close

الأعباء أولًا، والتعليم لاحقًا.. عام دراسي جديد بقرارات صادمة لأهالي “التجريبية والدولية”

تضاعف قرارات وزارة التربية والتعليم في مصر معاناة أولياء الأمور، من خلال زيادة المصروفات المدرسية، وفرض شراء الكتب بأسعار مرتفعة.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

فوجئت شيماء عبد الرحمن بارتفاع كبير في مصروفات المدارس الرسمية للغات والمتميزة، إلى جانب قرار وزارة التربية والتعليم بإلزام أولياء الأمور بشراء الكتب من المدارس بأسعار تفوق ضعف سعرها المعتاد. وعندما توجّهت إلى مكتب البريد لدفع المصروفات الدراسية لابنها، المنتقل إلى الصف الثالث الابتدائي بإحدى المدارس الرسمية المتميزة، وابنتها المنتقلة إلى الصف الثاني الابتدائي بمدرسة تجريبية، أبلغها الموظفون بعدم إدراج بيانات أبنائها على النظام الإلكتروني، وطالبوها بمراجعة الإدارات المدرسية. لكن الإدارتين أفادتا بعدم تلقيهما أي معلومات بشأن المصروفات أو الكتب الدراسية.

الزيادات الأخيرة في المصروفات زادت من الأعباء المادية على شريحة واسعة من الأسر غير القادرة على إلحاق أبنائها بمدارس خاصة أو دولية، في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. كما أن القرار الوزاري بفرض شراء الكتب من المدارس، رغم عدم توفرها بعد، أثار قلقًا وارتباكًا بين أولياء الأمور مع اقتراب الفصل الدراسي الأول.

تقول شيماء لـ”زاوية ثالثة” إنها أصبحت مطالبة بدفع نحو 4200 جنيه لابنها، تشمل 1030 جنيهًا للكتب الدراسية، بينما كانت المصروفات العام الماضي نحو 2700 جنيه، بالإضافة إلى 300 جنيه رسوم بريد. وكانت الكتب تُشترى حينها بسعر يتراوح بين 400 و500 جنيه. أما لابنتها الصغرى، فالمصروفات ارتفعت من 800 جنيه العام الماضي (دون الكتب) إلى 2125 جنيهًا هذا العام، تتضمن 1020 جنيهًا للكتب وحدها.

الصدمة ذاتها واجهتها هدى محمد، والدة تلميذ في الصف الأول الإعدادي بإحدى المدارس الرسمية للغات، حيث بلغت تكلفة الكتب وحدها 1500 جنيه، رغم أنها كانت تُشترى العام الماضي من المكتبات الخارجية بنحو 400 جنيه فقط. وتقول لـ”زاوية ثالثة”: “أبناءنا التحقوا بهذه المدارس وفق نظام محدد، وعلى أساسه نظمنا أمورنا المالية، وكنا ندفع زيادات سنوية معلومة. لكننا فوجئنا بقرارات تطبَّق بأثر رجعي، ونحن أسر من موظفين وعمال نعتمد على الجمعيات الشهرية لسداد المصاريف”.

وتطالب هدى بقصر تطبيق الزيادات على الطلاب الجدد، ومساواة طلاب المدارس الرسمية للغات بزملائهم في المدارس الحكومية من حيث الحصول على الكتب الموحدة مجانًا. وتؤكد أن هذه المدارس أنشأتها الوزارة لإتاحة تعليم اللغات ضمن المناهج الوطنية، ولا ينبغي أن تتحول إلى عبء اقتصادي على الأسر.

عمرو علي، ولي أمر ثلاثة تلاميذ بمدارس رسمية للغات، يرى أن القرارات الأخيرة مجحفة وغير مدروسة، ويقول لـ”زاوية ثالثة”: “المدارس التجريبية لم تعد خيارًا مناسبًا لأسر الدخل المحدود والمتوسط، بل أصبحت عبئًا يفوق طاقتهم. من المفترض أن تقدّم هذه المدارس تعليمًا أفضل من الحكومي، لكنها تعاني من تدهور في الخدمات، نقص النظافة، وعدم كفاية المقاعد، وضعف كفاءة بعض معلمي اللغات، فضلًا عن العجز في أعدادهم”. ويضيف: “المصروفات ارتفعت من نحو 750 جنيهًا إلى ما يقارب 3000 جنيه، ويُفرض علينا شراء الكتب من المدارس بثلاثة أضعاف سعرها في المكتبات. الوزارة تعاملنا كأننا مصدر لتحصيل الأموال فقط”.

ويؤكد عمرو أن الأسر تعيش تحت ضغط نفسي واقتصادي متزايد، مطالبًا الوزارة بمراجعة قراراتها حفاظًا على استقرار العملية التعليمية.

أما مصطفى ذكي، والد تلميذين بالمرحلة الابتدائية في مدرسة تجريبية، فيشكو من الزيادات الكبيرة في الرسوم وأسعار الكتب، ما دفعه إلى تقديم شكوى رسمية عبر موقع رئاسة الوزراء. يقول: “العام الماضي كانت مصاريف المدرسة 900 جنيه والكتب بـ200 جنيه، أما هذا العام فوصلت إلى 2225 جنيه للطفل الواحد. أي أنني مطالب بسداد 4450 جنيهًا بدلًا من 1800 فقط”.

ويضيف: “جمعنا اعتراضات أولياء الأمور على هذه القرارات، وقدمنا شكوى جماعية للمطالبة بإلغاء إلزامنا بشراء الكتب بأسعار مبالغ فيها، رغم أن أبناءنا في مدارس حكومية ويحق لهم الحصول على الكتب مجانًا. الوزير يتجاهل الظروف الاقتصادية ويواصل الضغط على الأسر”.

وتضمنت الشكوى، التي اطلعت “زاوية ثالثة” على نسخة منها، توقيع نحو 50 من أولياء الأمور، ووجهت إلى كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، والنائب العام محمد شوقي. واعترضت على قرار الوزارة بفرض شراء الكتب بأسعار مرتفعة، رغم أن القانون واللوائح يكفلان حصول الطلاب على الكتب مجانًا.

وأكدت الشكوى أن القرار يضاعف الأعباء على الأسر في ظل الأزمة الاقتصادية، ويخالف مبدأ تكافؤ الفرص، مطالبة بتدخل عاجل لإلغائه وضمان حقوق الطلاب دون تحميل ذويهم أعباء إضافية.

 

نوصي للقراءة: قانون التعليم الجديد: هكذا تتآكل مجانية التعليم في مصر


آليات تنفيذ غامضة

تعود الأزمة إلى صدور قرار وزاري عن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، يعدل القرار رقم 285 لسنة 2025، وينص على سداد المصروفات الدراسية عبر البريد، مع تقسيط رسوم الكتب و”المستوى الرفيع” على أربعة أقساط تُسدَّد من خلال منافذ البريد وفوري وآي فينانس، مع إلغاء إمكانية شراء الكتب من خارج المدارس.

وتوضح مها عمر، مؤسسة اتحاد أولياء أمور المدارس الرسمية للغات على مستوى الجمهورية، أن النشرات الرسمية وُزعت بالفعل على الإدارات والمدارس، إلا أن آليات التنفيذ لا تزال غامضة، إذ لم تصل الكتب إلى المدارس المتميزة رغم اقتراب بداية الدراسة. وتؤكد أن أولياء الأمور يواجهون مأزقًا حقيقيًا، موضحة أن بعضهم لديه ثلاثة أو أربعة أبناء في المدارس الرسمية للغات، ويعجزون عن سداد المصروفات، إلا أن تحويل الطلاب إلى المدارس الحكومية العربية لم يعد ممكنًا بعد انتهاء فترة التحويلات في منتصف أغسطس، ما يُلزم الأسر بالاستمرار في النظام الحالي رغم ارتفاع التكلفة.

وتقول لـ”زاوية ثالثة”: “لا يجوز فرض قرارات جديدة بأثر رجعي على الطلاب المقيدين بالفعل. مبدأ العقد شريعة المتعاقدين يقتضي تطبيق أي زيادات جديدة فقط على الطلاب المستجدين في رياض الأطفال، أما إلزام أولياء الأمور بشراء كتاب المستوى الرفيع، بعد أن كان اختياريًا، فهو عبء إضافي. نطالب الوزارة بإعادة حرية الاختيار في هذا الشأن”.

وتشير مها إلى أن أسعار الكتب التي حددتها الوزارة أعلى من مثيلاتها في السوق الحرة، وهو ما يتعارض مع مبدأ مجانية التعليم الذي يكفله الدستور. وتوضح أن الفارق الأساسي بين المدارس الرسمية للغات والمدارس الحكومية العربية يقتصر على تدريس مادتي الرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية، ما يجعل الفروق الكبيرة في المصروفات الدراسية غير مبرّرة.

وترى أن هذه القرارات تهدد مستقبل التعليم التجريبي، وتؤدي إلى تراجع في مستوى الطلاب الذين قد يُجبرون على التحويل إلى مدارس حكومية عربية نتيجة الضغوط المالية، مشددة على أن الاتحاد يسعى لتوحيد صوت أولياء الأمور وطرح الأزمة أمام الجهات المعنية، على أمل الاستجابة لمطالبهم، كما حدث سابقًا حين نجحوا في إلغاء إلزامية كتاب المستوى الرفيع.

وفي بيان رسمي، أعلن اتحاد أولياء أمور المدارس الرسمية لغات رفضه لتصريحات وزير التربية والتعليم بشأن الكتب الدراسية، مؤكدًا أن ما ورد عن إلغاء كتاب المستوى الرفيع غير دقيق، إذ يُحمَّل أولياء الأمور ثمنه مرتين: مرة ضمن بند الكتب، وأخرى كرسوم إضافية وفقًا للقرار 156 لسنة 2025 الخاص بمصاريف البريد.

وشدد الاتحاد على أن هذه المدارس تظل مؤسسات حكومية لا تختلف عن المدارس الرسمية العربية، باستثناء تدريس مادتي العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية، وأن كتاب المستوى الرفيع ظل حتى وقت قريب اختياريًا. وطالب بتطبيق الاتفاق الأصلي بين أولياء الأمور والوزارة منذ بداية التحاق الطلاب، وتسليم كتب العربي والدين بنفس الطريقة والمصاريف المعتمدة في المدارس الرسمية العربية، وتقديم كتب الرياضيات والعلوم بسعر الترجمة فقط.

وفيما يخص كتاب المستوى الرفيع، دعا الاتحاد إلى جعله اختياريًا أو تخفيض سعره ليكون في متناول الجميع، منتقدًا بيعه من خلال الوزارة بسعر يفوق السوق الحرة. كما طالب بإعفاء الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة من المصروفات الدراسية، التزامًا بدور الدولة في دعم هذه الفئات. ودعا الوزارة إلى مراعاة أوضاع الموظفين محدودي الدخل الذين لديهم أكثر من ثلاثة أبناء في هذه المدارس، حيث باتت المصروفات تشكل عبئًا ثقيلًا على موازناتهم.

من جهتها، نشرت وزارة التربية والتعليم بيانًا تفصيليًا بشأن المصروفات الدراسية للمدارس الرسمية للغات، موضحة أن تحصيلها يتم من خلال منافذ متعددة تحت بند “خدمة مدارس رسمية لغات”، وتتراوح المصروفات بين 1875 جنيهًا لمرحلة رياض الأطفال و2950 جنيهًا للصف الثالث الإعدادي، مع إمكانية السداد على أربعة أقساط. وتختلف أسعار الكتب بحسب المرحلة التعليمية، إذ تصل إلى 820 جنيهًا في الصف الأول من رياض الأطفال، وترتفع تدريجيًا إلى 1755 جنيهًا في الصف الثالث الإعدادي.

أما في المدارس الرسمية المتميزة، فقد أظهر البيان أن المصروفات لمرحلة رياض الأطفال (KG1 وKG2) بلغت 3477.41 جنيهًا، وتشمل 2052.41 جنيهًا لخدمات اللغات، و200 جنيه للنشاط العام والتطوير التكنولوجي، و395 جنيهًا طبقًا للقرار 156 لسنة 2025، بالإضافة إلى 830 جنيهًا للكتب. وفي الصفوف من الأول إلى الثالث الابتدائي ارتفع المبلغ إلى 4190.51 جنيهًا، ليصل إلى 4490.51 جنيهًا للصفوف من الرابع إلى السادس، بعد زيادة بند الكتب إلى 1330 جنيهًا. وفي المرحلة الإعدادية، تراوحت المصروفات بين 4973.61 و5173.61 جنيهًا، مع أسعار كتب تتراوح بين 1400 و1500 جنيه.

تُبيّن فاطمة فتحي، مؤسسة ائتلاف “تعليم بلا حدود”، أن مكان الكتاب المدرسي هو المدرسة، ولا يجوز معاملته ككتاب خارجي يُشترى من المكتبات، كما يحدث حاليًا. وتوضح أن أزمة شراء الكتب بدأت منذ عهد الوزير الأسبق طارق شوقي، الذي استعان بشركة “لونج مان” وفرض نظام “الحزمة المتكاملة”، والذي ألزم المدارس التجريبية بالحصول على الكتب المترجمة أسوةً بالمدارس الحكومية العربية. ورغم أن القرار الوزاري رقم 285 لم ينص على هذا التعديل، إلا أن الوزير الحالي واصل تطبيقه العام الماضي، وهو ما اعتبرته فتحي مخالفًا لجوهر التعليم التجريبي، الذي يُعد تعليمًا حكوميًا.

وتشير إلى أن وزارة التربية والتعليم سبق أن ألغت، في عام 2016، إلزام شراء كتاب “المستوى الرفيع”، إلا أن النظام الحالي أعاد فرضه ضمن الحزمة، ما ضاعف الأعباء المادية على أولياء الأمور. كما تنتقد فتحي تسعير الوزارة لكتبها بأسعار مرتفعة، لافتة إلى أن الوزارة نفسها أقرت بأنها لم تسعّر سوى كتب الرياضيات والعلوم والمستوى الرفيع، ومع ذلك تُباع جميع الكتب بأسعار تتجاوز الألف جنيه في كل مرحلة.

وتقول لـ”زاوية ثالثة”: “كأم لثلاثة تلاميذ في مدارس تجريبية، أُطالب هذا العام بدفع نحو 4500 جنيه مقابل الكتب فقط، وهو مبلغ يفوق جودة الخدمة التعليمية المقدمة. من غير المقبول أن يُلزم أولياء الأمور بدفع هذه المبالغ لقاء كتب مصرية، تُطبع في مطابع حكومية، بعدما كان من الممكن الحصول عليها اختياريًا أو تبادلها بين الطلاب أو استخدام نسخ من الأعوام السابقة”.

وتنتقد أيضًا ما وصفته بـ”التهديد الضمني” لأولياء الأمور بتحويل أبنائهم إلى التعليم الحكومي العربي إذا رفضوا دفع ثمن الكتب مع المصروفات، رغم أن الكتاب – بحسب قولها – يجب أن يُمنح مجانًا مثل جهاز التابلت الذي لا يزال يُوزع على طلاب المدارس الحكومية. وتعتبر أن البيان الأخير للوزارة لم يقدم حلاً حقيقيًا، بل أعاد التأكيد على تسليم الكتب فقط بعد الدفع بالتقسيط، رغم أن طلاب التعليم التجريبي كانوا يستلمونها سابقًا دون مشاكل تُذكر.

في المقابل، أصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بيانًا رسميًا للرد على حالة الجدل التي أثارها أولياء الأمور على مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص فروق أسعار الكتب الدراسية بين المدارس الرسمية للغات، والرسمية المتميزة، والمدارس الخاصة. وأوضحت الوزارة أن أسعار الكتب في المدارس الرسمية والمتميزة تشمل كتب “المستوى الرفيع” للغتين في الفصلين الدراسيين، بينما لا تتضمنها أسعار الكتب في المدارس الخاصة.

وأكد البيان أن الوزير محمد عبد اللطيف قرر عدم ربط تسليم الكتب الدراسية بسداد المصروفات، مع اعتماد نظام تقسيط يشمل المصروفات الدراسية ورسوم الكتب، موزعة على أربعة أقساط، بهدف تخفيف العبء المالي عن أولياء الأمور، دون الإشارة إلى إمكانية إعادة النظر في تسعير الكتب نفسها أو في آلية توزيعها.

نوصي للقراءة: “حضانات المساجد”.. خطوة لسد الفجوة التعليمية أم بداية لفرز مجتمعي؟

قلق بين أولياء أمور طلاب الـIG

في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة المصروفات في المدارس الرسمية، يواجه أولياء أمور طلاب المدارس الدولية في مصر حالة من القلق والارتباك، على خلفية القرار الوزاري بإضافة مادتي اللغة العربية والتاريخ كمادتين أساسيتين تُحسبان ضمن المجموع بنسبة 20% من إجمالي المواد المؤهلة للالتحاق بالجامعة.

ينص النظام المعمول به في شهادة الـIGCSE على دراسة ثماني مواد من المستوى العادي (O-Level) ومادة واحدة من المستوى المتقدم (A-Level)، وهو ما يكفي للتأهيل للجامعات المصرية في تخصصات مثل الطب والهندسة. لكن بموجب القرار الجديد، بات الطالب مطالبًا بدراسة عشر مواد من المستوى العادي، وهو ما يزيد العبء الدراسي، وفقًا لما توضحه أمينة إسماعيل، والدة طالب بإحدى المدارس الدولية في مصر.

تقول لـ”زاوية ثالثة”: “المشكلة أن القرار طُبق فجأة على طلاب الصف العاشر، من دون تمهيد أو إعداد مسبق. فمقرر اللغة العربية المعتمد هو نفس منهج الوزارة الرسمي، ويتضمن الأدب والبلاغة والنصوص، وهي موضوعات لم يتدرج فيها طلاب المدارس الدولية كما هو الحال في التعليم الحكومي. أما مادة التاريخ، فتعد عبئًا إضافيًا على الطلاب المتجهين نحو التخصصات العلمية”.

وتشير أمينة إلى أن طلاب الـIG المقيمين في الخارج تقدموا بدعاوى قضائية لاستبعادهم من تطبيق القرار، كونهم يدرسون مناهج تخص الدول المقيمين بها، إلا أن نجاحهم في استصدار حكم لصالحهم سيؤدي إلى إخلال واضح بمبدأ تكافؤ الفرص، إذ سيتنافسون مع طلاب الداخل في نفس التنسيق، بينما يدرسون عددًا أقل من المواد.

وتنتقد ما وصفته بغياب الدراسة والتخطيط للقرار، مؤكدة أن شكل الامتحانات وآليات التطبيق ما زالت غير واضحة، ما يُضيف حالة من التيه إلى أعباء مالية ضخمة تتحملها الأسر بالفعل في نظام الـIGCSE.

من جانبها، ترى إنجي ماهر، والدة طالب بالصف الثامن في إحدى المدارس الدولية، أن قرار إدراج اللغة العربية والتاريخ بنسبة 20% ضمن المجموع يُعد إجحافًا بحق الطلاب، مشيرة إلى أن أبناء نظام الـIG يدرسون اللغة العربية والتربية الدينية منذ رياض الأطفال، والدراسات الاجتماعية من الصف الرابع، لكن بعدد محدود من الحصص، ما يجعل مستواهم في هذه المواد ضعيفًا مقارنة بنظرائهم في النظام الحكومي.

تقول لـ”زاوية ثالثة”: “هذه المواد كانت تُعامل كمواد نجاح ورسوب فقط، وكنا نبذل جهدًا مضاعفًا مع أبنائنا لتجاوزها. لكن إدراجها في المجموع بنسبة 20% ظلم كبير، فالطلاب غير مؤهلين بالشكل الكافي. بينما يدرس طلاب البكالوريا الدولية خمس مواد مؤهلة فقط، يُجبر طلاب الـIG على دراسة عشر مواد، مما يخل بمبدأ المساواة”.

وتحذر إنجي من غياب العدالة بين طلاب الداخل والخارج، مشيرة إلى أن نسبة الشهادات المعادلة في الجامعات الحكومية لا تتجاوز 5%، ما يزيد من حساسية الوضع. وتضيف أن بعض الطلاب من النظام الحكومي يتحولون إلى نظام الـIG في الصف العاشر، ويكونون في وضع أفضل لغويًا، مما يمنحهم ميزة غير عادلة. وتختتم بالقول: “الحل لا يكون بقرارات مفاجئة، بل بإصلاح تدريجي يبدأ من المراحل الأولى، عبر زيادة حصص اللغة العربية للطلاب الجدد، ومحاسبة المدارس على جودة التدريس”.

في هذا السياق، نشرت الجريدة الرسمية القرار الوزاري رقم 148 لسنة 2024، الصادر عن وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، والذي نص على إلزام جميع المدارس الدولية أو التي تطبق مناهج أجنبية داخل مصر، بتدريس اللغة العربية بدءًا من رياض الأطفال، وإضافة مادتي التربية الدينية والعربية حتى الصف الثالث، ثم تدريس العربية والدراسات الاجتماعية والتربية الدينية من الصف الرابع حتى الصف التاسع، وفقًا لمناهج المدارس الرسمية.

كما نص القرار  الوزاري رقم 148 لسنة 2024، على أن تُمثل مادتا اللغة العربية والدراسات الاجتماعية 20% من المجموع الكلي للطالب في المراحل الدراسية حتى الصف التاسع، بواقع 10% لكل مادة. أما في المرحلة الثانوية (من الصف العاشر حتى الثاني عشر)، فتُضاف مادتا اللغة العربية والتاريخ كمقررين إلزاميين، ويُحتسب 20% من إجمالي الدرجات المؤهلة للشهادة الدولية المعادلة للثانوية العامة المصرية من هاتين المادتين، من خلال امتحانات مركزية تنظمها وزارة التربية والتعليم.

وفيما يخص شهادة الدبلومة الأمريكية، فتُوزّع درجات التنسيق الجامعي بواقع 40% للمعدل التراكمي (GPA)، و40% لاختبارات نهاية العام، و20% لامتحاني اللغة العربية والتاريخ. ويُلزم القرار جميع الطلاب المصريين، داخل مصر أو خارجها، الحاصلين على شهادات دولية، بأداء هذين الامتحانين.

يُطبق القرار على طلاب رياض الأطفال حتى الصف التاسع اعتبارًا من العام الدراسي 2024/2025، وعلى طلاب الصف العاشر وما بعده بدءًا من 2025/2026.

فاتن أحمد، مديرة مجموعتي “حوار مجتمعي تربوي” و”معًا لننهض بالتعليم”، ترى أن تطبيق القرار فجأة على طلاب الشهادات الدولية، لا سيما في نظامي الـIGCSE والدبلومة الأمريكية، أحدث حالة من الارتباك بين الطلاب والأهالي. وتقول لـ”زاوية ثالثة”: “النظام الدولي أصلاً يمثل في كثير من الحالات تسربًا من التعليم الحكومي، حيث يتفادى الطلاب ضغوط المواد النظرية المكثفة، ويقتصر تركيزهم غالبًا على اجتياز امتحانات الشهادات الدولية، بينما تُخصص لحصص اللغة العربية والتاريخ حصتان أسبوعيًا فقط، ما لا يسمح بتأسيس أكاديمي كافٍ”.

وتضيف: “الطلاب اعتادوا اعتبار هاتين المادتين مواد نجاح ورسوب فقط. أحيانًا تُختصر المناهج إلى أوراق محدودة، بل يتلقى بعض الطلاب الامتحان قبل موعده. لذلك، فإن إدراجهما ضمن المجموع فجأة يمثل عبئًا جديدًا على الطالب غير المؤسس، ويُربك الخطة الدراسية بالكامل”.

وترى أن القرار، رغم وجاهته في تعزيز الهوية الوطنية، كان يجب تطبيقه تدريجيًا بدءًا من الصفوف الأولى، وليس على طلاب المرحلة الثانوية الذين التحقوا أصلًا بهذا النظام لتفادي هذا النوع من المواد. وتضيف أن غياب وضوح آليات التنفيذ والمناهج الجديدة يفتح المجال أمام مراكز الدروس الخصوصية للاستغلال، في وقت تعاني فيه الأسر أصلًا من الأعباء المالية العالية المرتبطة بالتعليم الدولي.

وفي مايو 2025، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا  قضائيًا أيّد قرارات وزارة التربية والتعليم بإدراج مواد اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية في المدارس الدولية والأجنبية، مؤكدة أن هذه المواد تُعد التزامًا تعليميًا إلزاميًا، وجزءًا من “الهوية القومية” وفقًا للدستور المصري، وليست مجرد مقررات فرعية. وقد جاء الحكم استجابة للطعن الذي تقدّم به وزير التربية والتعليم ضد مجموعة من أولياء الأمور الرافضين للقرار.

في المقابل، بدأت أولى جلسات الطعن القضائي على القرار الوزاري ذاته في الأسبوع الماضي، بشأن إلزام الطلاب المصريين الحاصلين على شهادات دولية داخل أو خارج مصر بدخول امتحانات وزارية في مادتي اللغة العربية والتاريخ، تحتسبان بنسبة 20% من المجموع الكلي.

وقدّمت المحامية بالنقض نهاد أبو القمصان هذا الطعن، مؤكدة أن القرار يحمل جملة من المخالفات، أبرزها: تعدي وزارة التعليم على اختصاصات المجلس الأعلى للجامعات في تحديد شروط القبول، واستحالة التطبيق على الطلاب المصريين بالخارج الذين يدرسون مناهج مختلفة، وغياب أي بروتوكولات تعاون مع وزارات التعليم في الدول الأخرى.

كما استند الطعن إلى انتهاك مبدأ المساواة وحق التعليم المكفول بالدستور والاتفاقيات الدولية، إضافة إلى غياب آليات تنفيذية واضحة، مثل تشكيل لجنة عليا للإشراف على الامتحانات في الخارج، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الوزارة على تنظيم اختبارات في أكثر من 200 دولة.

وطالب الطعن بوقف تنفيذ القرار وإلغائه بالنسبة للمصريين بالخارج، تفاديًا لحرمانهم من فرص عادلة في الالتحاق بالجامعات المصرية. وقد قررت المحكمة إحالة القضية إلى هيئة المفوضين، وحددت جلسة 12 أكتوبر المقبل للنظر في الطعن.

وفي تعليق لها عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك“، وصفت نهاد أبو القمصان القرار بأنه “تعجيز صريح يتعارض مع الدستور وأبسط قواعد العدالة”، مشيرة إلى أن آلاف الطلاب المصريين في الخارج حُرموا من حقهم في التعليم بسبب فرض امتحانات في مناهج لم يدرسوها. وانتقدت غياب دور البرلمان في مراجعة مثل هذه القرارات قبل صدورها، مشيرة إلى أن هذا الغياب دفع بالأسر والطلاب إلى اللجوء لمجلس الدولة باعتباره جهة الاختصاص لحماية الحقوق وضمان المشروعية.

 

نوصي للقراءة: البكالوريا: تطوير للثانوية العامة أم نهاية لعصر التعليم المجاني؟

تراجع الدولة عن مجانية التعليم

يرى الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية ورئيس مجلس أمناء المركز المصري للحق في التعليم، أن القرارات الأخيرة بزيادة مصروفات المدارس التجريبية، وإلزام أولياء الأمور بشراء الكتب من المدارس بأسعار مرتفعة، تعبّر بوضوح عن اتجاه الدولة للتراجع التدريجي عن مبدأ مجانية التعليم.

ويشير في حديثه لـ”زاوية ثالثة” إلى أن النظام السياسي المصري عبّر مرارًا عن عدم قدرته على تحمّل أعباء العدالة الاجتماعية، مستدلًا بقرارات سابقة مثل رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والسلع الأساسية، وهو النهج ذاته الذي يُطبّق حاليًا على التعليم.

ويضيف: “الدستور نصّ في مادته 19 على تخصيص 4% من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم قبل الجامعي، لكن النسبة الفعلية لا تتجاوز 2%. هذا الخلل يظهر في نقص بناء المدارس، وارتفاع العبء على المعلمين، الذين باتوا من بين الأقل دخلًا عالميًا، فضلًا عن عجز يقدّر بـ600 ألف معلم. في المقابل، تلجأ الوزارة إلى حلول مؤقتة مثل الاستعانة بالمعاشات، ونظام الحصة، والتطوع، بدلًا من التوظيف المستقر”.

ويعتبر مغيث أن فرض رسوم متزايدة على الامتحانات والأنشطة في المدارس التجريبية، وما تبعه من قرارات، يمثل خطوات متسارعة نحو انسحاب الدولة من تمويل تعليم الفئات الأفقر. ويذكّر بتصريحات رسمية سابقة صدرت عن رئيس الجمهورية، أوضحت بجلاء أن الدولة “لن تعلّم الجميع”، بل تركز فقط على شريحة محددة، بينما تُترك بقية الأسر لمصيرها.

وعن المدارس الدولية، يوضح مغيث أن هناك ثلاث فئات من التعليم: أولًا، المدارس الحكومية والتجريبية، الخاضعة بالكامل لوزارة التربية والتعليم؛ ثانيًا، المدارس الخاصة والدولية التي تُدار بشراكة جزئية مع الوزارة وتخضع للإشراف الأكاديمي والمالي؛ وأخيرًا، المدارس الدولية “الصِرفة”، مثل المدارس القنصلية، والتي تُعد امتدادًا لمؤسسات أجنبية ولا تخضع إداريًا للدولة.

ويرى أنه من حق الوزارة إلزام المدارس الخاصة والدولية التي تستقبل طلابًا مصريين بتدريس مواد الهوية الوطنية، كاللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الدينية، لكن لا يمكن فرض هذه المواد على المدارس الدولية المستقلة، لأنها خارج نطاق إشراف الوزارة من الأساس.

وفيما يخص الجدل حول قرار احتساب مادتي اللغة العربية والتاريخ بنسبة 20% ضمن مجموع طلاب الشهادات الدولية (مثل IGCSE)، يعتبر مغيث أن الأمر يعكس حالة من التخبط، خاصة في ظل الدعاوى القضائية التي رفعها طلاب مصريون مقيمون بالخارج، يدرسون مناهج محلية لا تشمل هذه المواد، ما يثير تساؤلات حول عدالة التنافس مع نظرائهم داخل مصر.

ويختتم مغيث حديثه بالتأكيد على أن التوجه العام للدولة يشير إلى تنصّل تدريجي من الالتزامات الدستورية في مجال التعليم، والبحث عن موارد مالية جديدة من خلال رسوم وقرارات تُثقل كاهل الأسر، بدلًا من رفع المخصصات التعليمية أو تحسين أجور المعلمين.

وفي ظل هذا المشهد المتأزم، يجد أولياء الأمور أنفسهم بين مطرقة الأعباء المادية وسندان القرارات الوزارية المفاجئة، بينما يظل الطلاب هم الحلقة الأضعف، مهددين بخسارة حقهم في تعليم منصف ومستقر. ومع غياب حلول واقعية تراعي ظروف الأسر، وتفتقر إلى آليات فعالة لضمان تكافؤ الفرص، تتزايد الدعوات إلى مراجعة السياسات التعليمية الراهنة، وفتح حوار جاد مع ممثلي أولياء الأمور، قبل أن تتفاقم الأزمة إلى مستوى قد يُهدد استقرار المنظومة التعليمية ومستقبل جيل بأكمله.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search