خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، منذ مايو الماضي، تصاعدت بشكل لافت وتيرة القبض على اللاجئين السودانيين في مصر، خاصة في القاهرة وبعض المدن الحدودية مثل أسوان والأقصر وحلايب وشلاتين، وترافق ذلك مع قرارات بالترحيل القسري، أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوقية، وسط تساؤلات حول مدى احترام القاهرة لالتزاماتها تجاه اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين.
لكن ما زاد من الجدل، هو تسريب معلومات من ناشطين سودانيين ومصادر سياسية تفيد بوجود اتفاق غير معلن بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وبعض الجهات الأمنية في مصر، يقضي بترحيل الشباب السودانيين من مصر لإعادة تجنيدهم في صفوف الجيش السوداني، الذي يخوض حربًا مفتوحة ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ 2023، وذلك بناء على طلب الأول الذي زار القاهرة مطلع مايو الماضي، وأبرم تنسيقًا أمنيًا مع السلطات، بحسب ما أفصحت عنه مصادر رسمية.
وفي ظل ظروف النزاع المسلح الكارثي داخل السودان، وتحول مناطق واسعة إلى ساحات قتال مدمرة، يصبح الحديث عن إعادة لاجئين قسرًا إلى هذا البلد، قضية تثير قلقًا دوليًا متزايدًا، وتشير شهادات مستقاة من مصادر حقوقية داخل مصر، ومن لاجئين سودانيين، إلى أن العشرات – وربما المئات – من الشبان الذين تم توقيفهم خلال الأشهر الأخيرة، يتعرضون للضغط والترحيل دون أي غطاء قانوني فيما يواجهون مصيرًا مجهولًا.
نوصي للقراءة: بعد مقتل لاجئة سودانية.. كيف تُترك اللاجئات في مصر بلا حماية؟
سجين السرطان
تحتجز السلطات المصرية منذ 7 يوليو الجاري طالب اللجوء السوداني النور مهدي موسى آدم، البالغ من العمر 19 عامًا، والمسجل رسميًا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك رغم وضعه الصحي الحرج بعد بدء علاجه من ورم سرطاني في الغدد اللمفاوية بالمرحلة الرابعة، وفق تصريحات أسرته.
جاء توقيف النور في نفس اليوم الذي تلقى فيه أولى جلسات العلاج الكيماوي، بعد نحو شهرين من وصوله إلى مصر هربًا من جحيم الحرب الدائرة في بلاده، وانهيار النظام الصحي هناك، وهو ما دفعه إلى تقديم طلب لجوء رسمي، حصل بموجبه على بطاقة التماس صادرة عن المفوضية، صالحة حتى مايو 2026، بحسب ما تؤكد أسرته لـ”منصة اللاجئين”.
ورغم تقديم أسرته الوثائق القانونية كاملة إلى قسم شرطة الطالبية بمحافظة الجيزة، بما في ذلك بطاقة اللجوء والتقارير الطبية التي تثبت خضوعه للعلاج، تواصل السلطات احتجازه، وتمنعه من تلقي الجرعة الثانية من العلاج المقررة في 21 يوليو، بل إن عائلته أُبلغت بوجود قرار بترحيله قسرًا إلى السودان، في انتهاك واضح للقانون المصري والمواثيق الدولية التي تحظر الإعادة القسرية لطالبي اللجوء.
غير أن مؤسسة “مدد” الحقوقية ذكرت لاحقًا أنه أُفرج عن النور مهدي خلال فترة إعداد هذا التقرير.
وتقول “منصة اللاجئين في مصر”، وهي جهة حقوقية ترصد أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء، إن واقعة النور “ليست حالة فردية”، بل تمثل “امتدادًا لحملات أمنية موسعة” شنتها السلطات المصرية خلال العامين الماضيين، استهدفت اللاجئين السودانيين على وجه الخصوص، موضحة أن هذه الحملات شملت توقيفات تعسفية من الشوارع والمنازل، واحتجاز الآلاف دون سند قانوني، وترحيل لاجئين مسجلين من بينهم أطفال ومرضى ومسنون، بعضهم توفي خلال الاحتجاز.
وفي السياق، طالبت “المنصة” في بيان رسمي السلطات المصرية بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عن النور مهدي”، ووقف أي إجراءات ترحيل بحقه، وضمان تمكينه من استكمال علاجه الطبي العاجل، كما دعت إلى فتح تحقيق مستقل في ملابسات توقيفه واستمرار احتجازه، رغم ما بحوزته من وثائق قانونية وطبية تؤكد وضعه كمريض ولاجئ قانوني.
إلى جانب ذلك، توجهت المنصة بنداء إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل التدخل العاجل ومتابعة القضية قانونيًا، باعتبار النور طالب لجوء مسجل لديها، تقع على عاتقها مسؤولية توفير الحماية له، وضمان عدم ترحيله أو تعريض حياته للخطر.
في سياق متصل، أفاد شهود عيان تحدثوا إلى “زاوية ثالثة” بأن حملات أمنية متفرقة نُفذت خلال الأيام الماضية في منطقتي الهرم وفيصل بمحافظة الجيزة، وكذلك في مدينة 6 أكتوبر، أسفرت عن القبض على عشرات السودانيين، بينهم نساء وأطفال. ووفقًا للشهادات التي جمعناها، فإن القبض تم بشكل مفاجئ من داخل الشقق السكنية أو أثناء تواجد اللاجئين في الشارع أو المواصلات العامة، دون إطلاعهم على أسباب واضحة للاحتجاز أو تمكينهم من التواصل مع محامين أو ذويهم. وأشار بعض الشهود إلى أن أجهزة الأمن نقلت المقبوض عليهم إلى مقرات احتجاز غير معلنة قبل أن تبدأ إجراءات الترحيل بحق بعضهم، ما أثار حالة من القلق والذعر بين اللاجئين السودانيين المقيمين في تلك المناطق، الذين يعيش كثير منهم أوضاعًا إنسانية صعبة منذ اندلاع الحرب في السودان.
ويؤكد نور خليل مدير منصة اللاجئين في حديث إلى زاوية ثالثة في هذا الصدد، قول نور خليل، أن وقائع القبض على اللاجئين السودانيين تأتي ضمن نمط ممنهج من التوقيف والاحتجاز العشوائي لهم في مصر. ويضيف: “رصدنا في المنصة، خلال الأسبوعين الماضيين فقط، توقيف عشرات منهم في منطقة الطالبية بشارع فيصل بمحافظة الجيزة وحدها، بينهم من يحملون أوراقًا رسمية من المفوضية، وتم احتجازهم داخل القسم دون السماح لمحاميهم بالتواصل معهم”.
ويؤكد خليل أن بعض المحتجزين تعرضوا لانتهاكات تمثلت في سوء المعاملة والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، إضافة إلى رفض الشرطة إطلاع الأهالي على مصير ذويهم، ويشدد على أن المنصة تتابع بقلق متزايد ما يبدو أنه سياسة ترحيل ممنهجة بحق طالبي اللجوء السودانيين، دون مراعاة لحالتهم الصحية أو القانونية، مضيفًا: “هناك تصعيد خطير يتطلب تدخلًا مباشرًا من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان لوقف هذه الانتهاكات قبل أن تتفاقم أكثر”.
نوصي للقراءة: السودانيون في مصر: بين النزوح القسري وأحلام العودة رغم الدمار
حملات قبض متصاعدة وترحيلات غامضة
منذ يناير 2025، رصدت منصة اللاجئين في مصر عشرات حالات القبض على لاجئين سودانيين، تتراوح بين شبان مقيمين بشكل قانوني وآخرين لا يملكون أوراقًا رسمية، إلى جانب مرضى كانوا يتلقون العلاج في مستشفيات القاهرة، فيما يؤكد مراقبون أن العديد من هذه الاعتقالات استهدفت أفرادًا يحملون وثائق تسجيل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو كانوا في وضع قانوني سليم داخل البلاد.
هذه الممارسات، ليست جديدة وكانت وثّقتها كذلك منظمة العفو الدولية، التي أصدرت بيانًا في يونيو 2024 حذرت فيه من “حملة اعتقالات وترحيلات جماعية غير قانونية” تستهدف السودانيين، مؤكدة أن ما لا يقل عن 800 سوداني رُحّلوا قسرًا في النصف الأول من 2024، كذلك تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد المرحلين في الربع الأول من عام 2025 فقط قد تجاوز هذا الرقم، مع تسجيل حالات ترحيل من مختلف أحياء القاهرة الكبرى، خاصة في مدينة 6 أكتوبر والعبور والمقطم.
كذلك أفادت هيئة محامي دارفور في نوفمبر 2024، بترحيل لاجئين سودانيين قسرًا من مصر، مع معاناة المرحلين من سوء التغذية والأمراض، وبعضهم توفي بعد الوصول إلى السودان، وحينها حمّلت الهيئة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولية الوضع الإنساني لهؤلاء اللاجئين.
وفي السياق ذاته أشار تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في يوليو 2025، إلى عودة حوالي 320 ألف سوداني إلى بلدهم منذ عام 2024، معظمهم من مصر وجنوب السودان، موضحًا أنهم عادوا إلى مناطق نزاع تعاني من انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات العامة مثل الخرطوم، سنار، والجزيرة.
ويقول حليم حنيش الاستشاري بمنصة اللاجئين في تصريح إلى زاوية ثالثة إن المنصة وثقت خلال الفترة الأخيرة عشرات الحالات التي تعرض فيها لاجئون سودانيون في مصر للاحتجاز من قبل أجهزة الأمن، لأسباب مختلفة، بعضها يعود لعدم حيازة أوراق إقامة رسمية، والبعض الآخر يتعلق بعمليات قبض جنائي. موضحًا أن غالبية من يجري توقيفهم يتم ترحيلهم بعد ذلك وهو ما ترفضه المنصة بشكل قاطع، خاصة في ظل الوضع الراهن في السودان.
ويضيف حنيش في حديثه معنا: “من بين الحالات التي تابعناها مؤخرًا، حالة محمد النور الذي يتلقى علاجًا من مرض السرطان في مصر، وقدّمت أسرته كل المستندات المطلوبة لقسم الشرطة، لكن لم يكن هناك أي تفاعل إيجابي من الجهات المعنية”، معتبرًا أن هذه الواقعة نموذج على غياب التعامل الإنساني مع بعض الحالات الحرجة.
ويشير حنيش إلى أن أحد الأسباب الأساسية لاعتراض المنصة على الترحيل القسري إلى السودان ودول أخرى مثل إرتريا، هو أن كثيرًا من المرحلين يُجبرون لاحقًا على الانخراط في عمليات تجنيد قسري، لافتًا إلى أن التجنيد الإجباري في السودان لا يزال قائمًا، ويصل أحيانًا إلى فئات عمرية كبيرة تصل إلى سن الستين، وفقًا لما تم رصده.
ويتابع: “العديد من اللاجئين الذين فروا إلى مصر فعلوا ذلك هربًا من الانخراط في النزاع المسلح، سواء في الجيش أو الميليشيات، بعضهم خرج بأطفاله وبناته الصغار تحديدًا لمنعهم من الانضمام لأي جماعة مسلحة، لكن مع الترحيل القسري، يصبحون عرضة لمصير مجهول ولتجنيد قسري قد يبدأ فور وصولهم”.
ويؤكد حنيش أن المنصة سبق أن نشرت تقارير تفصيلية حول خطورة إعادة السودانيين قسرًا إلى بلادهم في ظل الحرب، مشيرًا إلى أنهم يعتزمون مواصلة التوثيق وتقديم البلاغات القانونية اللازمة لمنع استمرار هذا المسار، داعيًا السلطات المصرية إلى الالتزام بتعهداتها الدولية في مجال حماية اللاجئين.
نوصي للقراءة: تحليل: هل السودانيون حقًا سبب أزمة العقارات في مصر؟
الترحيل من أجل التجنيد؟
فيما بقيت السلطات المصرية صامتة رسميًا، تشير معلومات تداولها نشطاء سودانيون إلى أن عمليات الترحيل قد لا تكون مجرد سياسة هجرة متشددة، بل أداة تُستخدم لإعادة تعبئة الجيش السوداني، الذي يعاني من نقص في القوى البشرية، بعد مضي أكثر من عام على الحرب بينه وبين الدعم السريع.
الناشط السوداني مأمون جحا، أحد أبرز الداعين إلى وقف الحرب، يؤكد في حديث إلى زاوية ثالثة أن “هناك ما وصفه بـ “مؤامرة واضحة” يقودها البرهان بالتنسيق مع السفير السوداني في القاهرة ومسؤولين أمنيين مصريين، تقوم على تسليم الشباب الهاربين من الحرب إلى المؤسسة العسكرية السودانية بهدف الزج بهم في جبهات القتال”. ويضيف: “بعض هؤلاء المرحلين كانوا مرضى سرطان، والبعض الآخر لاجئون بلا مأوى، لكن النظام السوداني قرر التضحية بهم لتقليل تكلفة التعاقد مع مرتزقة أجانب مثل التيغراي والإثيوبيين”.
ويذهب جحا إلى أبعد من ذلك حين يتهم شبكات فساد مرتبطة بجهات في الجيشين المصري والسوداني بالاستفادة من هذه الصفقات، خاصة أن بعض المرحلين يُستخدمون في شركات تابعة للمؤسسة العسكرية السودانية تحت غطاء التعبئة.
وفي السياق ذاته يتفق يؤكد الباحث والحقوقي السوداني مجدي ماكن إذ يؤكد أن السبب الرئيسي وراء حملات ترحيل السودانيين من مصر مؤخرًا يعود إلى اتفاق غير معلن بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، يهدف بشكل أساسي إلى تسهيل ترحيل الشباب السوداني إلى السودان، تمهيدًا لتجنيدهم في صفوف الجيش السوداني، في ظل احتدام الحرب الأهلية هناك.
ويشرح ماكن في حديث إلى زاوية ثالثة أن الحرب في السودان تتطلب موردًا بشريًا مستمرًا، وهو ما أصبح صعبًا على الجيش السوداني في ظل تراجع الاستجابة الشعبية لنداءات الاستنفار والتجنيد في مختلف الأقاليم، بما فيها دارفور وكردفان ومناطق الوسط والشمال والشرق. ويضيف: “الجيش السوداني بات يعاني من نقص حاد في الموارد البشرية، ما دفعه إلى البحث عن مصادر بديلة، وجاء هذا الاتفاق كحل عملي من وجهة نظره”.
ووفقًا لماكن، فإن المخطط بدأ بالفعل، إذ أصبح كل شاب سوداني مقيم في مصر، بغض النظر عن وضعه القانوني أو ظروفه الإنسانية، عرضة للاعتقال والترحيل القسري، ويوضح أن هذا التوجه ليس مجرد إجراء أمني، بل تدعمه مجموعات مصالح داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية، ترتبط بمصالح اقتصادية مباشرة مع شركات تابعة للجيشين المصري والسوداني.
ويختم ماكن بالإشارة إلى أن العديد من الشكاوى الرسمية وُثقت ورفعت بالفعل إلى الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى، إلا أن الاستجابة حتى اللحظة لا تزال “ضعيفة وغير متناسبة مع حجم الانتهاكات الجارية”.
وفي مايو 2025، زار الفريق أول عبد الفتاح البرهان القاهرة، في زيارة وُصفت بأنها “أمنية بامتياز”، حيث التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادات أمنية، ورغم أن البيان الرسمي ركّز على “التنسيق الأمني المشترك وضبط الحدود”، فإن توقيت الزيارة وتزامنها مع ارتفاع وتيرة الاعتقالات بحق السودانيين زاد من احتمالات الترحيل بهدف الإجبار على المشاركة في القتال.
خاصة أن مصادر دبلوماسية تحدثت إلى وسائل إعلام دولية عن احتمال وجود بروتوكول أمني غير معلن، يقضي بإعادة السودانيين غير النظاميين أو “المطلوبين” إلى الخرطوم، وهو ما تم نفيه رسميًا، لكنه يظل قائمًا على أرض الواقع من خلال الترحيلات المتواصلة.
نظام التجنيد في السودان
يعتمد الجيش السوداني في تعبئة قواته على نظام تجنيد إجباري، خاصة في ظل الحرب القائمة، حيث تسمح حالة الطوارئ باستدعاء الشباب من الفئات العمرية بين 18 و40 عامًا، حتى دون موافقتهم. كما أن سلطات الجيش تلجأ لتجنيد قسري في بعض الأحيان، خاصة في مناطق النزاع، أو في حالات اللاجئين الذين يُعادون من الخارج.
في يونيو 2023، أطلق الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، تعبئة شعبية تُسمى “المقاومة الشعبية”، وهي تعبئة طوعية رسميًا تهدف إلى حماية الأراضي والممتلكات. ومع ذلك، هناك تقارير تشير إلى أن هذه التعبئة قد تضمنت ضغوطًا على الشباب، بما في ذلك أولئك في المناطق المتضررة من النزاع، للانضمام إلى القوات المسلحة أو الميليشيات المتحالفة معها.
وتكشف تقارير دولية أن عدد المجندين قسرًا في السودان قد ازداد بنسبة 30% منذ اندلاع الحرب، خصوصًا مع تراجع عدد المتطوعين وهروب المدنيين إلى دول الجوار.
الواقع أن السودان بات ساحة حرب مفتوحة، لا سيما في ولايات دارفور والخرطوم وكردفان، حيث تدور معارك يومية بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني، حسب تقارير الأمم المتحدة، بالإضافة إلى انهيار النظام الصحي وانقطاع الإمدادات في مناطق كثيرة.
وترحيل الشبان إلى السودان في هذا التوقيت يعني تعريض حياتهم للخطر المباشر، أو إجبارهم على المشاركة في حرب لا يريدونها. وبحسب شهادات من ذوي المرحلين، فإن بعضهم أُرسل مباشرة إلى معسكرات تدريب عسكرية دون عودتهم إلى مناطق سكنهم أو الاتصال بذويهم.
موقف مصر من القانون الدولي للاجئين: علامات استفهام
بحسب اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والموقعة من قبل مصر، لا يجوز إعادة أي لاجئ إلى بلد يُحتمل أن يتعرض فيه للخطر أو الاضطهاد، إلا أن تصرفات السلطات المصرية مؤخرًا تتناقض مع هذه الالتزامات، خاصة في ظل غياب أي تقييم حقيقي لطلبات اللجوء أو آلية للطعن في قرارات الترحيل.
وترى منظمات حقوقية دولية أن ما يحدث “يشكل خرقًا صارخًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية”، محذرة من أن مصر قد تخسر ثقة المجتمع الدولي إن لم توضح موقفها أو توقف تلك الممارسات فورًا.
حتى نهاية مارس 2025، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر حوالي 942 ألف شخصًا، يمثلون أكثر من 60 جنسية مختلفة، وتتصدر الجنسية السودانية القائمة، تليها الجنسيات السورية، والإريترية، والإثيوبية، والجنوب سودانية، والصومالية، واليمنية، والعراقية. يعيش معظم هؤلاء اللاجئين في مناطق حضرية مثل القاهرة الكبرى والإسكندرية، حيث تعتمد الغالبية على المساعدات الإنسانية بسبب التحديات الاقتصادية وصعوبة الوصول إلى سوق العمل الرسمي.
تعرف منظمة الأمم المتحدة اللاجئ بأنه الشخص الذي اضطر إلى مغادرة بلده بسبب ظروف مثل الحرب أو العنف أو الاضطهاد، مع عدم قدرته على العودة أو خوفه من ذلك، وتحدد اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “شخص يقيم خارج بلده الأصلي أو مكان إقامته المعتادة نتيجة خوف مبرر من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو آراء سياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في اللجوء إلى حماية ذلك البلد أو العودة إليه بسبب هذا الخوف”.
منذ بدء الصراع في السودان في أبريل 2023، فر أكثر من 1.5 مليون سوداني إلى مصر، وفقًا لتقديرات المفوضية والحكومة المصرية. ومع ذلك، فإن التشديد الأمني المصري، بما في ذلك حملات التفتيش على إقامات الأجانب، زاد من مخاطر الترحيل، خاصة لمن لا يملكون وثائق إقامة سارية.
في مايو 2023، فرضت مصر تأشيرات دخول على جميع السودانيين، مما دفع العديد منهم إلى استخدام معابر غير نظامية، مما عرضهم لخطر الاعتقال والترحيل. وتشير تقارير إلى أن طول فترة انتظار التسجيل لدى المفوضية (تصل إلى عام) يزيد من تعرض السودانيين لخطر الترحيل، حيث لا يحصلون على وثائق حماية في الوقت المناسب.
بينما تتزايد الضغوط على مصر بسبب ملف اللاجئين، تواجه الحكومة اتهامات بخرق التزاماتها الإنسانية، والتواطؤ في صفقات سياسية-عسكرية تضع أرواح الشبان السودانيين في خطر. ومع غياب الشفافية، وبقاء أصوات اللاجئين مقموعة، يصبح من الضروري فتح هذا الملف على مصراعيه، ومساءلة الأطراف المعنية عن مصير هؤلاء العالقين بين الحرب والقمع والترحيل القسري.