في ظل تصاعد معدلات الولادة القيصرية في مصر، تطرح تساؤلات حول فاعلية التحركات الحكومية للحد من هذه الظاهرة التي تعكس خللًا في النظام الطبي. فقد بلغت نسبة الأمهات اللاتي خضعن للولادة القيصرية نحو 72% في عام 2021، لتتصدّر مصر قائمة الدول الأكثر إجراءً لهذا النوع من الولادات عالميًا. هذه القفزة جاءت رغم أن مصر سجلت معدلات منخفضة نسبيًا عام 2000 مقارنة بدول الجوار، حيث ارتفعت النسبة إلى 28% في 2008، ثم تضاعفت لتبلغ 52% عام 2014، ما جعلها آنذاك ثالث أعلى دولة في العالم. وفي عام 2021، بلغت النسبة ذروتها، وفقًا لما أعلنته الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة والسكان لشؤون السكان وتنمية الأسرة، التي اعتبرت هذا الارتفاع دليلاً على قصور في الممارسات الطبية، ودعت إلى مراجعة السياسات الحالية وتشجيع الولادة الطبيعية بما يتوافق مع المعايير الصحية الدولية.
وفي محاولة لمعالجة هذه الأزمة، أصدرت وزارة الصحة والسكان في 29 أغسطس الماضي حزمة من الإجراءات التنظيمية الملزمة لجميع المنشآت الطبية الخاصة، بهدف تعزيز الولادة الطبيعية الآمنة، وخفض معدلات العمليات القيصرية غير المبررة طبيًا. وأكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية صحة الأمهات والمواليد من خلال تطبيق أفضل الممارسات الطبية، والمتابعة الدقيقة للتقارير الإحصائية، ورفع كفاءة خدمات النساء والتوليد في القطاع الخاص. تأتي هذه الجهود ضمن إطار المبادرة الرئاسية “الألف يوم الذهبية لتنمية الأسرة المصرية”، التي أُطلقت في أغسطس 2023، وتركّز على صحة الأم والطفل منذ الحمل وحتى بلوغ الطفل عامين.
وفي سياق متصل، كشفت نتائج “المسح الصحي للأسرة المصرية” الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو 2023، أن متوسط الولادات القيصرية في مصر عام 2021 بلغ 72%، لتتصدّر مصر بذلك قائمة الدول عالميًا. وكانت تحتل المرتبة الثالثة في عام 2014 بنسبة 51.8%. وتشير البيانات إلى أن معدلات الولادة القيصرية قفزت من 10% عام 2000 إلى 72% عام 2021، أي ما يعادل سبعة أضعاف خلال عقدين فقط.
وتصدّرت محافظة بورسعيد قائمة المحافظات الأعلى في معدلات الولادة القيصرية بنسبة 91.3%، تلتها كفر الشيخ بنسبة 88.4%، ثم الغربية بنسبة 84.3%. وعلى مستوى نوعية المنشآت، سجلت المنشآت الصحية الخاصة نسبة قيصرية بلغت 81%، بينما لم تتجاوز النسبة في المنشآت الحكومية 19% فقط.
وشملت الإجراءات التي أعلنت عنها الوزارة، إلزام المنشآت الطبية الخاصة بتقديم تقارير إحصائيةشهرية مفصلة تشمل: إجمالي عدد الولادات في كل منشأة، ونسبة الولادات القيصرية وتصنيفها وفقًا لنظام “ تصنيف روبسون” لتوثيق كل حالة ولادة وتحديد ما إذا كانت العملية القيصرية ضرورية طبيًا، وتحليل أسباب إجراء العمليات القيصرية بناءً على بيانات أداة “البارتوجرام”، – وهي أداة عالمية لرصد تطور مراحل المخاض تتيح للأطباء رصد أي تحديات مبكرًا والتدخل في الوقت المناسب لضمان سلامة الأم والجنين -، بجانب رصد التحديات التي تواجه الفرق الطبية أثناء التنفيذ، على أن يتم تطبيق الإجراءات بنهاية أغسطس المنقضي.
الربح قبل السلامة
ارتفعت معدلات الولادة القيصرية بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مصر. ورغم كونها إجراءً جراحيًا منقذًا للحياة في بعض الحالات، فإن الإفراط في استخدامها يطرح إشكالات طبية وأخلاقية واقتصادية. وترى “مؤسسة قضايا المرأة المصرية” أن النساء في مصر بحاجة إلى معلومات واضحة عن خيارات الولادة المتاحة، ومشاركة فعالة في اتخاذ القرار الطبي، بالإضافة إلى الحماية من أي استغلال أو توجيه قسري نحو العمليات الجراحية دون ضرورة طبية. وشدّدت المؤسسة على أن أجساد النساء لا ينبغي أن تكون ساحة لقرارات سريعة أو لتحقيق أرباح مالية، معتبرة أن الحق في الولادة الطبيعية والآمنة يمثل جزءًا أساسيًا من الحق في الصحة، والحق في تقرير المصير الجسدي.
من الناحية الاقتصادية، تُشكّل الزيادة الكبيرة في معدلات الولادة القيصرية عبئًا هائلًا على الموازنة العامة للدولة، حيث بلغت تكلفتها نحو 120 مليار جنيه سنويًا، وفق إحصاءات رسمية صدرت عام 2018. في الوقت نفسه، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار العمليات القيصرية؛ إذ تتراوح تكلفتها في المستشفيات الحكومية بين 3 إلى 6 آلاف جنيه (ما يعادل 63 إلى 162 دولارًا أمريكيًا)، رغم أن هذه المستشفيات كانت تقدّم الخدمة مجانًا في السابق. أما في العيادات والمراكز الخاصة، فقد ارتفعت الأسعار لتتراوح بين 15 إلى 30 ألف جنيه (315 إلى 631 دولارًا).
وفي عام 2023، أعلنت وزارة الصحة والسكان عن خفض ملحوظ في معدلات الولادات القيصرية غير المبررة في المستشفيات الحكومية التابعة لها، حيث بلغت النسبة 61% خلال شهري يناير وفبراير من العام نفسه. كما تراجعت المعدلات في محافظة كفر الشيخ إلى 78.7% بعد أن كانت 88.4% في عام 2021، وانخفضت في الغربية من 84.3% إلى 72.3%. وأكدت الوزارة أن العمليات القيصرية غير الضرورية قد تعرض الأمهات لمخاطر جسيمة، مثل المشيمة المتوغلة، واستئصال الرحم، والنزيف الحاد أثناء الولادة، فضلًا عن الأضرار المحتملة على الأطفال، بما في ذلك ارتفاع معدلات الجراثيم المعوية، والسمنة، والحساسية، والتوحد، والسكري، وأمراض المناعة في المراحل العمرية اللاحقة.
قانون تأجير المستشفيات الحكومية قد يجعل الولادة القيصرية حكرًا على الأغنياء

مخاطر الولادة وحبس الأطباء
في الوقت الذي أشاد فيه كثيرون بالإجراءات التي أعلنتها وزارة الصحة، أعرب قطاع واسع من أطباء النساء والتوليد في مصر عن تخوفاتهم من نقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، إلى جانب ما وصفوه بـ”المخاطر” المرتبطة بالولادة الطبيعية، والتي قد تفضي إلى حبس الطبيب في حال حدوث مضاعفات أو وفاة للأم أو الجنين.
ورغم أن الولادة الطبيعية تُعد من الناحية الطبية الخيار الأفضل لصحة الأم، والأقل تكلفة، إلا أنها تحمل مخاطر أعلى مقارنة بالولادة القيصرية، لاسيما على الجنين. ويعزو الأطباء ذلك إلى طول مدة الولادة وما قد يرافقها من انخفاض مستوى الأكسجين الواصل للجنين، أو الحاجة إلى تدخل طبي طارئ، وهو ما يستدعي في بعض الحالات التحول إلى الولادة القيصرية، بحسب ما يوضحه الدكتور خالد السطوحي، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب قصر العيني واستشاري طب الجنين وجراحة المناظير.
ويشير السطوحي إلى أن القوانين الحالية تُحمّل الأطباء مسؤوليات جسيمة قد تصل إلى الحبس، حتى في حال التزامهم بالإجراءات الطبية الصحيحة، ما يدفع العديد منهم إلى تفضيل القيصرية تفاديًا للمخاطر. كما لفت إلى أن الأطباء كثيرًا ما يتعرضون لاعتداءات لفظية أو جسدية من ذوي المرضى، إضافة إلى ضغوط مالية قد تصل إلى مطالبات بمبالغ كبيرة مقابل التنازل عن قضايا.
ويقول لـ”زاوية ثالثة”: “نقص الأجهزة، مثل أجهزة متابعة نبض الجنين، يزيد من حجم المخاطر، ويجعل الأطباء أكثر تحفظًا في اللجوء إلى الولادة الطبيعية. وحتى الموافقة المستنيرة التي يوقعها المريض لا يُعتد بها قانونيًا، بل تُعتبر نوعًا من الإذعان، ما يضع الأطباء في مواجهة مستمرة مع خطر السجن أو الابتزاز المالي”.
ويضيف: “نقضي أحيانًا أكثر من يوم كامل مع المريضة أثناء الولادة الطبيعية، وهذا يتطلب متابعة دقيقة ومستمرة لحالة الجنين ونبضه وتطور الولادة، تحسبًا لمضاعفات مثل اختناق الجنين”. ويشير إلى أن ثقافة المجتمع تمثل تحديًا إضافيًا، إذ يرى البعض أن طول مدة الولادة بمثابة معاناة غير مبررة، ويضغطون على الطبيب لإجراء الولادة القيصرية مبكرًا، ما يضاعف من الضغط النفسي والمجتمعي الواقع على الأطباء.
ورغم دعمه للإجراءات الوزارية الداعية لتشجيع الولادة الطبيعية، يرى السطوحي أن الحد من معدلات القيصرية غير الضرورية يبدأ بإصلاح القوانين، لا سيما إلغاء عقوبة الحبس في حالات المضاعفات الطبية المرتبطة بالولادة الطبيعية، إلى جانب إطلاق حملات توعوية حول أهمية الولادة الطبيعية، والاستثمار في تدريب كوادر التمريض والقابلات لدعم الأطباء.
ويُعاقب قانون تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض رقم 13 لسنة 2025 على الخطأ الطبي بالحبس في حالات محددة، منها: الخطأ الجسيم، أو الناتج عن إهمال أو تقصير واضح، أو إذا تسبب الخطأ في عاهة مستديمة، أو إذا وقع تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو في حالة امتناع مقدم الخدمة عن مساعدة المريض عند وقوع الخطأ. وينص القانون على أن العقوبة تصل إلى الحبس لمدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تتجاوز 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
قانون المسؤولية الطبية: طبيب يستقيل كل ساعتين وخمس سنوات سجن تنتظر الباقين
نقص تجهيزات الولادة الطبيعية الآمنة
ترى الدكتورة ماريا أرميا، أخصائية أمراض النساء والتوليد وتأخر الإنجاب، أن ارتفاع نسب الولادات القيصرية في مصر يعود إلى عدة أسباب متشابكة تتعلق بالمريض والطبيب والمنظومة الصحية نفسها، لافتة إلى أن عدداً كبيراً من السيدات يفضلن القيصرية لتجنب آلام الولادة الطبيعية، أو نتيجة تجارب سابقة مؤلمة مع طول فترة المخاض أو فقدان أحد الأقارب أثناء ولادة طبيعية، ما يعزز مخاوفهن النفسية.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “الولادة الطبيعية بدون ألم باستخدام الإبيديورال غير متاحة على نطاق واسع، بل قد تكون أكثر تكلفة من الولادات القيصرية في بعض المحافظات، كما أن هناك نقصًا في الأدوية المحفزة للولادة، ولا يوجد في أغلب مستشفيات مصر، وخصوصاً بالصعيد، أجهزة مراقبة نبض الجنين المطلوبة في الولادة، ولا حتى في المستشفيات الحكومية”.
وتؤكد الطبيبة أن ظروف عمل الأطباء في مصر لا توفر لهم الدعم الكافي كما في الخارج، حيث يضطر الطبيب لمرافقة المريضة لساعات طويلة دون مقابل إضافي، في ظل غياب الكوادر الطبية المساعدة مثل: القابلات المدربات، مما يزيد من صعوبة متابعة الولادة الطبيعية، ويدفع بعض الأطباء لتفضيل الولادات القيصرية التي تُجرى في وقت محدد وبجهد أقل.
وترى أرميا أن قانون المسؤولية الطبية بات عامل ضغط آخر على الطبيب، إذ يخشى الأطباء من الملاحقة القانونية حال وقوع أي مضاعفات حتى مع الالتزام بالإجراءات الصحيحة، خصوصاً مع نقص أجهزة مراقبة نبض الجنين في معظم المستشفيات، ما يجعل المخاطر أكبر، لافتة إلى أن تجهيزات الولادة الطبيعية الآمنة تكون في كثير من الأحيان أكثر تعقيدًا وكلفة من القيصرية.
وتعتبر الطبيبة أن هناك معوقات كبيرة أمام تطبيق بيان وزارة الصحة بشأن الحد من القيصريات، أبرزها نقص الأدوية المحفزة للولادة التي لم تتوافر منذ سنوات، وضعف الإمكانيات في المحافظات، خاصة في الصعيد، إلى جانب غياب وعي مجتمعي حقيقي بأهمية الولادة الطبيعية، مؤكدة أن أي خطة للحد من القيصريات لن تنجح ما لم تُوفر المستلزمات والأجهزة الأساسية وسن تشريعات لحماية الأطباء.
وكان وزير الصحة والسكان، قد وجّه في عام 2023، بمساواة أتعاب الأطباء والطواقم الطبية عن الولادات الطبيعية بمثيلتها عن الولادات القيصرية، وتخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى للولادة الطبيعية، وعمل الاستبيانات والدراسات في المناطق السكنية، لمعرفة البيانات التي تساعد في تحسين طرق تشجيع المرأة الحامل على تبني فكرة الولادات الطبيعية، إلى جانب عقد مناقشات مجتمعية لأضرار الولادات القيصرية، وزيادة جلسات التثقيف النفسي للنساء.
ودعا الوزير إلى وضع تشريعات تضمن حق الطبيب والقابلة أو الممرضة، لتطبيق الولادات الطبيعية أثناء حدوث الأثار الجانبية البسيطة، واستحداث ودعم تخصص القبالة، وتنظيم تدريبات دورية للفرق الطبية، مع التوسع في تدريب القابلات، وجمع المعلومات الصحية والبيانات الروتينية عن الولادات القيصرية وأسبابها، وإلزام جميع المستشفيات الخاصة والحكومية بالعمل بالدلائل الإرشادية المتعلقة بأسباب وضوابط اللجوء للولادة القيصرية.
تفعيل لجان المسؤولية الطبية
يعتبر الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، أن حزمة الإجراءات التي أعلنتها وزارة الصحة للحد من الولادات القيصرية غير المبررة قابلة للتنفيذ، ومن شأنها تحقيق نتائج إيجابية. لكنه شدّد في تصريح لـ”زاوية ثالثة” على أن هذه الإجراءات تحتاج إلى دعم إضافي لتوسيع فعاليتها.
ويرى أمين أن أحد التحديات الرئيسية هو تركيز الجهات الصحية على مقدمي الخدمة فقط، دون إيلاء الاهتمام الكافي لتوعية النساء والأسر. وأوضح أن الكثير من النساء يلجأن إلى الولادة القيصرية نتيجة مفاهيم مغلوطة، أبرزها الخوف من الألم أو القلق من تأثير الولادة الطبيعية على العلاقة الزوجية، ما يستدعي حملات توعية شاملة وتصحيح هذه التصورات الخاطئة، خاصة عبر الترويج لوسائل الولادة دون ألم.
وأضاف أن ارتفاع تكلفة قسطرة الإبيديورال ونقص توفرها يشكّلان عائقًا أمام العديد من النساء، داعيًا الدولة إلى توفيرها بأسعار مناسبة، كما فعلت سابقًا مع وسائل تنظيم الأسرة. وأشار إلى أن تجربة الولادة الأولى تؤثر بشكل كبير على قرارات المرأة في الولادات اللاحقة، ما يفرض ضرورة إشراك لجان طبية متخصصة في اتخاذ قرار الولادة القيصرية، بدلًا من تركه للطبيب وحده.
كما طالب بإعادة تفعيل دور القابلة المدربة داخل المستشفيات، لتخفيف الضغط عن الأطباء ودعم النساء أثناء الولادة الطبيعية، إلى جانب تفعيل لجان المسؤولية الطبية لحماية كل من الطبيب والمريض، خاصة في الحالات التي قد تشهد مضاعفات أثناء الولادة الطبيعية، ويضطر الطبيب بسببها إلى اللجوء إلى القيصرية لتجنّب المساءلة القانونية.
ولفت أمين إلى أهمية توفير الأجهزة الأساسية مثل جهاز قياس نبض الجنين بشكل كافٍ، والتوسع في إنشاء مراكز الولادة الآمنة داخل المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة، وتعميم البروتوكولات الطبية الموحدة في تخصص النساء والتوليد.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بألّا تتجاوز نسبة الولادات القيصرية 10 إلى 15% من إجمالي الولادات، لضمان أفضل النتائج الصحية للأم والطفل.
تشريعات لكبح القيصرية المفرطة
يؤكد النائب الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة في البرلمان، أن قانون المسؤولية الطبية لا ينص على عقوبة الحبس كما يظن بعض الأطباء، بل يقتصر على الغرامة في حال ثبوت الخطأ الطبي، دون فرض أي عقوبات سالبة للحرية.
وفي تصريح لـ”زاوية ثالثة”، أشار إلى أن نسبة الولادات القيصرية في مصر، التي بلغت نحو 70% خاصة في القطاع الخاص، تُعد من الأعلى عالميًا، مقابل معدلات تتراوح بين 20 و30% في معظم الدول، معتبرًا أن هذه الظاهرة غير مسبوقة.
وأوضح أن الولادة الطبيعية تُعد عملية فسيولوجية آمنة، ومخاطرها على الأم والجنين أقل مقارنة بالقيصرية، إلا أن عدم إمكانية تحديد توقيتها بدقة يدفع بعض الأطباء والنساء إلى تفضيل القيصرية لكونها أسرع وأكثر ملاءمة، رغم مضاعفاتها الأكبر.
وشدّد حاتم على ضرورة أن تكون الولادة الطبيعية في المستشفيات العامة والمركزية والجامعية مجانية بالكامل أو على نفقة الدولة، في حين تظل القيصرية مدفوعة الأجر إلا عند وجود ضرورة طبية. واعتبر أن هذا الحافز الاقتصادي يمكن أن يكون عاملًا أساسيًا في تشجيع النساء على اختيار الولادة الطبيعية. ولفت إلى أن لجنة الصحة ناقشت هذه المقترحات خلال الدورة السابقة، وأوصت بتفعيلها، إلى جانب تكثيف حملات التوعية حول فوائد الولادة الطبيعية مقارنة بالقيصرية.
من جانبه، يرى الدكتور علاء غنام، رئيس لجنة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن خفض معدلات الولادات القيصرية غير المبررة يتطلب حوكمة صارمة للقطاعين العام والخاص، وتطبيق معايير جودة الخدمة، واعتماد المراكز الطبية، مع الالتزام بتطبيق الأدلة الإرشادية الإكلينيكية في تخصص النساء والتوليد.
وشدّد على أن نجاح هذه السياسات يتوقف على آليات التنفيذ الفعّالة وأدوات الرقابة الصارمة، وليس مجرد وجودها على الورق.
وأوضح غنام لـ”زاوية ثالثة” أن تعزيز الرعاية الصحية الأساسية، وتوسيع منظومة التأمين الصحي الشامل، يمثلان أدوات رئيسية للحد من تسليع الخدمة الطبية، وتشجيع الولادة الطبيعية على حساب القيصرية غير الضرورية. وأشار إلى أهمية الرعاية الدورية للأم الحامل، والتشجيع على الرضاعة الطبيعية، باعتبارهما جزءًا لا يتجزأ من هذه المنظومة، مؤكدًا أن الولادة الطبيعية هي الخيار الأساسي، ويجب أن تقتصر القيصرية على الحالات الاستثنائية.
ورغم الإجراءات التي أعلنتها وزارة الصحة لخفض معدلات الولادة القيصرية غير المبررة، يظل نجاحها مشروطًا بتوفير مستلزمات وتجهيزات الولادة الطبيعية الآمنة في المستشفيات العامة والخاصة، وبأسعار معقولة، إلى جانب التثقيف الصحي للأسر، وتوفير ضمانات قانونية تحمي الأطباء من الحبس. وفي ظل استمرار تصدّر مصر للمعدلات العالمية في الولادة القيصرية، فإن قدرة وزارة الصحة على تحويل الولادة الطبيعية إلى الخيار الأول للأم والطبيب تبقى التحدي الأكبر.