close

من “جدول المشتغلين” إلى النسيان.. كيف تُصادر المادة 97 حقوق المتقاعدين في نقابة الصحفيين؟

بعد 54 عامًا من صدور قانون نقابة الصحفيين، لا يزال أكثر من 900 صحفي متقاعد محرومين من حق التصويت داخل نقابتهم بسبب المادة 97 التي تمنع الجمع بين المعاش والعمل.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

بعد أكثر من خمسة عقود على صدور قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، ما تزال بعض مواده تثير الجدل، لكونها لم تعد ملائمًة لواقع الصحافة في مصر، والتغيرات التي طرأت على سوق العمل وحقوق العاملين، فبينما تتوسع الممارسات الصحفية خارج المؤسسات التقليدية، وتزداد أعداد الصحفيين غير المستقرين أو غير المعترف بهم، تستمر مواد القانون، وخاصة المادة  97، في إعادة إنتاج إقصاءٍ واسع لفئة كاملة من رواد المهنة، بحرمانهم من حق العمل بعد التقاعد، وحق التصويت والترشح داخل نقابتهم، وقطع صلتهم بجدول المشتغلين بشكل نهائي.

هذا الإقصاء لا يتوقف عند حدود السن أو الوضع الوظيفي، بل يمتد إلى آليات القيد والبدل والتقاعد والتمديد، لتتحوّل النقابة، بحكم القانون، من بيتٍ جامع للصحفيين إلى مؤسسة تُفرّق بينهم وفق معايير لم تعد تعكس واقع المهنة ولا احتياجات العاملين فيها، على حد وصف صحفيين متقاعدين تحدثوا إلينا. وبينما تتصاعد المطالب بإصلاح تشريعي يعيد الاعتبار للصحفيين المتقاعدين، ويضمن العدالة في المعاشات والحقوق النقابية، يظل القانون الحالي حجر عثرة أمام تطوير الحياة النقابية وتمثيل الصحفيين تمثيلًا حقيقيًا.

وعادة ما يكون الصحفي قادرًا على العمل طوال حياته، فيما تنص لائحة النقابة على عدم تقاعد الصحفي قبل بلوغ الخامسة والستين، ومع ذلك فإنّ هذه المادة غير مفعّلة، إذ يُحال الصحفيون للتقاعد عند سن الستين في معظم المؤسسات، لتبدأ معهم مرحلة من المعاناة تعتمد على الحظ؛ إما تجديد، أو عقد صفري، أو انقطاع كامل عن العمل، بحسب ما يوضح المصوّر الصحفي المتقاعد هشام المصري، مشيرًا إلى انتشار ما يعرف بـ “العقد الصفري”، وهو إجراء تلجأ إليه بعض المؤسسات لإبلاغ النقابة بأنّ الصحفي ما زال يعمل، رغم عدم حصوله على أجر أو مقابل حد أدنى رمزي من الأجر، الأمر الذي يتيح للصحفي الاستمرار في جدول المشتغلين والحصول على البدل الصحفي كاملًا بدلاً من معاش النقابة، لكنّ هذا النوع من العقود لا يتيحه عدد محدود من المؤسسات الصحفية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الأصل أن يكون البدل الصحفي مساويًا للمعاش وبالقيمة نفسِها، سواء كان الصحفي يعمل أم لا، وهذا الأمر يتفرّع إلى شقَّين؛ الأول يتعلّق بما تتيحه المؤسسات للصحفي أثناء عملِه وكيفية معاملتِه، والثاني يرتبط بحقّه في الحصول على بدل كامل إذا لم يعد قادرًا على العمل، تقديرًا لسنوات عطائه الطويلة”.

وينتقد المصري ربطَ قيمة المعاش بعدد سنوات العضوية أو النسبة المقرّرة للمعاش، معتبرًا أنّ كثيرًا من الصحفيين التحقوا بالنقابة متأخرين، وبالتالي يحرمون من المعاش الكامل، متسائلًا عن السبب في  وجود فارق كبير بين القيمة المادية لبدل التكنولوجيا(4500 جنيهًا) والمعاش (3000 جنيهًا)، وأن عدم مساواتهما، ولا سيما أنّ الصحفي بعد سن الستين عادة ما يواجه مشكلات صحية تتطلب تكاليف علاجية مرتفعة، فضلًا عن وجود التزامات أسرية قد تستمر، في حين تبقى معاشات الدولة ضئيلة ولا تتناسب مع معدلات الغلاء والتضخّم.

ويضيف: “جمع معاش النقابة مع المعاش الحكومي يظل غير كافٍ، النقابة تقدّم دعمًا في الفحوص الطبية والتحاليل، إلا أنّ التأمين الصحي لا يغطي الأدوية المستوردة، ما يجبر الصحفيين على تحمّل نفقات علاجية باهظة، المؤسسات الصحفية القومية تمتنع غالبًا عن توفير العلاج للعاملين بعد خروجِهم على المعاش، باستثناء بعض الهيئات التي تصرف العلاج بالكامل أو بنسبة معينة”.

ويُطالب بإتاحة استمرار الاشتراك في صندوق التكافل حتى سن الخامسة والستين بشكل اختياري، تأسيسًا على أنّ اللائحة نفسها تربط سن التقاعد بسن الخامسة والستين، إذ أنّ استمرار الاشتراك يحقق فائدة تراكمية للصحفيين وللنقابة معًا، ولا يوجد ما يبرّر إيقافه عند عمر الستين، بجانب مساواة البدل بالمعاش، مضيفًا: أن “الزيادة الأخيرة في قيمة بدل التكنولوجيا كانت معقولة، لكن الزيادة في المعاش كانت أقل بكثير من المتوقع، وأنّ الصحفيين لم يُطبق عليهم الحد الأدنى للأجور خلال عملِهم”.

ويشدّد المصور الصحفي المتقاعد على أنّ حق التصويت في انتخابات النقابة والمشاركة في الجمعية العمومية هو حق أصيل لجميع الصحفيين لا ينبغي مصادرته من أعضاء لجنة المعاشات، نظرًا لأن قرارات مجلس النقابة تؤثر على الصحفيين طوال حياتهم، سواء كانوا من العاملين أو غير العاملين، معتبرًا أنّه من غير المنطقي استبعاد الصحفي من التصويت وهو ما زال عضوًا مستفيدًا من خدمات النقابة أو متضررًا من قراراتها.

ويرى المصري أنّ بعض مواد القانون فقط تحتاج لتعديل، وليس القانون كاملًا، إذ أنّ التعديل يصطدم بعقبات مرتبطة بتدخّل الحكومة في الجانب المالي، موضحًا أنّ نقيب الصحفيين خالد البلشي سبق وأن طالب بأن يحصل الصحفي على البدل طوال حياتِه كمعاش، إلا أنّ الحكومة لا تستجيب غالبًا لهذه المطالب.

وتنص المادة 97 من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، والذي أصدره الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في 10 سبتمبر عام 1970، على أن “يترتب على صرف معاش التقاعد ألا يباشر الصحفي أي عمل من أعمال الصحافة، وينقل اسمه نهائيًا من جدول الصحفيين المشتغلين إلى جدول غير المشتغلين، ولا يجوز للصحفي، بعد أن يحصل على معاش التقاعد، أن يطلب إعادة قيد اسمه في جدول المشتغلين”.

في حين نصت المادة 32، على أن تؤلف الجمعية العمومية من الأعضاء المقيدين في جدول المشتغلين الذين سددوا رسوم الاشتراك المستحق عليهم حتى آخر السنة المالية المنتهية، أو أعفوا منها، ووفقًا للمادة 33 من القانون فإن الجمعية العمومية تختص بالنظر في تقرير مجلس النقابة عن أعمال السنة المنتهية واعتماده، واعتماد الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وإقرار مشروع الميزانية الخاصة بالسنة المالية المقبلة، وانتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة، وإقرار مشروع اللائحة الداخلية للنقابة وفروعها، وإقرار اللائحة الخاصة بآداب مهنة الصحافة، وتعديلها، ووضع نظام للمعاشات والإعانات، والنظر فيما يهم النقابة من أمور يرى مجلس النقابة عرضها على الجمعية العمومية.

ويصف الصحفي بالمعاش، محمد شوقي سلامة، (المادة 97)، بأنها تعدم الصحفي المحال للمعاش؛ إذ أن التمديد في عقود العمل غير إلزامي، داعيًا إلى البحث عن صيغة مقبولة لأصحاب الأعمال والصحفيين من شأنها أن تجعل التمديد وجوبي، كما هو الحال بالنسبة إلى أساتذة الجامعات والقضاة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “القانون يمنع الترشح والانتخاب والانتقال مرة اخرى للمشتغلين إذا وجد الصحفي عملًا يناسبه بعد حصوله على معاش التعاقد، فرغم أن القانون لا يمنع عمل الصحفي في المطلق، لكنه يمنع عمله كرئيس تحرير لأنه يشترط أن يكون عضو لجنة المشتغلين، والتي لا يمكنه العودة إليها بعد إحالته للمعاش”

ويرى الصحفي المتقاعد ضرورة فتح حوار بين جميع الأطراف المعنية، وهم أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وأصحاب المعاشات وأصحاب العمل ودراسة الأمر جيدًا قبل الإقدام على تغيير القانون، معتبرًا أن القانون 76 لسنة 1970 قد عفى عليه الزمن ويجب تغييره بالكامل. كذلك يعتقد أن معاشات الصحفيين التي تبلغ نحو 3000 جنيه، هي الأفضل بين النقابات، لكنها لا تزال غير كافية، لذا يجب زيادة موارد النقابة من خلال إجراءات تشريعية تحدد آليات زيادات البدل والمعاشات.

ويستحق الصحفي المعاش بالكامل، وفقًا للمادة رقم 94، عند بلوغه ستين عامًا، و”يعتبر في حكم بلوغ السن المشار إليها الوفاة أو العجز الكامل عن ممارسة المهنة، شريطة أن يكون اسمه مقيدًا بجدول الصحفيين المشتغلين، وسداد رسوم الاشتراك المستحقة عليه ما لم يكن قد أعفي منها بقرار من مجلس النقابة، وبعد مُضي 25 سنة متصلة أو متقطعة بما فيها مدة التمرين على قيده في جدول المشتغلين”. وكان مجلس نقابة الصحفيين في يوليو 2023، قد قرر زيادة معاش النقابة بواقع 500 جنيه ليصبح 3 آلاف جنيه، على أن تطبق هذه الزيادة بدءًا من السنة المالية نفسها.

 

نوصي للقراءة: خالد البلشي يتحدث لـ«زاوية ثالثة»: لن نقبل بقوانين تقيد حرية الصحفي في الشارع

 900 صحفي متقاعد متضررون من القانون

في السياق ذاته يُعرب حامد ذهني، – نائب رئيس رابطة رواد المهنة بنقابة الصحفيين-، عن استيائه الشديد من استمرار العمل بالمادة 97 من قانون نقابة الصحفيين، مؤكدًا أنّها تُقصي الصحفيين المحالين إلى التقاعد وتحرمهم من حقوقهم الأساسية داخل النقابة، وفي مقدمتها حق التصويت والمشاركة في اختيار النقيب وأعضاء المجلس، وهذا الوضع يتناقض تمامًا مع طبيعة النقابة باعتبارها “نقابة الرأي”، بينما يسمح القانون للصحفي المتقاعد بالتصويت في الانتخابات العامة والرئاسية، ويحرمه من التصويت داخل نقابته.

ويوضح ذهني أنّ الجمعية العمومية كانت قد وافقت في عام 2023 على منح مجلس النقابة تفويضًا لتقديم مقترح بتعديل قانون النقابة، إلا أنّ المجلس لم يتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه، مؤكدًا أنّ حرمان رواد المهنة من التصويت يُعدّ في حد ذاته شكلًا من أشكال تقييد الحريات، وأن استمرار العمل بالمادة الحالية يجعل رواد المهنة فئة بلا وزن داخل نقابتهم، منتقدًا استمرار “العقود الصفرية” التي تُمكّن بعض الصحفيين المتقاعدين من الحصول على بدل التكنولوجيا رغم عدم ممارستهم العمل الفعلي، والتي تخلّ بالعدالة داخل النقابة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “رواد المهنة يمثلون كتلة تصويتية كبيرة يصل عددها إلى نحو 900 صحفي متقاعد، ونتلقى وعودًا من المرشحين لمجلس النقابة، من وقتٍ لآخر ولا يتم تنفيذها، الرابطة بدأت بالفعل اتخاذ خطوات قانونية جديدة، وخاطبت رئيس الجمهورية رسميًا لعرض مشكلات رواد المهنة، ونستعد لإرسال خطاب آخر خلال الأيام المقبلة”.

ويعتقد ذهني أنّه من السهل تعديل المادة 97  لأنها تتعلق بالشأن الداخلي للنقابة، ويمكن للمجلس القيام بذلك، مشيرًا إلى أنّ المعاشات التي تصرفها النقابة للصحفيين المتقاعدين لم تشهد أي زيادة منذ يوليو الماضي، رغم الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، متعهدًا أن تواصل رابطة رواد المهنة، الضغط من أجل تعديل القانون وزيادة المعاشات، بعد سنوات طويلة من التهميش داخل النقابة.

وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد نظرت الدعوى رقم 44 لسنة 36  دستورية، المقامة من رئيس رابطة المعاشات بنقابة الصحفيين، والمطالبة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 32 والمادة 97 من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، لكونها تمنع الصحفي من ممارسة عمله بعد الإحالة إلى سن المعاش، وكذلك الجمع بين البدل والمعاش، إضافة إلى كونها تمس حرية الرأي والتعبير وحق المواطن في العمل.

وفي أبريل 2021 قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار سعيد مرعى، بانتهاء الخصومة في الدعوى المطالبة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 32 والمادة 97 من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، فيما يخص المعاشات بالقانون، ويترتب على ترك الخصومة، إلغاء جميع إجراءاتها بما في ذلك صحيفة الدعوى أو الطعن، طبقًا لنص المادتين 143، 238 من قانون المرافعات ويزيل بالتالي كل ما يترتب على ذلك من آثار.

 

نوصي بالقراءة: مطالب الصحفيين الإلكترونيين: نحو تعديل شروط القيد بالنقابة

الرواد خارج دائرة التأثير النقابي

من ناحيته يؤكد محمود الشيخ، – سكرتير عام رابطة رواد المهنة في نقابة الصحفيين-، أنّ المادة 97 من قانون النقابة تُعد مادة مجحفة بحق الصحفيين المحالين إلى التقاعد، كونها تحرمهم من حقوق أساسية، في مقدمتها حق التصويت وحق الترشح والامتيازات المالية، مبينًا أنّ هذه المادة خلقت واقعًا غير عادل يجعل رواد المهنة خارج دائرة التأثير في القرارات النقابية التي تمسّ مصالحهم بصورة مباشرة.

ويوضح الشيخ أنّ حرمان الصحفيين المتقاعدين من التصويت ينعكس سلبًا على مشاركتهم في اتخاذ القرارات داخل النقابة، لافتًا إلى أنّهم قادرون على انتخاب المجالس المحلية والبرلمان ورئيس الجمهورية، لكنهم محرومون من انتخاب نقيب الصحفيين أو التأثير في أي قرار نقابي مهم، رغم امتلاكهم خبرة مهنية تمتد لعقود، مشيرًا إلى أنّ المادة 97 تتناقض مع الدستور، وقد طالبت رابطة رواد المهنة مرارًا بتعديلها، إلا أنّ مجالس النقابة المتعاقبة رفضت اتخاذ خطوة جدية في هذا الاتجاه، تحت ذريعة الخوف من إرسال القانون إلى مجلس النواب، وما قد يترتب على ذلك من تغييرات واسعة. 

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “قانون النقابة الصادر عام 1972 خرج إلى المعاش مثلما خرج رواد المهنة أنفسهم، وبات متقادمًا إلى حد أنّه ما زال ينص على عضوية النقابة في “الاتحاد الاشتراكي العربي” الذي انتهى وجوده منذ عقود، وبات تحديثه ضرورة ملحّة لا يمكن تأجيلها”.

ويعتقد الشيخ أنّ نقابة الصحفيين تُعد النقابة المهنية الوحيدة في مصر التي تُقصي أصحاب المعاشات من التصويت، معتبرًا ذلك وضعًا غير طبيعي ولا يتوافق مع تاريخ المهنة ولا مع الدور النقابي المفترض، مشيرًا إلى أنّ الجمعية العمومية الطارئة التي عقدتها رابطة الرواد مؤخرًا طالبت بتعديل مادة واحدة فقط، تتمثل في إضافة كلمة “والمعاشات” إلى تعريف الأعضاء، بحيث يصبح للصحفيين المتقاعدين الحق في التصويت والمشاركة الكاملة في الحياة النقابية.

وفيما يتعلق بقيمة المعاشات التي يحصل عليها الصحفيون المتقاعدون، يرى الشيخ أنّ معاش النقابة منخفض للغاية ولا يكفي احتياجات المتقاعدين، موضحًا أنّ رابطة رواد المهنة طالبت مرارًا بزيادته، غير أنّ المجالس المتعاقبة لم تستجب، مشيرًا إلى أنّ إعادة حق التصويت للصحفيين المتقاعدين سيغير المشهد النقابي، لأن هذه الفئة تمتلك خبرات تتجاوز خمسين عامًا في المهنة، وتمتلك القدرة على “الفرز” واختيار الأصلح والنقابي الحقيقي، – على حد وصفه -.

وكانت رابطة الرواد بنقابة الصحفيين، قد أعلنت في نوفمبر المنقضي، تصعيدها ضد مجلس نقابة الصحفيين، بدعوة إلى انعقاد جمعية عمومية طارئة احتجاجًا على ما وصفته بـ”التجاهل المتعمد” لمطالب المتقاعدين من الصحفيين — خاصة فيما يتعلّق بزيادة المعاشات، واتهمت الرابطة مجلس النقابة بـ”إهانة واضحة لتاريخ وتضحيات رواد المهنة”، معتبرة أن تجاهل حقوق المتقاعدين يمثل خرقًا لكرامتهم ومهنية الصحافة، ومتعهدة باتخاذ خطوات تصعيدية قوية في حال استمرار التجاهل.

 

نوصي بالقراءة: هل تنصف نقابة الصحفيين المصرية العاملين بالصحافة الإلكترونية؟


إعدام مهني

من جهته يؤكد أيمن عبدالمجيد، – رئيس لجنة المعاشات وعضو مجلس نقابة الصحفيين-، أنه يتبنى قضية إصلاح التشريعات المتعلقة بحقوق الصحفيين من رواد المهنة منذ عام 2008، حين نشر تحقيقًا بعنوان نقابة الصحفيين تُعدم 600 من شيوخ المهنة، في إشارة إلى الأضرار التي تلحق بالصحفي عند انتقاله إلى جدول المعاشات، موضحًا أن عدد الصحفيين المحالين للمعاش آنذاك كان نحو 560 عضوًا، بينما ارتفع اليوم إلى نحو 1000 صحفي، إضافة إلى ما يقارب 900 من المستحقين عن الصحفيين المتوفين، ليصل إجمالي من يحصلون على معاش النقابة إلى حوالي 1900 شخص.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن المادة 97 من قانون نقابة الصحفيين تمثل إعدامًا مهنيًا للصحفي الذي ينتقل إلى جدول المعاشات، إذ تحرمه من حق التصويت والترشح، وتمنعه من العودة إلى جدول المشتغلين حتى لو حصل على فرصة عمل صحفي جديدة أو منصب قيادي داخل مؤسسة إعلامية، هذه المادة، إلى جانب مواد أخرى، باتت غير مناسبة تمامًا لواقع العمل الصحفي، خاصة مع توسع الوسائط الرقمية التي لا يسمح القانون الحالي بقيد العاملين فيها”.

ويشرح عبدالمجيد أنه منذ توليه منصب سكرتير عام النقابة في الفترة من 2012 إلى 2013، بدأ العمل على تعديل تشريعي لإصلاح تلك المواد، وأعدّ مجموعة من القرارات لعرضها على الجمعية العمومية، من بينها القرار رقم 5 الذي أقرته الجمعية، ويلزم مجلس النقابة بإدخال تعديل على المادة 32 من القانون، ويقضي التعديل المقترح بإضافة كلمة “المعاشات” إلى تشكيل الجمعية العمومية، بحيث تضم أعضاء جدولي المشتغلين والمعاشات المسددين للاشتراكات، بما يضمن المساواة الكاملة في الحقوق المالية والنقابية، وإلغاء المادة 97 التي تُسقط حقوق رواد المهنة.

ويشدّد رئيس لجنة المعاشات على أن المساواة بين البدل والمعاش هي حق أصيل، إذ أن المعاش الحالي يقل بأكثر من ألف جنيه عن بدل التكنولوجيا والتدريب الذي يحصل عليه الصحفيون حديثو القيد، وهو ما يعدّ مفارقة غير منطقية بحق من أفنوا أعمارهم في المهنة، لافتًا إلى أنه جدّد خلال اجتماع مجلس النقابة الأخير اقتراحه بزيادة قيمة المعاشات بمقدار 500 جنيه، أسوة بالزيادة الأخيرة على بدل التكنولوجيا، غير أن هذه الخطوة تحتاج إلى مليون جنيه شهريًا (نحو 12 مليونًا سنويًا)، وقد حدد مصادر تغطيتها عبر زيادة اشتراكات العضوية من 200 إلى 300 جنيه، بالإضافة إلى المستحقات المالية لدى المؤسسات وإيجارات أكشاك الصحف.

ويؤكد عبدالمجيد أن هذه الزيادة “حق واجب” لرواد المهنة، ويجب أن يعمل مجلس النقابة على إقرارها في أقرب وقت ممكن، لافتًا إلى أن الرفض لم يكن على مبدأ الزيادة، بل على قدرة الميزانية الحالية. وأعرب عن عزمه مواصلة الدفع باتجاه تنفيذ هذا الاستحقاق وضمان حصول الصحفيين المحالين للمعاش على حقوقهم كاملة.

 

نوصي للقراءة: نقابة الصحفيين في مواجهة التشريعات المقيدة للحريات


مخاوف من تعديل قانون النقابة

الإشكال الأساسي لا يتعلق بتعديل قانون نقابة الصحفيين بقدر ما يتعلق بآلية تمثيل فئة أصحاب المعاشات داخل النقابة؛ إذ أن الأزمة الحالية تكمن في كيفية إشراك أشخاص لا يمارسون المهنة فعليًا في اختيار ممثلين عن الصحفيين العاملين، بحسب ما يوضح مصدر نقابي، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”زاوية ثالثة”، معتبرًا أن  أن الإشكال لا يكمن في منح تمثيل لهذه الفئة، بل في السماح لها بالتأثير في اختيار مجلس يمثل الممارسين للمهنة، الأمر الذي ينطوي على “عوار قانوني” من شأنه أن يتسبب في “مشكلة قانونية وسياسية” تتعلق بسلامة الهيئة الناخبة، خاصة في ظل العدد الكبير لهذه الفئة مقارنة بالصحفيين الممارسين للمهنة – بحد تعبيره-.

ويرى المصدر أن الحل المنطقي هو منح أصحاب المعاشات تمثيلًا مناسبًا داخل مجلس النقابة، سواء عبر اختيارهم رئيس الرابطة ممثلًا لهم، على أن يشارك في المجلس كعضو أو كعضو مراقب، معتبرًا أن وجوده بصفة “مراقب” قد يكون الأنسب، لأنه لا يجوز أن يصوت على الميزانية أو القرارات المالية التي لا يكون منتخبًا بشأنها من جميع أعضاء النقابة.

وبشأن النقاشات حول مدى إمكانية تعديل قانون النقابة، يُوضح هشام يونس، أمين الصندوق وعضو لجنة القيد بمجلس نقابة الصحفيين، أن هناك إشكالات جوهرية في هذا الملف؛ إذ أن الخلاف لا يقتصر على مضمون التعديلات، بل يمتد إلى مبدأ القدرة على تغيير القانون من الأساس، في ظل مخاوف حقيقية من أن أي تعديل قد يُجرى في الوقت الراهن سيأتي بنتائج عكسية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن المناخ السياسي والبرلماني الحالي لا يبعث على الاطمئنان، وقد ينتج نصوصًا تعزز القيود بدلًا من دعم استقلال النقابة أو حماية الصحفيين، وهناك إمكانية استغلال التعديلات لتشديد بعض المواد أو إدخال أخرى تُواكب التحديث الحاصل في أدوات القمع”.

وحول مدى ارتباط تلك المخاوف بحرية الصحافة، يشير عضو لجنة القيد بمجلس نقابة الصحفيين، إلى أن التخوفات تتركز بالفعل على احتمالات تقييد الحريات، وعلى رأسها الضمانات المتعلقة بحماية الصحفيين، ورغم أن هذه الضمانات كثيرًا ما تُنتهك على أرض الواقع، كما يحدث في حالات توقيف الصحفيين من منازلهم، إلا أنه يشدد على ضرورة التمسك بها وليس إلغاؤها، معتبرًا أن المطلوب هو الدفاع عنها والنضال من أجل تطبيقها الفعلي.

وتكشف شهادات الصحفيين المتقاعدين، إلى جانب نصوص القانون نفسه، عن فجوة متسعة بين واقع الصحافة اليوم والإطار التشريعي الذي يحكمها منذ أكثر من نصف قرن؛ فالمادة 97 وما يرتبط بها من قيود على القيد والتمديد والتصويت والترشح، لا تؤدي فقط إلى تهميش هذه الفئة، بل تُضعف أيضًا بنية النقابة وقدرتها على تمثيل مجتمعها المهني تمثيلًا حقيقيًا.

 وفي ظل استمرار العمل بـ”عقود صفرية”، وتدنّي المعاشات، وغياب أي آليات عادلة لضمان حق الصحفي في العمل أو المشاركة النقابية بعد التقاعد، يصبح إصلاح القانون ضرورة لا يمكن إرجاؤها إذا أُريد للنقابة أن تستعيد دورها كمساحة جامعة تدافع عن حقوق الصحفيين كافة دون تمييز، وتحمي حق الصحفي في العمل والرأي والتمثيل حتى آخر يوم في حياته المهنية، وحتى يتحقق ذلك سيظل  نحو ألف صحفي متقاعد، يدفعون ثمن نصوص متقادمة لا تعكس طبيعة المهنة ولا شروطها الحالية.

 

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search