close

تقرير حقوقي يوثق وجود مقبرة جماعية محتملة في شمال سيناء

ميريت أشهد

كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بالتعاون مع وكالة الأبحاث متعددة التخصصات (Forensic Architecture)، عن نتائج تحقيق حقوقي تُشير إلى وجود موقع يُشتبه في كونه مقبرة جماعية في شمال سيناء، يُحتمل — بحسب المؤسسة — أن يكون قد استُخدم لدفن جثث مدنيين خلال العمليات العسكرية التي نفذها الجيش المصري ضد مسلحي تنظيم “داعش” في الفترة ما بين عامي 2013 و2019. وجاء الإعلان عن هذه النتائج بعد سلسلة من التحليلات التي شملت صور أقمار صناعية وبيانات ميدانية، جُمعت من قبل مؤسسة سيناء، وخضعت لاحقًا لتدقيق بصري ومكاني من قبل فريق Forensic Architecture، وهي وكالة بحثية مستقلة متخصصة في تحليل الأدلة البصرية.

ومن المقرر أن تُقدّم مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بيانًا شفويًا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، يوم 23 سبتمبر المقبل، لعرض نتائج هذا التحقيق، مؤكدة أن الخطوة تأتي في إطار جهودها لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تقول إنها طالت السكان المدنيين في شمال سيناء. وكانت منظمات حقوقية قد وجهت، منذ عام 2013، اتهامات متكررة للقوات المسلحة المصرية بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال حملتها على الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم “داعش”.

ويُظهر التقرير الذي حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، أن الموقع الذي خضع للتحليل يضم ما لا يقل عن 36 جمجمة بشرية، موثقة بالأدلة البصرية. وتشير مؤسسة سيناء إلى أن العدد الحقيقي للضحايا قد يكون أعلى بكثير، نظرًا لوجود رفات لم يتم توثيقها بعد داخل الموقع. وتُضيف المؤسسة أن المنطقة شهدت نشاطًا كثيفًا خلال ذروة الحملة العسكرية بين عامي 2015 و2017، تمثّل في ما تصفه بآثار إطارات مركبات متعددة يُعتقد أنها دخلت إلى الحُفر التي يُشتبه في أنها مواقع دفن جماعي. وبحسب التحليل، تُرجّح المؤسسة أن هذه المركبات كانت عسكرية أو على صلة بالقوات المسلحة.

وفي التفاصيل تُظهر إعادة البناء ثلاثي الأبعاد لمواضع الرفات التي جمعتها الأبحاث الميدانية، حدد الباحثون ما لا يقل عن 36 جمجمة ظاهرة على السطح أو مرئية في المواد المصوّرة. في المقابل، تُشير تقديرات المؤسسة إلى أن العدد الفعلي للرفات المدفونة في الحفرتين قد يكون أعلى بكثير، وتقدّر المؤسسة أن إجمالي الرفات قد يتجاوز 300 شخص في الحفرتين معًا.

موقع المقبر الجماعية وفق النسخة التي حصلنا عليها من مؤسسة سيناء
موقع المقبرة الجماعية وفق النسخة التي حصلنا عليها من مؤسسة سيناء

مؤشرات على سيطرة عسكرية مشددة في محيط الموقع

تشير نتائج التحقيق  إلى أن البنية التحتية المحيطة بالموقع خضعت لتحولات كبيرة بين عامي 2013 و2016، من بينها إنشاء منشآت يُعتقد أنها عسكرية، وإزالة بنى تحتية مدنية كانت قائمة. ووفقًا لما ورد في تقرير مؤسسة سيناء، فإن هذه التغييرات تُعد مؤشرًا على وجود سيطرة عسكرية مشددة في المنطقة، لا سيما بعد فرض حظر تجول صارم اعتبارًا من عام 2014، ما جعل ـ بحسب المؤسسة ـ من الصعب أو المستبعد أن يتمكن أي طرف غير عسكري من الوصول إلى الموقع بشكل متكرر أو تنفيذ عمليات دفن دون اكتشافه.

ويُظهر تحليل تسلسلي لصور أقمار صناعية، أجراه فريق التحقيق بالتعاون مع وكالة Forensic Architecture، تغيرات تدريجية في محيط الموقع بين عامي 2005 و2023، أبرزها تطوّر شبكة من نقاط التمركز العسكرية ضمن دائرة نصف قطرها 8 كيلومترات. وتُظهر الصور ظهور سبع نقاط جديدة بين أغسطس 2013 وعام 2015، تلتها نقطتان إضافيتان في عام 2016.

ويشير التقرير إلى أن هذه التغيرات، إلى جانب إنشاء حواجز رملية وخنادق تربط بين بعض النقاط، تُظهر نمطًا متصاعدًا لما تصفه المؤسسة بـ”عسكرة المنطقة”، وتقييدًا فعليًا لحركة المدنيين في محيط الموقع. كما يؤكد فريق Forensic Architecture أن أبرز فترات النشاط داخل الموقع تتزامن مع ذروة العمليات العسكرية بين عامي 2015 و2017.

مئات المُهجرين من حدود سيناء يطالبون بـ”حق العودة” إلى قراهم

ترجيح مسؤولية عسكرية

تشير نتائج التحليل الذي أجرته مؤسسة سيناء بالتعاون مع (Forensic Architecture) إلى أن الظروف المحيطة بالموقع، بما في ذلك الحركة المنتظمة لمركبات يُشتبه بأنها عسكرية والتغيرات البنيوية في المنطقة، تدفع إلى ترجيح فرضية ضلوع أطراف عسكرية في دفن رفات بشرية داخل الموقع. وتقول المؤسستان إن هذه الفرضية تستند إلى نمط العسكرة المكثف وحالة تقييد الحركة المفروضة على المدنيين منذ عام 2014.

ويقول أحد الباحثين في (Forensic Architecture) إن حجم البيانات والشهادات التي جمعتها مؤسسة سيناء، والتي خضعت لتحليل فني، تسهم في بناء تصور مبدئي حول طبيعة الانتهاكات المزعومة في شمال سيناء، والتي تُنسب من قبل المؤسسة إلى القوات العسكرية المصرية. وأضاف الباحث أن الأدلة تشير إلى محاولات متعمدة لمحو آثار هذه الانتهاكات من خلال دفن الضحايا في مقابر جماعية يصعب اكتشافها. ودعا إلى ممارسة ضغط دولي واسع للمطالبة بتحقيق كامل وشفاف بشأن الموقع الذي تم تحديده، مؤكدًا أن القضية مرتبطة بشكل مباشر بملف الإفلات من العقاب الذي يعمل به الجيش المصري منذ سنوات.

نوصي للقراءة: منظمات حقوقية تطالب بـ “وقف القمع” ضد المُهجرين من سيناء والسماح لهم بالعودة إلى قُراهم

روايات سجناء وشهود حول عمليات قتل مزعومة

تتضمن التقريرشهادات عدد من المحتجزين السابقين وأفراد من المجموعات المحلية المتعاونة مع القوات العسكرية، تفيد بأن بعض المعتقلين كانوا يُنقلون من أماكن احتجازهم دون أن يُعرف مصيرهم لاحقًا. وتزعم إحدى الروايات، التي وردت على لسان عنصر متعاون مع الجيش، أن عمليات نقل تمت إلى مواقع خارجية يُعتقد أنه جرى فيها تنفيذ إعدامات ميدانية.

ويضم التقرير أيضًا توثيقًا لعدد من الحوادث التي تصفها المؤسسة بأنها عمليات قتل خارج نطاق القانون، وقعت خلال الأعوام الماضية، خصوصًا بين عامي 2016 و2017. وتشير المواد المرفقة (فيديوهات وصور) إلى وجود جثث وآثار طلقات نارية، تقول المؤسسة إنها تتقاطع مع شهادات لعائلات مدنيين احتُجزوا أو اختفوا قسرًا، وتُعتبر ـ بحسب التحليل الحقوقي ـ من بين المؤشرات الداعمة لفكرة الاستخدام المنهجي لمواقع دفن سرية.

وفي ضوء ما ورد، دعت كل من مؤسسة سيناء ووكالة (Forensic Architecture) إلى إجراء تحقيق دولي مستقل وشفاف في هذا الموقع وغيره من المواقع المشابهة، مع السماح بعمليات حفر جنائية محايدة لتحديد هويات الضحايا وأسباب الوفاة. كما طالبت المؤسستان بإنشاء لجنة أممية أو آلية دولية متخصصة لرصد أوضاع حقوق الإنسان في شمال سيناء، ودعتا إلى تعليق أو إعادة النظر في التعاون الأمني الدولي مع الأجهزة المصرية إلى حين اتخاذ خطوات جادّة في التحقيق والمحاسبة، إضافة إلى دعم جهود توثيق الرفات وضمان دفن لائق لأسر الضحايا.

تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان هي منظمة مستقلة غير حزبية، تركز على توثيق الانتهاكات التي تطال المدنيين في شمال سيناء، وتعمل على تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية من خلال تقارير ميدانية ومرافعة دولية.

أما Forensic Architecture فهي وكالة أبحاث مقرها جامعة غولدسميث في لندن، تضم فريقًا متعدد التخصصات يعمل على تحليل الأدلة البصرية والمكانية لصالح جهات قانونية وحقوقية دولية، وتُعرض نتائج أبحاثها أمام المحاكم والهيئات الدولية وفي الفعاليات العامة.

ميريت أشهد
صحفية مصرية حاصلة على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة

Search