close

تسريع بيع أصول الدولة.. من يضع السعر؟ ومن يشتري؟

في أغسطس 2025، صادق الرئيس المصري على تعديلات تمنح صندوق مصر السيادي صلاحيات غير مسبوقة لتسريع بيع أصول الدولة مباشرة، في خطوة يرى مراقبون أنها استجابة لضغوط صندوق النقد وسط أزمة عملة خانقة وتضخم غير مسبوق.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 20 أغسطس الماضي على تعديلات تشريعية جديدة تهدف إلى تسريع إجراءات بيع الأصول الحكومية ضمن ما يُعرف ببرنامج “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، هذه التعديلات تمنح صندوق مصر السيادي صلاحيات أوسع لبيع الأصول المملوكة للدولة بشكل مباشر، بما يختصر الإجراءات التي كانت تستغرق شهورًا وربما سنوات قبل إتمام أي صفقة.

القانون ينظم الشركات التي تملك الدولة رأسمالها بالكامل أو تساهم فيها، ويشمل الشركات المرتبطة بالوزارات والهيئات العامة وأجهزة الدولة، مع استثناءات لبعض الشركات ذات الطابع الاستراتيجي أو المنشأة بموجب اتفاقيات دولية. ويتضمن كذلك آليات متعددة للتصرف في أصول الدولة بما في ذلك البيع والطرح في الأسواق وعمليات الاندماج والتقسيم لتعزيز الشفافية والحوكمة الاقتصادية.

يرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي استجابة لشروط يضعها صندوق النقد الدولي وشركاء ماليون آخرون، من أجل توفير سيولة عاجلة تدعم الاقتصاد المصري المتعثر بفعل أزمة العملة وتفاقم الديون، إذ تراهن الحكومة على جني مليارات الدولارات من خلال طرح شركات استراتيجية، بعضها يعمل في قطاعات البنية التحتية والطاقة والخدمات المالية، فيما يخشى خبراء من أن يؤدي تسريع عمليات البيع إلى تقييم غير عادل للأصول، أو نقل السيطرة على قطاعات حيوية لمستثمرين أجانب بشروط قد لا تحقق المصلحة الوطنية.

القانون الجديد، ينص على إنشاء كيان جديد تحت اسم “وحدة الشركات المملوكة للدولة” داخل مجلس الوزراء، كذراع مركزية تتولى إدارة ملكية الدولة في الشركات، وبموجب ما جاء في الجريدة الرسمية (العدد 33 مكرر ج لسنة 2025)، تضطلع هذه الوحدة بمهام واسعة تبدأ من مراجعة خطط إعادة الهيكلة والتخارج، وصولًا إلى دراسة فرص التوسع في الشراكات مع القطاع الخاص، وتشمل صلاحياتها كذلك تقييم القيمة العادلة للأصول، وإبداء الرأي في عمليات البيع أو الدمج أو طرح حصص للاكتتاب، بما يجعلها أشبه بغرفة عمليات اقتصادية تتحكم في مستقبل الأصول العامة.

جانب من القرار المنشور في الجريدة الرسمية
جانب من القرار المنشور في الجريدة الرسمية

ولا تقف مهمة الوحدة عند حدّ التقييم الفني، بل تمتد إلى وضع السياسات ورفع التوصيات، إذ يوجب القانون أن تمر جميع قراراتها أولًا عبر اللجنة الوزارية الاقتصادية لمراجعتها، قبل أن تُرفع لاحقًا إلى مجلس الوزراء لاعتمادها بشكل نهائي. 

هذا التدرج المؤسسي من شأنه، وفق الحكومة، إضفاء طابع منظم وشفاف على مسار التخارج من الشركات أو إعادة هيكلتها، بعد سنوات من الجدل حول كيفية إدارة ملف الخصخصة وبيع الأصول، غير أن المراقبين يرون أن نجاح الوحدة سيعتمد على مدى استقلاليتها الفعلية، وقدرتها على تحقيق توازن بين جذب الاستثمارات الأجنبية وبين الحفاظ على مصالح الاقتصاد الوطني.

 

نوصي للقراءة: صندوق النقد vs. إمبراطورية الجيش الاقتصادية: كيف يراها؟ وكيف ردت مصر؟

 لماذا تبيع الدولة أصولها؟

تدفع الأزمة المالية الخانقة الحكومة المصرية إلى الاعتماد على بيع الأصول كوسيلة لتوفير سيولة عاجلة بالعملة الصعبة، في ظل تضخم فاتورة الديون الخارجية وارتفاع أعباء خدمتها إلى مستويات غير مسبوقة، إذ لم يعد من السهل على الدولة الاقتراض من الأسواق الدولية بنفس الوتيرة السابقة، كما أن شروط المؤسسات المالية الدولية باتت أكثر صرامة، ما جعل الخصخصة أحد الحلول السريعة المتاحة لتدبير موارد مالية.

وإلى جانب ذلك، تروج الحكومة لفكرة أن بيع حصصها في الشركات يهدف إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة وتقليص دور الدولة في الاقتصاد بما يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي. غير أن هذه المبررات تصطدم بانتقادات واسعة، إذ يرى خبراء أن اللجوء لبيع الأصول لا يعالج جذور الأزمة الاقتصادية، بل يفرط في ممتلكات استراتيجية مقابل عوائد مؤقتة.

قبل أيام، أكّد محمود محيي الدين، ممثل الأمم المتحدة لتمويل التنمية، أن الاقتصاد المصري ظلّ شبه راكد منذ 2015، حيث بقي الناتج المحلي الإجمالي الثابت عند نحو 480 مليار دولار دون تغيير يُذكر، رغم النمو السكاني والتحديات الهيكلية، وبيّن أن الاقتصاد الحقيقي ظل متمحورًا حول ما وصفه بـ “إدارة الأزمات” وليس تنمية مستدامة، ما استدعى الحاجة الملحة إلى برنامج اقتصادي وطني بديل لبرامج صندوق النقد الدولي، يركّز على التصدير، وزيادة الاستثمار، وتنمية الكفاءة الإنتاجية، وتعزيز الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر المدقع والتوزيع غير العادل للدخل.

 وقد شهدت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الدين الخارجي، حيث سجل في يونيو 2015 نحو 48 مليار دولار فقط، ليرتفع في نهاية 2016 إلى حوالي 55.8 مليار دولار، ومع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي في 2016 وما تبعه من تحرير سعر الصرف، قفز الدين إلى 82.8 مليار دولار في 2017. واستمر التصاعد خلال السنوات التالية، فوصل إلى 96.6 مليار دولار في 2018، ثم 106.2 مليار دولار في 2019، ليتجاوز حاجز 123.5 مليار دولار في 2020.

وفي ظل تداعيات جائحة كورونا، ارتفع الدين الخارجي إلى 137.8 مليار دولار بنهاية 2021، ثم إلى 162.9 مليار دولار في نهاية 2022. وفي عام 2023 بلغ الدين حوالي 168 مليار دولار، قبل أن يتراجع قليلًا إلى 155 مليار دولار في يناير 2025 وفق أحدث بيانات البنك المركزي المصري.

وفي هذا السياق، تشير بيانات النشرة الاقتصادية للبنك المركزي المصري الصادرة في أبريل الماضي، إلى أن إجمالي الدين الخارجي بلغ 155 مليار دولار في يناير الماضي. ويتوزع هذا الدين إلى ديون طويلة الأجل بقيمة 124 مليار دولار، وديون قصيرة الأجل بنحو 30.9 مليار دولار.

وتتصدر المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قائمة الدائنين الخارجيين لمصر بقيمة تصل إلى 46.1 مليار دولار، تليها السندات الدولية التي أصدرتها مصر في الأسواق العالمية بنحو 27.2 مليار دولار، كذلك تشمل المكونات الأخرى للديون: الودائع الخارجية 16.5 مليار دولار، والقروض الثنائية 15.8 مليار دولار، إضافة إلى التزامات تجاه نادي باريس بقيمة 10.5 مليارات دولار.

من حيث الدول، يكشف تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي (للفترة من يوليو إلى ديسمبر 2024) أن السعودية تأتي في صدارة قائمة الدول الدائنة لمصر بقيمة 13.9 مليار دولار، تليها الإمارات 11.3 مليار دولار، ثم الصين 8.6 مليارات دولار، والكويت 6 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك تشمل القائمة: روسيا 4.2 مليارات دولار، الولايات المتحدة 3.3 مليارات دولار، اليابان 2.6 مليار دولار، فرنسا 2.4 مليار دولار، ألمانيا 2.1 مليار دولار، وأخيرًا بريطانيا 1.2 مليار دولار.

لا يقتصر المشهد المالي المصري على الدين الخارجي فقط، بل يمتد إلى الدين المحلي الذي يشمل التزامات مهمة مرتبطة بتعاملات الأجانب في أدوات الدين الحكومية. وتشير أحدث التقديرات إلى أن استثمارات الأجانب في أذون الخزانة الحكومية بلغت نحو 40 مليار دولار. ورغم أنها مدرجة ضمن مكونات الدين المحلي، إلا أنها تُسدد بالعملات الأجنبية لا بالجنيه المصري، مما يضيف عبئًا إضافيًا على احتياطيات النقد الأجنبي ويزيد حساسية الاقتصاد المصري تجاه خروج هذه الاستثمارات في أوقات الأزمات.

 أبرز القطاعات المطروحة للبيع

يقول – الباحث الاقتصادي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، – محمد رمضان في حديث إلى زاوية ثالثة إن القرارات الأخيرة الهادفة إلى تسريع خطة بيع الأصول “يأتي في المقام الأول كرسالة تأكيد على التزام الحكومة ببرنامج صندوق النقد الدولي، خاصة في إطار المراجعة الرابعة، حيث شدّد الصندوق على ضرورة الإسراع في تقليص الحضور الحكومي في قطاعات الاقتصاد المختلفة والتخارج منها”.

ويؤكد رمضان أن الإجراءات الراهنة تمثل استمرارًا للنهج الذي بدأ منذ عام 2022، لكنه هذه المرة يأتي تحت ضغط مباشر من الصندوق، لافتًا إلى أن أبرز القطاعات المطروحة خلال الفترة المقبلة هي تلك التي وردت في “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء، إضافة إلى قطاعات أشار إليها الصندوق بشكل واضح في مراجعته الأخيرة مثل الأسمنت والحديد والصلب والرخام، وهي قطاعات تسيطر الدولة فيها بحصص تصل إلى ثلث السوق أو أكثر.

ويشير الباحث الاقتصادي في حديثه معنا إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في القطاعات المطروحة، بل أيضًا في طبيعة عملية التخارج نفسها، إذ إن بيع الأصول عملية معقدة تستغرق وقتًا أطول بكثير مما يتوقع الصندوق، نظرًا لما تتطلبه من تقييمات دقيقة، وإجراءات طرح، وانتظار ظروف سوقية مناسبة لإتمام البيع. مضيفًا: “إصرار الصندوق على التسريع قد لا يكون منطقيًا في ظل اعتبارات السوق، وحتى لو جرت عمليات بيع خلال الشهور المقبلة فلن يكون لها أثر كبير على الاقتصاد الكلي، لأن العوائد المالية المتوقعة ليست ضخمة بالقدر الذي يغيّر الصورة”.

وحول ما أثير عن ارتباط تسريع البيع بقرار رفع سقف الدين الخارجي، يقول رمضان إن “كل هذه الملفات مترابطة من حيث الصورة العامة، لكن لا يوجد ما يثبت أن القرارين مرتبطان بشكل مباشر”، مؤكدًا أن الحكومة نفسها سبق أن عرضت على الصندوق في “خطاب النوايا” خريطة زمنية للتخارج، غير أن الديناميكيات الداخلية مثل التضخم وتقلبات الأسعار وعوامل السوق تظل مؤثرة على مسار التنفيذ.

ضغوط الصندوق لا تتوقف

يضع صندوق النقد الدولي ملف الخصخصة في قلب برنامجه مع مصر، باعتباره الطريق الأسرع لتقليص حضور الدولة في الاقتصاد وجذب عملة صعبة عبر الاستثمارات الأجنبية، وفي المراجعة الأخيرة، شدد الصندوق على ضرورة تسريع التخارج من شركات القطاع العام، خاصة تلك التي تستحوذ على نصيب الأسد من السوق مثل شركات الأسمنت والحديد والرخام. غير أن هذا الضغط يصطدم بواقع معقد: عمليات البيع تحتاج وقتًا طويلًا للتقييم والتسعير والتفاوض، بينما يطلب الصندوق نتائج عاجلة.

ورغم أن المراجعات الدورية تُظهر تحسنًا محدودًا في مؤشرات مثل التضخم والاحتياطي بالعملات الأجنبية، فإن “الضغط للحصول على نتائج ملموسة في إصلاح قطاع الدولة ومحدودية التقدم في تخارج الشركات المملوكة للدولة” ما تزال تشكل مصدر قلق.

في بيان لافت صدر منتصف يوليو الماضي، انتقد صندوق النقد الدولي استمرار تدخل المؤسسة العسكرية في الأنشطة الاقتصادية بمصر، محذرًا من أن هيمنة الدولة، وخصوصًا القوات المسلحة، تُعيق النمو وتحد من فرص العمل والاستثمار. وكشف التقرير الصادر ضمن المراجعة الرابعة لبرنامج القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار، للمرة الأولى، عن امتلاك المؤسسة العسكرية 97 شركة، من بينها 73 في القطاع الصناعي وحده، معتبرًا أن هذا الوضع “يعرقل النمو ويمنع خلق فرص عمل حقيقية للقطاع الخاص”.

وفي تقريره ربط صندوق النقد بشكل مباشر بين بطء تنفيذ برنامج الخصخصة وحاجته إلى دمج المراجعتين الرابعة والخامسة، فيما أشار التقرير إلى تراجع الحصيلة المتوقعة من بيع الأصول الحكومية من 3 مليارات دولار إلى 0.6 مليار دولار بنهاية الربع الرابع من 2024 نتيجة تراجع وتيرة التخارج، ووفق نائب المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك، فإن تعثر تطبيق سياسة التخارج هو سبب تأجيل المراجعة الخامسة ودمجها مع السادسة، وشدّدت كوزاك على ضرورة تعميق الإصلاحات بقطاع الأعمال العام وخفض دور الدولة في الاقتصاد، وتسريع وتيرة بيع حصص الشركات الحكومية والسيادية لضمان انسياب الشريحة القادمة من التمويل.

وزير المالية المصري، أحمد كوجوك، عبّر من جهته عن تفاؤله بإتمام عملية المراجعة الموحدة (الخامسة والسادسة) خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر من العام الجاري، معتبرًا أن هذا التقدم سيفتح الباب أمام ضخ نحو 2.5 مليار دولار إضافية لدعم الموازنة، مع تأكيد التزام الحكومة بإنجاز 3 إلى 4 عمليات خصخصة قبل نهاية السنة المالية الحالية، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، خصوصًا في مجالات الطاقة والسياحة والعقارات والقطاع المالي.

ومن أبرز المحاور المطروحة تنفيذها خلال الفترة المقبلة، طرح حصص في شركات مملوكة للجيش عبر صندوق مصر السيادي، ما يخدم شرط الصندوق بأن يتراجع الدور الاقتصادي للدولة والعسكريين في القطاعات المدنية. من بين الشركات المعنية: “وطنية للبترول”، “صافى”، “Silo Foods”، “Chill Out”، والشركة الوطنية لطرق التنمية، كذلك بعض المباني الحكومية التاريخية في قلب القاهرة ستُطرح للاستثمار عبر الصندوق ذاته.

 

نوصي للقراءة: تصفية الأصول: هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟

كيف بدأ مسار الخصخصة؟

في عام 2022، بدأت القاهرة مرحلة جديدة من برنامج بيع الأصول الحكومية عبر صفقات كبرى مع مستثمرين خليجيين، فقد استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي على حصص أقلية في أربع شركات حكومية مدرجة في البورصة المصرية، بقيمة تقارب 1.3 مليار دولار، من خلال شركته التابعة السعودية المصرية للاستثمار.

وفي الفترة نفسها، اشترى صندوق أبوظبي السيادي حصصًا في خمس شركات حكومية بنحو 1.85 مليار دولار، تركزت في قطاعات الأسمدة والبتروكيماويات والخدمات اللوجيستية. وبذلك انتقلت ملكية أجزاء مهمة من شركات مثل أبو قير للأسمدة، موبكو، الإسكندرية لتداول الحاويات، وe-Finance إلى مستثمرين من السعودية والإمارات.

 الحكومة المصرية، من جهتها، ربطت هذه الصفقات بضرورات زيادة السيولة وسداد التزامات الديون، مؤكدة أنها تأتي ضمن سياسة تستهدف تحقيق أقصى استفادة من الأصول وتنظيم دور الدولة في الاقتصاد مع الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.

غير أن البرنامج لم يتوقف عند صفقات 2022، بل امتد إلى قطاعات جديدة في العامين التاليين، ففي مايو 2023، باعت الدولة 9.5% من أسهم المصرية للاتصالات عبر طرح ثانوي في البورصة بقيمة 3.75 مليار جنيه (121.6 مليون دولار). وبعد ذلك بأشهر قليلة، وتحديدًا في سبتمبر، استحوذت شركة “جلوبال إنفستمنت هولدنغ” الإماراتية على 30% من الشرقية للدخان مقابل 625 مليون دولار، إضافة إلى التزام بضخ 150 مليون دولار لتمويل مشتريات التبغ، وهو ما خفض حصة الدولة إلى نحو 20.95%.

جدول تفصيلي يوضح الصفقات والأصول المُباعة

وفي ديسمبر من العام نفسه، نفذ الصندوق السيادي المصري صفقة بيع محفظة من سبعة فنادق تاريخية، بينها مينا هاوس ووينتر بالاس والكاتاراكت وسيسيل، إلى شركة “آيكون” التابعة لمجموعة طلعت مصطفى، بقيمة 800 مليون دولار. وفي يناير 2024، دخل صندوق “أدك” الإماراتي كشريك في هذه المحفظة عبر استحواذه على 40.5% من “آيكون”، ما يعكس طبيعة الشراكات المركبة التي يتيحها البرنامج بين الحكومة والمستثمرين المحليين والأجانب.

وتخطط الحكومة المصرية لتوسيع برنامج الطروحات في 2025 ليشمل أكثر من عشرين شركة في قطاعات متعددة. تشمل هذه القائمة بنوكًا مثل بنك الإسكندرية وبنك القاهرة، ومحطات للطاقة المتجددة مثل محطة رياح جبل الزيت إضافة إلى بني سويف (سيمنس) وزعفرانة، وشركات صناعية مثل مصر للصناعات الدوائية، إلى جانب شركات تابعة للجيش مثل “وطنية” لمحطات الوقود و”صافي” للمياه.

بالإضافة إلى ذلك تستهدف الخطة بيع حصص في شركات بتروكيماويات وخدمات حقول مثل “إيثيدكو”، “إيلاب”، و”الحفر الوطنية”، ولا يقتصر البرنامج على الشركات وحدها، إذ يشمل أيضًا مشروعات تطوير عقاري كبرى مثل رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط، بقيمة استثمارات معلنة تصل إلى 35 مليار دولار، وهي أقرب إلى حقوق تطوير طويلة الأمد وليست بيعًا مباشرًا لشركات قائمة.

وعلى الصعيد المالي، تستهدف الحكومة جمع نحو 3.6 مليار دولار من بيع الأصول خلال العام المالي 2024/2025، كذلك يشمل البرنامج بيع أراضٍ ومشروعات استثمارية متنوعة، من بينها أراضٍ سكنية وصناعية وزراعية في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة بدر، وأراضٍ سياحية وتجارية في مناطق مثل الغردقة والبحر الأحمر. وتعرض هذه الأصول باعتبارها فرصًا استثمارية للتوسع العمراني والسياحي في البلاد.

إطار هذه السياسة تنظمه وثيقة “سياسة ملكية الدولة” التي أطلقت في 2022. تحدد الوثيقة أين تبقى الدولة لاعبًا أساسيًا وأين تتخارج، مع هدف تقليص وجودها في عشرات القطاعات خلال ثلاث سنوات فقط، والوصول إلى مساهمة القطاع الخاص بنسبة 65% من الاقتصاد. وتعتبر الحكومة أن هذه الوثيقة ضمانة لتحقيق توازن بين الحاجة إلى تمويل خارجي وبين الحفاظ على الأصول الاستراتيجية للأجيال القادمة.

جانب من وثيقة سياسة ملكية الدولة

هل تملك الحكومة خيارًا آخر؟

يرى -الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، زهدي الشامي في حديث مع زاوية ثالثة أن مصر باتت تعيش تحت وقع “أخبار الخصخصة والبيع” بشكل شبه يومي، وكأنها تحولت إلى السياسة الاقتصادية الوحيدة المتاحة، متسائلًا: “هل يمكن أن يمثل ذلك فعلًا خيارًا اقتصاديًا رشيدًا؟”.

ويوضح الشامي أن الحكومة بعدما دفعت الدين الخارجي إلى حدود 150 مليار دولار، وأصبحت عاجزة عن تدبير قروض جديدة كما في السابق، اختارت طريق بيع الأصول لسداد الالتزامات، مشددًا على أن هذه السياسة لا تقدم حلًا للأزمة، بل تحرم الدولة من عوائد مشروعات رابحة مثل شركات الأسمدة وأبو قير وموبكو والشرقية للدخان وشركات الأدوية والبنوك، فضلًا عن السماح للمستثمر الأجنبي بتحويل أرباحها إلى الخارج بالعملة الصعبة، ما يفاقم الضغوط بدل معالجتها.

ويؤكد السياسي والخبير الاقتصادي في حديثه معنا أن ما يجري هو “بيع لما لا تملك لمن لا يستحق”، مؤكدًا أن الحكومة تضحّي بمستقبل الأجيال الحالية والقادمة، مشيرًا إلى أن المخاطر لا تقتصر على الاقتصاد، بل تمتد إلى الأمن القومي بعد طرح الموانئ وخصخصة المطارات، معتبرًا أن هذه الخطوة بالغة الخطورة.

ويلفت الشامي إلى أن “الولايات المتحدة نفسها رفضت قبل سنوات استحواذ أبوظبي على موانئ أميركية بسبب تهديده للأمن القومي، فكيف بمصر؟”. لافتًا إلى أن الإمارات ترتبط بمشروعات ومصالح متعارضة مع المصلحة المصرية، مثل مشروع ميناء جبل علي، والممر التجاري الجديد الذي يربط الهند بالمتوسط عبر حيفا مرورًا بالأردن والإمارات.

 

نوصي للقراءة: المراجعة الخامسة لصندوق النقد: أصول الدولة للبيع.. والفقراء أول الضحايا 

هل يحق للحكومة بيع أصول الدولة؟ 

أجرت مصر منذ عام 2014 تعديلات قانونية تسمح للحكومة ببيع الأصول، ويحظر قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة رفع الدعاوى القضائية من أطراف ثالثة ضد العقود التي تبرم مع الدولة، ويعني هذا أن الأطراف المشاركة في عقود الدولة فقط هي التي يمكنها رفع دعوى قضائية بشأنه ما لم يدان أي من أطراف تلك العقود بجريمة التعدي على المال العام.

كان الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور أقر مشروع القانون المثير للجدل في عام 2014، وجاء مشروع القانون عقب ثورة يناير من عام 2011، وهدف عدم التدخل في عقود الدولة (أو تعرُّض أعضاء مجلس الوزراء والموظفين الحكوميين للمقاضاة من آخرين)، لكونهم يعملون للصالح العام.

كانت المحكمة الإدارية قد أحالت القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريته، وذلك في إطار دعوى قضائية رفعها قبل سنوات موظفو شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد) ضد قرار الحكومة بخصخصة الشركة. لكن الدستور المصري يلزم الحكومة بحماية ممتلكات الدولة ومقدراتها، وتنص المادة 32 من الدستور على “الثروات المعدنية، والموارد الطبيعية للدولة ملك الشعب، وعوائدها حق له تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح امتياز باستغلالها، أو التزام مرفق عام بقانون، ولمدة محددة. ويحدد القانون أحكام التصرف في أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك”.

وتُعد تصفية أصول الدولة أحد الأدوات الاقتصادية التي تلجأ إليها الحكومات لتحقيق أهداف مالية معينة؛ وتصفية الأصول تعني عملية تحويل الأصول المملوكة للدولة، مثل العقارات، والشركات، والبنى التحتية، إلى سيولة نقدية من خلال بيعها أو خصخصتها. تستخدم الحكومات هذه العملية لتحقيق عدة أهداف اقتصادية ومالية، منها تقليص الدين العام، أو تحسين الكفاءة الاقتصادية لجذب الاستثمارات؛ وغيرها.

 في اليونان مثلًا، لجأت الحكومة إلى بيع بعض الأصول العامة كجزء من برنامج الإنقاذ المالي الذي قدمه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي خلال أزمة الديون التي واجهتها البلاد في العقد الماضي. وفي الهند؛ قامت الحكومة الهندية بخصخصة العديد من الشركات العامة، بما في ذلك شركات الطيران والمصافي النفطية، في محاولة لتعزيز الكفاءة المالية وجذب الاستثمارات. 

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search