جنينة المفطرين في اعتصام رابعة

500

لا أتذكر جيدا كيف كان دخول شهر رمضان علينا وأنا أجلس حت واحدة من خيام الإخوان المسلمين المنتشرة بطول شارع الطيران في العام 2013 أواخر شهر 7 لكن ما أتذكره جيدا أنني كنت أهرب وقت الصلوات ومعظم النهار لأنني لم أكن ملتزما ذاك الوقت لأجاري المصلين في قيامهم وركوعهم ولا صيامهم، وجدت ضالتي أخيرا في أحدى الجناين البعيدة قليلا عن الاعتصام كبيرة نوعا ما وأشجارها المسورة تحجب الرؤية بقدر كاف وبها عدد كبير من المدخنين بالقدر الذي يكف عنك إصطناع الحياء وأنت تدخن في نهار رمضان. 

كانت مدهوشا للغاية أن كل هؤلاء المدخنين ينتمون للاعتصام وكلهم من شباب الإخوان وأغلب من واتتني الفرصة للحديث معهم ينتمون من طرف الأب أو العائلة لتنظيم الإخوان رأسا. 

لم يكن عدد هؤلاء الشباب كبيرا فكنا بالكاد نتاوز ال30 نفرا ولكن الأعداد كانت تزيد بزيادة  حرارة طقس رمضان وكانت على أشدها في ذاك العام يوليو - يونيو 2017. 

كنت في ذلك الوقت محط ترحيب في أرض الاعتصام فقط لأنهم أعتبروني منشقا عن 6 أبريل وأمثال هؤلاء مرحب بهم 

ولكن الشباب في جنينة المفطرين يرحبون بي لأنني مراهق مثلهم نتشارك أشياء مختلفة عما تردده اللحى والعمائم طوال النهار كالتدخين والحديث عن الفتيات والزواج ومحاولة التوبة وتئنيب الضمير وعن موعد قتل السيسي ورجوع الرئيس مرسي وهل حقا جبريل قد أتى للاعتصام البارحة أم أنه محض هراء 

كانت أعداد شباب الجنينة تزداد يوما فيوما ولعل إدارة الاعتصام دركت مع ظهور واضح وغالب للشباب بأعداد كبيرة فقررت الادارة إقامة تنظيم شبابي جديد ليحتوى هذا العدد الهائل من المراهقين 

وقد كان بإسم "نهضاوي" 

كنت أضحك كثيرا عندما أرى أحد رواد الجنينة يعتلى الأكتاف في أحدى مظاهرات التنظيم الجديد بهتاف عن مدى فدائه لدينه وهو مرابط لأجله في الصيام. 

لم أكن أرى هذا نفاقا وقتها بل كنت أعتبره من مزاح الصبيان وكنا مراهقون بالكاد بلغ أكبرنا ال20 عاما

الآن لم أعد أراه مزاح للصبية  بل كنا ولا زلنا جيلين مختلفين بقناعات ورؤى مختلفة وتفصل بيننا إبعاد أكبر من أن تحويها سنين العمر وخبرات الكهول والشيوخ. 

الشباب من رواد الاعتصام وجنينة المفطرين من المراهقين كانوا الغالبية العظمى من إجمالي عدد المعتصمين ولكنهم كانوا دوما يتسائلون ماذا قررت المنصة ماذا سنفعل وما الموقف 

في الحقيقة لم يكن هناك أحد يعلم إجابات لهذه الأسئلة سوى المتحدثون فوق المنصة لم يكن شأن اعتصام رابعة كغيره من الاعتصامات التي حضرتها 

حيث يتشارك الجميع الهدف ويتناقشون في اتخاذ القرار ويتشاركونه أيضا... في رابعة الأمر مختلف

فالجميع معتصم لأجل الدين ورجوع الرئيس مرسي وفقط 

أما عن إستراتيجية معينة للاعتصام أو تكتيكات معينة أو أية محاداثات سياسية داخلية أو دولية  فلا أحد يعلم، 

أتذكر أن أحد الشباب في جنينة المفطرين أشترى جرنالا ذات مرة ليقرأ فيه عن زيارة وفد البرلمان الأوروبي للإعتصام وبالمرة لا تفوته صورة المرأة الأجنبية الجميلة التي صاحبت الوفد ولم يستطع رؤيتها من بعيد. 

أود أن أقول أن جمهور الاعتصام لم يكن يعلم من أمره شيئا وبالأخص شباب الاعتصام فهم على أغلبيتهم صغار في نظر الجميع لا يلقى لهم بال إلا في حمل ألواح الثلج في حر رمضان أو حراسة البوابات والزعيق طوال الليل في الهتافات والمسيرات بالأحياء المجاورة لميدان رابعة. 

تكونت تنظيمات شبابية كثيرة  في الأيام الأخيرة قبل الفض وكان الشباب متحمسا لها كثيرا حتى أهم بدأوا في الخروج إلى القرى والنجوع

على ما أتذكر كان هذا موطن خلاف بين القيادة والشباب ولعل بداية هذه التنظيمات هي الشرارة التي بدأت نار الانقسام الكبيرة في التنظيم.

أعداد القتلى والشهداء من الشباب كانت مهولة في كل محاولات فض الاعتصام وصولا إلا فضه بالفعل ومنذ اليوم الأول بعد الفض أنفجرت القرى والنجوع وبخاصة الأقاليم في مظاهرات بقيادة تلك التنظيمات الشبابية إلا أن تم وئد جذوتهم على يد داخلية نظام السيسي وأغلبهم الآن معتقل في السجون أو مهاجر هربا من حكم ما ومن تبقى منهم لجأ إلى سوريا أو إلى أحدى التنظيمات الداخلية كالعقاب الثوري وخلية حلوان وغيرها.  

على الرغم من الظروف الصعبة التي صاحبت نشأة ما يسمى بتيار شباب الاخوان وكل تنظيماته إلا أنهم كتيار صاعد ومبتدئ أثبتوا قدرتهم على التنظيم وشجاعة في خوض معاركهم ضد القيادات وضد اليد الحديدية لنظام عبد الفتاح السيسي؛ الشرطة المصرية التي قتلتهم في رابعة وتعتقلهم وتعذبهم منذ ذلك الحين حتى أن بعضهم قتل تحت وطأة التعذيب والآخرون يواجهون الإعدام أو المؤبد. 

في النهاية مصير شباب الاعتصام وجنينة المفطرين تحديدا لم يختلف كثيرا عن مصير كل الشباب الممارسين للعمل السياسي أو العمل العام ي مصر فأما معتقل أو مهاجر أو قتيل

لكنهم أعتصموا وهم مكروهون من الجميع قتلوا منبوذون وأعتقلوا وسجنوا منسيون. 

"هذه المقالة تأبينا لأرواح الشهداء من الشباب في عمارة المنايفه".

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك