بعد أيام قليلة من بدء الحكومة المصرية تنفيذ قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، الذي رُوِّج له كخطوة نحو حماية حقوق العمال، شهدت البلاد واقعة مأساوية؛ إذ فقدت رضيعة لم تُكمل شهرها الرابع حياتها بعد أن منعت والدتها، دعاء محمد، العاملة بشركة “نايل لينين جروب” للنسيج والمفروشات بمحافظة الإسكندرية، من مغادرة مقر العمل لنقل طفلتها المريضة إلى المستشفى. رفضت إدارة الشركة منحها إجازة أو حتى إذنًا قصيرًا، واحتُجزت داخل المصنع ثلاث ساعات متواصلة تحاول الحصول على تصريح للخروج عبر بوابة الشركة.
كشفت هذه الحادثة المروعة الأوضاع القاسية التي يعانيها كثير من العمال والعاملات داخل الشركات والمصانع، حيث قد يدفع بعضهم حياتهم ثمنًا للوائح مجحفة، وضعف الرقابة الحكومية على أصحاب الأعمال، وغياب الدور الفعّال للنقابات المستقلة في حماية حقوقهم، بحسب ما أفادت به منظمات عمالية وحقوقية وخبراء في هذا المجال. في ظل هذه الظروف، تتحول بيئة العمل إلى مصدر للضغط والخطر، بدلًا من أن تكون مساحة آمنة تكفل الكرامة والحقوق الأساسية.
عادت دعاء محمد إلى عملها بعد عشرة أيام فقط من انتهاء إجازة الوضع، لتُفاجأ بإصابة رضيعتها بجرثومة في المعدة استدعت دخول المستشفى. حاولت الحصول على إجازة عبر الاتصال الهاتفي بإدارة الشركة، لكنها قوبلت بالرفض، ما اضطرها إلى اصطحاب طفلتها معها إلى العمل، خشية من خصم مالي قد يصل إلى 2000 جنيه (نحو 40 دولارًا) إذا تغيبت يومين متتاليين، وفق ما أكده شهود عيان لـ«زاوية ثالثة».
من غلاء المعيشة لحوافز الانضباط وسيلة جديدة للضغط
يقول أحد العمال، الذي فضّل عدم ذكر اسمه حفاظًا على أمنه الوظيفي والشخصي في حديثه لــ«زاوية ثالثة»، إن ما حدث مع دعاء ورضيعتها ليس استثناءً، بل سياسة متكررة داخل الشركة في التعامل مع العمال والعاملات.
ويوضح أن مبلغ الـ 2000 جنيه، الذي تخصمه الإدارة في حال التغيب لأسباب مرضية سواء بإذن أو بدونه، كان يُصرف في الأصل كـ”بدل غلاء معيشة”، لكن الشركة أعادت تصنيفه تحت بند “حوافز الانضباط” لتستخدمه أداة ضغط ومساومة تمنع العمال من الحصول على إجازاتهم، حتى المرضية منها.
ويضيف المصدر، أن الشركة تحتسب هذه الحوافز ضمن الحد الأدنى للأجور المطبق، وفي حالة تغيب العامل حتى مع تقديم شهادة مرضية يُحرم منها كما يحرم من أي مزايا أخرى مثل العيديات والمواد الغذائية التي تصرف للعمال قبيل شهر رمضان وغيرها، بالإضافة إلى وضع شروطًا وقيودًا تعجيزية للحصول على الإجازات، الأمر الذي يدفع كثيرين للعمل رغم ظروفهم الصحية الصعبة.
فجّرت هذه التطورات غضب العاملين الذين أعلنوا الإضراب مطالبين بـ:”محاسبة المسؤولين المتسببين في وفاة رضيعة العاملة، تعديل الأجور وزيادتها، مع إلغاء الشروط غير القانونية المفروضة للحصول على ما يسمى “بدل غلاء المعيشة” المحتسب ضمن الحد الأدنى للأجور، إلغاء الإجراءات المعقدة الخاصة بالحصول على الإجازات، وضمان حق العمال والعاملات في الإجازة العارضة عند الحاجة.”
كما طالب العمال والعاملات بـ صرف الأجور بانتظام في موعد أقصاه الخامس من كل شهر، وصرف مقابل العمل الإضافي لعمال التفصيل الذين يعملون نصف ساعة إضافية يوميًا بما يتجاوز الحد الأقصى لساعات العمل المقررة قانونًا، إضافة إلى صرف بدل مخاطر يعادل أجر سبعة أيام لعمال قسم الأتوماتيكي بمصنع التفصيل. وبعد أربعة أيام من الإضراب، أعلنت إدارة الشركة استجابتها لمطالب العمال، الأمر الذي دفعهم إلى إنهاء الإضراب والعودة إلى العمل.
في تعليقها على الواقعة، اعتبرت دار الخدمات النقابية والعمالية أن ما جرى يكشف عن واقع “مرير” يعيشه العمال والعاملات داخل الشركة، حيث تتقاطع الانتهاكات القانونية – على حد وصفها- مع الظروف الإنسانية القاسية، فتحوّل بيئة العمل إلى مساحة للقهر والمعاناة بدلًا من أن تكون مكانًا يحفظ الكرامة والحقوق.
وطالبت الدار وزارة العمل بسرعة توجيه مفتشيها إلى مقر الشركة، والاستماع إلى شكاوى العمال والعاملات، وتوثيق مخالفات الإدارة للقانون، سواء فيما يتعلق بطريقة احتساب الحد الأدنى للأجور أو بحرمان العاملين من حقهم في الحصول على الإجازات. كما دعت الوزارة إلى إلزام الشركة بالدخول في مفاوضات حقيقية مع اللجنة النقابية للعاملين، بما يضمن معالجة الأوضاع الحالية وصون حقوق العمال.
من جانبها، أكدت مؤسسة المرأة الجديدة في بيان لها، أن “هذه المأساة كشفت عن انتهاك فج لحقوق العمال والعاملات”، مشيرة إلى أن ما حدث لا يعد مجرّد نزاع عمالي فحسب، بل يمثل انتهاكًا صريحًا للحق في الحياة والعمل اللائق والأجر العادل، وهي حقوق أصيلة كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية.
من جهته يقول مجدي البدوي، نائب رئيس اتحاد عمال مصر، في حديثه لموقع زاوية ثالثة، إن وزارة القوى العاملة شكلت لجنة للتحقيق في واقعة وفاة رضيعة على يد والدتها العاملة داخل إحدى الشركات، مشيرًا إلى أن الاتحاد ينتظر نتائج اللجنة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية بناءً على ما ستسفر عنه التحقيقات.
يوضح البدوي أن لوائح الشركات والمصانع لا يجوز لها مخالفة قانون العمل، وأي لائحة تخالفه تعتبر باطلة. لكنه لفت إلى أن بعض أصحاب الأعمال قد يطبقون لوائح مجحفة، مثل خصم مبالغ كبيرة من الأجور مقابل الغياب، وهو ما وصفه بأنه غير قانوني وغير إنساني، ولا يجوز ربط الغياب بما يسمى علاوة غلاء المعيشة.”
ينتقد نائب رئيس اتحاد عمال مصر تقصير إدارة الشركة في الواقعة الأخيرة، موضحًا أن قانون العمل يُلزم أصحاب الأعمال بتوفير حضانات للعاملات، ويمنح الأم العاملة فترات راحة للرضاعة، بالإضافة إلى ساعة راحة يوميًا. ويضيف: “المفروض عند مرض الطفلة يتم استدعاء الإسعاف فورًا، وعدم القيام بذلك يعد خطأ جسيمًا تتحمل مسؤوليته الشركة وإدارة الحضانة.”
وحول شكاوى بعض العمال التي رصدها موقع زاوية ثالثة من صعوبة الحصول على إجازات مرضية أو إنسانية مثل حالات الوفاة، يقول نائب رئيس الاتحاد إن القانون المصري يوفر أنواعًا متعددة من الإجازات، منها الاعتيادية والعارضة والمرضية، إلى جانب الإجازات الرسمية، معتبرًا أن ما يواجهه بعض العمال من رفض طلبات الإجازة يعود إلى تعنت فردي من بعض أصحاب الأعمال، وليس إلى نقص في نصوص القانون أو تطبيقه.
كما يرى البدوي أن المشكلة ليست في القانون ويعتبر أن ما يتعرض له العمال من تعسف سواء في بعض المصانع والشركات حالات فردية من أصحاب الأعمال. ويؤكد نائب رئيس اتحاد العمال أن الاتحاد يتعامل يوميًا مع وزارة القوى العاملة في مثل هذه القضايا، سواء عبر تقديم شكاوى ضد أصحاب الأعمال أو من خلال جلسات تفاوض. مشيرًا إلى التفتيش على المنشآت من اختصاص الوزارة، بينما يضطلع الاتحاد بدور الوساطة ونقل شكاوى العمال للجهات المختصة.
لكن في المقابل ترى منى عزت، الباحثة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، في حديثها لـــ «زاوية ثالثة»، أن ما تعرضت له العاملة من رفض حصولها على إجازة عارضة “يمثل انتهاكًا لحق أصيل كفله القانون” سواء القديم أو الجديد الذي بدأ العمل به بداية من سبتمبر الجاري. وتوضح أن الغرض من هذه الإجازات وفقًا للنصوص القانونية مواجهة الظروف الطارئة مثل المرض أو حالات الوفاة أو الحاجة للعلاج المفاجئ.
تضيف عزت أن ما جرى لم يكن فقط مخالفة قانونية، بل “غيابًا كاملًا للبُعد الإنساني وللحقوق”، إذ كان يفترض بالإدارة أن تراعي وضع العاملة وطفلتها حتى في حال عدم وجود رصيد إجازات كافٍ. ووصفت ما حدث بأنه “انتهاك مزدوج: قانوني وإنساني”.
لكن عزت ترى أن ما وصفته بالانتهاكات المتعلقة بالإجازات وحقوق العمال والعاملات ليست حالة فردية كما وصفها نائب رئيس اتحاد عمال مصر، بل تتكرر في شركات عدة، حيث يجري التضييق على الإجازات الطارئة أو المرضية، وحرمان العمال من حقوق أساسية مثل الرعاية الطبية داخل مواقع العمل أو الاعتراف بإصابات العمل.
وتشير إلى أن القانون المصري والتشريعات الدولية يكفلان حق العمال في الرعاية الطبية والوقاية الصحية، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الرقابة الحكومية المستمرة، وفي التعامل مع كل واقعة باعتبارها حالة منفصلة، من دون تسجيل أو محاسبة للشركات المخالفة.
وهذه ليست المرة لاتهام شركة لينين بارتكاب انتهاكات في حق العمال والعاملات، بل لديها سجل من المخالفات يشمل التهديد بالفصل والفصل التعسفي بالفعل. لكن المشكلة أن الدولة تتعامل مع كل واقعة وكأنها صفحة تُطوى من دون ذاكرة أو متابعة، ما يشجع الشركات على تكرار الانتهاكات بلا خوف من العقاب- تقول عزت.
وتشدد الباحثة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية على ضرورة وجود “سجلات رسمية توثق الانتهاكات”، وتفعيل البنود العقابية في قانون العمل بحق الشركات التي يثبت تكرار مخالفاتها، لافتة إلى أن هذه الشركات تحصل في المقابل على امتيازات من الدولة مثل الإعفاءات الضريبية والأراضي بأسعار مخفضة، وبالتالي “لا يجوز أن يكون كل ذلك على حساب حقوق العمال والعاملات”.
وتدعو عزت إلى خلق بيئة عمل تسمح بالمفاوضة الجماعية والحوار بين الشركات والعمال عبر نقاباتهم، مؤكدة أن غياب هذا التوازن يترك العمال في موقع الحلقة الأضعف، وهو ما يشجع أصحاب الأعمال على الاستهانة بالحقوق القانونية والإنسانية للعاملين.
في عام 2024، بلغ عدد العاملين في القطاع الصناعي في مصر حوالي 3.946 مليون عامل، مما يشكل نحو 13.2% من إجمالي القوى العاملة في البلاد. وأظهرت البيانات الرسمية أن القطاع الصناعي شهد نموًا ملحوظًا بنسبة 5.4% مقارنة بعام 2023.
تقييد حقوق العمال يضع مصر بين الدول الأسوأ في الحريات النقابية
واقع مرير ووقائع متكررة
لا تبدو مأساة الرضيعة ابنة العاملة دعاء محمد حالة معزولة، إذ تكشف تقارير نقابية وحقوقية عن تكرار وقائع مشابهة يتعرض لها العمال والعاملات داخل المصانع والشركات، حيث يرزح كثيرون تحت ضغوط العمل الممتدة لساعات طويلة في بيئات غير آمنة، ما يؤدي إلى حوادث وإصابات عمل متكررة، بل ووصل الأمر في بعض الحالات إلى فقدان الحياة.
ففي يوليو الماضي، توفي العامل مصطفى الكيلاني وأصيب ثلاثة من زملائه داخل مصنع غزل 1 الجديد التابع لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، إثر حادث اختناق لم تُعلن إدارة الشركة عن أسبابه حتى الآن، وفق ما أفادت به دار الخدمات النقابية والعمالية. وقد سبقت هذه الحادثة واقعة مشابهة في فبراير الماضي، إذ توفي العامل أيمن أبو الفضل متأثرًا بإصاباته في انفجار بمحطة الكهرباء الجديدة التابعة للمصنع، في حين أصيب ثلاثة عمال آخرون في نفس الحادث. وغيرها من الحوادث المشابهة.
يسجل سوق العمل في مصر آلاف الإصابات بين العمال والعاملات، ورغم ذلك شهدت نسبة إصابات العمل تراجعًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث بلغت 8,317 إصابة في عام 2023 مقارنة بـ 9,857 إصابة في عام 2022. وفي المقابل، شهد عام 2019 ارتفاعًا ملحوظًا في الإصابات إذ سجل 14,331 إصابة، وفقًا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

في تعليقها على ارتفاع نسبة إصابات العمل، تقول وفاء عشري، عضو حزب العيش والحرية- تحت وجبهة العدالة الاجتماعية في حديثها لــ«زاوية ثالثة»، أن أوضاع العمل في المصانع والشركات المصرية ما زالت “قاسية وغير إنسانية”. وتوضح أن بيئة العمل الرديئة تعني “مصانع بلا تهوية كافية تجعل العمال يختنقون بالغبار أو الكيماويات، أو خطوط إنتاج تعمل لساعات طويلة يوميًا من دون فترات راحة كافية”.
وتضيف عشري إن ضعف الأجور يفاقم الأزمة، حيث أنها لا تكفي لتغطية أساسيات الحياة، ما يضطر كثيرًا من العمال إلى العمل في وظيفة ثانية بعد انتهاء ساعات عملهم الأصلية، وهو ما يؤدي إلى “استهلاك كامل للجسد والعقل، وحرمان من النوم والأسرة”، بحسب تعبيرها. وتشير إلى أن هذه الظروف تتسبب في أمراض مزمنة وحوادث عمل متكررة، فضلًا عن تدهور الحالة النفسية للعامل الذي يشعر بأنه مجرد “أداة للإنتاج”.
وتطرح عشري حلولًا عملية، منها: تفعيل جهاز السلامة والصحة المهنية بشكل جاد عبر التفتيش الدوري وإغلاق المصانع المخالفة حتى تصحيح أوضاعها، إنشاء حضانات داخل المصانع أو دعم حضانات قريبة، فرض حد أدنى للأجور مرتبط بالتضخم، والسماح للنقابات المستقلة بتمثيل العمال قانونيًا على طاولة التفاوض.
وترجع عضو العيش والحرية عدم تطبيق هذه الإجراءات إلى السياسات الاقتصادية المتبعة منذ التسعينيات، التي تقوم على “جذب الاستثمار بأي ثمن”، وهو ما يعني ـ وفق قولها ـ “منح رجال الأعمال مرونة أكبر، والتغاضي عن حقوق العمال من أجل زيادة أرباح الشركات”. مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية تتعامل مع أي تحرك عمالي باعتباره تهديدًا سياسيًا، ما يخلق مناخًا من الخوف ويكسر محاولات التنظيم.
يرى المحامي العمالي وائل غالي، في حديثه لموقع زاوية ثالثة، أن المشكلة الأساسية في بيئة العمل بمصر تكمن في غياب الدور الرقابي لمكاتب العمل وهيئات التأمينات، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المنشآت لا تخضع لأي متابعة فعلية.
ورغم أن القوانين تكفل للعمال الحصول على أنواع مختلفة من الإجازات، سواء المرضية أو الاعتيادية أو العارضة، إضافة إلى إجازات الحمل والولادة، يوضح غالي أن التطبيق على أرض الواقع لا يزال ضعيفًا. ويضيف أن كثيرًا من العمال يُحرمون من إجازاتهم المستحقة، مما يضطرهم لرفع دعاوى قضائية تُعرف باسم “قضايا رصيد الإجازات” بعد انتهاء خدمتهم، للمطالبة بالمقابل المالي عن الإجازات التي لم يتمكنوا من الحصول عليها.
الدولة عاجزة أمام تعسف أصحاب الشركات
ورغم التراجع الملحوظ في نسبة إصابات العمل في مصر خلال العامين الأخيرين، ظل قطاع الصناعات التحويلية يتصدر معدلات الإصابات بين العمال مقارنة بالمجالات الأخرى على مدار السنوات الأربع الماضية تقريبًا، ما يعكس المخاطر المستمرة التي يواجهها العاملون في هذا القطاع مقارنة ببقية الأنشطة الاقتصادية. ويُقصد بالصناعات التحويلية تلك الصناعات التي تقوم بتحويل المواد الخام إلى منتجات جاهزة أو نصف جاهزة، مثل مصانع الغزل والنسيج.

كما تصدر خلال آخر 4 سنوات القطاع الخاص في معدل الإصابات بين العمال والعاملات، إذ وصلت نسبة الإصابات في القطاع الخاص إلى 52% من إجمالي إصابات العمل في مصر.

يرى صابر بركات، المحامي والمستشار في منظمة العمل الدولية، في حديثه لـ زاوية ثالثة، في واقعة وفاة رضيعة العاملة “حالة فجّة من حالات التعسف الإداري غير المبرر وغير المقبول”، مشددًا على أن وزارة القوى العاملة والجهات الإدارية مطالَبة بالتدخل ومعاقبة الشركة، لأن ما حدث “مخالف للقانون بشكل واضح” -وفق تعبيره.
يوضح بركات أن رغم ما يمنحه قانون العمل للعامل فيما يخص الإجازات العارضة، لكن اللوائح الداخلية في كثير من الشركات خاصة في قطاع الأعمال والخاص تفرض غرامات باهظة مقابل غياب يوم أو يومين، وهو ما وصفه بأنه “مخالف للتشريعات القديمة والجديدة على حد سواء”.
يضيف مستشار منظمة العمل الدولية إلى أن النقابات العمالية طالبت مرارًا بتعديل هذه اللوائح “غير القانونية”- على حد وصفه، لكن جهودها فشلت بسبب ضعف التضامن الاجتماعي وغياب نقابات قوية قادرة على الضغط، فضلًا عن “رقابة حكومية متواضعة لا تتناسب مع حجم المسؤوليات”.
يلفت بركات إلى تراجع عدد مفتشي العمل في مصر خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى تعزيز الرقابة على علاقات العمل. ويشير إلى أنّ “حتى لو أرادوا القيام بدورهم، فلن يتمكنوا بسبب قلة العدد وضعف الإمكانيات، وهذه مسؤولية الدولة وليست مسؤولية الأفراد”.
وبرأي بركات، فإن ما حدث مع العاملة ليس واقعة فردية، بل يعكس “صورة عامة لعلاقات العمل في مصر”، حيث تُعد أكثر من 60% من لوائح العمل في القطاع الخاص مخالفة للقانون، خصوصًا في المناطق الحرة ومناطق الاستثمار، مضيفًا: “أصحاب العمل يتعاملون بتعالي مع الدولة، ويرفعون دائمًا شعار: مش عاجبكم نقفل ونمشي”.
ويختتم حديثه بأن “هذه الأوضاع لا تقتصر على حالة واحدة، بل تتكرر في مآسي يومية تشمل العاملات في المصانع، عمالة الأطفال في المحاجر، والآلاف من البنات اللاتي يواجهن ظروفًا قاسية وخطرة، فالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها متضافرة ضد هؤلاء العمال، ليصبحوا ضحايا للتعسف الإداري وغياب الرقابة وضعف الدولة”.
كشفت وفاة رضيعة العاملة في شركة لينين عن العيوب الجسيمة في علاقات العمل بمصر، حيث تتقاطع الانتهاكات القانونية مع الظروف الإنسانية القاسية لتخلق بيئة عمل ضاغطة وغير آمنة، وفق خبراء وقانونيين وشهادات العمال. وأكد هؤلاء أن التشريعات وحدها لا تكفي لحماية حقوق العمال والعاملات، بل يتطلب الأمر وجود رقابة فعّالة، وتطبيق صارم للقانون، ونقابات قادرة على الدفاع عن حقوقهم. وتشير الوقائع المتكررة إلى أن غياب الرقابة الحكومية وضعف التضامن النقابي يتيحان للشركات استغلال العمال، ويحولان دون تمكّنهم من الحصول على حقوقهم القانونية والدستورية.