close

ثلاث جهات رقابية وصفر حماية: معادلة موت العمال في المصانع المصرية

حريق مصنع المحلة الذي قتل 13 شخصًا يكشف فجوة ضخمة بين قوانين السلامة المهنية وتطبيقها، وسط ارتفاع سنوي لحوادث الحرائق والإصابات وتداخل مسؤوليات التفتيش بين الأحياء والدفاع المدني ووزارة العمل.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

 لقي 13 شخصًا مصرعهم، بينهم ثلاثة من رجال الحماية المدنية، وأصيب أكثر من 30 آخرين، إثر حريق ضخم اندلع في مصنع البشبيشي للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، في الساعات الأولى من صباح الجمعة 26 سبتمبر، إذ بدأ الحريق، وفق ما كشفت عنه التحقيقات لاحقًا، بسبب ماس كهربائي، أدى إلى انفجار غلاية في الطابق العلوي، ما تسبب في انهيار أجزاء من المبنى وانتشار النيران بسرعة. 

الحادث أعاد الجدل بشكل كبير حول غياب إجراءات السلامة في المنشآت التجارية، والتي تهدف بشكل رئيسي توفير حماية عاجلة للعمال عند الطوارئ، لتقليل المخاطر للحدود الُدنيا، خاصة أنه يأتي بعد أقل من شهرين من حريق مطعم بمحافظة سوهاج تسبب بوفاة ما لا يقل عن خمسة أشخاص بينهم أطفال، وإصابة العشرات، فيما كشفت التحريات لاحقًا إهمال في التعامل مع إجراءات السلامة المفترض تطبيقها وأصدرت النيابة العامة قرارًا بسجن صاحب المطعم. 

كلا الحادثتين كشفتا هشاشة الالتزام بمعايير السلامة المهنية داخل المنشآت الصناعية والتجارية، بدءًا من غياب صيانة دورية للأجهزة والمعدات، مرورًا بعدم توفر مخارج طوارئ كافية وأجهزة إطفاء صالحة للاستخدام، وانتهاءً بضعف الرقابة الرسمية والتراخي في تطبيق القوانين، فضلًا عن ذلك تطرح هذه الكوارث المتكررة في بيئة العمل تساؤلات مركزية حول فعالية القوانين المصرية، مثل قانون العمل والقرارات التنفيذية المتعلقة بالسلامة المهنية، ومدى قدرة الدولة على حماية أرواح العاملين والمواطنين في ظل بيئة صناعية وتجارية يتكرر فيها التجاوز على الحياة بشكل مأساوي.


خلال السنوات الخمس الماضية،
وثّقت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وقوع ما يزيد على 200 ألف حادثة حريق على مستوى الجمهورية، الجزء الأكبر منها كان من نصيب المنشآت التجارية،  خلفت مئات القتلى والجرحى، فضلًا عن خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة بعشرات المليارات. وبالرغم من أن معظم هذه الحوادث يمكن إرجاعها إلى مسببات واضحة يمكن تلافيها، إلا أن ضعف الرقابة، والتساهل في إنفاذ القانون، وتراكم التجاوزات داخل المنشآت التجارية كانت حاضرة ضمن أبرز أسباب تكرار الحرائق، خاصة داخل المنشآت التجارية.

البيانات ذاتها تشير إلى أن إجمالي عدد حالات إصابات العمل في مصر 8317 حالة خلال عام 2023، مع شريحة كبيرة من هذه الإصابات في القطاع الخاص بنسبة تزيد على 50% من إجمالي الحالات، الحوادث تشمل إصابات العمل في أماكن التصنيع، بالإضافة إلى حوادث خارجية مثل حوادث النقل والمعديات التي تسبب خسائر بشرية.

كذلك تعكس البيانات تذبذب عدد الحوادث المهنية الإجمالية التي تشمل المنشآت التجارية والصناعية، بلغ نحو 11 ألف إصابة في 2020، و10 ألاف إصابة في 2023، مع معدل وفيات بلغ 10% عامل في قطاع البناء وحده، وفي 2024، ارتفع العدد إلى حوالي 12 ألف إصابة، مع تركيز واضح على الحرائق والانهيارات.

أما حوادث الحرائق، فقد سجلت ارتفاعًا واضحًا خلال السنوات الأخيرة. بلغ إجمالي الحرائق في مصر بين 2010 و2020 نحو 438 ألف حادثة، مع متوسط سنوي للحوادث في الفترة 2020-2025 يقارب 46 ألف حادثة سنويًا. 

 

نوصي للقراءة: شبح الإجهاد الحراري.. حين تصبح لقمة العيش في مصر معركة حياة

 

المصدر: بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

وشهد عام 2025 الجاري تكرارًا لحوادث الحرائق داخل المنشآت في عدة محافظات، ففي يوليو سجل حريق سنترال رمسيس بالقاهرة وفاة 4 أشخاص وإصابة 27 آخرين نتيجة إهمال الصيانة الكهربائية، ما أدى أيضًا إلى انقطاع خدمات الإنترنت عن مناطق واسعة.

كما شهدت مناطق صناعية وتجارية أخرى حرائق متعددة في مصانع الإسفنج بمدينة دمياط، ومصانع كيماويات بمدينة بدر، ومولات في المنيا وسيراميكا أكتوبر، إضافة إلى حرائق في محطات كهرباء العاشر من رمضان، وأسفرت هذه الحوادث عن إصابات محددة وخسائر مادية كبيرة، رغم عدم تسجيل وفيات في معظمها. كذلك سجلت حرائق في مزارع ومنشآت بطنطا والفيوم والمنصورة خلفت أضرارًا مادية دون وقوع وفيات بشرية مؤكدة.

خلال العام الماضي، وقعت عدد من الحوادث للعمال سواء داخل أماكن العمل أو خارجها نتيجة لغياب تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية. ففي 25 فبراير 2024، أسفر حادث مأساوي عن غرق 10 عمال وإصابة 5 آخرين، كانوا في طريقهم صباحاً لعملهم بمشروع نهضة مصر بمحطة مياه الضبعية بمشروع الدلتا الجديدة، وقاموا بركوب معدية خشبية بالضفة الشرقية لنهر النيل بمنطقة عزبة ربيع بقرية نكلا شمال الجيزة.

وفي 21 مايو 2024، وقع حادث أسفر عن وفاة 16 فتاة، إثر سقوطهن من أعلى معدية لنقل السيارات عبر ضفتي الرياح البحيري بمنطقة أبو غالب في منشأة القناطر. كانت الفتيات في طريقهن مع أخريات إلى محل عملهن في موقف تصدير الفاكهة عندما وقع الحادث.  وفي 20 ديسمبر 2024، شهد مركز تلا بمحافظة المنوفية مصرع 6 عمال في بئر مياه صحي. فيما تبين بالتحقيق أنه حينما نزل أحد العمال إلى البئر لتنظيفه تعرض لحالة اختناق شديد، ونزل 5 من زملائه تباعًا، إلا أنهم تعرضوا جميعهم للاختناق ولطفوا أنفسهم الأخيرة نتيجة استنشاق الغازات السامة داخل البئر.

كما رجح مصدر مسؤول بشركة المشروع الصحي في المنوفية أن أحد العمال نزل إلى بئر الصرف الصحي بمحطة قرية التلا وتأخر في الخروج، ما دفع 5 من زملائه للنزول تباعًا للبحث عنه غير أنهم أصيبوا باختناق جراء الغازات داخل البئر، ما أسفر عن وفاة 6 وإصابة 2 آخرين.

 

نوصي للقراءة: خصخصة الصحة: مستثمر يفوز.. حكومة تربح ومواطنون خارج اللعبة


هل تطبق المنشآت معايير السلامة المهنية؟ 

معايير السلامة والصحة المهنية في مصر تفرض على المنشآت توفير بيئة عمل آمنة، تشمل توفير معدات عمل آمنة وصيانتها، تأمين نقل وتخزين البضائع بشكل لا يشكل خطرًا، توفير التدريب والإشراف على العمال، وكذلك توفير معدات وقاية شخصية ملائمة ووسائل إسعاف أولي. 

من جهته يقول شعبان خليفة -رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص-، في حديث إلى زاوية ثالثة، إن قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 خصص بابًا كاملًا للصحة والسلامة المهنية وتأمين بيئة العمل، ممتدًا من المادة 242 وحتى المادة 264، أي حوالي 22 مادة، جميعها تهدف إلى إلزام المنشآت وفروعها بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية والحفاظ على بيئة عمل آمنة.

ويشير خليفة إلى أن القانون يركز على ضرورة اتخاذ المنشآت لكافة الإجراءات الوقائية التي تحد من المخاطر غير المباشرة، والتي قد تتفاقم إذا لم تتوافر وسائل الانقاذ والإسعاف والنظافة والترتيب والتنظيم داخل أماكن العمل، موضحًا أن القانون يضمن حصول العاملين على الشهادات الصحية اللازمة، خصوصًا في أماكن إعداد وتداول الطعام والمشروبات، للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية.

ويلفت رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص في حديثه معنا إلى أن القانون يشترط على أصحاب العمل اتخاذ كل الاحتياطات والاشتراطات اللازمة للوقاية من مخاطر الحريق، وفق ما تحدده الجهات المختصة في وزارة الداخلية، بما يشمل توفير وسائل الإطفاء ومعدات السلامة الأخرى، وتنظيم عمليات التفتيش الدوري.

ويوضح خليفة أن المادة 252 من القانون تلزم المنشآت بتأمين أماكن العمل، خصوصًا الضيقة والمغلقة، لضمان الرقابة على كل الأخطار الناشئة عن العمل. وأضاف أن وزارة العمل مسؤولة عن التفتيش على تطبيق وسائل الصحة والسلامة المهنية والتأكد من التزام الشركات بذلك.

ويضيف أن الترخيص الخاص بمكافحة الحرائق يتبع الدفاع المدني بوزارة الداخلية، فهي الجهة المنوطة بإصدار التراخيص، وإشراف الضباط أو اللجان المختصة على الالتزام بمعايير السلامة، بما في ذلك معدات الإطفاء وغلايات العمل، مؤكدًا أن كل ما يتعلق بالحماية من الحرائق وتطبيق اشتراطات السلامة داخل المنشآت يقع ضمن مسؤولية الدفاع المدني.

ويركز قانون العمل الجديد على توفير بيئة عمل آمنة من خلال فرض معايير وإجراءات إلزامية على جميع المنشآت. كذلك يشدد القانون على التزام المنشآت بتوفير كافة وسائل السلامة والصحة المهنية، بما يكفل الوقاية من المخاطر الفيزيائية والهندسية والكيميائية والبيولوجية، فضلًا عن المخاطر غير المباشرة. 

بالإضافة إلى ذلك يُلزم القانون المنشآت بإجراء تقييم شامل للمخاطر المحتملة، سواء كانت صناعية أو طبيعية، وإعداد خطط طوارئ واضحة للتعامل مع أي حادث. تشمل هذه الخطط آليات حماية المنشأة والعمال والمترددين عليها، والتصرف السريع لتقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات عند وقوع الحوادث. 

ويشترط القانون تشكيل جهاز متخصص يُعرف باسم “جهاز تفتيش السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل”، يضم خبراء في مجالات الطب، الهندسة، الصيدلة، العلوم، والبيئة. ويكون هذا الجهاز مسؤولاً عن متابعة تنفيذ أحكام السلامة، والتأكد من التزام المنشآت بالمعايير القانونية، بالإضافة إلى تقديم التوصيات اللازمة لتفادي المخاطر.

من أبرز بنود القانون توفير التدريب اللازم للعاملين على إجراءات السلامة والصحة المهنية، مع تزويدهم بالمعرفة والمهارات العملية للتعامل مع المخاطر المحتملة داخل بيئة العمل. ويهدف هذا البند إلى خلق ثقافة سلامة مستدامة بين العاملين وتقليل الحوادث الناتجة عن الإهمال أو قلة الخبرة. كذلك يلزم القانون المنشآت بإبلاغ الجهة الإدارية المختصة عن أي حادث جسيم أو إصابة عمل، مع توثيق الإجراءات المتخذة لتفادي تكرارها. ويتيح هذا البند للجهات الرقابية تقييم فعالية معايير السلامة، واتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة عند الحاجة.

ما أهم إجراءات السلامة؟ 

يوضح الدكتور تامر شراكي -استشاري الأمن والسلامة المهنية-، في حديث إلى زاوية ثالثة، أن اشتراطات السلامة والصحة المهنية في مصر تندرج ضمن إطار قانوني وتنظيمي واسع يشمل قوانين العمل وقوانين الحماية المدنية واللوائح المحلية لكل محافظة. مؤكدًا أن هذه الاشتراطات ليست مجرد إجراءات شكلية، بل تمثل حدًا أدنى من الالتزام القانوني للحفاظ على الأرواح والممتلكات، خاصة في المنشآت عالية الكثافة أو عالية المخاطر. 

ويضيف شراكي أن أي منشأة، سواء كانت مطعمًا أو شركة أو محلًا تجاريًا أو مولًا، يجب أن تمتثل لأساسيات السلامة المعتمدة، والتي تشمل مكافحة الحرائق من خلال الحصول على تصاريح الدفاع المدني ومراجعتها دوريًا، وتوفير عدد كافٍ من طفايات الحريق اليدوية بأنواعها المختلفة وصيانتها بشكل منتظم، كما يجب تحديد مخارج الطوارئ بشكل واضح وتزويدها بإضاءة طوارئ تعمل تلقائيًا عند انقطاع التيار الكهربائي مع التأكد من خلوها دائمًا من أي عوائق، بالإضافة إلى تركيب نظام إنذار آلي للحريق يشمل كاشفات الدخان والحرارة ويكون مسموعًا بوضوح في جميع أنحاء المنشأة، مع وضع خطة إخلاء طوارئ معتمدة وتدريب جميع العاملين عليها بشكل دوري.

كذلك يؤكد الخبير المختص في السلامة المهنية في حديثه معنا أن السلامة الإنشائية والبيئية تعد جزءًا لا يتجزأ من الاشتراطات الأساسية، ويشمل ذلك توفير تهوية طبيعية أو صناعية كافية، خاصة في الأماكن التي قد تتراكم فيها الأبخرة أو الغازات، وكذلك توفير إضاءة مناسبة للعمل والحفاظ على نظافة مكان العمل والتخلص الآمن من النفايات والمخلفات، إلى جانب السلامة الكهربائية التي تتطلب فحصًا دوريًا لجميع التوصيلات واللوحات الكهربائية، وتركيب قواطع كهربائية واقية وتأريض مناسب للأجهزة لضمان حماية العاملين.

ما القطاعات الأكثر خطورة؟ 

يشير شراكي إلى أن المطاعم والمحلات الغذائية تحتاج إلى تركيز خاص على مخاطر المطبخ والتعامل مع الجمهور، حيث يتطلب الأمر تركيب مداخن وطارد دخان بكفاءة عالية ومزودة بفلاتر شحوم، إضافة إلى تركيب أنظمة إطفاء آلية مثل أنظمة الإطفاء الرطبة أو أنظمة الغاز فوق أجهزة الطهي مباشرة، مع وضع صمامات غلق الغاز يسهل الوصول إليها في حالة الطوارئ. 

كذلك يشدد على أهمية استخدام أرضيات غير قابلة للانزلاق في مناطق الإعداد والطهي والغسيل مع توفير صرف جيد للمياه، والالتزام بمعايير هيئة سلامة الغذاء المصرية فيما يخص تخزين وإعداد وتقديم الأطعمة، فضلاً عن توفير تدريب للعاملين على الاستخدام والتخزين الآمن للأدوات الحادة.

وبالنسبة للشركات والمولات متعددة الطوابق، يوضح شراكي أن هذه المنشآت تحتاج إلى أنظمة هندسية متقدمة، مثل تركيب شبكة مرشات مياه آلية تغطي جميع مناطق المبنى وخزانات ومضخات لدعم شبكة المرشات وخراطيم الإطفاء، وتعيين مختصين للسلامة والصحة المهنية للإشراف الدوري وتوثيق إجراءات السلامة، وصيانة دورية للمصاعد والسلالم المتحركة مع وضع إشارات تحذير واضحة، بالإضافة إلى توفير مراقبة مستمرة عبر كاميرات CCTV وتخصيص أفراد أمن مدربين لتنظيم الحركة والإخلاء في المناطق المزدحمة.

بالإضافة إلى ذلك، يشدد على أهمية توفير معدات الحماية الشخصية للعمال مثل الخوذ والنظارات وأحذية السلامة، وتدريبهم على إجراءات الإغلاق والتحكم في مصادر الطاقة المختلفة عند صيانة المعدات الخطرة.

ويقول شراكي إن مصانع الغزل والنسيج والإسفنج والكيماويات تندرج ضمن المنشآت عالية المخاطر، وتحتاج إلى التزام صارم بالاشتراطات القانونية ولائحته التنفيذية الخاصة بالأمن الصناعي، حيث أن مصانع الغزل والنسيج تواجه خطر الحرائق السريع الناتج عن تراكم الألياف والزغب، بالإضافة إلى المخاطر الميكانيكية والضوضاء، ويتطلب ذلك تركيب أنظمة مرشات في جميع مناطق تخزين المواد الخام والتشغيل، وأنظمة شفط صناعية للغبار والألياف مزودة بفلاتر، وتوفير طفايات خاصة للمواد الصلبة القابلة للاشتعال، إلى جانب حواجز حماية لجميع الأجزاء المتحركة في الماكينات وتطبيق نظام LOTO قبل أي صيانة، وحماية سمعية للعاملين وقياس دوري لتركيز الغبار والألياف في الهواء للحد من أمراض الجهاز التنفسي.

أما مصانع الإسفنج، فالمخاطر الأساسية فيها تتعلق بالاشتعال السريع للمواد الكيميائية المستخدمة والحرارة العالية أثناء المعالجة، ما يستلزم تركيب نظام إطفاء آلي في مناطق التخزين والإنتاج، والتخزين الآمن للمواد القابلة للاشتعال في مناطق منعزلة ومبردة، وعزل منطقة المعالجة بالحرارة عن بقية المصنع، مع توفير تهوية قسرية ومداخن لسحب الأبخرة الكيميائية الضارة، وارتداء العاملين لمعدات حماية خاصة بالجلد والجهاز التنفسي، إضافة إلى وحدات غسيل العيون ودشاش الطوارئ في المناطق المعرضة للتسرب الكيميائي.

فيما يخص مصانع الكيماويات، يوضح شراكي أن هذه المنشآت تواجه أخطر المخاطر، بما في ذلك الانفجار والتسرب والحريق الكيميائي، ما يستدعي إجراء تحليل دوري شامل لمخاطر العمليات، وتطبيق نظام إدارة التغيير لتوثيق أي تعديلات على المعدات أو الإجراءات، وتصنيف المناطق الخطرة، واستخدام معدات وإضاءة وكابلات مقاومة للانفجار، وتوفير صحائف بيانات السلامة لجميع المواد الكيميائية وتدريب العمال على قراءتها، مع وجود بروتوكولات استجابة سريعة للتسرب الكيميائي ومجموعات احتواء التسرب، وتخزين المواد غير المتوافقة كيميائيًا في أماكن منفصلة، وفحص أوعية الضغط والمراجل والأنابيب دوريًا وإصدار شهادات صلاحية من جهات فنية معتمدة.

ويحذر شراكي من أن “دور لجان السلامة في الشركات غالبًا غير مفعل في المؤسسات، واجتماعاتها وقراراتها تبقى على الورق فقط”، مؤكدًا أن التطبيق العملي للاشتراطات هو الطريقة الوحيدة لتجنب الحوادث وحماية الأرواح والممتلكات. كما شدد على ضرورة مراجعة كودات البناء المصري والمواصفات الفنية المعتمدة من جهاز الحماية المدنية في كل محافظة، باعتبارها المرجع النهائي للاشتراطات الإلزامية، خاصة في المنشآت عالية المخاطر.

 

نوصي للقراءة: تقييد حقوق العمال يضع مصر بين الدول الأسوأ في الحريات النقابية


من المسؤول؟ 

في هذا الصدد يؤكد شعبان خليفة أن التفتيش على المنشآت يختلف باختلاف الجهة المختصة ونوع المخاطر. موضحًا أن وزارة العمل مسؤولة عن التفتيش الإداري على المنشآت بما يخص العمال وتأمين بيئة العمل وحل مشاكل العمال، أما ما يتعلق بالبناء والإنشاءات والغلايات فتقع مسؤوليتها على جهتين أساسيتين: الأحياء ممثلة في الجهات الهندسية، ووزارة الداخلية ممثلة في الدفاع المدني.

ويوضح خليفة أن الدفاع المدني لديه إدارة مختصة بكل منطقة صناعية، وهي المسؤولة عن إصدار تراخيص السلامة والموافقة عليها، مشددًا على أن أي مصنع أو منشأة لا يُصدر لها ترخيص أو تصريح من الدفاع المدني لا يمكن تشغيل غلايات أو بناء منشآت جديدة. وأضاف: “المشكلة الكبيرة تكمن في الأحياء، حيث يحدث تراكم وتراخي في الإشراف، ما يسمح لبعض المصانع، مثل مصنع المحلة، بمواصلة العمل والبناء ووضع غلايات بدون أي تصاريح رسمية”.

ويشير كذلك إلى أن الأحياء هي الجهة الأولى والأخيرة المسؤولة عن بيئة العمل وإصدار التراخيص، خصوصًا للمحلات والمقاهي في المناطق العشوائية، مؤكدًا أن وزارة العمل غير قادرة على الإشراف على كل المنشآت، خاصة تلك الصغيرة أو غير الرسمية التي غالبًا ما تكون شققًا سكنية أو مصانع تحت “الدرج”، حيث تتم ممارسات تصنيع عشوائي وغير منظم ضمن الاقتصاد الموازي.

ويضيف خليفة أن مسؤولية التفتيش على الغلايات والمخاطر المرتبطة بالحرارة تقع على جهتين: مهندسي الأحياء وإدارة الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية، مع وجود تفتيش إضافي من مفتشي وزارة العمل لضمان التزام المنشآت بمعايير السلامة. وختم بالقول: “كل هذه الجهات تتحمل المسؤولية كاملة عن التفتيش، وتطبيق القانون على أرض الواقع، لضمان بيئة عمل آمنة، ونحن نرحب بأي متابعة أو استفسارات بهذا الخصوص”.

وفقًا لدليل المبادئ الأساسية للسلامة والصحة المهنية في بيئة العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 2016، “تقع مسئولية تحقيق وتنفيذ مهام السلامة والصحة المهنية على جميع أطراف الإنتاج. فعلى الحكومات وضع التشريعات وسن القوانين واللوائح التي تضمن مراقبة تنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية من خلال مفتشي السلامة والصحة المهنية.

أما أصحاب الأعمال، فعليهم مسئولية تنفيذ شروط السلامة المهنية، وتطبيقها عمليًا وفعليًا. كما يجب عليهم تزويد العمال المعرّضين للمخاطر المهنية بوسائل الوقاية المناسبة لمنع حدوث الأمراض المهنية وإصابات العمل، بالإضافة إلى توفير وسائل الوقاية العامة مثل التهوية، والإضاءة، وضمان مناخ عمل مناسب، وبيئة اجتماعية وإنسانية ملائمة. وبالنسبة للنقابات وممثلي العمال، فإن مسئوليتهم تتضمن التوجيه والتوعية في مجال السلامة والصحة المهنية، والمشاركة في لجان السلامة المهنية داخل المنشآت. 

ما الحل؟ 

يرى تامر شراكي، أن تطوير ثقافة السلامة والصحة المهنية على مستوى الدولة يتطلب عملًا منسقًا يجمع بين التشريع والتنفيذ والتعليم، مشيرًا إلى أن الاعتماد على المنشآت وحدها لا يكفي، بل يجب أن تقود الحكومة والأجهزة الرقابية المعنية هذه الجهود.

ويوضح أن أهم محاور دور الحكومة والأجهزة المعنية تشمل، إصلاح الإطار التشريعي والتنظيمي، و تحديث قوانين العمل واللوائح التنفيذية بحيث تصبح الغرامات والعقوبات على مخالفات السلامة رادعة ومرتبطة بحجم الخسائر المحتملة، مع تطبيق مبدأ تعدد العقوبات عند تعدد العمال المتضررين، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية، من خلال تحويل التفتيش من نشاط شكلي إلى شراكة فعّالة في تحسين السلامة، عبر تدريب مفتشي السلامة على تخصصات محددة، وإجراء تفتيش قائم على تقييم المخاطر، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية لحوادث العمل لتوجيه التشريعات المستقبلية، بالإضافة إلى منح التفويض السريع لاتخاذ قرارات الإغلاق الإداري عند وجود خطر وشيك.

كذلك يلفت إلى أهمية دمج السلامة المهنية في التعليم الفني والمهني وكليات الهندسة، ووضع برامج تدريب موحدة ومعتمدة، وإطلاق حملات توعية وطنية مستمرة، وإنشاء نظام جوائز وحوافز للشركات التي تحقق معدلات سلامة ممتازة، مما يعزز ثقافة السلامة بشكل استباقي.

ويشدد شراكي على تعزيز السلامة الهندسية والإجرائية، من خلال أولوية الحلول الهندسية والتحكم الفعلي، وإدارة التغيير قبل أي تعديل في المعدات أو المواد، وتبسيط الإجراءات لتقليل الأخطاء البشرية. مشيرًا إلى أن اعتماد نظام إدارة السلامة الدولي (ISO 45001) يضمن توثيق الإجراءات، تقييم دوري للمخاطر، وتدقيق داخلي وخارجي منتظم، إلى جانب تدريب موجه للعمال على المهام الحرجة، وإعداد فرق أول المستجيبين، وتعريف العاملين بحقوقهم وواجباتهم القانونية.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search