البحث عن ضحكة

406

لا تكاد تخلو الفرحة من أضغاث.. لماذا؟ سؤال أرهقها كثيرًا لكن ذلك الصباح لم تستطع القيام من مخدعها، لكثرة التفكير الذي داهم أحلامها  في الليلة السابقة،  لماذا تخاف الفرحة هكذا؟ لماذا لم تترك جسدها الهزيل يتراقص ويتمايل بدلال مع نغمات عمرو دياب التي تحبها؟ حتى المصور طالبها مرارًا بالابتسامة، فتحددت تجاعيد وجهها وفقا لتلك الابتسامة المرسومة زيفا!

بعد حوالي ساعة من محاولة طرد تلك الأفكار الكئيبة، قامت لتواجه يومًا جديدًا مليئًا بالتحديات، تناولت كوب الشاي باللبن المعهود ورشفته حتى شعرت بمذاق التفل في فمها، ارتدت ثيابها وألقت نظرة سريعة على هندامها في المرآة، لم ترد على سؤال والدتها ذ النبرة الناعسة وتركتها تطلق العنان لمخيلتها، وتخمن أين تذهب ابنتها صبيحة ليلة خطبتها وهي تعرف أنها في إجازة ثلاثة أيام.

منذ عامين، وهي تنتظر تلك الليلة التي تتوج يدها بخاتم الخطبة الذي اختارته بعناية، قصة حب تمنت أن تكلل بالزواج، فلماذا إذًا لم تشعر بالسعادة؟ شعرت ببرودة تسري في أطرافها بعدما هبت موجه رياح اجتاحت جسدها وأفكارها، التي قطعها صوت النادل وهو يصب القهوة بعناية في فنجان صغير ويسألها إذا كانت تريد شيئًا آخر.

رياح يناير في يوم شتوي قارص البرودة زادته مياه النيل التي تجلس بحضرتها في إحدى مقاهي حي الزمالك الذي تهوى المشي بين ربوعه، جعلتها تسترجع الكثير من ذكرياتها.. في ذكرى مولدها العاشر، تقف بحوزة كيك الميلاد الشهى المغموس في الشوكولاته وتزينه قطع الكريز الحمراء، في ردائها الأصفر وشعرها المجدول تقف وسط عائلتها وصديقاتها، وعلى وجهها نفس الابتسامة التي حاولت رسمها بعناء في الليلة السابقة.

وفي يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة لم تشعر بأي سعادة بعدما اكتنزت ذلك المجموع الضخم الذي سمح لها بدخول كلية الصيدلة، دموع والدتها وزغروطة خالتها أربكاها، ولكنها لم تحرك أي ساكن، ويوم التخرج في حفلة أنيقة رتبها زملاؤها أيضًا لم تشعر بالسعادة!

بحثت ن هاتفها وأخذت تقلب في ذاكرة الصور عن صور التخرج، فصدمت بتلك البسمة منزوعة لفرحة، شفتاها مضمومتان وعينيها مراوغة وكأنها تستحي النظر لعدسة الكاميرا، لم تكن صور حفلة التخرج وحدها ما تحمل تلك البسمة ولكن جميع صور الذاكرة القليلة.

ساعتان ونصف، وهي جالسة دون حراك، تقاوم أفكارها التي لم يتوافر أي شيء يشتتها، فالأجواء توفر بيئة رحبة للذكريات التي لا يوجد فيها بسمة واحدة جريئة تبعث الحياة في وجنتيها، أو ضحكة مجلجلة تقطع أنفاسها وتشعرها بنغزة في أحشائها من كثرة الضحك، رصانة ووجه قليل التبسم حصيلة ذاكرتها على مدار 26 عام، فحتى صور الطفولة المبكرة في الألبوم الأزرق الذي تحتفظ به والدتها بعناية في الدولاب، صوره تتصدرها التكشيرة أو الصلابة.

قاطع سيل الذكريات ضحكة مدوية في أرجاء المكان، فجالت بنظرها حتى عثرت عليها أخيرًا، فتاة عيونها لامعة وشعرها المفعم بالسواد يطايره الهواء يكسب وجهها ملاحة علاوة على نغزتيها اللتين تبرزهن تلك الضحكات المجلجلة، تتحدث في الهاتف وهي تتجول في طرقات المقهى على شط النيل غير عابئة بنظرات من حولها، فقط تضحك وتزيد بعدما ترن ضحكتها في أذنها.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك