close

زيادات حادة في رسوم العلاج النفسي تصل إلى 900%.. هل تتراجع مصر عن مجانية الصحة النفسية؟

تداعيات القرار الوزاري رقم 220 لسنة 2025، الذي رفع أسعار خدمات مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان بنسبة تصل إلى 900%، وسط تحذيرات من انهيار مجانية العلاج وتفاقم معاناة المرضى غير القادرين، ومطالبات بالتراجع عن القرار
Picture of آية ياسر

آية ياسر

أثار القرار الوزاري رقم 220 لسنة 2025، لوزير الصحة والسكان ونائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، الدكتور خالد عبد الغفار، بزيادة أسعار الخدمات الطبية في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بنسبة وصلت إلى900%، وفق النائبة مها عبد الناصر،  استياءً واسعًا ومخاوف كبيرة، إذ حذر أطباء ومتخصصون في القطاع وحقوقيون من آثاره السلبية، كونه يشكل خطرًا مضاعفًا على المرضى النفسيين الذين تتطلب حالاتهم الحجز الإجباري، مثل: مرضى الذهان أو من لديهم ميول انتحارية أو عنف شديد، نظرًا لعدم قدرتهم على تحمل التكاليف، ما قد يؤدي إلى تدهور حالتهم وتهديد المجتمع والأسرة والاقتصاد والسياحة.

وفي وقتٍ كانت فيه اللائحة تُخصص 60٪ من الأسرّة للعلاج المجاني في مستشفيات الصحة النفسية؛ فإن القرار رفع تكلفة الإقامة في مستشفيات الصحة النفسية، والقسم الاقتصادي، وجلسات التخاطب والعلاج النفسي، اختبارات الذكاء، والتحاليل وصرف الأدوية النفسية، ونصت اللائحة الصادرة في 14 يوليو المنقضي، على رفع تكلفة إقامة المريض داخل المستشفى لتتراوح بين 150 و 550 جنيه لليوم الواحد حسب الدرجة غير شاملة لمصاريف الخدمات الطبية والعلاجية مع رفع سعر توقيع الكشف الطبي إلى 200 جنيه ورفع سعر تذكرة الكشف في العيادات التخصصية على المريض النفسي ومريض الإدمان، أو المصاب باضطراب كيف التوحد إلى 20 جنيه ورفع سعر جلسة الدعم النفسي لمريض الإدمان إلى 100 جنيه وجلسات المتابعة الشهرية إلى 400 جنيه بجانب تذكرة حضور جلسة زمالة المدمنين المجهولين 10 جنيه وتذكرة الدخول 5 جنيه ورفع سعر جلسة الإرشاد الأسري إلى 20 جنيه ورفع أسعار الخدمات المقدمة للأطفال إلى 50 جنيه لكشف التخاطب واختبار عسر القراءة و40 جنيه لجلسة التخاطب و45 جنيه لجلسة تعديل السلوك و60 جنيه لجلسة الرعاية النهارية و30 جنيه لجلسة علاج نفسي للأطفال والمراهقين، وارتفع سعر الاستشارة التليفونية أو عبر المنصة الوطنية للصحة النفسية إلى 50 جنيهًا. 

زيادات الأسعار لمسها المرضى النفسيون ومرضى الإدمان بمستشفيات الصحة النفسية، على مدار الأيام القليلة الماضية، وأفاد المرضى الذين تحدثوا إلى “زاوية ثالثة”، أن سعر تذكرة الكشف في مستشفيات علاج الإدمان زاد بنسبة 9 أضعاف سعره، تكلفة الحجز الداخلي لمرضى الإدمان لمدة شهر ارتفعت من 1800 جنيه إلى 4200 جنيه، وفي بعض الحالات وصلت إلى 6000 وحتى 11000 جنيه شهريًا، تذكرة صرف جرعة الميثادون، ضمن برنامج العلاج ببدائل الأفيونات في وحدات خفض الضرر ارتفعت من 1 جنيه إلى 10 جنيهات يوميًا، وكل دواء نفسي إضافي يتم صرفه أصبح يحتاج إلى تذكرة جديدة بقيمة 20 جنيهًا، كما أن خدمات صحية كانت تقدم لهم بالمجان، مثل: التحاليل وصرف الأدوية، أصبحت تُقدَّم بمقابل مادي، إلاّ أن مرضى الإدمان الذي يتلقون العلاج بالميثادون تم إعفاؤهم لاحقًا من دفع التذكرة اليومية، بقرار إداري من الأمانة العامة للصحة النفسية، بعد اعتراضات واسعة، بحسب ما أوضح مصدرٌ طبي، رفض ذكر اسمه.

 

قرار وزارة الصحة والسكان رقم 220 لسنة 2025
قرار وزارة الصحة والسكان رقم 220 لسنة 2025

 

ونصت المادة الأولى من  القرار الوزاري رقم 220 لسنة 2025، الذي حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة منه، على العمل باللائحة المالية والإدارية الموحدة المرافقة لهذا القرار في شأن صندوق تحسين الخدمة بمستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بوزارة الصحة والسكان، وتسري قوائم الأسعار المرافقة لهذا القرار على مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بوزارة الصحة والسكان، بحسب المادة الثانية، فيما تلغي المادة الثالثة كل قرار يخالف أحكام هذا القرار واللائحة والقوائم المرافقة له، وتلزم المادة الرابعة الجهات المختصة تنفيذ هذا القرار ويُعمل به من تاريخ صدوره.

وحددت وزارة الصحة أسعار خدمات الإقامة اليومية في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان وفقًا لتصنيفات متعددة بحسب درجة الغرفة وتجهيزاتها. وجاءت أعلى فئة في قائمة الأسعار “الجناح” بقيمة 550 جنيهًا لليلة، ويضم غرفتين داخليتين وحمامًا خاصًا، حيث تحتوي إحداهما على سرير للمريض وأثاث متكامل، بينما خُصصت الأخرى لاستقبال الزوار. وتبلغ تكلفة الإقامة في الغرفة “الأولى الممتازة” 380 جنيهًا، وهي غرفة فردية مزودة بحمام خاص وتجهيزات تكييف وشاشة LCD، أما الغرفة “الأولى” فتبلغ تكلفتها 300 جنيه، وتحتوي على سريرين بحمام مشترك، وتتدرج الأسعار لتصل إلى 180 جنيهًا للدرجة “الثانية” و150 جنيهًا للدرجة “الثالثة”، والتي تتسع لأربعة إلى ستة مرضى في الغرفة الواحدة.

وتشمل الأسعار المعلنة الإقامة فقط، دون أي رسوم إضافية باستثناء المكالمات الهاتفية أو الطلبات الخاصة، كما يُسمح بوجود مرافق عند الضرورة، شرط ألا يستخدم سرير المريض، حيث يُضاف سرير مستقل دون تجاوز السعة المحددة، وفي حالات الأطفال، يُصرّح بمرافق مجاني على نفس السرير للأطفال دون 12 سنة، بينما يُحاسب الأطفال فوق هذا السن على أجر سرير كامل، إضافة إلى أجر سرير مرافق، وتُحصّل رسوم إضافية قدرها 70 جنيهًا يوميًا في حالة استخدام مرتبة هوائية، بينما تتراوح أسعار التحاليل الطبية من 20 إلى 500 جنيه، مع فرض رسوم مرتفعة على تحاليل المخدرات والبيولوجيا الجزيئية، قد تصل إلى 3500 جنيه في بعض الحالات.

 

 قوائم الأسعار المرافقة للقرار الوزاري رقم 220 لسنة 2025

 

نوصي للقراءة: مستشفى الخانكة: ضرب مرضى، أطباء مزيفون، وفساد إداري 

أسعار مرتفعة وخدمات منخفضة

في وقتٍ زادت فيه أسعار الخدمات الصحية بمستشفيات الصحة النفسية؛ فإن وزارة الصحة والسكان لم تبذل جهودًا لتحسين جودتها؛ إذ يشكو أحد المرضى النفسيين لـ”زاوية ثالثة” من تدهور جودة الخدمات داخل عنابر مستشفى العباسية للصحة النفسية، والتي يحكي أن المرضى بها يعانون من غياب المراوح والتكييفات وتردي مستوى النظافة وانتشار للحشرات والصراصير، بجانب حدوث حالات عنف جسدي ولفظي ضد المرضى.

وكشف مصدر طبي في مستشفى الخانكة للصحة النفسية، عن أن مبنى علاج الإدمان بالمستشفى، والذي تبلغ طاقته 150 سريرًا، يُستخدم منه 40 سريرًا فقط منذ سبع سنوات، بسبب مشكلات في شبكة الصرف الصحي لم تتم معالجتها حتى الآن، في ظل ما وصفه بـ”التكاسل الإداري المتعمد”، والذي يصب في مصلحة المراكز الخاصة، مشيرًا إلى أن هذه الأسرة غير المستغلة تعادل أربعة مراكز خاصة لعلاج الإدمان، في وقتٍ يتطلب فيه إنشاء مركز خاص بسعة 25 سريرًا فقط نحو مليوني جنيه، مُبينًا أن الإحصائيات اليومية للمستشفى تُظهر وجود نحو 100 مواطن في حاجة للعلاج، لكن يُقال لهم إنه لا توجد أماكن، رغم وجود طاقة استيعابية فعلية؛ إذ أن قبول الحالات داخل المستشفى يخضع لوساطات ومحسوبيات.

وفيما يتعلق بالقرار الوزاري الأخير الخاص بزيادة رسوم خدمات الصحة النفسية، أوضح المصدر أن القرار يحمل جوانب إيجابية محدودة، أبرزها تقليص فرص التربح غير المشروع من بعض العاملين بالتمريض، الذين كانوا يفرضون رسومًا غير قانونية على الأهالي في السابق، وظاهرة استغلال بعض الأسر للمستشفيات النفسية لإدخال أقارب غير مرضى، للتخلص من رعايتهم، أو كنوع من الانتقام العائلي، الأمر الذي سيتراجع بعد أن تتولى الوزارة تحصيل الأموال رسميًا، لكنه رغم ذلك، يرى أن القرار يفتقر للعدالة الاجتماعية، إذ يُلزم المرضى أو ذويهم بدفع مبالغ قد تصل إلى 4000 أو 20,000 جنيه من أجل الدخول للمستشفى، متسائلًا: “هل من المنطقي أن نطلب هذا المبلغ من أسرة مريض قد يُشكل خطرًا على نفسه أو على من حوله؟ المرض النفسي لا ينتظر تأمين المال، مشددًا على وجود فساد إداري بمستشفيات الصحة النفسية وانهيار تدريجي لمجانية العلاج النفسي في مصر، وأن القرار الوزاري الأخير يعكس سياسة خصخصة غير معلنة لخدمات الصحة النفسية، ويحرم آلاف المرضى من حقهم الدستوري في العلاج المجاني.

وحتى سبتمبر من العام 2020، كان يتم إعفاء غير القادرين من رسم الدخول للعلاج في منشآت الصحة النفسية، البالغة قيمته 100 جنيه، طبقًا للقرار الوزاري رقم 351 لسنة 2012، إلاّ أن وزيرة الصحة والسكان السابقة، الدكتورة هالة زايد، أصدرت وقتئذٍ قرارًا وزاريًا بتعديل المادة (2) من القرار الوزاري رقم 351 لسنة 2012 الخاص بتحديد الرسوم المنصوص عليها في قانون رعاية المريض النفسى، ونص التعديل على أن يحصل رسم دخول للعلاج بمنشآت الصحة النفسية المنصوص عليها بقانون رعاية المريض النفسي رقـم 71 لـسنة 2009، بواقع 100 جنيه عـن كـل حالة دخول للعلاج بها، بينما كان النص القديم للمادة يقر ذلك الرسم بالنسبة لمستشفيات الصحة النفسية غير الحكومية فقط وبشرط أن تجاوز مدة إقامة المريض بالمستشفى أسبوعاً.

 

نوصي للقراءة: انهيار علاج الإدمان في مصر: أزمة الميثادون تكشف خلل وحدات خفض الضرر

حرمان الفئات الضعيفة من العلاج المجاني

من جهته ينتقد الدكتور علاء غنام، مسؤول وحدة “الحق في الصحة” بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، القرار الوزاري رقم 220 الصادر عن وزير الصحة بشأن زيادة أسعار خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان في المستشفيات الحكومية، مؤكدًا أن القرار غير مدروس ويشكّل انتهاكًا واضحًا لحقوق الفئات الأضعف في المجتمع.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إذا تُرك المرضى النفسيون خارج المستشفيات، ستكون هناك كارثة في الشوارع، القرار الجديد يحرمهم فعليًا من إمكانية العلاج، بسبب الرسوم المقررة للإقامة والخدمات، التي تفوق قدرتهم المالية، القرار انتهاك سافر لحقهم في العلاج المجاني، وهو حق دستوري واضح.”

ويؤكد غنام أن هذه الفئة لا تملك بدائل للعلاج في القطاع الخاص أو العيادات المدفوعة، موضحًا أن المرضى النفسيين يمثلون ما لا يقل عن 1% من المجتمع وفقًا للمعايير العالمية، وأنهم الأكثر احتياجًا للرعاية المجانية، مشيرًا إلى أن القرار يأتي ضمن مسار مستمر من السياسات الخاطئة في التعامل مع القطاع الصحي.

ويضيف: “هذا القرار لا ينفصل عن سياسة خصخصة الصحة. ما يحدث هو استمرار لنفس النهج الذي رأيناه في حالات مثل مستشفى الهرم، لكن الوضع هنا أخطر، لأن المرضى النفسيين يشكّلون خطورة على أنفسهم وعلى المجتمع إذا تُركوا دون علاج.”

ويشدد  مسؤول وحدة “الحق في الصحة” على أن تحميل المرضى النفسيين تكلفة العلاج في مؤسسات حكومية يمثّل تراجعًا خطيرًا عن التزامات الدولة تجاه الفئات المهمّشة والضعيفة، داعيًا إلى ضرورة التراجع عن القرار، ومراجعة السياسات الصحية بما يضمن اتساقها مع الدستور وحقوق الإنسان.

بدوره يُحذّر الدكتور أيمن عطية، المستشار القانوني الطبي المتخصص في أخلاقيات المهنة، من التداعيات الكارثية للقرار الوزاري رقم 220 الصادر عن وزارة الصحة والسكان، والخاص بزيادة أسعار خدمات الصحة النفسية، والتي بلغت في بعض بنودها ما يقارب 900%، مؤكدًا أن القرار يمثل تهديدًا صريحًا للحق الدستوري في العلاج المجاني، المنصوص عليه في المادة 18 من الدستور المصري، ويفتح الباب أمام خصخصة صريحة لقطاع الصحة النفسية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن الحديث السابق عن قصر الزيادة على العلاج الاقتصادي دون المجاني لم يكن دقيقًا، مشيرًا إلى أن “عدد الأسرة المجانية في مستشفيات الصحة النفسية جرى تقليصه بالفعل في وقت سابق، والقرار الجديد يزيد الطين بلّة، إذ يشمل زيادات في تكلفة العلاج المجاني أيضًا”.

ويلفت إلى أن الانخفاض التدريجي في نسب العلاج المجاني بدأ منذ تعديل النسبة المخصصة له من 60% إلى 25% فقط، محذرًا من أن “ما سيحدث على أرض الواقع قد يكون أسوأ بكثير، وربما يتم تقليص هذه النسبة تدريجيًا حتى تتلاشى تمامًا”، موضحًا أن تكلفة الإقامة الداخلية ارتفعت بشكل كبير، ما يثقل كاهل الأسر الفقيرة ويدفعها قسرًا إلى إخراج مرضاها من المستشفيات، وهو ما يؤدي إلى زيادة أعداد المرضى النفسيين في الشوارع، وما يترتب على ذلك من تهديدات أمنية واجتماعية.

ويؤكد عطية أن القرار يتعارض بوضوح مع الحق في العلاج المجاني، وتساءل: “إذا كان هناك مريض عقلي ولا يملك المال، إلى أين سيذهب؟ هذه الأمراض لا تُعالج في يوم أو يومين، بل تحتاج إلى فترات علاج طويلة، ومصاريف ضخمة لا يقوى على تحملها غالبية المواطنين”، مؤكدًا أن ذلك يأتي ضمن سياسة تقليص الوصول للعلاج المجاني تمهيدًا للخصخصة.

ويضيف: “أي جزء يتحول إلى نظام خاص على حساب النظام المجاني هو خصخصة. عندما يكون لديك 1000 سرير، ويُخصص 600 منها للعلاج الاقتصادي أو الخاص، فهذا ليس توازنًا بل انحياز صارخ لمن يدفع فقط”.

ويصف الخبير القرار بأنه “غير مدروس على الإطلاق”، لافتًا إلى أن هذه التكاليف قد تبدو بسيطة مقارنة بالمستشفيات الخاصة، لكنها مرهقة للغاية للفئات الفقيرة ومعدومة الدخل، خصوصًا أن المرضى النفسيين أو المدمنين غالبًا ما يكونون غير قادرين على العمل أو دفع أية تكاليف، كما أن إغلاق أبواب العلاج المجاني في وجه مرضى الإدمان سيؤدي إلى نتيجة حتمية، وهي العودة إلى التعاطي، ما يفاقم مشكلات الجريمة والعنف المجتمعي، داعيًا إلى توفير بدائل واضحة قبل اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على مصير آلاف المرضى.

ويبلغ عدد مستشفيات ومراكز الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة والسكان المصرية 21 مستشفى ومركزًا، أبرزها: (مستشفى العباسية للصحة النفسية، مستشفى الخانكة للصحة النفسية، مستشفى حلوان للصحة النفسية، مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية، مركز الطب النفسي “الدمرداش”، مستشفى المعمورة للصحة النفسية، مستشفى طنطا للصحة النفسية، مستشفى بورسعيد للصحة النفسية وعلاج الإدمان، مستشفى دميرة)، وجميعها تقدم خدمات الصحة النفسية مجانًا، وتشمل مستشفيات حكومية في محافظات مختلفة تقدم خدمات مجانية أو بأسعار مخفضة.

وبحسب مسح قومي للصحة النفسية، أجرته وزارة الصحة والسكان في مصر، عام 2018 فإن 25%من المصريين يعانون اضطرابات نفسية، وعلى رأسها اضطرابات المزاج وتحديدًا الاكتئاب بنسبة نحو 44%، ثم الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة بنسبة 30%، وتأتي اضطرابات القلق العام والخوف في المرتبة الثالثة بنسبة 25%.

ولا توجد إحصائية رسمية حول أعداد مرضى الأمراض العقلية في مصر، إلا أن الدكتور سامح حجاج، الذي كان يشغل منصب نائب مدير مستشفى العباسية للأمراض النفسية، في عام 2017 كان قد ذكر في تصريحات إعلامية، وقتئذ أن هناك 900 ألف مريض فصام عقلي في مصر

 

نوصي للقراءة: أزمة الميثادون: ما سر ظهور الكيتامين في دماء مرضى خفض الضرر؟

تساؤلات عن حقوق المرضى النفسيين

فيما يُعرب محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الصحة، عن رفضه الشديد للقرار الوزاري رقم 220 لسنة 2025، الذي نص على رفع أسعار خدمات الإقامة والتحاليل بمستشفيات الصحة النفسية، معتبرًا إياه انتهاكًا صارخًا لحقوق المرضى النفسيين في مصر، لا سيما من غير القادرين وفاقدي الأهلية، وامتدادًا لسياسات متواصلة خلال السنوات الأخيرة تهدف إلى تقليص مساحة العلاج المجاني في المؤسسات الصحية العامة، ما يهدد العدالة الصحية والاجتماعية في البلاد.

يشير فؤاد إلى أن القانون المصري للصحة النفسية ينص على تقديم العلاج المجاني بنسبة 60% داخل مستشفيات الصحة النفسية، معتبرًا أن فرض رسوم على دخول هذه المستشفيات، أو ما وصفه بـ”قطع التذكرة”، يُعد سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في تاريخ هذه المؤسسات، إذ أن المرضى النفسيين يخضعون لقانون خاص يعترف بضعفهم القانوني وفقدانهم للأهلية، وهو ما يستوجب حماية خاصة، وليس تحميلهم أعباء مالية.

يقول فؤاد، الذي شغل سابقًا عضوية مجلس إدارة مستشفى الخانكة للصحة النفسية، لـ”زاوية ثالثة”: “المستشفى كان يقدم خدماته لآلاف المرضى من أكثر الفئات احتياجًا، معتمدًا على موارد محدودة وتبرعات مجتمعية لتغطية احتياجات أساسية مثل الطعام والملابس، وتحميل المرضى أعباء مالية جديدة، خاصة في ظل غياب أسر أو داعمين لبعضهم، يُفاقم من أوضاعهم المعيشية والإنسانية”.

وينتقد فؤاد التوسع في تمويل المستشفيات عبر صناديق تحسين الخدمة على حساب المرضى، معتبرًا أن الهدف الرئيسي من القرار هو توفير موارد مالية لتغطية أجور العاملين والمكافآت، لا تحسين جودة الخدمة، لافتًا إلى استمرار أزمة نقص الأدوية النفسية والعصبية، والتي لا يُتاح منها سوى 20% داخل المستشفيات، في حين يُجبر المرضى على شراء باقي الأدوية على نفقتهم الخاصة.

كما يُحذّر من أن القرار سيمنح القطاع الخاص مزيدًا من السيطرة في مجال علاج الأمراض النفسية والإدمان، حيث سترتفع أسعاره لمجاراة الأسعار الحكومية الجديدة، مما يزيد من العبء على المرضى وأسرهم، مشيرًا إلى أن بعض المستشفيات الخاصة تُعد بيئة غير مناسبة للعلاج النفسي، إذ تضم أعدادًا كبيرة من المرضى في ظروف غير آدمية.

ويختتم رئيس المركز المصري للحق في الدواء، حديثه إلينا، قائلًا: “القرار يمثل تراجعًا جديدًا عن التزامات الدولة الدستورية تجاه الصحة العامة، نطالب بالتراجع عنه، وصياغة سياسات أكثر عدالة وإنصافًا للفئات المهمشة، وعلى رأسها المرضى النفسيون”.

وطبقًا للبيانات الرسمية، يصل عدد العاملين بمستشفيات الصحة النفسية التابعة للأمانة العامة إلى (1073) طبيب، و(2931) تمريض، و(354) أخصائي نفسي واجتماعي، و(2007) من العاملين الإداريين.

وتوفر مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان فرص العلاج لطالبي الخدمة من خلال العيادات الخارجية و الطاقة الأساسية (6660) من الأسرّة بالمستشفيات للعلاج الداخلي، وطاقة تشغيلية (5616) من الأسرّة.

وكانت صحف مصرية قد نقلت على لسان مصدر مسؤول بوزارة الصحة والسكان، أواخر العام المنقضي، قوله إن الوزارة تخطط لإنشاء وافتتاح وتطوير عدد من مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، خلال الفترة بين عامي 2024 وحتى 2026، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 14 مليار جنيه.

ومن المنتظر أن تشمل عمليات التطوير افتتاح وتشغيل مستشفى إسنا لعلاج الإدمان بمحافظة الأقصر بسعة 60 سريرًا، وافتتاح مستشفى السويس لعلاج الإدمان بسعة 60 سريرًا، وافتتاح مستشفى عباس حلمى لعلاج الإدمان بالإسكندرية بسعة 90 سريرًا، وافتتاح مستشفى علوان لعلاج الإدمان بأسيوط بسعة 90 سريرًا، وافتتاح مستشفى علاج الإدمان في محافظة سوهاج بسعة 100 سرير.

 

نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء 

تحركات برلمانية 

في أول تحرك برلماني عقب صدور القرار، تقدم النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بسؤال برلماني عاجل إلى وزير الصحة والسكان، بشأن اللائحة المالية الجديدة الخاصة بمستشفيات الصحة النفسية، والتي بدأ تطبيقها هذا الأسبوع، معتبرًا أنها تُشكل تهديدًا خطيرًا للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وتمثل امتدادًا واضحًا لتراجع الدولة عن التزاماتها الدستورية في رعاية غير القادرين.

وأوضح البياضي أن اللائحة الجديدة رفعت تكلفة إقامة المريض المحتجز في مستشفيات الصحة النفسية من 150 جنيهًا إلى 550 جنيهًا يوميًا، دون أن تتضمن هذه التكلفة أي خدمات طبية، ما يثير تساؤلات قانونية وإنسانية تتعلق بمدى اتساق هذا القرار مع نصوص الدستور المصري، لا سيما المادة 18 التي تكفل الحق في العلاج المجاني لغير القادرين.

وقال النائب في سؤاله البرلماني، الذي اطلعت “زاوية ثالثة” على مضمونه، إن اللائحة القديمة كانت تنص على تخصيص 60% من أسرة المستشفيات للعلاج المجاني، ثم جرى تخفيضها إلى 25%، إلا أن ما يحدث حاليًا يوحي، بإلغاء النسبة بالكامل في مستشفيات الصحة النفسية دون إعلان رسمي أو شفافية، وهو ما اعتبره تآكلًا تدريجيًا للحق في العلاج المجاني، متساءلًا عن مدى منطقية تحميل أسر المرضى النفسيين تكلفة الحجز الإجباري، الذي يُفرض من أجل حماية المريض والمجتمع على حد سواء، في حين أن أغلب هؤلاء المرضى لا يملكون مصدر دخل، وأسرهم تنتمي غالبًا إلى الفئات الأشد فقرًا وهشاشة.

واعتبر النائب أن القرار يُمثّل حلقة جديدة في سلسلة تحميل المواطن أعباء فشل السياسات العامة، حتى في أكثر لحظات ضعفه واحتياجه للرعاية الصحية، مؤكدًا أن الصحة النفسية ليست رفاهية بل مسؤولية إنسانية ومجتمعية ودستورية، مطالبًا وزير الصحة والسكان بتوضيح الأساس الذي استندت إليه الوزارة في إصدار هذه اللائحة المالية وإعلان موقف الوزارة الصريح من العلاج المجاني في مستشفيات الصحة النفسية، وكذلك التراجع الفوري عن تطبيق اللائحة الجديدة على حالات الحجز الإجباري، باعتبارها أكثر الفئات احتياجًا ولا تملك خيارًا بديلًا.

كما دعا البياضي، الحكومة إلى وقف سياسة تحميل المواطنين ثمن فشل منظومة الصحة العامة، والوفاء بالالتزامات الدستورية تجاه جميع المواطنين، خصوصًا غير القادرين، ممن يعانون من أمراض نفسية أو اضطرابات تتطلب احتجازًا إجباريًا لحمايتهم.

وفي السياق ذاته، أعربت النائبة البرلمانية مها عبد الناصر، عن رفضها الشديد لقرار وزارة الصحة والسكان رقم 220 لسنة 2025، الذي ينص على زيادة أسعار الخدمات الطبية في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بنسبة تصل إلى 900%، معتبرة أن القرار “غير مسؤول” ويُفاقم من معاناة المرضى وأسرهم في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.

وقالت النائبة، في بيان إعلامي لها، حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة منه، إن “الحكومة تواصل تحميل المواطنين أعباء إضافية، دون مراعاة لخصوصية الفئات الأكثر هشاشة، مثل المرضى النفسيين ومرضى الإدمان، الذين يحتاجون إلى دعم ورعاية وليس إلى مزيد من الضغوط المالية، هذه الفئات تعاني أصلًا من أوضاع اجتماعية وصحية معقدة، وأن تحميلهم تكاليف جديدة بهذا الحجم يضر بصحتهم النفسية والجسدية، وينعكس سلبًا على أسرهم والمجتمع ككل”.

ووفقًا للقرار الجديد، أوضحت النائبة أن أسعار الإقامة اليومية في مستشفيات الصحة النفسية أصبحت تتراوح ما بين 150 و550 جنيهًا، ما يعني أن تكلفة الإقامة الشهرية قد تصل إلى 16500 جنيه، بينما بلغت تكلفة الكشف الطبي في بعض الحالات 200 جنيه، دون أن يشمل ذلك الأدوية أو الجلسات العلاجية أو التأهيل النفسي. وأشارت إلى أن هذه المبالغ تفوق بشكل واضح قدرة غالبية الأسر المصرية، خاصة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار المستمر.

وحذّرت النائبة من أن هذه الزيادات ستؤدي إلى عزوف المرضى عن تلقي العلاج، مشيرة إلى أن كثيرًا من الأسر الفقيرة لن تكون قادرة على تحمّل هذه التكاليف، ما قد يدفع المرضى إلى التوقف عن العلاج تمامًا. وأكدت أن نتائج هذا القرار قد تكون “كارثية”، سواء على مستوى تفاقم حالات الإدمان بسبب غياب المتابعة الطبية، أو على مستوى ارتفاع معدلات الانتحار نتيجة الشعور بالعجز واليأس، إضافة إلى زيادة معدلات الجريمة نتيجة تدهور الصحة النفسية لدى عدد من المرضى المهملين، متساءلة عن أسباب اتخاذ القرار دون دراسة دقيقة لتبعاته الاجتماعية والنفسية، منتقدة في الوقت نفسه تجاهل الحكومة لتحذيرات المتخصصين وممثلي المجتمع المدني. 

وشددت  عبد الناصر على أن المستشفيات النفسية الحكومية ليست مؤهلة لتقديم خدمات تتناسب مع هذه الأسعار، حيث تعاني من تدهور في البنية التحتية، وضعف في الخدمات، وغياب الصيانة والمكافآت للعاملين، معتبرة أن الادعاء بأن زيادة الأسعار ستُحسن من مستوى الخدمة “مزاعم لا تستند إلى واقع فعلي”.

وأضافت: “القرار لا يضر المرضى فقط، بل يؤثر على المجتمع بأسره، لأن ترك المرضى النفسيين دون رعاية يعرضهم للتشرد والانخراط في أنماط سلوكية خطرة، قد تجعلهم عبئًا على عائلاتهم وبيئتهم. وقالت: “بدلًا من تمكين المرضى من الحصول على الرعاية النفسية اللازمة، تساهم الحكومة في دفعهم نحو الإقصاء والإهمال، مما قد يحولهم إلى قنابل موقوتة داخل المجتمع”.

واعتبرت النائبة أن القرار يُمثل كارثة اجتماعية وصحية، مؤكدة أن الحكومة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل، باتت تضيف مزيدًا من المآسي في حياة هؤلاء المرضى، ومطالبة بـإلغاء القرار فورًا، مؤكدة أنه “ليس فقط غير عادل، بل يمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة والنسيج الاجتماعي المصري”.

وفي تصريحات صحفية لـ”زاوية ثالثة” أوضح الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، ان لجنة الصحة لم تناقش بعد القرار رقم 220 الصادر عن وزير الصحة بزيادة أسعار خدمات الصحة النفسية، لكون اللجان البرلمانية متوقفة حاليًا بسبب العطلة البرلمانية، وأن ما تم تقديمه من النواب بشأن القرار لم يتضمن أي طلب إحاطة، وإنما سؤال برلماني، نظرًا لأن الدورة البرلمانية قد انتهت، ولا تُقدَّم طلبات إحاطة في هذه الفترة، بل تُوجَّه أسئلة برلمانية تُرفع إلى رئيس البرلمان والأمانة العامة، وتقوم الحكومة بالرد عليها كتابيًا.

وبسؤاله عن تعليقه بشأن القرار الوزاري، قال حاتم: “لم أطلع على القرار، ولا أعرف أسبابه أو مبرراته، وبالتالي لا يمكنني التعليق على أمر لم أره. من المؤكد أن هناك دوافع وراء القرار، لكنني لم أطلع عليه بعد، وسيكون لنا موقف عند عودة البرلمان.”

ختامًا يمكن القول إن القرار الوزاري الجديد الذي يمسُّ واحدة من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع، جعل المرضى النفسيون وذووهم أنفسهم يواجهون أعباء مالية جديدة، تهدد بإقصاء المرضى من منظومة العلاج المجاني، ويعمق من معاناتهم النفسية ووالصحية والاجتماعية.

 ورغم ما يحمله القرار رقم 220 لسنة 2025 من وعود ضمنية بتحسين الخدمة، فإن الشهادات الميدانية، وتحذيرات الأطباء، ورفض الحقوقيين، والتحركات البرلمانية، ترسم جميعها صورة مقلقة لمسار خصخصة متسارع لقطاع الصحة النفسية، يُفرغ حق العلاج المجاني من مضمونه، ويحمّل الفئات الأضعف في مصر كلفة السياسات الاقتصادية دون تقديم بدائل حقيقية. 

وبينما تلتزم وزارة الصحة الصمت إزاء الانتقادات الواسعة، يواجه آلاف المرضى النفسيين مستقبلًا غامضًا يحتملون فيه تبعات قرارات رسمية لا تُراعي إنسانيتهم.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search