ميعاد التراشق السنوي

981


الأسبوع ده كان ميعاد التراشق السنوي بخصوص انقلاب يوليو وعبدالناصر، وأصدقاءنا من الناصريين زعلانين من كمية السف والتريقة اللي بتزيد كل سنة، وأهالينا من كبار السن شايفين إن السف على عبدالناصر نوع من أنواع قلة الأدب وعدم الرباية وإن اللي بيتريقوا دول شباب مغيب ومش فاهمين حاجة، أما الدولجية وبعض الناصريين الدولجية فشايفين إن انتقاد عبدالناصر ودولة يوليو عبارة عن مؤامرات مستمرة منذ عشرات السنين.


من وجهة نظري إن السف والتريقة اللي بتزيد كل سنة لها جانب إيجابي كبير، فكرة تكسير الأصنام وعدم تقديس الأشخاص هي ميدأ مهم في حد ذاته، الأجيال الجديدة أصبحت تدور على الرواية الثانية بعد ما شافت بعينها عدم صدق ومعقولية الروايات السائدة حول كثير من الأحداث المعاصرة، شافوا بعينهم أحداث عايشوها لكن بتتزيف وبتتشوه في الرواية الرسمية، من الجانب الإيجابي في الموضوع إن أجيال كتير بتحاول تدور على المعلومة الصحيحة ومش مصدقين الكلام اللي شربوه بالمعلقة وهم صغيرين.


ومهما كان الشخص عمل من إنجازات، لإنه في الاخر بشر يصيب ويخطئ وليس شخص معصوم، وصحيح إن فيه بعض المبالغة  في اللي بيتقال عن عبدالناصر زي الكلام عن  انه أبو الهزائم، أو بعض المبالغات اللي بتتقال عن العصر المكي لما كانت مصر دائنة لبريطانيا وماشابه، ودا بيستفز كثير من الأصدقاء امنصفين اللي بيحاولوا يتكلموا بالوثائق والمعلومات وليس المبالغات والشتيمة السائدة.


لكن الأصدقاء من أنصار السف والمبالغة بيقولوا إن اسلوبهم ده هو رد على التأليه والتقديس والاكاذيب اللي بيلجأ لها معظم الناصريين من تصوير عبدالناصر بالشخص الملائكي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن الشتيمة رد على اُسلوب الناصريين المتعصب والمتشنج اللي بيتهم كل من ينتقد التجربة الناصرية بالخيانة والعمالة للغرب والاستعمار.


الجدال والسف اللي بيزيد كل يوم من رأيي حاة صحية ومهمة، لإننا اتربينا على رواية رسمية ومدرسية بتتكلم عن إنجازات عيمة وأسطورية لانقلاب يوليو ١٩٥٢، أساطير ومبالغات وإن مصر قبل الحركة المباركة ماكانتش موجودة، وإن كل المصريين كانوا عبيد عند الملك والحاشية والاستعمار، وإن التعليم المجاني والتقدم والكرامة والنهضة كان على يد عبدالناصر، وإن مصر كانت جنة تنعم بالتصنيع والعدالة الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين .


أنا من الرأي اللي شايف إن التقييم الموضوعي بدون مبالغات هايبقى أفضل كتير للمستقبل، صحيح عبدالناصر عمل إنجازات عظيمة، علشان كده كانت كوارثه عظيمة، لِسَّه مستمر تأثيرها حتى اليوم، مها كان الخلاف على عبدالناصر إلا إنه كان من الزعماء اللي لهم تأثير ضخم في منطقتنا في ذلك الوقت، وتأثير ما فعله حلو وسئ مستمر معانا حتى اليوم.


 إنجازات قد تكون عظيمة عموما أو عظيمة في وقتها، زي التوسع في التعليم المجاني، والتوسع في الرعاية الصحية، وضمان وظيفة جكومية لخريجي الجامعات وإدخال الكهرباء والمياة الصالحة للشرب للريف، رغم إن لغاية انهاردة لِسَّه فيه قرى كتير في مصر بدون مياه وصرف صحي، إنجازات اخرى وقتها زي القطاع العام والتصنيع والعدالة الاجتماعية والإصلاح الزراعي والسد العالي، وأكبر جيش في المنطقة.


حتى هذه الإنجازات عليها خلاف كبير ظهر بعد موت عبدالناصر ومستمر حتى اليوم، يعني خلافا لما يتم ترويجه حول مجانية التعليم اللي عملها عبدالناصر اتضح إن مجانية التعليم الأساسي كانت بدأت أصلا في العهد الملكي، لكن التعليم الجامعي هو فقط اللي أصبح مجاني في عهد عبدالناصر، وبرضه في عهد عبدالناصر فقدت الجامعات استقلالها وأصبح التعليم أقل كفاءة بسبب الأعداد اللي فوق الحاجة، تعليم جامعي لكل طالب ثم وظيفة حكومية لكل خريج جامعي، هل أثر ذلك في تحسين الجهاز الإداري للدولة أم زيادة ترهله إلى أن وصل لما نحن فيه الآن؟ 


الكثير من الناس والكتاب والباحثين والمؤرخين كتبوا تساؤلات حول جدوى مشروع اسد العالي وهل كان يستاهل الحرب والعدوان الثلاثى؟ وهل السياسة الاقتصادية والتأميم والإصلاح الزراعي كانت سياسات عادلة حقا؟ وهل معادلة العدالة الاجتماعية مقابل الديمقراطية كانت معادلة صحيحة؟ يعني ماكانش ينفع حرية ولو تدريجية بالتزامن مع العدالة الإجتماعية في العهد الناصري؟ ماكانش ينفع حقوق سياسية بالتزامن مع الاقتصادية؟

وهل صمد أقوى جيش في المنطقة أمام العدوان الاسرائيلي اللي كان متوقع قبلها بفترة كافية؟


حتى الإنجازات اللي يمكن اعتبارهاالعظيمة .. ماتت معاه لأنها كان حكم فرد، لم يكن حكم مؤسسي، لم يرسخ ثقافة المشاركة، لم يكن للمجتمع دور، كله ت تأميمه وضمه للاتحاد الاشتراكي، عبدالناصر كان له خطب كثيرة بينظر فيها ضد الديمقراطية وضد الحريات، وخطب تانية كان بيعتبر إن منح بعض الاستقلالية للنقابات والمجتمع المدني يعتبرمؤامرة من قوى الاستعمار ، ضاعت الإنجازات ومقايضة العدالة الاجتماعية أمام الحريات ولم يتبقى بعد موته إلا الدولة البوليسية والقمع وحكم الفرد والسيطرة على الاعلام.


الأجيال الكبيرة زعلانين من وقاحة أو جراءة الأجيال الجديدة على عبدالناصر، لكن الأجيال الكبيرة قد تكون شافت بعض الإنجازات في الفترة دي بكل خصوصيتها، لكن الأجيال الجديدة مش بتشوف إلا سلبيات النظام اللي أسسه عبدالناص ولسه مستمر لغاية دلوقتي.

تجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك