25 يناير .. انقلاب الطبقة المتوسطة

855


"يا أهالينا ضموا علينا... أنتو معانا ولا علينا" 

واحد من الهتافات التي قيلت في الهبة الأولى لثورة 25 يناير 

والذي لازلت أحتفظ به في ذاكرتي السمعية جيدا فبعد نقاش طويل مع أحد الأصدقاء وهو رئيس القسم الإعلامي في أحد الأحزاب القديمة عن هتافات الثورة النوعية وغير النوعية يرى فيه أن هذا الهتاف تحديدا كان مسؤولا عن ضم عدد كبير من الجيل القديم إلى صفوف الشباب في الشارع بتحييدهم أولا والتحاقهم في اتظاهرات والاعتصامات ثانيا.


الطبقة الوسطى في مصر ليس لها تعريف محد أو واضح فقد كان نظام مبارك يسميها اختصارا مفردا "المواطن محدود الدخل" والليبراليون يحبون حصرها في "التدين الشعبي"، بالأحرى لفظة "الطبقة الوسطى"  تعريف أيديولجي فرضته حالة الجدل الاجتماعي ما قبل يناير ورسخته  الثورة على قطاع عريض من المصريين لاهم بالأغنياء ولاهم بالفقراء القح،

ليسوا من المثقفين ولا الأميين لا يبالغون"تقريبا" في التطرف الديني ولا ينقطعون عن الشعائر الدينية.

بهذا الفهم للطبقة الوسطى الهلامية واجهت ثورة يناير "الأهالي" تارة عن طريق تحييدهم وأخرى بإستثارتهم للسعي وراء مستقبل أبنائهم أو زيادة في الرواتب الحكومية وتحسين الوظائف والوضاع الاجتماعية... الخ من تطلعات المواطن محدود الدخل حسب وصف حسني مبارك، 

في بادئ الأمر لم تتقبل الطبقة الوسطى "التغيير" كفكرة أولية للثورة تحت هيمنة شيوخ السلفية في قناة اقرأ والرحمة وخطب الجمعة وحديث الخروج عن الحاكم الشهير ولم يكن الأمر وازعا دينيا فقط بل تدخلت علاقات العمل في مفهوم التغيير حيث يعمل 6 مليون موظف تحت ثقل نظام بيروقراطي عتيق لا يتغير فيه المدير أبدا أو الناظر أو وكيل الوزارة فهذا النوع من علاقات العمل نادرا ما يجعل فكرة التغيير مقبولة وصالحة لإدراك موظف نال حظه المتوسط من التعليم والتدرج الوظيفي، خصوصا إن كان هذا التغيير إرادته مدفوعة ممن هم أصغر عمرا وأقل شأنا، 

وليس موظفي القطاع الخاص بأفضل حال من ذويهم في القطاع الحكومي العام.

لكن الطبقة الوسطى أمتلكت مآسيها الخاصة من نظام مبارك وأيضا طموحاتها الخاصة ويمكن القول على الأرجح أن طموحات "الأهالي" فرضت بالواقع على الثورة الشطر الأول من الشعار الثلاثي الشهير <<"عيش" حرية عدالة إجتماعية>> فرضا لا من منطلق ثورى يسعى لإحداث تغيير إقتصادي جذري أو كما يحب الاشتراكيون أن تكون أهداف الثورات دائما إقتصادية إجتماعية إنما كانت كلمة "عيش" لتضمين هموم الطبقة الوسطى.

حسنا يبدو أن ثوار يناير بذلوا جهدا كبيرة لإستمالة المواطن محدود الدخل والأهالي والطبقة الوسطى وقد كان، لكن بمجرد أن حدث هذا بدأ استياء الأهالي بالظهور متمثلا في "ازاي بناتنا تنام في الشارع"  يقصدون الاعتصام - طلعت ذكريا والعلاقات الجنسية الكاملة بين الشباب والبنات

وكأن العلاقات الجنسية إن كملت فهي عيب!؟ فضلا عن المخدرات.... الخ من المزاعم 

أذكر في أحدى الأيام اللاحقة على يوم التنحي أن سألني أحد الكهول على قهوة بلدي عن الثورة وميدان التحرير، في الحقيقة كان الرجل يسأل عن طبيعة التعامل بين الذكور والإناث في الميدان والمظاهرات وهل كان هناك تحرش أم ا وتطرقنا آخرا للعلاقات الجنسية والمخدرات ما خلاصته أن الثورة أصطدمت إصطداما شديدا بقيم الطبقة الوسطى المعبر عنها بكل مبادئها وعاداتها وتقاليدها من تقديس الحجاب وازدراء البنات المدخنات والنفور من المثليين جنسيا الذي قد يصل للتعدي عليهم وصولا إلى الطائفية الوسطية المشحونة بمراجل الأزهر والكنيسة.

لم تعرف ثورة يناير كيف تقاوم مجموعة القيم الوسطية الرجعية بامتداداتها الاجتماعية والدينية ومالها من بالغ التأثير على حركة الفعل ورد الفعل السياسي في معادلة الحراك العام في مصر والتي إن حدثت "تغيير مجموعة القيم الرجعية الجامعة للمجتمع المصري" قد تؤدي دورا هاا في عملية التغيير.

إلى الآن لا تحقق الثورة إلا الخسارة أما الطبقة الوسطى فمكاسبها محصورة في حظر الأفلام والمسلسلات والروايات والقضاء على خلاعة ومجون محترفي التمثيل ولاعبي الكرة وحصار إجتماعي للأقليات الجنسية والدينية كالمثليين جنسيا والشيعة....الخ من انجازاتها في أعوام مابعد الثورة،  

فعلى الرغم من أن المواطن محدود الدخل لا يكاد يكفي نفسه ماديا ومعدل تحقيقه لطموحاته كمواطن مقارنة بالمواطن العالمي يقارب الصفر إلا أنه يتمسك بتلك القيم مدفوعا بغريزة الحفاظ على وجوده من خلال هويته التي تحددها وزارة الأوقاف في خطب الجمعة والكرازة المرقسية أيام اآحاد أما المكسب الحقيقي فهو للنظام الذي يتربح من عجز الثورة ونرجسية الطبقة الوسطى كحامية للقيم الرجعية ووجود هاتين المؤسستين "الأزهر والكنيسة كدعائم أساسية لبسط منظومة القيم التي تمكنه من الإستمرار في الحكم.

تفشل الثورات دائما مالم تعبر عن طموحات شعوبها وعليه فإن ثورة 25 يناير لابد أن توجد المعادلة الموازنة بين طموحات الطبقة الوسطى وهي غالبية المصريين و بين قيم ومبادئ الثورة التي تمثل العدل والحق والحرية.

تجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك