close

فصل البنا بقرار محكمة.. هل يُمهّد الطريق لتصفية “وبريات سمنود”؟

فصل هشام البنا من شركة وبريات سمنود يكشف صراعًا طويلًا بين النقابات والإدارة وسط مخاوف من تصفية المصنع
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

في 30 يوليو 2025، قضت محكمة شرق طنطا الابتدائية بفصل العامل هشام البنا من عمله، بناءً على الدعوى التي قدمتها إدارة شركة وبريات سمنود، متهمةً إياه بـ”تحريض العمال على الإضراب والتسبب في إلحاق خسائر بالشركة نتيجة توقف العمل”.

 تعود القضية إلى أغسطس 2024، حين شهدت الشركة، الواقعة بمحافظة الغربية، إضرابًا عماليًا استمر أكثر من شهر احتجاجًا على استثنائها من تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، والمطالبة بتحسين الأوضاع المالية للعاملين. خلال الإضراب، ألقت قوات الأمن القبض على عدد من العمال والعاملات، من بينهم هشام البنا، ووجهت إليهم اتهامات مشابهة، قبل أن يُخلى سبيلهم لاحقًا.

وفي سبتمبر 2024، أصدرت إدارة شركة سمنود للنسيج والوبريات قرارًا بوقف عشرة من العاملات والعمال المتهمين على ذمة القضية رقم 7648 لسنة 2024 إداري سمنود، وقررت صرف نصف الأجر الأساسي لهم لحين البت في القضية، على خلفية الإضراب العمالي المطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور. وضمت القائمة سبعة ممن أُخلي سبيلهم لاحقًا، بالإضافة إلى القيادي النقابي هشام البنا.

ومنذ إضراب أغسطس، نفّذ العمال وقفات احتجاجية وإضرابات خلال أشهر مارس وأبريل ومايو الماضية، احتجاجًا على ما وصفوه بسوء الإدارة والتأخر في صرف الحقوق. وشهدت هذه الفترة اتهامات متكررة للإدارة بالتقاعس عن صرف العلاوات الدورية وتأخير دفع الأجور، ما زاد من حدة الأزمة وأبقاها مفتوحة على مسار قضائي ونقابي معقد.

تأسست شركة وبريات سمنود بمحافظة الغربية عام 1974 كأحد مصانع الغزل والنسيج التابعة لشركة غزل المحلة، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى بنك الاستثمار القومي وجهات حكومية أخرى. وقد اشتهرت بإنتاج الأقمشة والوبريات والجينز، لكنها شهدت تراجعًا كبيرًا منذ أوائل الألفية، وتوقفت عن العمل لنحو ثلاث سنوات قبل إعادة تشغيلها جزئيًا في 2014 ضمن خطة لإعادة الهيكلة شملت برنامجًا للمعاش المبكر أنهى خدمة نحو نصف العاملين. ورغم ضخ أموال حكومية لإنقاذها، ظلت الشركة تعاني من تدني الأجور وتدهور أوضاع العمل، ما أدّى إلى موجات احتجاجية متكررة، كان آخرها سلسلة الإضرابات المتواصلة منذ عام 2024.

 

نوصي للقراءة: إضراب عمال وبريات سمنود: مطالب بالحد الأدنى للأجور وسط حملة اعتقالات

المحكمة العمالية قررت الفصل رغم البراءة من الاتهامات 

يقول القيادي العمالي هشام البنا، في تصريح إلى موقع زاوية ثالثة، إنه فوجئ بقرار محكمة شرق طنطا الابتدائية بفصله من العمل، رغم أن المحكمة الجنائية كانت قد برأته من الاتهامات نفسها، التي شملت “تحريض العمال على الإضراب” و”التسبب في خسائر للشركة”. وأوضح أن القضية بدأت كدعوى جنائية عقب إضراب أغسطس 2024،  حيث حُبس هو وتسعة من زملائه لفترة على ذمة التحقيق، قبل أن تبرئهم المحكمة الجنائية جميعًا، ليُنهي النزاع مع تسعة منهم وتبقى القضية قائمة ضده وحده أمام المحكمة العمالية. 

ويضيف البنا أن المحكمة العمالية استندت في حكمها على تحريات الأمن الوطني والمباحث، التي رفضت النيابة والمحكمة الجنائية الأخذ بها، لافتًا إلى أن الشركة لم تقدم أي دليل آخر لإثبات الاتهامات، بما في ذلك مزاعم خسارتها نصف مليون جنيه يوميًا جراء الإضراب. 

ويؤكد القيادي العمالي أن أرقام الشركة الفعلية، التي عرضها أمام النيابة، تشير إلى أن دخلها الشهري يتراوح بين 800 و900 ألف جنيه، ويصل أحيانًا إلى مليون و100 ألف جنيه في أفضل الأحوال، وأنه كان بصفته مدير المبيعات يسعى لتغطية أجور العمال عبر بيع الخردة والمخزون الزائد عند الحاجة، معتبرًا أن تقديرات الخسائر المقدمة ضدهم “غير واقعية ولا تستند إلى أدلة”.

محاولات متكررة للفصل

يرى القيادي العمالي هشام البنا أن قرار فصله في يوليو 2025 لم يكن نتيجة مباشرة لإضراب أغسطس 2024 فقط، بل تتويجًا لمحاولات متواصلة لإبعاده عن الشركة منذ عام 2014، بحسب تعبيره. ويقول في حديثه إلى زاوية ثالثة إن هذه المحاولات بدأت منذ انتقال ملكية شركة وبريات سمنود إلى بنك الاستثمار القومي، بعد أن فرضت الحكومة، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، على البنك الاستحواذ على الشركة، وجرى حينها ضخ نحو 72 مليون جنيه لتصفية العمال، أُنفِق منها قرابة 35 مليون جنيه — حين كان الدولار يعادل ستة جنيهات — في برنامج للمعاش المبكر أسفر عن خروج نحو 600 عامل، أي نصف القوة العاملة، وكان من المقرر تصفية الشركة بالكامل بحلول فبراير 2015.

ويؤكد البنا أنه كان من أبرز المعترضين على خطة التصفية، وساهم في تجميدها، حتى صدر قرار من رئاسة الجمهورية بإعادة تشغيل الشركة. ومنذ ذلك الحين، بحسب روايته، اعتبر بنك الاستثمار القومي موقفه تحديًا لمخطط التصفية، فبدأت محاولات فصله، التي تجسدت أولًا في قرار عام 2016، لكنه عاد إلى عمله بحكم قضائي لصالحه. ومنذ ذلك الوقت، دخل في سلسلة من النزاعات القضائية مع إدارة الشركة.

ويقول البنا إن إدارة الشركة أقدمت في يناير 2015، بعد إعادة التشغيل، على حذف مؤهله الدراسي الأعلى من ملفه الوظيفي، ما دفعه إلى اللجوء إلى القضاء، الذي أنصفه بإلزام الشركة باحتساب أجره بناءً على المؤهل الأعلى بأثر رجعي منذ عام 2010، وتعويضه بمبلغ 10 آلاف جنيه.

ويضيف أنه خاض خلال السنوات الماضية ما بين سبع إلى تسع دعاوى قضائية، شملت الطعن على قرارات فصل وجزاءات اعتبرها تعسفية، وكسب عددًا منها، من بينها إلغاء قرار الفصل عام 2016. ويشير إلى أن حكم المحكمة العمالية بفصله في يوليو 2025 يأتي في سياق هذا المسار الطويل، وأنه يستعد لاستئنافه فور الحصول على نسخة الحكم وحيثياته.

كما يوضح البنا أن إدارة الشركة بدأت عقب الحكم باتخاذ إجراءات إضافية، شملت وقف صرف نصف أجره الأساسي الذي كان يتقاضاه منذ عام، إلى جانب إلغاء تذكرة العلاج الشهرية التي يعتمد عليها في متابعة أمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم والقلب. ويعلّق قائلًا: “منذ 2014، وأنا عمليًا مقيم في أروقة المحاكم”.

 

نوصي للقراءة: تقييد حقوق العمال يضع مصر بين الدول الأسوأ في الحريات النقابية

 كسر إرادة العمال

يعتبر حسن البربري، الباحث في شؤون العمال، أن حكم محكمة طنطا الابتدائية بفصل هشام البنا يُعد “سابقة خطيرة” تمس الحقوق الدستورية في الإضراب والعمل، وتتناقض مع التزامات مصر الدولية التي تحمي القادة النقابيين من الإجراءات الانتقامية بسبب نشاطهم. ويقول في حديثه إلى زاوية ثالثة إن النيابة العامة سبق أن حفظت البلاغات المقدمة ضد البنا، ما يعزز، برأيه، انعدام الأساس القانوني للفصل، ويكشف عن “طابع انتقامي” للقرار يهدف إلى كسر إرادة العمال وردع أي تحرك جماعي للمطالبة بالحقوق.

ويشير البربري إلى أن الحكم يتعارض مع عدة اتفاقيات دولية صدّقت عليها مصر، منها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية، التي تضمن ممارسة العمل النقابي دون التعرض للفصل أو العقوبات، واتفاقية رقم 98 بشأن المفاوضة الجماعية، واتفاقية رقم 135 الخاصة بحماية ممثلي العمال من الإجراءات التعسفية. كما يخالف الحكم، بحسب البربري، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان.

ويرى أن الحكم يتناقض أيضًا مع مواد الدستور المصري، لا سيما المادة 15 التي تنص على أن “الإضراب السلمي حق ينظمه القانون”، والمادة 13 التي تلزم الدولة بحماية العمال من الفصل التعسفي وضمان شروط الأمن والسلامة، والمادة 76 التي تكفل حرية النقابات واستقلالها، والمادة 93 التي تُلزم الدولة باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

توجه نحو خصخصة وبريات سمنود

رغم غياب أي إعلان رسمي بشأن تصفية شركة “وبريات سمنود”، إلا أن مشهدها الحالي يثير مخاوف العاملين ونشطاء العمل النقابي من وجود نية مبيتة لإنهاء نشاطها.

حسن البربري، الباحث في الشؤون العمالية، يرى أن تكرار النزاعات مع العمال وما يصاحبها من إضرابات طويلة ومتتالية، فضلًا عن الاستعانة المستمرة بالجهات الأمنية لفض الاعتصامات واعتقال العمال وتعطيل نشاطهم النقابي، كلها عوامل تُضعف بيئة العمل وتفاقم الأزمة.

لكن، بحسب البربري، فإن المؤشر الأقوى يكمن في ما وصفه بـ”سياسة الإهمال” التي تمارسها إدارة الشركة، وهي سياسة سبق أن شهدتها شركات أخرى في القطاع العام قبل تصفيتها. ويوضح أن هذا النمط يقوم على ترك الأزمات تتراكم دون حلول، ما يؤدي إلى تراكم الخسائر، وبخاصة الخسائر التشغيلية المرتبطة بالإنتاج، الأمر الذي يجعل استمرار النشاط غير مجدٍ اقتصاديًا.

ويشير البربري إلى أن مثل هذا المسار قد يفتح الباب أمام قرارات بيع أو تصفية، حتى لو لم تكن هناك نية معلنة في البداية، إذ تصبح الخسائر المتراكمة ذريعة رسمية لاتخاذ القرار. ومع ذلك، يظل أي إجراء من هذا النوع مرهونًا بصدور قرارات وإجراءات إدارية واضحة من الجهات المختصة.

في السياق، ترى وفاء عشري، عضو اللجنة المركزية بحزب العيش والحرية -تحت التأسيس-، أن فصل هشام البنا  ــــــــــــــ أبرز قيادات شركة وبريات سمنود والمعروف بموقفه الرافض لتصفية الشركة ـــــــــــ قد يكون خطوة تمهيدية أو جزءًا من خطة ضغط لإزالة أي مقاومة داخلية أمام مشروع التصفية. 

وتوضح في حديثها لزاوية ثالثة أن هذا الأسلوب متكرر في عدد من شركات القطاع العام أو الشركات المملوكة للدولة، إذ تبدأ الإدارة أو الجهة المالكة بإضعاف الأصوات المعارضة من الداخل لتمهيد الطريق أمام البيع أو التصفية.

وتضيف العشري أن الإصرار على تصفية “وبريات سمنود” قد يرتبط بعدة عوامل، أبرزها أن الشركة تقع على مساحة أرض واسعة وفي موقع استراتيجي بمدينة سمنود، ما يجعلها هدفًا مغريًا للمستثمرين أو لمشروعات عقارية وتجارية مستقبلية. كما أشارت إلى وجود توجه عام لتقليص دور الدولة في قطاعات صناعية تقليدية، خاصة النسيج، وهو ما يجري تنفيذه أحيانًا عبر ما تصفه بـ”الخصخصة المقنعة”.

ولفتت إلى أن “وبريات سمنود” تمثل رمزًا لمقاومة الخصخصة منذ تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن فصل قياداتها العمالية يوجه رسالة واضحة لباقي العمال بأن المعارضة سيكون ثمنها باهظًا. وتشير العشري إلى أن كثيرًا من الشركات التي يتم تصفيتها يكون قد جرى إهمالها عمدًا أو تحميلها ديونًا أو إدارتها بشكل سيئ، لتظهر للرأي العام وكأنها ميؤوس من إنقاذها، وبذلك يتم تقديم التصفية باعتبارها “الحل المنطقي”.

 

نوصي للقراءة: الاحتجاجات العمالية في مصر… غلق كافة النوافذ أمام التفاوض السلمي


 ثقة العمال بالقانون؟

استنكرت دار الخدمات النقابية والعمالية الحكم الصادر عن المحكمة العمالية بطنطا بفصل القيادي العمالي هشام البنا من عمله بشركة وبريات سمنود، واعتبرته مخالفًا لتوقعات غالبية الخبراء القانونيين الذين اطلعوا على القضية. وأكدت، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية، أنها ستتابع إجراءات الاستئناف بالتعاون مع محامين وقانونيين متضامنين، ووصفت الحكم بأنه “جانبه الصواب”. وأشار البيان إلى أن نيابة سمنود كانت قد حفظت البلاغ المقدم من إدارة الشركة ضد تسعة من العاملين، بينهم البنا، بتهمة الإضراب والإضرار بالشركة، وهو ما اعتبرته الدار دليلاً على افتقار القضية للأدلة القانونية.

وأضاف البيان أن إدارة الشركة كانت قد تراجعت أثناء نظر الدعوى عن المطالبة بإيقاف العمال التسعة عن العمل، باستثناء البنا، واعتبر ذلك مؤشراً على “استهدافه بشكل فردي” بسبب دوره النقابي وثقة زملائه فيه كممثل لهم في التفاوض مع الإدارة.

في السياق نفسه، ترى المحامية رحمة رفعت، منسقة البرامج في دار الخدمات النقابية والعمالية، أن الحكم جاء “مخيبًا للآمال”، مؤكدة في حديثها إلى زاوية ثالثة أن البنا لعب دورًا مهمًا في الدفاع عن مصالح عمال وعاملات الشركة، التي عانت لسنوات من مشاكل متراكمة، أبرزها تغييرات متكررة في الملكية والشكل القانوني، أسفرت عن فقدان عدد من العمال لوظائفهم بعد تسوية معاشاتهم، بينما لا يزال الباقون يواجهون قرارات إدارية وصفتها بـ”التعسفية”.

وتوضح رفعت أن المطالبات بتطبيق الحد الأدنى للأجور في عام 2024 جاءت ضمن تحرك احتجاجي مشروع، خاصة بعد رفض الشركة الامتثال بذريعة انتظار رد رسمي على طلب استثنائها من القرار، ما دفع العمال إلى تقديم شكوى إلى مكتب العمل، لترد الإدارة ببلاغات للنيابة ضد تسعة منهم. وبحسب رفعت، فإن النيابة انتهت إلى حفظ التحقيق، ما يُضعف من وجاهة الدعوى التي استندت إليها المحكمة لاحقًا في فصل البنا.

وأضافت أن الشركة طالبت بإيقاف العمال التسعة أثناء نظر القضية، لكنها عادت وتنازلت عن الطلب في حقهم جميعًا ما عدا البنا، معتبرة أن هذا الإجراء “يكشف بوضوح ضعف الاتهامات وتعمد استهداف البنا بصفته النقابية”.

وتختم رفعت بالقول إن هذا الحكم لا يؤثر فقط على البنا وأسرته، بحرمانهم من مصدر دخلهم الوحيد، بل يبعث برسائل سلبية إلى المجتمع العمالي، ويكرّس الانطباع بانسداد المسارات القانونية أمام من يطالبون بتطبيق القانون، في حين لا يُحاسب أي من مسؤولي الإدارة على ما وصفته بـ”المخالفة”. وأعربت عن أملها في أن يُقبل الاستئناف “ليعيد بعض الأمل إلى البنا وزملائه”.

وفي ظل تصاعد قرارات تصفية شركات القطاع العام خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الغزل والنسيج والصناعات الثقيلة، يتزايد الجدل بين الرواية الحكومية التي تبرر التصفية بوقف نزيف الخسائر وتراجع التنافسية، وبين رأي نقابيين وخبراء يرون فيها نتيجة سياسة إهمال ممنهجة. ويشير هؤلاء إلى أن التدهور يبدأ بترك المعدات تتآكل دون تحديث، ما يؤدي إلى تراكم الخسائر ثم استخدامها كمبرر قانوني للإغلاق. وعلى الرغم من أن القانون رقم 203 لسنة 1991 يمنح السلطات حق تصفية الشركات بقرار من الجمعيات العمومية، إلا أن تجارب سابقة — مثل القومية للأسمنت والنصر للسيارات وعدة شركات غزل — أثارت تساؤلات حول مصير الأصول العامة والعمالة، في ظل غياب خطة واضحة لحماية الصناعات الوطنية من الانحسار.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search