لمن يثبت نسب ولد المغتصبة؟

327

فيه ناس متصورين إن الولد اللي بييجي من واقعة اغتصاب بيتم نسبه للمغتصب.. أنا جاي أصدم الناس دول وأقول لهم: ترفض كافة المحاكم المصرية على اختلاف درجاتها إثبات نسب الطفل الذي حملت فيه أمه، بسبب واقعة اغتصاب، مستندين في ذلك إلي أن النسب لا ينشأ إلا بالزواج، سواء كان زواجًا رسميًا أو عرفيًا، موثقا أو غير موثق، بل إن المحاكم تنزل قاعدة أن "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، علي وقائع طلب إثبات نسب الأطفال المولودين نتيجة واقعة اغتصاب، وهو أمر شديد الغرابة، ولم يضع له المشرع حلا حتي الآن ولم يجتهد الفقه القضائي في أن يضع له حلا أيضاً، وهو ما يمكن اعتباره عقابا للضحية ومكافأة للمغتصب، فيساوي المشرع ومنصات القضاء بين الزنا وبين الاغتصاب، الأولي جريمة تنتج بناء علي تلاقي إرادة طرفيها بينما الثانية جريمة تقع من طرف علي طرف، وبالتالي فإنه من المستغرب أن تسود فكرة المساواة بين الأمرين، وهو ما يمكن اعتباره خروجا علي قواعد العدالة ومصلحة الطفل التي هي "أولي بالرعاية" ويشكل تضاربا بين الالتزامات الدولية والنصوص القانونية وبين القواعد الشرعية التي هي بطبيعة الحال في مرتبة أعلي من النصوص القانونية، ونجد أن المشرع ل يعطي للطفل الحق في إثبات نسبه إلا " لوالديه الشرعيين"، وهو ما ينتج أمرين: قنبلة موقوتة عبارة عن الأطفال الذين ولدوا نتيجة جرائم اغتصاب، ثم وصمة لضحية تلك الجريمة (الأم) التي لا تستطيع أن تثبت لولدها نسبا فتظل محملة بعبء جريمة هي في الأساس ضحيتها إلي ما شاء الله. 

وبالرغم من وجود آراء فقهية تسمح بنسبة الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب لأبيه إلا أن الفتوي الحديثة علي سبيل المثال لدار الإفتاء المصرية ترى: " الشرع الشريف يَتَشوَّف إلى ثبوت النسب بأقرب طريق مهما أمكن ذلك، بشترط قيام الزوجية الصحيحة أو افاسدة أو وطء الشبهة، أما عند عدم وجود الفراش الصحيح؛ بأن يكون الولد ثمرة زنًا (سواء باغتصاب أم بغيره) فلا يثبت بذلك نسبٌ؛ فماء الزنا هدَرٌ، وفي هذه الحالة يثبت النسب إلى الأم فقط، وعليها إسكانه وحضانته ونفقته وكل أوجه الرعاية التي تستلزمها تربيته، وفي الميراث يحصل التوارث بينه وبين أمه وأقاربها فقط؛ لأنه ولدها يقينًا ومنسوب إليها، وهو مَحْرَمٌ لها ولسائر محارمها." 

وهو ما تسايرها فيه المحاكم علي اختلاف درجاتها، ومن ذلك علي سبيل المثال : حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في الدعوي رقم 14943 لسنة 131 ق بجلسة 24 سبتمبر 2014 والذي قضي بأنه: " لما كان ما تقدم وهديا به وكان الثابت للمحكمة من سائر أوراق التداعي أن حمل المستأنفة ووضعها للصغير .............. كان نتيجة اعتداء المستأنف ضده عليها وهتك عرضها بدون تهديد أو قوة حسبما قررت المستأنفة في المحضر رقم 29462 لسنة 2011 جنح قسم شرطة امبابة ولم يكن نتيجة زواج صحيح أو فاسد وإنما نتيجة فعل في ذاته لا شبهة مطلقا في أنه زنا – وكونه زنا في حقيقته لا يثبت به نسب، ومن ثم يكون الحكم المستأنف قد صادف صحيح الواقع والقانون لابتنائه علي أسباب سليمة وسائغة تقرها هذه المحكمة وتأخذ بها الأمر الذي تقضي معه هذه المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف لأسبابه وللأسباب التي أنشأتها هذه المحكمة علي نحو ما سيرد بالمنطوق"، وهذا الحكم لا يعدو ترديدا لأحكام عديدة تقرر نفس القاعدة التي سنوضح تاليا مخالفتها لبعض الآراء الشرعية باعتبارها ليس مما هو متفق عليه، والدستور والمواثيق الدولية.


المصدر : ورقة بحثية بعنوان " تطور الفقه القضائي في ضايا المرأة " صادرة عن مؤسسة قضايا المرأة المصرية للمحامي مالك عدلي 

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك