عزيزتي "شمعة"

293

 شمعة تحترق من أجل الآخرين، تلك الجملة التي لم أجد لها محلًا من التفسير، والتي كثيرًا ما يفرح البعض عند سماع تلك الجملة تطلق عليه، كثيرًا ما تقال على السيدات ويتفاخرن بها كمثال للتضحية والوفاء وتحمل المسؤولية على أكمل وجه.. في الحقيقة يا عزيزتي أنت من تحترقين صحتك وجسدك ونفستيك هم من يحترقون وأنت تبدين سعيدة، وأعتقد أن الحقيقة غير.

لا أستطيع الجزم بأن فاقد الشيء لا يعطيه، لن لكل قاعدة شواذ ودائمًا ما تختلف الطباع والبصمة التي يتركها كل على حدة، ولكن أستطيع الجزم بأنك عندما تحرمين نفسك من الحياة من أجل غيرك فأنت تضرين بنفسك، لأن ببساطة شديدة أنت الحياة بالنسبة لمن حولك، عندما تنبضين بالحياة ستشرق شمسك وتحل بنورها على من حولك تبدد الظلام ويعم الدفء، مصدر ونبع الطاقة يأتي من تلك الإشراقة التي ينتظرها الجميع في كل صباح.

لا تخيل أحد يوم بلا شمس، كذلك أنت الأم والابنة والأخت والزوجة والرفيقة، أنت من تتوجين بتلك التاء مصدر العطاء على كوكب الأرض منذ بداية الخلق، فكيف لذلك النبع المتدفق يستمر في ري النبتة والشجرة وهو يحترق، يتحمل ويتماسك مذكرًا نفسه بذل القول السخيف شمعة تحترق من أجل الآخرين، أعرف أننا تربينا على ثقافة الشمعة التي لابد وأن تضحي من أجل إسعاد غيرها.

 هكذا كنت تفعل أمي ولازالت تفعل، ولكني قررت أن أكون شمعة تضئ ولا تحترق، فلماذا التضحية من الأساس؟ هل نحن في معركة تتطلب التضحية؟ حتى لو كنا نعارك الحياة وظروف العيش فهل يجب التضحية؟ أسئلة جالت بخاطري كثيرًا، جعلتني أرى الحياة من منظور آخر وهو المشاركة، فتقاسم مهام المنزل اليومية على أفراد الأسرة يجعلها أخف وطأة ويوفر المزيد من الوقت للمشاركة في أنشطة جماعية تخلق أجواء من المرح وتقوي الصلات.

وأيضًا مشاركة المسؤلية بين الزوجين تقوى العلاقة بدلًا من الفتور الذي يودي إلى طريق المشكلات التي لا حصر لها، وحتى مشاركة الهموم تجعلها تتبد، فالمشاركة هي البديل السليم للتضحية من وجهة نظري، الحل الأمثل لكثير من المشكلات التي تفجرها التضحية التي أقرت المرأة أن تكون على عاتقها واختارت ذلك، بل دافعت عن الفكرة وعارضت كل من يهاجمها بحجة أن هكذا اعتدنا وتربينا وسنربي أبنائنا.

عزيزتي شمعة، إذا كنت اخترتِ الذوبان بفعل الحرارة غير المكترثة لدموعك التي تذرفينها ، لك مطلق الحرية، ولكن نحن لا نريد بقايا الشمع بعد ذلك نريدها قوية شامخة تنير  وتبعث الدفء، رجاء موصول من شمعة رفضت الذوبان كفي عن تربية رجل ينتظر كوب الماء ويمكنه الموت جوعًا طالما لم يجد الطعام في فمه، وعن زوج تحمل زوجته الحقائب وهو يسير بجانبها ولا يلقي بالًا لفترة حيضها ويعوضها عما تشعر به من آلام.

أتعشم في رجاء آخر فإذا كنت أم البنات أرجوكي لا تورثيهن ثقافة الشمعة المحترقة، ابعثِ فيهن الثقة واخلقي بداخلهن حب الحياة وليست الذوبان، فالأثر لا يأتي إلا بالنور الذي يبدد العتمة، وليس النور الذي لا يأتي من شمعة قررت الذوبان، عزيزتي شمعة يمكنك أن تكفي عن الذوبان إذا استطعت أنت ولا تعلقين الأمر على البارود الذي لهب فتيلك لأنك أنت من أشعلت البارود.

لا أحمل لواء "الفيمنست" لأني أرى أن المرأة لا تحتاج لدفاع أحد عنها طالما هي من قهرت حالها وتركت نفسها لأشجانها التي لا يشعر بها أحد مهما كانت درجة القرب، أرجوكي يا عزيزتي كفانا ذوبان الوقت لم يتأخر بعد، فقط القرار في يدك أنت أثري العالم بنورك، بددي تلك القواعد واشرعي في نشر نورك فلا زلنا بحاجة أثر شمعتك ولهيبها، اخلعي ثوب الضحية وارتدي عباءة المشاركة واخلقي لنفسك عالم خاص بك وحدك بشغفك وأحلامك وأفكارك لتشرقي أنت ويلمع من حولك.

 

 

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك