في أول اختبار عملي له، لم ينجح قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، الذي بدأ سريانه في الأول من سبتمبر الماضي، حتى اللحظة، في إلزام بعض أصحاب الشركات والمنشآت بتطبيق الحد الأدنى للأجور. ولم يقتصر الفشل على القطاع الخاص، بل شملت المخالفات أيضًا مصانع حكومية.
وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر ونصف، تتواصل الاحتجاجات العمالية المطالبة بتنفيذ القانون، إذ رصدت “زاوية ثالثة” نحو 42 احتجاجًا خلال الفترة من سبتمبر حتى منتصف ديسمبر الجاري، وذلك بالاستناد إلى أرشيف الصحف وبيانات صادرة عن العمال، شملت قطاعات مختلفة من مصانع السكر والمياه إلى شركات الأثاث والمحطات المائية وكذلك مؤسسات صحفية ورغم وعود المسؤولين، لا يزال كثير من العمال يتقاضون أجورًا دون الحد القانوني، فيما تواجه تحركاتهم الاحتجاجية أحيانًا إجراءات انتقامية من الإدارة، ما يشير إلى فشل التطبيق العملي للقانون وغياب الرقابة الفعلية على أماكن العمل.
وينص القانون على إلزام جميع منشآت القطاع الخاص بتطبيق الحد الأدنى للأجور وقيمته 7 ألاف جنيهًا، باعتباره حقًا قانونيًا يهدف إلى ضمان حياة كريمة للعاملين ومراعاة الارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة. كذلك منح القانون المجلس القومي للأجور بموجب المادة (102) متابعة آليات تنفيذ الحد الأدنى للأجور على المستوى القومي، مع إلزام جميع المنشآت بتنفيذ قراراته وفق المادة (104)، دون جواز الانتقاص منها تحت أي ظرف.
نوصي للقراءة: “فتات الأجور”: أزمة الوفد تُشخِّص الانهيار الاقتصادي في حياة الصحفيين

المؤسسات الصحفية وأزمة الأدنى للأجور
منذ منتصف نوفمبر، يشهد مقر تحرير جريدة “البوابة” اعتصامًا مفتوحًا نفذه صحفيون احتجاجًا على عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه في قانون العمل الجديد. ويأتي هذا الاعتصام بعد شهر واحد فقط من تحرك مماثل لصحفيي جريدة “الوفد”، في مؤشر على تصاعد أزمة الأجور داخل المؤسسات الصحفية.
ويطالب المعتصمون، الذين لا تتجاوز أجور كثير منهم 2000 جنيه شهريًا، بحقهم القانوني في تطبيق الحد الأدنى للأجور، بينما ترفض إدارة الجريدة المقترحات المقدمة من مجلس نقابة الصحفيين، مبررة موقفها بعدم توافر الموارد المالية اللازمة للوفاء بالالتزامات القانونية.
يقول محمود البتاكوشي أحد الصحفيين المعتصمين لـ”زاوية ثالثة”، إنالمفاوضات التي بدأت منذ أسابيع متعثرة حتى الآن، وآخر ما أُبلغوا به، وفقًا لتصريحات نقيب الصحفيين خالد البلشي، هو تأجيل انعقاد الجمعية العمومية التي كانت مقررة للنظر في استقالة الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي رئيس مجلس الإدارة وتصفية المؤسسة لمدة أسبوعين، مع دخول “أطراف جديدة” على خط الأزمة، دون الإفصاح عن هويتها بشكل واضح. ويضيف: “قيل لنا إنها جهات حكومية، وربما تكون وزارة العمل من بينها، لكن لم يتم تحديد أي جهة بشكل رسمي”.
وبشأن المطالب العاجلة، يشير إلى أنه لم يتم الإعلان عن جدول زمني واضح لحل الأزمة أو لتطبيق الحد الأدنى للأجور، موضحًا أن إدارة المؤسسة قررت معاقبة الصحفيين بمنع صرف رواتب شهر نوفمبر، التي لا تتجاوز قيمتها نحو 2000 جنيه حتى الآن، بالإضافة إلى قطع الإنترنت عن المعتصمين ومحاولات تطفش لهم من مقر الاعتصام.
وحول خلفيات الأزمة، يوضح البتاكوشي أن محاولات التفاوض بدأت قبل الاعتصام بفترات طويلة، حيث قدّم الصحفيون عدة مذكرات إلى رئيس مجلس الإدارة، تلقّوا خلالها وعودًا متكررة بحل الأزمة، إلا أن هذه الوعود، بحسب قوله، لم تُترجم إلى إجراءات فعلية. مضيفًا أن “اجتماعًا عُقد في مايو الماضي، أبلغت خلاله الإدارة الصحفيين بشكل صريح بعدم توافر أموال، قبل أن تُغلق أبواب التفاوض تمامًا”.
ويشير البتاكوشي إلى أن الإدارة طرحت لاحقًا عدة “حلول” وصفها بـ “الالتفافية”، من بينها إتاحة خيار التسوية للصحفيين بأجورهم الحالية من تاريخ التعيين، أو تقليص أيام الحضور إلى يومين أسبوعيًا، فضلًا عن طرح خيار “التصفية” كأحد الحلول المطروحة على الطاولة. لكن البتاكوشي يرى أن هذه ليست حلولًا لأزمة أجور، بل محاولات لتفريغ المؤسسة. في المقابل يرفض المعتصمين التنازل عن مطالبهم ويأتي في مقدمتها تطبيق الأدنى للأجور- بحسب البتاكوشي.
تجدر الإشارة إلى أن قانون العمل الجديد يحظر على صاحب العمل التقدم بطلب الإغلاق الكلي أو الجزئي للمنشأة، أو تقليص حجم نشاطها، طوال مراحل تسوية منازعات العمل الجماعية، كما يمنعه من اتخاذ هذا الإجراء بسبب الإضراب عن العمل أو أثناء ممارسته.
من جهتها، حرّرت وزارة العمل ثلاثة محاضر ضد جريدة “البوابة نيوز” لمخالفتها أحكام الحد الأدنى للأجور، وذلك في إطار متابعة تنفيذ قانون العمل الجديد رقم (14) لسنة 2025. وجاءت حملة التفتيش استجابة لما تردّد بشأن احتجاج عدد من العاملين بالجريدة، على خلفية عدم الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور. وراجع مفتشي مديرية العمل الوضع القانوني داخل المؤسسة، للتحقق من مدى التزامها بالضوابط المنظمة لعلاقات العمل، وفقًا لأحكام القانون.
وقبل شهر ونصف من اعتصام صحفيي “البوابة”، نفّذ صحفيو جريدة “الوفد” اعتصامًا استمر نحو خمسة أيام، قبل أن يتدخل مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب خالد البلشي للتفاوض مع إدارة الجريدة، والتوصل إلى اتفاق يضمن تطبيق الحد الأدنى للأجور داخل المؤسسة.

تصاعد الاحتجاجات العمالية
وشهد شهر نوفمبر الماضي نحو ثلاثين احتجاجًا عماليًا في مواقع متفرقة لعمال شركة مياه الشرب، وقرر العمال تعليق تحركاتهم الاحتجاجية مؤقتًا لإتاحة الفرصة أمام الإدارة للاستجابة لمطالبهم. غير أن هذه التحركات عادت إلى الواجهة مجددًا في 11 ديسمبر الجاري، في ظل استمرار تجاهل المطالب، وعلى رأسها زيادة الحوافز، وتثبيت العمالة المؤقتة، والتدرج في تطبيق الحد الأدنى للأجور. وجاءت هذه الاحتجاجات في عدد من المحافظات، من بينها القاهرة والشرقية والإسكندرية والجيزة والمنيا.
وفي السياق ذاته، شهدت خمسة مصانع للسكر في مصر، هي مصانع إدفو، ودشنا، وأرمنت، وكوم أمبو، والحوامدية، احتجاجات عمالية متفرقة خلال الأشهر الأخيرة، على خلفية مطالب مماثلة تتعلق بتطبيق الحد الأدنى للأجور وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين.
وتعود جذور الأزمة إلى أواخر أغسطس الماضي، عندما أعلن عمال مصنعي إدفو وكوم أمبو بمحافظة أسوان إضرابًا عن العمل، مطالبين بزيادة الرواتب، وصرف العلاوات المتأخرة منذ عام 2017، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، إلى جانب صرف منح غلاء المعيشة التي سبق أن أقرتها الدولة. واستمر الإضراب لأكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن يتراجع تدريجيًا في منتصف سبتمبر، عقب لقاءات مباشرة جمعت ممثلي العمال بوفد من مجلس النقابة العامة للصناعات الغذائية ومسؤولين محليين، أسفرت عن وعود بتنفيذ جزء من المطالب، مع إرجاء البقية للدراسة خلال الأشهر اللاحقة.
من جانبها، أفادت لجنة العدالة بأن إدارة شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية أقدمت على نقل ستة عمال من مصنعي إدفو وكوم أمبو إلى مصنع الشركة بالحوامدية، وهي خطوة اعتبرها العمال إجراءً تأديبيًا على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات.
وخلال هذه التحركات، تمسك العمال بمطالبهم المتعلقة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وضم العلاوات المُجنَّبة منذ عام 2016، ووقف خصم اشتراك التأمين الصحي الذي يبلغ نحو ألف جنيه شهريًا، في وقت لم يحصلوا فيه على أي من العلاوات الثلاث التي سبق أن أقرّها رئيس الجمهورية للعمال.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، أصدرت إدارة الشركة منشورًا بتاريخ 2 سبتمبر يقضي بصرف 500 جنيه لكل عامل ضمن حافز الشهر، غير أن صافي المبلغ بعد خصم الضريبة لم يتجاوز 320 جنيهًا، بينما ظلت بقية المطالب دون تنفيذ، رغم عودة العمل إلى وضعه الطبيعي.
نهاية أكتوبر الماضي، رصدت لجنة العدالة قيام جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية بمحافظة أسوان باستدعاء عشرة من عمال مصنع سكر إدفو، أحد مصانع شركة السكر والصناعات التكاملية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية. بهدف تحذير العمال بشأن عواقب التفكير في الإضراب عن العمل أو خوض أي شكل من أشكال الاحتجاجات خلال الفترة المقبلة، مع التهديد باتخاذ عقوبات في حال حدوث ذلك.
وبالتزامن، احتج مئات العمال في سلسلة متاجر “عرفة ماركت” بمحافظة الفيوم، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، بعد أن أكدوا أن مرتباتهم لا تتجاوز 2500 إلى 3000 جنيه شهريًا، رغم ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 12 ساعة يوميًا.
وتقدم العمال بشكاوى رسمية إلى وزارة العمل ضد إدارة الشركة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات رقابية، مؤكدين أن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور وغياب الرقابة أدى إلى ارتفاع معدلات الاستقالات الشهرية بين العمال. كذلك، نظم عدد كبير من عمال أفرع النادي الأهلي الأربعة وقفة احتجاجية، اعتراضًا على عدم تنفيذ الوعود التي قطعها مجلس الإدارة بشأن تطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادة المرتبات.
وفي نهاية نوفمبر، نظم عمال شركة المحطات المائية لإنتاج الكهرباء في محطات السد العالي، وأسوان 1، وأسوان 2، في محافظة أسوان وقفة احتجاجية للاحتجاج على ظروف العمل غير اللائقة وعدم الالتزام بالحقوق الأساسية التي يكفلها القانون، وأبرزها تطبيق الحد الأدنى للأجور.
وشهدت الاحتجاجات تطورًا إلى اعتصام بمبيت العمال في مواقع العمل، قبل أن ينهي العمال اعتصامهم بعد تلقي وعود من رئيس مجلس الإدارة بتنفيذ مطالبهم خلال الشهرين المقبلين.
كذلك نظم 400 عامل بشركة “مفكو حلوان” للأثاث احتجاجًا ضد إدارة الشركة، متهمين إياها بالامتناع عن تنفيذ القرار الإلزامي بتطبيق الحد الأدنى للأجور. ورصدت لجنة العدالة تقاضي العمال أجوراً تتراوح بين 3300 و4000 جنيه شهريًا، رغم أن بعضهم أمضى أكثر من 35 عامًا في الخدمة. وتقدّم العمال بشكوى إلى مكتب العمل بحلوان، الذي أحالها إلى المحكمة وحدد أول جلسة بعد 66 يومًا، وهو ما اعتبره العمال تأجيلاً غير مبرر. فيما اتخذت الإدارة إجراءات انتقامية بحق بعض العمال، شملت إحالة أحدهم للتحقيق وإيقاف آخر عن العمل لأربع أيام وخصم ثلاثة أيام من أجره، بينما استمرت عمليات الإنتاج بشكل طبيعي، متجاهلة مطالب العمال.
نوصي للقراءة: كيف كشفت وفاة ابنة عاملة في مصنع “لينين” عن نظام عمل لا يرحم؟

الأدنى للأجور ومأزق التطبيق
في الوقت الذي تشهد فيه عدد من أماكن العمل موجة احتجاجات لتطبيق الحد الأدنى للأجور، نشرت الصفحة الرسمية لوزارة العمل بيانًا حول بدء حملة تفتيشية قادها وزير العمل محمد جبران في المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان، لمتابعة التزام المنشآت بالقانون، بما في ذلك تطبيق الحد الأدنى للأجور.
ومنحت الوزارة 949 منشأة مهلة لتطبيق القانون وتوفيق الأوضاع قبل توقيع أي عقوبات. وبحسب سيد شرقاوي، مدير عام إدارة التفتيش بوزارة العمل، فإن الوزارة تمنح مهلة لتصحيح الأوضاع، لكن في حال استمرار المخالفة يتم تحرير محاضر تُحال إلى النيابة، حيث تتضاعف العقوبات في حالة التكرار، وقد تصل الغرامة إلى ما بين 20 و100 ألف جنيه، بحسب عدد العمال المتضررين.
في المقابل، يرى الباحث العمالي حسن البربري، أن الاحتجاجات العمالية الأخيرة، بما فيها تلك المتعلقة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ترتبط بثلاثة عوامل رئيسية؛ أولًا، إصدار قرار الحد الأدنى للأجور بقيمة 7000 جنيه في فبراير الماضي واعتماده كمرحلة انتقالية من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 إلى قانون رقم 14 لسنة 2025، دون أن تقوم وزارة العمل بأي إجراءات تفتيشية لضمان التنفيذ منذ ذلك التاريخ، ما أدى إلى توسع الاحتجاجات بشكل كبير كان من الممكن تفاديه لو بدأ التطبيق الفعلي منذ مارس الماضي.
يضيف بربري في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أنه بجانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بين عامي 2024 و2025، بنسبة تراوحت بين 10 و13.5%، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما زاد الضغوط الاقتصادية على العمال الذين تتراوح أجورهم بين 3500 و5500 جنيه، بعيدًا عن الحد الأدنى القانوني، ما أسهم في تصاعد الاحتجاجات. فضلًا عن وجود نظامي أجور متوازيين في بعض الشركات التابعة للدولة، مثل الكهرباء والغاز والمياه، أحدهما مرتبط بالخدمة المدنية والآخر بقانون العمل، ما أدى إلى تمييز واضح بين العمال في نفس المرفق، مطالبين بتطبيق نظام أجور موحد يضمن المساواة وعدم التمييز، مع تثبيت العلاوات وتطبيق الحد الأدنى للأجور على الجميع.
ويشير الباحث العمالي إلى أن فشل وزارة العمل يتمثل في غياب لائحة تنفيذية للقانون الجديد حتى الآن، ما أضعف قدرتها على فرض الالتزام على أصحاب المؤسسات. ويضيف أن الاعتماد على القرارات الوزارية بدلاً من لائحة واضحة جعل التطبيق متوقفًا على تقديرات الوزير، وهو ما أدى إلى بطء شديد في إصدار القرارات وتنفيذها.
ويؤكد بربري أن وزارة العمل لم تتخذ إجراءات حقيقية لحل المنازعات الجماعية وفق القانون الجديد، بما في ذلك التوفيق والوساطة والتحكيم، منذ تطبيق القانون في سبتمبر الماضي وحتى الوقت الراهن. مشيرًا إلى أن فشل الوزارة وفشل القانون الجديد في التطبيق العملي كان أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار الاحتجاجات العمالية وتوسعها، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لإصدار لائحة تنفيذية فعالة تضمن حقوق العمال وتتضمن آليات لتطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل حقيقي وموحد.
ويطبق قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، على العاملين في الوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة التي تُطبق عليها أحكام القانون، والأجهزة ذات الموازنات الخاصة بها، باستثناء بعض الجهات ذات الكوادر الخاصة كالمعلمين، والجامعات، والجهات السياسية أو القضائية، والقوات المسلحة والشرطة، حيث تخضع هذه الفئات لقوانين ولوائح خاصة بها.
في السياق أشاد كل من دار الخدمات النقابية والعمالية ولجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل بأعمال التفتيش التي باشرتها وزارة العمل على منشآت القطاع الخاص للالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور المقرر قانوناً، مؤكدتين على ضرورة استمرار هذه الأعمال والتحلي بالجدية والشفافية اللازمتين.
وأوضحت الهيئتان، في بيان مشترك، أن عام 2025 شهد تقدماً محدوداً في تطبيق الحد الأدنى للأجور وفقاً لنص المادة 104 في قانون العمل رقم 14 لسنة 2025، ، فيما أوضحت المادة (105) وجوب قيام أجهزة التفتيش بالمتابعة الدورية للتأكد من التطبيق. وطالب الهيئتان باستمرارية ودورية لجان التفتيش وعدم انتظار وقوع احتجاجات عمالية أو تقديم شكاوى، مع ضمان حماية العمال الذين يتقدمون بشكاوى وسرية بياناتهم عند الطلب.

هل هناك قصور بالقانون؟
من جهته، يرى كمال عباس، – المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية-، أن قانون العمل الجديد لم يفشل فيما يخص الحد الأدنى للأجور، مشيرًا إلى أن نصوص القانون واضحة ولا تتضمن أي استثناءات، إلا أن المشكلة تكمن في التنفيذ على أرض الواقع.
ويوضح عباس، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أن أصحاب الأعمال غالبًا ما يركزون على الربح فقط، متجاهلين حقوق العمال الأساسية، بما فيها الأجور، وسلامة بيئة العمل، والرعاية الصحية، ووسائل النقل الآمنة. ويشير إلى أن الحد الأدنى للأجور المعلن غالبًا لا ينعكس فعليًا في رواتب العمال، حيث يتقاضى كثيرون مبالغ أقل من 4000 جنيه، رغم سنوات خدمتهم الطويلة، مؤكدًا أن الإجراءات التفتيشية الحالية تمثل أكثر «بروباجاندا» إعلامية منها عملية منتظمة لتطبيق القانون.
ويشير عباس إلى أن مفتشي العمل لديهم حق الضبطية القضائية لتسجيل المخالفات وتغريم أصحاب الأعمال وفقًا للقانون، إلا أن العملية لا تتم بشكل يومي ومنتظم، خاصة في غياب النقابات المستقلة الفاعلة في القطاع الخاص، ما يحد من قدرة العمال على المطالبة بحقوقهم.
وتطرق المنسق العام أيضًا إلى حادثة شركة “ماي لينين جروب”، التي شهدت وفاة رضيعة بسبب إغلاق حضانة داخل الشركة، مؤكدًا أن هذه الواقعة كشفت عن الممارسات غير القانونية للشركة في احتساب الأجور وحقوق العمال، رغم وجود نقابة مستقلة.
ويؤكد المنسق العام لدار الخدمات أن الحل يتطلب تعزيز دور النقابات المستقلة، وضمان متابعة دورية من وزارة العمل، والتأكد من تطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل حقيقي وشفاف، دون الاكتفاء بحملات تفتيش ظاهرية أو زيارات وزير العمل للمنشآت الكبرى.
في السياق ذاته، يرى ياسر سعد، المحامي العمالي، أن أزمة تطبيق الأدنى للأجور في مصر تكمن في ضعف العقوبات المقررة وعدم قدرتها على إجبار أصحاب الأعمال على الالتزام، سواء في القانون القديم أو في القانون الجديد المطبق حاليًا.
يضيف سعد في حديثه لــ” زاوية ثالثة”، أن معظم المنشآت تتجاهل تطبيق الحد الأدنى للأجور، وعندما يلجأ العمال لتسجيل محاضر أو رفع قضايا، غالبًا ما يتعرضون لـ “إجراءات تعسفية”، بما في ذلك الفصل التعسفي، ما يدفعهم إلى الصمت خوفًا على مصدر رزقهم. ويشير إلى أن الغرامات المنصوص عليها في قانون العمل غير كافية، وهو ما دفع منظمات دولية، مثل منظمة العمل الدولية، للتوصية بفرض عقوبات اقتصادية أشد، تشمل سحب الترخيص أو حذف المنشأة من السجل التجاري في حال عدم الامتثال للقانون.
ويؤكد سعد أن المحاضر الرسمية التي تُحرر من مفتشي العمل تعتبر أدلة مهمة للعمال عند رفع القضايا، لكنها لا تضمن استقرارهم الوظيفي أو حماية دخلهم، ما يتركهم في حالة تهديد دائم عند المطالبة بحقوقهم.
وعن دور وزارة العمل، يشدد المحامي على أن آليات التسوية المتاحة لا تجبر أصحاب العمل على قبول مطالب العمال، إلا في حالة المفاوضة الجماعية، التي يمكن أن ينتج عنها عقد ثلاثي الأطراف بين العمال وأصحاب العمل ووزارة العمل، يُطبق لمدة ثلاث سنوات ويضمن الحقوق والالتزامات المتفق عليها.
وتؤكد الأحداث الأخيرة، من احتجاجات الصحفيين إلى تحركات عمال شركات السكر والمياه، على الحاجة الملحة لتفعيل آليات إنفاذ القانون بشكل حقيقي، وتعزيز دور النقابات المستقلة، وضمان متابعة مستمرة من وزارة العمل، بما يضمن تحقيق الحد الأدنى للأجور كحق قانوني، بدلًا من أن يبقى مجرد نصوص مكتوبة على الورق.