صمت خادش للحاء

316

نقرأ عن حوادث التحرش والمتحرشين كل يوم، بل لا أبالغ إن قلت اني اقرأ عشرات الأخبار عن وقائع تحرش في اليوم الواحد ، أغلبها متشابه في تفاصيله من بدايته الى نهايته ، معتدي يتغذى على الخوف والصمت وضحية منتهكه ضاع حقها في اللإثبات كما ضاعت صرخاتها في الزحام.. رجل ( ان سمي رجلا ) يسير مبتعدا بفخر وانتصار وهميين وعين تلتمع من لذة ارتكاب جريمة سينجو منها .. تاركا خلفة فتاة تبكي او تصرخ مستنجدة بأناس لن يعيروها اهتمامهم في أغلب الأحيان ، او قد يهتم بعضهم بالتهدئة من روعها وتوجية بعض من الصفعات و السباب للمتحرش الذي يقسم انه لم يفعل شيئا فيترك ليمضي في سبيله مغتبطا بسهولة الأمر ، تاركا خلفة فتاة مصدومة قهورة كارهة لجنسها وجنس الرجال وظلم المجتمع. قليلات هن من استطعن اخذ حقهن من المتحرش في مجتمعنا .. قليلات من لم يستطعن الصمت بسلبية .. قليلات مثل حادثة متحرش المكروباص التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي كلها في الاسبوع الماضي ، والتي كانت بطلتها هي ضحيتها ( نضال ) ..نضال التي قررت أن تزيح الستار من أمام أعين الكثيرين على واقع بشع نعيشه يوميا.

مفاجأة من العيار الثقيل..

فتاة صغيرة في أوائل العشرينات ، تركب ميكروباص في وضح النهار  ، تحادث اختها في الهاتف ولم تنتبه ان جميع الركاب قد غادروا ولم يبقى سواها ورجل بجانبها.. فوجئت بتحركاته الغريبه فتحركت بطرف عينها تجاهه لتفاجأ بما لم يكن يصدق بلا دليل .. لقد كان يمارس العادة السريه ..امامها وفي المواصلات في النهار ..تجمد الدم في عروقها وتسارعت ضربات قلبها ..لم تصرخ ، لم تستنجد بالسائق ،لم تقوى على النزول أيضا .. وماحدث لم تكن تتوقع انها قادرة على عمله ..قد يكون الهاما من الله أو قد تكون الصدمة مع الخوف والشعور بالخطر رفعوا الأدرينالين الى الدماغ لتأهل الجسد أن هناك خطر يجب أن يتعامل معه .. في أقل من الثانيه كانت تغلق الخط مع اختها دون انذار وتصور هذا الرجل مقطعا مدته 14 ثانيه .. 14 ثانيه أثبتت فيها اننا نتعرض لأبشع انواع الانتهاك يوميا .. وأن السكوت يؤدي الى التمادي الى ما لا نتخيل . عندما تحدثت مع نضال فوجئت بفتاة رقيقه لطيفه  تخبرني بكل صدق انها لم تفر عندما صورته ولم تفكر عندما نشرت الفيديو ، فقط كانت تشعر بالخوف والغضب والانتهاك ..كانت تريد أن يحاكم ويحاسب ولم تجد غير أن تفضحه بالفيديو ، ولم تكن تتوقع انه بعد نشر الفيديو ستنقلب أيامها رأسا على عقب.. فبواسطته استطاعت بعض الفتيات أن تجمع كل التفاصيل عن المتحرش واسمه ومحل اقامته وعمله وأيضا بعض أقاربه وخطيبته ، مما شجع الفتاة ان تأخذ والدها الى القسم وتقوم بعمل بلاغ مرفق بالدليل والمعلومات التي قادت رجال الشرطة الى المتحرش ، وتمكنوا من القبض عليه وهاهو في انتظار محاكمته بعد أن تركته طيبته وتبرأ منه ابوه وامه ورفضوا مساعدته . 

المرأة عدوة المرأة...

كنا نتحدث عن انتصارها بسعاده ، فنادرا ما نستطيع انتزاع حقنا نزعا من متحرش بهذه الطريقه المفاجأه.. حتى خفت صوتها وظهر عليها الحزن فجأه ( الناس بهدلوني وشتموني بأبشع الفاظ واتهامات ، انا مش مصدقاهم ) تلك الكلمات التي جعلتني اعيد النظر وسط جميع التعليقات التي وصلت للآلاف أغلبها مبارك للفتاة ومهنئا لها على شجاعتها وفرحا بإيجابيتها ..  الا ان هناك تعليقات أدهشتني وأغضبتني ولم استطع استيعابها ، تعليقات من سيدات وفتيات مثلنا  يبررن للمتحرش فعلته أو يشككون في مصداقيتها ، يتهمونها بالعهر ولقذارة لنشرها مثل هذا الفيديو الاباحي الذي خدش حيائهم ، ينهرونها لأنها لم تصرخ أو تستغيث ، يدعون عليها بالفضيحة لأنها لم تستر مسلما وان الله سينتقم منها ويفضحها كما فضحته ، لماذا لم تعتبريه مثل أخيكي؟ ماذنب والدته وخطيبته؟ لماذا لم تغضي بصرك وتتركينه وشأنه ؟ كيف تحكمين على مريض نفسي بالسجن يا ظالمه ؟ انتي كلبة شهرة وعايزه بروباجندا !!! انتي معندكيش حياء ..ده مش تحرش أصلا مالمسكيش !!

لم أصدق انني اقرأ هذه التعليقات وهذا الكم من التنمر والجلدو الاتهامات  من نساء وفتيات مثلنا في مصر ، ينزلن يوميا الى الشارع ويتعرضون لنفس المضايقات ، لم أفهم لماذا يدافعون عن لمتحرش ..هل يدركون أشكال التحرش؟ هل يتسترون على ذويهم؟ هل اعتادوا على الأمر فاسترخصوا اجسادهم ليتركوا المتحرشين بلا ردع؟ هل يشعرون مثلنا جميعا ؟ أتعلمون لم التحرش جريمة ؟ لأنه انتهاك للجسد والروح والكرامة ، لأنك انسان له حق أن يشعر بالأمان في الشارع والعمل وأي مكان خارج غرفتك ، لأنه ليس حقا على أحد أن يستبيح جسدك وسمعك وبصرك ويعرضهم لما لا يريدون فقط لإرضاء شهوته التي تزيد كلما استشعر خوفك وضعفك ، تشعرين بأنك عارية وانتي بكامل ملابسك ، وكأن كل حركة وكلمة ونظرة تأخذ قطعة من جسدك ، تخترق مساحة أمانك ، تشعرك بالخوف والتهديد والخطر ، الضعف وعدم القدرة على وقف ذلك يشعرنا بالعجز والظلم والقهر ،  والغضب على كل الأجناس والكره لكل الناس حتى أنفسنا ، نكره اننا خلقنا فتيات ونكره التعامل مع البشرنكره النزول الى العمل والدراسه ، احباط وخذلان واكتئاب وأمراض نفسية قد تستمر أسابيع وسنوات ، لذلك فالتحرش ليس امر عادي .. التحرش قد يبدد مستقبل العديد من النساء ، لذلك فإنه من العدل أن يضيع مستقبل المتحرش أيضا ،وليس من الظلم أن يفضح ويعاقب ويسجن ، وليس عهرا أن نتحدث ونصرخ ونصور ونثبت بل العهر في السكوت والصمت والقبول ، الصمت الذي رفع نسبة التحرش الى 98% ، الصمت الذي جرأ المتحرشين من الشيوخ والرجال والشباب والأطفال أن يستبيحوا النساء الفتيات والأطفال ، وان كان أهله لاذنب لهم فإن ذنبهم انهم لم يربوه على احترام النساء ، وإن كان الله أمرنا بالستر فليس المجاهرة بالمعصية لأذية الغير وترهيب النساء أمرا يحب الله ستره .

تسجيل الايميل

شارك وفكر معنا وابعت تدوينتك