لاجئو كوريا الجنوبية

398

تبدأ معاناة اللاجئين في كوريا الجنوبية نذ اللحظة الأولى لوصولهم أرض شبه الجزيرة الكورية، وذلك لسبب مهم جدًا وهو الفارق الثقافي الكبير، والذي تبدو بشائره في الاختلاف في اللغة، دومًا ما تكون عائقًا في التواصل مع الآخرين من الكوريين سواء كانوا موظفين في الحكومة أو مكتب الهجرة واللجوء أو مواطنين عاديين، لكن في الحقيقة لم يعتبر اللاجئون والمهاجرون سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين أزمة اللغة والفارق الثقافي عائقًا أمام هدفهم وغايتهم للوصول لأرض كوريا .

لكي نكون منصفين يجب أن نقر أن هناك نسبة كبيرة من طالبي اللجوء هم لاجئون مزيفون وأن نسبة كبيرة من العمالة غير الشرعية تتكون من هؤلاء مقدمي طلبات اللجوء، ولكن دعونا نكون منصفين أكثر ونرى ماذا يقدم هؤلاء العمال من طلاب اللجوء للمجتمع الكوري و الاقتصاد كل على حدة.

منذ اللحظة الأولى لوصول طلاب اللجوء يبدأون مباشرة في دفع رسوم ضخمة للحكومة الكورية عن طريق مكتب اللجوء، وهم في دأبهم هذا على قدم المساواة مع بقية الأجانب.

لكن طلاب اللجوء يتعين عليهم بعد رفض قضاياهم من مكتب الهجرة اللجوء للمحكمة، وهو عادة ما يحدث لذا يتوجب عليهم دفع المزيد والمزيد من الأموال للحكومة الكورية، عن طريق المحكمة الابتدائية والإدارية والمحكمة العليا، إضافة للمحامي الكوري الذي يتخطى أجره ملايين العملة الكورية، نحن لا نقول إن الحكومة الكورية تنتفع من خلال هذه الرسوم أو إنها تزيد من إيرادات خزانة الدولة، لكن نوضح فقط أن الغالبية العظمى من طلاب اللجوء يدفعون للحكومة الكورية أكثر مما يأخذون.

كطبيعة كل الاقتصادات القوية فإن الاقتصاد الكوري يحوي العديد من القطاعات تتباين بين الإنتاج والخدمات والزراعة .. إلخ، هل تعلم أين يعمل طلاب اللجوء واللاجئين؟! يعملون في كل القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية .. لكن أين؟

إذا ما اعتبرنا أن هناك سلم وظيفي فإن اللاجئين يحتلون الدرجة السفلى منها، وإذا اعتبرنا أن الوظائف في كوريا الجنوبية تشبه الوعاء، فإن اللاجئين أسفل القاع، يقومون بأحقر وأقذر الوظائف وأشدها صعوبة، ينظفون فضلات الحيوانات في المزارع ويجمعون القش بعد جمع المحصول، بل وأكاد أن أجزم أن اثنتين من كل ثمرة فاكهة أو خضروات تم حصدها أو جمعها في كوريا الجنوبية هي قد جمعت على يد لاجئ أو طالب لجوء.

يعمل طلاب اللجوء أيضًا في مصانع السيارات والمحركات على ماكينات ضخمة وخطرة تتكرر فيها حوادث قطع اليد أو الإصابات المستديمة، أيضًا مزارع الملح عادة يكون العمال هناك من اللاجئين وقطاع البناء كذلك يعمل فيه قدر لا بأس به من طلاب اللجوء، وأيضا فرز القمامة لإعادة التدوير عديد من طلاب اللجوء يعملون فيه!

ماذا نستنتج من كل هذا؟إن كوريا الجنوبية لا تتيح لطلاب اللجوء إلا الوظائف القذرة في قاع منظومة العمل في سق العمل الكورية، حيث يعمل طلاب اللجوء في وظائف، ينفر منها العمال الكوريين ويتأفف منها الشباب الكوري خاصة بل ويحتقرونها، إذًا فإن طلاب اللجوء يأدون خدمة كبيرة لكوريا ولشعب كوريا حيث ينظفون الخراء تحت حيواناتهم، ويصنعون غطاء محركات سياراتهم وينقلون الملح من المحيط إلى منازلهم بأياديهم العارية.

ويزيد على ذلك كله أن طلاب اللجوء بوجودهم في كوريا أدوا إلى تحسن كبير في قطاع العقارات خاصة البنايات القديمة، التي ينفر من الإامة فيها الشباب الكوري والكوريون عامة، من يقيم هناك ويؤدي إلى انتعاشة قطاع كبير من العقارات القديمة؟! "طلاب اللجوء واللاجئين"، للمفارقة الشديدة في مطلع العام الحالي أقامت دولة الألعاب الشتوية في "بيونج تشانج"، لكن الشعب والناس الكوريين في بيونج تشانج لم يكونوا جاهزين لاستقبال واستضافة هذا الكم الهائل من الأجانب، رغم التجربة السابقة في كأس العالم منذ ما يقرب من ١٥ عامًا، من ذهب إلى هناك وهو يجيد التحدث مع الأجانب وإعداد طعام وتبادل الثقافة وتقديم خدمة الفندقة مع السياح الأجانب القادمين لرؤية دورة الألاب الشتوية؟! بالطبع ليس الكوريون فحاجز اللغة والثقافة وقف عائقا أمام ذلك، أستطيع أن أجيب على ذلك بكل أريحية أن طلاب اللجوء واللاجئين، هم من قاموا بتقديم الخدمات لسياح دورة الألعاب الشتوية في بيونج تشانج.

استقدم ملاك المطاعم والفنادق ومحلات الملابس والمولات عمالا من وكالات عمل داخل سيؤول، ولم تجد وكالات العمل أكثر من طلاب اللجوء خبرة في العمل، وقدرة على تحدث اللغات المختلفة وإتقان مهارات الفندقة وطهي الطعام أكثر من غيرهم من الأجانب وبالطبع أكثر من الكوريين بكثير.

نحن لا نريد أن نقول في هذا المقال إن لنا فضل أو قيمة أكثر من غيرنا في خدمة كوريا الجنوبية أو شعب كوريا الجنوبية، لكن نريد أن نقول إننا فقط مختلفون ومجتهدون نحاول الاندماج في المجتمع الكوري، والالتزام بقواعده،

لكننا سنظل مختلفين لأن ثقافتنا مختلفة، وهو ما يثري تجربة التقارب والتواصل بيننا وهو ما قد يضيف شيئًا جديدًا، قد يؤدى إلى تحسين المجتمع الكوري على مستوى قبول الآخر وتحسين أوضاع الحقوق والحريات وشؤون وأحوال العمال في كل قطاعات الاقتصاد.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك