الترقي الاجتماعي في دولة مبارك /السيسي
(1)
في أخر فيلم "كباريه" الفنان فتحي عبدالوهاب عمل مشهد مع الفنان أحمد بدير ، من المفترض انه يكون بيحمل رسالة الفيلم الرئيسية .
بعد ما فاق من سكره وقبل ما ياخد قرار عدم تفجير حزامه الناسف ، حكى لموظف الكباريه ، حكاية اتنين اخوات واحد منهم دخله أكبر من التاني بكتير ، بس بيتأخر على شغله وبيتحسبله تأخيرات أو يضطر يركب تاكسي ، وابنه بيحتاج دروس خصوصية ، في حين التاني بيصحى بدري وبيركب الأتوبيس ، وابنه مجتهد مبيحتاجش دروس ، والأول رغم ان دخله كبير مبيكفيهوش ، والتاني دخله الصغير بيكفيه ، وختم الحكاية بأن دي بركة ربنا .
على طريقة فتحي عبدالوهاب ممكن نقول حكاية تانية .
تلاتة اصحاب من نفس المنطقة والمستوى الاجتماعي ، واحد منهم مجتهد جدا ومتميز في الدراسة بذكاءه ومجهوده ، خلص الثانوية العامة بتفوق ، دخل كلية هندسة اللي بيحلم بيها ، اتخرج منها واشتغل في مكتب مقاولات صغير ، بمرتب 5000جنيه شهريا .
التاني مكنش بنفس درجة الاجتهاد في الدراسة ، والده كان بيشتغل في الخليج ، صرف عليه دروس ووداه مدرسة أفضل شوية ، دخل كلية الهندسة ، نجح فيها بالكورسات مع المعيدين ، اتخرج من الكلية ، سافر اشتغل في الخليج مع والده .
التالت والده كان سمسار شقق وأاضي ، بشوية علاقات مع موظفين الحي بقى عضو مجلس محلي ، مهتمش بتعليم ابنه اللي اتخرج بتعليم متوسط ، واتعين موظف في الحي .
بعد شوية سنين اللي كان في الخليج رجع وقرر يبني عمارة تتكلف 5مليون جنيه ، هيبنيها مكتب المقاولات اللي شغال فيه صاحبه ب5000ج ، وعشان يخلصوا الرخصة دفعوا للتالت 50 ألف جنيه .
الأول رغم انه مهندس مجتهد ، مقدرش يدخل أولاده غير مدارس حكومية ، التاني والتالت دخلوا ولادهم مدارس دولية .
الأول سقط من الطبقة المتوسطة ، بقى دخله يادوب بيكفي "الأكل واللبس" ، التاني والتالت حافظوا على مكانتهم في الطبقة المتوسطة وترقوا فيها .
(2)
من حوالي 12 سنة صديق ليا طالب في لية طب طلب أروح معاه مشوار ليه علاقة بفرصة شغل أثناء الدراسة .
وكانت الفرصة عبارة عن تسويق جهاز بيعالج كل الأمراض بالنبضات ، وكانت بتسوقه شركة صينية اسمها "شنيل" بطريقة التسويق المباشر .
اتفاجأت هناك ان محاضرة البيع بيتكلم فيها أطباء منهم أخو صديقي ، عن ان الجهاز أد ايه عظيم .
بعدها بيتكلموا ان ازاي تقدر تعمل فلوس من الموضوع بأن كل جهاز بتجيب حد يشتريه بتاخد فلوس ، وتبني تحتك شجرة مبيعات ، على الطريقة المعروفة للتسويق الشبكي.
طبعا رفضت الفكرة وكان سؤالي الوحيد لصديقي طالب الطب لما هو في جهاز بيتباع ب1000ج بيقدر يعالج كل الأمراض ، أنت بتدرس 7 سنين ليه ي الكلية ؟؟
لما رحت كان عدد اللي اشتروا الجهاز 40 ألف ، عرفت بعد كده ان الشركة صفت في مصر بعد ما وصل عدد المشترين أكتر من 500 ألف .
(3)
شاب خريج لكلية هندسة بيقضي فترة تجنيده في واحد من نوادي القوات المسلحة ، كتب بوست عالفيس بوك بيحكي عن موقف حصل معاه ، وهو بيمسح ترابيزات النادي ، وأم لطفل من أعضاء النادي ، قالت لابنها ذاكر عشان متبقاش زي اللي بيمسح الترابيزات ده .
في الوقت اللي قاعد "صف ظابط" بيشرف على شغل المجندين بيشرب قهوة ومولع سيجارة وبيقرا الجورنال ، مع ان مؤهله الدراسي كان التعليم الأساسي بس اتطوع في الجيش وتدرج فيه .
(4)
طالبة في احدى مدارس بورسعيد ، كانت مجهزة كلمة تقولها في زيارة محافظ بورسعيد "عادل الغضبان" ، وقفت اتكلمت وأجادت في مدحه .
وفي نهاية كلمتها ختمت بأن لو ينفع تسجد لحد ، كانت سجدت لسيادته .
المحافظ "انشكح " من كلام البنت ، وطلب انها تروحله مكتبه ، واتصور معاها في مكتبه ، ونقلها لمدرسة المتفوقين .
(5)
حكايات اتكررت زيها وشبهها ألاف المرات على مدى 40 سنة ، حولت الطبقة المتوسطة للشكل المشوه اللي وصلتله .
كل نظام لازم يتيح هامش ترقي اجتماعي ، للتنقل بين الطبقات المختلفة ، الهاش اللي بيعتمد في الدول الحديثة ، على الابتكار والابداع ، وبتكون ليه معايير مختلفة في دول زي دولنا .
تلميع نماذج ناجحة وتقديمها للأجيال الجديدة ، هو اللي بيخلق القوة الدافعة في المجتمع للتقدم والتطور ، أو بيجرها للتخلف زي حالتنا .
الخبرات المجتمعية اللي اكتسبناها كلها بتقول ان طريق النجاح مش مرتبط في بلدنا بالابداع او الاجتهاد بالعكس.
دور على أبرز المهندسين والمحامين والاعلاميين والساسة وشوف ازاي قدروا ينجحوا .
التغير اللي بيحصل ده ، تم رصده في كل الأعمال الفنية اللي أنتجت في فترة الانفتاح ، من مثقفين كان عندهم تصور للحالة اللي هيوصلها المجتمع وصل .
لو في حد متخيل ان اللي بيحصل ده بغير رغبة النظام او بغير علمه تبقى غلطان .
ثقافة النظام استشرت في المجتمع ، و بنفس الطريقة اللي بتتم في طبقة الحكم ، بتنزل لحد أقل درجة في المجتمع .
يمكن مبارك والسادات معملوش جريمة أخطر من "الشقلبة" اللي عملوها في الطبقة المتوسطة دي .
ويمكن السيسي دلوقتي يكون أخطر حاجة بيعملها هو تصدير نماذج رديئة ومشبوهة لتصدر المجتمع ، وتنحية كل مجتهد ومبدع .
الأزمة الحقيقية أولادنا لما يكبروا ، هيشوفوا اننا كنا فشلة لأننا مقدرناش ننجح وفق معايير المجتمع ، ولا هيقدروا اختيارنا الطريق الصعب .