قمع في الرحم

361

           في نقدي السابق لمنظومة حكم القضيب وسيطرة منطق القوة والتفكير الذكوري الأبوي العنيف تحدثت عن نقيض هذه المنظومة وعن كون الحل لقمع وقهر حكم القضيب وسيادة منطق القوة هو الإتجاه نحو الرحمة والاحتواء للأضعف والمحبة كقيم أعلي من القوة والسيطرة والقمع وحكم القضيب الذكوري. تحدثت عن أهمية تقديس الرحم وإتخاذ الرحم كمرجع المنظومة الفكرية التي يجب أن تحكم المجتمع.


            ومرة أخري أؤكد تمسكي التام وإيماني العميق بأن الحل يكمن في حكم الرحم لكنني في هذا المقال سأتحدث عن نقاط الضعف في منظومة حكم ارحم والتي تجعلها أحيانا أكثر قمعا وقهرا من منظومة حكم القضيب. والحديث هنا عن نقاط الضعف ليس هدفه نسف منظومة حكم الرحم إنما هدفه تفادي نقاط ضعفها في تطبيقها حتي لا تحمل معها أي ظلم أو قمع.

 

             في الأيام السابقة هزت الرأي العام حادثتان صادمتان للكثيرين وهما فيديو الأم التي تدفع ابنها من البلكونة ليفتح الشقة بعد أن نسي المفاتيح. والصورة التي تم تداولها علي الفيسبوك لأثر حرق في يد طفل بشوكة محماة علي النار لأنه سرق ٥٠ جنيها من والدته. والصادم أكثر هو وجود الكثي من ردود الأفعال الداعمة بقوة لتصرف الأم. 


              وبغض النظر عما تحمله هاتان الحادثتان ظاهريا من تطبيق لمفهوم فرض السيطرة والقوة وحكم القضيب، وقهر الأم (الأقوي) للطفل (الأضعف) في المعادلة إلا أن التسامح مع هذه الأفعال يرتبط بمفهوم أخر مهم سيتم شرحه هنا وهو قهر حكم الرحم. 


                حكم الرحم مبني علي الإحتواء والعناية والرعاية للأضعف وهو أقرب ما يكون لفكرة الأمومة وخاصة في أطوارها الأولي. وهذا يجعل قوته الحقيقية مصدرها المشاعر والمحبة، والتأثير العاطفي والإنساني. ورغم رقي هذه القيم وأفضليتها قطعا علي الأفكار التي يحملها حكم القضيب كالقوة والسيطرة والقهر والإخضاع إا أنها تملك زاوية خطرة تهدد بالفرض والسجن وتوطيد حكم الأقوي عاطفيا.


               السلاح الذي يملكه حكم الرحم هو المشاعر، وهو سلاح أقوي كثيرا مما يبدو. عندما يساء استخدام سلاح المشاعر نجد أنفسنا أمام ما يعرف ب"الاستغلال العاطفي" وهو وضع يستغل فيه الأقوي عاطفيا موقفه علي الأضعف عاطفيا. فمثلا الأم بسبب مركزها الأقوي عاطفيا تستطيع نيل تعاطف المجتمع بأكمله (ليس تعاطف أبنائها فقط) وتتفادي عقوبة المجتمع عن أي فعل شرير تفعله في الأبناء. وتلجأ الأم للتلاعب عاطفيا بمشاع الأبناء وجعلها يشعرون بالذنب تجاهها والمسؤولية عنها مهما كانت هي المذنبة والمفترية عليهم. بل إن هذا السلاح يبلغ من القوة قدرته علي سجن الأبناء بجوار الأم وإخضاعهم لسلطانها مدي الحياة وجعلهم شبه عبيد لها.


              هذه الصورة من القمع تظهر في حجج مثل التعامل مع رئيس الدولة كأب والشعب كمدينين له ولا يفترض منهم الغدر به أو التعامل مع الرئيس في العمل ك"ولي نعمة " المرؤوسين. كما تظهر كذلك في العلاقات الشخصية بين الأفراد في المجتمعات العاطفية حيث يتم التلاعب دائما بين الزوج والزوجة مثلا بمشاعر الذنب، والاحتياج، والحب، والضعف كأسلحة تعذب وفرض للعلاقة.


         وبدون الوعي والإصرار علي تفادي هذه الزواية الخطرة القمعية والمقيدة من حكم الرحم يتحول حكم الرحم -رغم أفضليته علي حكم القضيب-إلي صورة أكثر قمعية واضطهادا وإخضاعا وجبروتا من حكم القضيب.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك