنين الذين يكسبون رزقهم من هذه المركبات، ومنعهم أو فرض البدائل عليهم دون مراعاة ظروفهم سيؤدي إلى آثار عكسية.

ويؤكد الخبراء أن الحل الواقعي يكمن في الإحلال التدريجي، مع التركيز على تنظيم التوك توك الحالي وترخيصه، وضبط قيادته للأطفال والقُصّر، إلى جانب تشجيع البدائل الكهربائية الصديقة للبيئة عند توفرها، وبنية تحتية داعمة، شريطة أن يتم الحفاظ على مصدر الدخل لملايين الأسر، ويتم ضمان سلامة المواطنين.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search