close

إشارات متضاربة.. بين العفو عن علاء عبد الفتاح وحبس إسماعيل الإسكندراني

قدّم قرار العفو عن علاء عبد الفتاح بارقة أمل للعديد من الأسر والحقوقيين وكذلك السياسيين،  بينما جاء قرار حبس إسماعيل الإسكندراني ليعيد المخاوف حول حدود الحريات والتعبير السلمي.
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

شهدت مصر خلال ثلاثة أيام متتالية ثلاث وقائع بارزة. كانت البداية بقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إعادة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان لإجراء تعديلات عليه، وهو القانون الذي أثار جدلاً واسعًا بين البرلمان والمجتمع الحقوقي والسياسي. إذ قوبل القرار بترحيب من قوى سياسية ديمقراطية ومنظمات حقوقية.

وفي اليوم التالي، أصدر الرئيس قرارًا بالعفو عن المدون والمبرمج علاء عبد الفتاح وأربعة آخرين، بعد حملة طويلة خاضتها أسرته، كان أبرزها إضراب والدته الدكتورة ليلى سويف عن الطعام لأكثر من تسعة أشهر.

غير أن الأجواء التي رآها البعض مؤشرًا على انفراجة سياسية لم تدم طويلًا، إذ أُلقي القبض على الباحث والكاتب إسماعيل الإسكندراني بعد توقيفه في أحد الأكمنة أثناء عودته من محافظة سيوة، و قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس الباحث 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية 6469 لسنة 2025، بتهمة إذاعة أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية ، استخدام موقع إلكتروني من شأنه الترويج لأفكار داعية لأعمال إرهابية، وذلك بعد اختفاء دام لساعات. 

وفي اليوم التالي من قرار حبس الأسكندراني، استدعت نيابة أمن الدولة العليا للكاتب والناشط السياسي أحمد دومة لجلسة تحقيق جديدة يوم الاثنين المقبل 29 سبتمبر، في قضية جديدة تتعلق بالنشر والرأي وفقًا لما أعلنه دومة على صفحته الخاصة الفيسبوك. ويُعد هذا الاستدعاء الخامس خلال الأشهر الأخيرة، فيما يواجه دومة ست قضايا متتالية جميعها مرتبطة بأعماله في الكتابة والتعبير والإبداع.

 

موت مستتر.. مقرات الاحتجاز المصرية بين عهدين

القبض على إسماعيل الإسكندراني

فجر الأربعاء، اختفى الباحث إسماعيل الإسكندراني لساعات طويلة  عقب توقيفه في كمين أمني بمحافظة مرسى مطروح، بحسب ما أفادت به مصادر حقوقية.

وكان الإسكندراني قد نشر تدوينة عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”، أشار فيها إلى تعرضه للتوقيف على أحد الكمائن بطريق مرسى مطروح، قبل أن تُغلق هواتفه وتنقطع الاتصالات به. وذلك قبل أن يتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية المقيدة برقم 6469 لسنة 2025 شملت اتهامات بـ”إذاعة أخبار كاذبة”، و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”استخدام موقع إلكتروني للترويج لأفكار تدعو إلى أعمال إرهابية”.

من جهتها قالت المحامية ماهينور المصري، عضو هيئة الدفاع عن الباحث إسماعيل الإسكندراني، في حديثها لـ”زاوية ثالثة”، إن التحقيق معه استند إلى تحريات الأمن الوطني، حيث وُوجه بـ 18 منشورًا سبق أن نشرها على صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك”. وأوضحت أن هذه المنشورات تضمنت آراء متفرقة حول قضايا متنوعة، مثل قضية الصيادين، وتعيين القاضيات في مجلس الدولة، وحماية السفارات. بالإضافة إلى منشور يتعلق بالناشط السيناوي سعيد أعتيق الذي انتقد تزايد نفوذ رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني.

ولفتت المصري إلى أن الحالة الصحية للباحث لا تحتمل السجن، إذ يعاني من داء السكري الذي أصيب به خلال فترة حبسه الأولى، إلى جانب أمراض تنفسية تستلزم استخدام جهاز تنفس أثناء النوم، غير أن جزءًا من الجهاز فُقد جزء منه أثناء التحقيق معه في الأمن الوطني، ولم يكن بحوزته عند قرار حبسه. وأشارت إلى أن المحامين في انتظار التأكد من مكان احتجاز الإسكندراني حتى يتسنى لهم الاطمئنان على صحته.

وقبل دقائق من توقيفه، كان الإسكندراني قد نشر منشورًا على “فيسبوك” أشار فيه إلى الإفراج عن سبعة من صيادي قرية برج مغيزل بمحافظة كفر الشيخ، من بين أربعين معتقلًا على ذمة القضية رقم 662 لسنة 2020 أمن دولة. وتعود القضية إلى عام 2020، حين ألقي القبض على أربعين صيادًا مصريًا من معبر السلوم الحدودي عقب رحلة صيد قانونية إلى ليبيا. ورغم أن الاشتباه تركز حول تورطهم في تهريب مهاجرين غير شرعيين، ظلوا محتجزين لسنوات طويلة من دون محاكمة، متجاوزين بذلك المدة القانونية للحبس الاحتياطي، الأمر الذي جعلهم منسيين داخل السجون.

 

بين السجن والحرية.. كيف يتحول المفرج عنهم من سجناء إلى مواطنين مهمشين؟


هل مصر في طريقها إلى هدنة سياسية؟

جاء قرار العفو عن المدون والمبرمج علاء عبد الفتاح في اليوم التالي لرفض الرئيس التصديق على قانون الإجراءات الجنائية وإعادته إلى البرلمان، وهو ما فتح الباب أمام توقعات بشأن إمكانية حدوث هدنة سياسية بين السلطات المصرية من جهة، والمعارضة والمجتمع المدني من جهة أخرى، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وتزايد حالة التوتر التي تشهدها البلاد على خلفية الأزمة الإنسانية الناتجة عن حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة.

لكن هذه التوقعات سرعان ما تراجعت بعدما ألقت قوات الأمن القبض على الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني في اليوم التالي مباشرة لإطلاق سراح علاء عبد الفتاح.

يعلق المحامي الحقوقي محمد الباقر في حديثه لـ”زاوية ثالثة” على هذه التوقعات، ويقول:”أنا شخصيًا لا أرى وجود رابط مباشر بين قرار العفو عن علاء عبد الفتاح وبين رفض الرئيس التصديق على قانون الإجراءات الجنائية، قد يكون الظرف العام متزامنًا فقط. لكن قضية علاء لها سياقها وملابساتها الخاصة الممتدة منذ سنوات، وبالتالي فهي مسار مستقل.”

ويضيف في النهاية، كلا القرارين إيجابيان، وإذا نظرنا إليهما معًا يمكن اعتبارهما خطوة في اتجاه أفضل، سواء نحو انفتاح سياسي أوسع أو تعزيز النزاهة العامة أو تحسين أوضاع ملف النشطاء”.

ويختتم المحامي الحقوقي حديثه: “العفو عن علاء لم يكن مفاجئًا تمامًا، فقد سبقه رفع اسمه من قوائم الإرهاب، وكان ذلك مؤشرًا على أن الفرج قريب. ما نتمناه هو أن يمتد هذا الأفق الإيجابي ليشمل آخرين من المسجونين، سواء كانوا محبوسين احتياطيًا أو صدرت بحقهم أحكام تحتاج إلى إعادة نظر وفق معايير المحاكمة العادلة”.

في السياق ترى إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية- تحت التأسيس-، أنه لا يمكن اعتبار ما جرى خلال الأيام الماضية مؤشرًا على “هدنة سياسية”. وتوضح في حديثها لزاوية ثالثة أن هذه المواقف قد تكون متفرقة ولا تربطها بالضرورة خيوط مشتركة، مشيرة إلى أن قانون الإجراءات الجنائية هناك الكثير من التحفظات عليه سواء محليًا أو دوليًا، وأن قرار العفو عن علاء عبد الفتاح جاء بعد مسار طويل من الضغوط والمطالبات، تخللته مؤشرات سابقة على إمكانية الإفراج عنه.

وتضيف عيداروس أن علاء ليس حالة فردية، فهناك العديد من النشطاء الذين يواجهون أوضاعًا مشابهة، مثل محمد عادل ومحمد الأكسجين، دون أن تشملهم قرارات الإفراج. وترى أن ما حدث مع علاء عبد الفتاح خطوة إيجابية في حد ذاتها، لكنها لا تعكس بالضرورة تغيرًا جوهريًا في السياسة العامة، معتبرة أن استمرار حالة الاستباحة الأمنية يحدّ من إمكانية الحديث عن أي تحول حقيقي في المشهد.

 

 بين جدران السجون وحدود المنفى.. وجوه متعددة للقمع

رسائل متناقضة قبيل الانتخابات

بينما ترى المحامية ندى سعد الدين أن إعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان بالتوازي مع قرار العفو عن علاء عبد الفتاح يمكن النظر إليهما كخطوات في مسار تهدئة سياسية، إلا أن هذا المسار سرعان ما تلقى رسالة متناقضة بالقبض على الباحث إسماعيل الإسكندراني وحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق. 

كما  ترى سعد الدين أن مصر تمر بمرحلة حرجة، مشددة على أن ما تحتاجه البلاد في هذه اللحظة هو الإفراج عن المحبوسين وتهدئة الأوضاع الداخلية، حتى تتمكن من التفرغ للتعامل مع القضايا الكبرى والتوترات المتصاعدة على حدودها.

في المقابل يرى  المحامي الحقوقي حليم حنيش، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، إن اعتقال وحبس الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني يطرح سؤالًا حول الرسالة التي ترغب الدولة في توجيهها في هذا التوقيت. ويشير إلى أن الإسكندراني لم يكن شخصية صدامية، بل عُرف بموضوعيته وهدوئه، حيث تضمنت آخر كتاباته على إشادة ببعض خطوات “الانفراجة” الأخيرة، سواء في ملف الإفراجات أو في إدارة عدد من القضايا الخارجية الحساسة.

“ورغم ذلك تم القبض عليه وتوجيه اتهامات أمن دولة لمجرد تعبيره عن رأيه عبر فيسبوك. الرسالة هنا لا تتعلق بمعاقبة فرد بعينه بقدر ما تعكس أن التعبير السلمي عن الرأي – حتى لو كان متوازنًا أو يتضمن إشادة – قد يكلّف صاحبه حريته”- يقول حنيش.

ويوضح حنيش أن ما وُصف بـ”الجريمة” الوحيدة التي ارتكبها الإسكندراني، والتي استدعت تحريات من جهاز الأمن الوطني، وإذنًا من نيابة أمن الدولة، ثم توقيفًا في أحد الكمائن، وحبسًا احتياطيًا، لم تتجاوز كتابة آرائه ونشرها على صفحته الخاصة على الفيسبوك.

ويختتم المحامي الحقوقي حديثه بالقول: “كل ذلك يحدث في لحظة سياسية حساسة، قبيل الانتخابات البرلمانية، وفي ظل أوضاع إقليمية مرتبكة، ما يفترض أن يدفع أي دولة إلى توسيع مساحات الحرية وفتح المجال العام، لا التضييق عليه. فبينما تُرفع شعارات”توحيد الجبهة الداخلية والمصالحة”، تأتي هذه الرسائل لتؤكد أن أي مساحة للتعبير الحر، حتى المتزن منها، ما زالت مهددة”.

يُعد إسماعيل الإسكندراني واحدًا من أبرز الصحفيين الاستقصائيين والباحثين في الشأنين الاجتماعي والسياسي في مصر. حصد جوائز عدة عن أعماله، واشتهر بتحقيقاته حول الأوضاع في شبه جزيرة سيناء والجماعات المسلحة هناك. كما تعاون مع مؤسسات بحثية مختلفة، من بينها “المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” و”مبادرة الإصلاح العربي”.

أُفرج عنه في ديسمبر 2022 بعد أن قضى سبع سنوات في السجن بموجب حكم عسكري صدر بحقه في البداية بالسجن عشر سنوات، قبل أن يُخفَّض لاحقًا إلى سبع سنوات. وقد أُدين بتهم تضمنت “تسريب أسرار عسكرية” و”الانتماء إلى جماعة إرهابية”، وهي التهم التي ثبّتتها المحكمة العسكرية في ديسمبر 2018.

وتعود أحداث القضية إلى 29 نوفمبر 2015، حين أُلقي القبض عليه في مطار الغردقة الدولي عقب عودته من برلين. صادرت السلطات حينها حاسوبه وهاتفه المحمول ومتعلقاته الشخصية، التي استُخدمت لاحقًا كأدلة إدانة ضده. وظل رهن الحبس الاحتياطي أكثر من عامين قبل أن يُحال إلى القضاء العسكري لمواجهة تهم متعلقة بـ”إفشاء أسرار عسكرية”.

قدّم قرار العفو عن علاء عبد الفتاح بارقة أمل للعديد من الأسر والحقوقيين وكذلك السياسيين،  بينما جاء قرار حبس إسماعيل الإسكندراني ليعيد المخاوف حول حدود الحريات والتعبير السلمي. وبين التفاؤل الحذر والخيبة المتكررة، ليظل السؤال الأبرز: هل ما يجري خطوات متفرقة بلا سياق، أم أنه جزء من مشهد أوسع مرتبك الملامح مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟

 

الاختفاء القسري في مصر.. من الصدمة إلى التطبيع

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search