السياسة والقانون فى تعديل الدستور( ٢ )

423


"مزايا أي دستور حر تعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية ان تعين اعضاء السلطة التشريعية والقضائية"

بتلك الكلمات عرف إدوارد جيبون الكاتب والمؤرخ الأنجليزى وصاحب كتاب (اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها) مبدأ استقلال القضاء .

جاءت المواد المتعلقة بالسلطة القضائية فى مقترح التعديات الدستورية  على هذا النحو :

مادة ١٨٥ " ..........يعين رئيس الجمهورية رؤساء الجهات والهيئات القضائية .......... يقوم على شئونها المشتركة مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية وعند غيابه يحل محله وزير العدل ويختص بالنظر فى شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وندبهم ويؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين المنظمة لشئون هذه الجهات والهيئات ....... "

مادة ١٨٩ فقرة ثانية " وتولى النيابة العامة نائب عام يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى ......."

مادة ١٩٣ فقرة ثالثة " ويختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب رئيس المحكمة ،ويعين رئيس الجمهورية نائب رئيس المحكمة من بين اتنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الاخر رئيس المحكمة ، ويعين رئيس هيئة المفوضين وأعضاؤها بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح رئيس المحكمة وبعد أخذ رأى الجمعية العامة للمحكمة ،..."

وفقا لهذه التعديات الدستورية المشئومة والواردة على الفصل الثالث من الدستور والخاص بالسلطة القضائية لا أعرف فى الحقيقة أى سلطة ستظل للقضاء فى حالة إقرار تلك التعديلات ،فقد ور لفظ رئيس الجمهورية بها ست مرات فهو سيقوم بتعيين كل رؤساء الهيئات القضائية وسينشأ مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية ليقوم على شئون تلك الجهات وسيترأسه رئيس الجمهورية أيضا كما يترأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،والمجلس الأعلى للشرطة ،والمجلس الأعلى للأستثمار ،والمجلس الأعلى للسياحة ،ومجلس أمناء المتحف المصرى ..الخ . والحقيقة أن المجالس السابق ذكرها كان هناك غرض من ترأس رئيس الجمهورية لها وهو تفعيلها وتنشيط عملها كما أنه لا يوجد مانع دستورى أو قانونى أو فلسفى من ترأس الرئيس لها فكها خاضعة للسلطة التنفيذية والتى يترأسها بالفعل رئيس الجمهورية .

بينما اهيئات والجهات القضائية يتوافر لها كل الموانع الدستورية مثل ما نص عليه الدستور في المادة ١٨٤ والمادة ١٨٦ بالأضافة إلى باقي الموانع القانونية والفلسفية والمواثيق الدولية وفكرة الدولة ككل فى إستحالة ترأس رئيس السلطة التنفيذية أو التشريعية أو أيا من كان لها ،ليس ترأسها فقط بل والتدخل فى عملها من الأساس ، فالقضاء يمثل العدل فى الأرض فيحمى المجتمع بأن ينزل من حكمه ما يينصر به المظلوم ويردع ويعاقب به الظالم ، فتهدأ النفوس وتستقيم وتعلم بأن هناك من يقضى بينهم بالعدل وهو ما تستمر به الدول فإذا تهدم القضاء أو أنحرف أو تعسف تسقط الدولة . وهناك محاولات لهدم القضاء مسترة منذ سنوات وتستخدم التشكيك فى أحكامه والطعن فى حيادية القضاه على الرغم من أنه قضاء مستقل وفقا للدستور والقانون ،فلو أننا مررنا هذه التعديلات فكيف سيكون الحال سيجدون ما يبنوا عليه وهو توغل السلطة التنفيذية والتى تخوض معارك سياسية فى القضاء المنزه عن أى صراع ويتساوى الحميع أمامه ،الدولة والمواطن ،الغنى والفقير ،..الخ فلا أفضلية لأحد أمامه ،فضلا عن أن لدينا جهة قضاء تنفرد بنزاعات ضد الدولة وهى القضاء الإدارى هذا غير الأحوال الأخرى التى يتم تقاضى الدولة فيها أمام القضاء العادى فكيف الناس أن ترتضى حكما أو تثق فى حيادية قاضيا قام بتعيينه خصمه؟. ولعلنا نتذكر ما قاله تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية عندما أخبروه بعد الحرب بأن البلد إنهارت وأنتشرت الرشوة، والفساد،والأقتصاد فى تراجع فسأل عن القضاء فأخبروه أنه بخير فقال إذا بريطانيا بخير.

هذا قائد يعلم ما هى الدولة فكل خراب فى الدولة لا يهم مادام القضاء بعيد عن أيدى الدولة ونزيه وغير فاسد (قضاء يحقق العدل ويرضى به الناس) ،بينما إذا تقدمت الدولة وتأخر القضاء وفسد فمصير تقدم الدولة الخراب لامحالة لأنه لا تقدم بدون عدل .

إن فصل السلطات ليس إختيارا أو رفاهية وإنما هو أساس نشأه الدول فإذا تدخلت السلطات لم تعد دولة ، فإذا كان الفقه القانونى المصرى يرى فى أن تبعية التفتيش القضائى لهو انتقاص من إستقلال القضاء وينادى ونحن معه فى نقل تبعيتة للمجلس الأعلى للقضاء فإذا بنا نجد هذه المقترحات تأتى لإزاحة كل ما له علاقة بإستقلال القضاء وتجمع كافة السلطات فى يد رئيس الجمهورية وكأننا فى عصور الظلام ما قبل الحداثة والدولة .

يقول المسيو دوبان dupin  من أساطير المحامين فى باريس فى إحدى خطبه التى ألقاها بمناسبة تقلده رئاسة النقابة ،وضمنها صورة بديعة أبرز فيها معنى جمال وظيفة القاضى " إن القاضى قد يتوهم لحظة أن جمال هذه الوظيفة لابد ساطع عليه،وجلالها لا محال يكلل هامته ،لأنه قاضى وحسب،ولكن الحقيقة هى أن القاضى لا يرتفع قدره برفعة وظيفه ،ولا تتسم سيماؤه بسناها إلا إذا تمثلت فى نفسه فضائلها ،ومن أسمى هذه الفضائل وأروعها الاستقلال" أما عن الفضائل فإنى أراها فى ثبات النفس وسط المعامع التى تصطدم فيها المشاعر ويتهارج فيها الخصوم ،وفى التنزه عن الغرض مع قوه الإرادة ومتانة فى الخلق . وأما عن الاستقلال فإنى أراه فى التحرر من كل التأثيرات على اختلاف أنواعها ويمكن حصرها فى : تأثير الأفراد ، تأثير الرأى العام ، تأثير المحاكم العليا ، تأثير السلطة التنفيذية .

يستكمل ,,,

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك