close

ثلاثة أشهر للتنازل عن منزلك: خطة الحكومة تُربك مستأجري الإيجار القديم

مستأجرو الإيجار القديم يواجهون شروطاً معقدة ومستقبلاً غامضاً مع خطة الوحدات البديلة
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

في خطوة وصفها باحثون ومتضررون بأنها تحمل طابعًا بيروقراطيًا معقّدًا، أعلنت وزارة الإسكان عن فتح باب التقديم للحصول على وحدات بديلة لمستأجري الإيجار القديم، ابتداءً من أكتوبر 2025. الخطة الحكومية الجديدة، التي ترتبط بتطبيق المادة الثامنة من قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، تمنح المتقدمين مهلة ثلاثة أشهر فقط لإثبات أهليتهم والحصول على وحدة بديلة، مقابل توقيع إقرار بإخلاء الوحدة القديمة. ومع غياب تفاصيل حول عدد الوحدات المتاحة، تثير هذه الإجراءات تساؤلات حول عدالة التنفيذ ومدى جدوى السياسات المعتمدة في التعامل مع ملف الإيجار القديم، أحد أكثر الملفات الاجتماعية تعقيدًا في مصر.

جاء الإعلان في إطار تطبيق المادة (8) من القانون المنظم لبعض أحكام إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.  ويشمل الإعلان فئتين  

أولًا، الوحدات السكنية: يُسمح بالتقديم للمستأجر الأصلي، أو الزوج أو الزوجة ممن امتد إليهم العقد قبل سريان القانون، وكذلك المستفيدين من الامتداد القانوني.
ثانيًا، الوحدات غير السكنية: يُتاح التقديم للمستأجر الأصلي أو من امتد إليه العقد، مع ضرورة تحديد بيانات العقار، النطاق الجغرافي، ونظام التخصيص المطلوب (إيجار أو تمليك).

أما المستندات المطلوبة للوحدات السكنية، فتشمل: طلبًا رسميًا وفق النموذج المعد، وصورة من عقد الإيجار والمستندات الدالة على استمرار العلاقة الإيجارية، وإقرارًا بإخلاء العين المستأجرة عند استلام الوحدة الجديدة. كما يُطلب تقديم صور بطاقات الرقم القومي للزوجين، وشهادات ميلاد الأبناء القُصّر أو بطاقاتهم الشخصية، إضافة إلى مستندات الحالة الاجتماعية (مثل قسيمة الزواج أو الطلاق مع قرار التمكين، أو شهادة الوفاة مع إشهاد الوراثة). وفي حال وجود شخص من ذوي الهمم، تُطلب شهادة تأهيل أو بطاقة خدمات حكومية أو تقرير طبي معتمد.

وبالنسبة للوحدات غير السكنية، يجب تقديم ما يثبت مزاولة النشاط، مثل البطاقة الضريبية أو السجل التجاري أو ترخيص النشاط.

لإثبات الدخل، يُطلب من موظفي الحكومة وقطاع الأعمال تقديم شهادة معتمدة من جهة العمل توضح صافي الدخل الشهري أو السنوي. أما العاملون بالقطاع الخاص، فعليهم تقديم شهادة دخل معتمدة، مع رقم السجل التجاري والبطاقة الضريبية للشركة. ويُطلب من أصحاب المهن الحرة مستند تسجيل ضريبي وشهادة من محاسب قانوني توضح صافي الدخل، وصورة من السجل التجاري أو البطاقة الضريبية. وبالنسبة للأرامل والمطلقات وأصحاب المعاشات، يجب إحضار بيان معتمد بقيمة المعاش، ومستند النفقة للمطلقة إن وجد.

أشارت الوزارة إلى إمكانية طلب مستندات إضافية بحسب كل حالة، لضمان استيفاء البيانات بدقة.

ورغم اعتماد الوزارة على تقديم هذه الإجراءات بصيغة منظمة ومدعومة بإنفوجراف تفصيلي، يرى بعض الباحثين والمتضررين أن الخطوات المطلوبة تتسم بالتعقيد البيروقراطي، وتفتقر إلى وضوح يضمن عدالة التنفيذ، خاصة في ظل غياب معلومات كافية عن مدى توفر عدد مناسب من الوحدات البديلة. ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية وجدوى السياسات الحكومية المتعلقة بملف الإيجارات القديمة.

 

نوصي للقراءة: هل يواجه 6 ملايين مواطن خطر الإخلاء؟ الوجه الآخر لتعديلات قانون الإيجار القديم

غموض الوحدات السكنية

في هذا السياق، يقول محمود هاشم، أحد المستأجرين الذين ينطبق عليهم قانون الإيجار القديم، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”: “الشروط التي وضعتها الحكومة قد تنطبق عليّ بالفعل، لكن السؤال الأهم: هل الدولة قادرة فعليًا على توفير عدد كافٍ من الوحدات لكل من تنطبق عليهم هذه الشروط؟”

ويضيف هاشم: “أنا شخصيًا أعرف كثيرين ضاعت منهم عقود الإيجار القديمة، فما وضع هؤلاء في هذه الحالة؟ إذا كانت الدولة تملك فعلًا مئات الآلاف من الوحدات الجاهزة للتوزيع على المستأجرين، فهذا يطرح تساؤلًا منطقيًا: لماذا توجد أزمة إسكان من الأساس؟”

أما أحمد عادل، نجل إحدى المستأجرات المتضررات من القانون، فيوضح لزاوية ثالثة: “مشكلتي الأساسية مرتبطة بوالدتي. دخول الحكومة في سوق العقارات تسبب في رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه؛ فأبسط شقة حكومية اليوم تبدأ من مليون ونصف جنيه، وبمساحات صغيرة جدًا. هذا التدخل دفع القطاع الخاص أيضًا لرفع الأسعار أكثر، باعتبار أن الحكومة هي من وضعت الحد الأدنى الجديد للسوق.”

ويتابع أحمد: “حتى لو افترضنا أن الحكومة ستمنح الأسر شققًا بنظام التمليك مع تخفيض، فالقسط الشهري على مدى عشرين سنة سيصل إلى نحو أربعة آلاف جنيه، غير الفوائد البنكية. وهذا يطرح مشكلة حقيقية، فالكثير من الأسر لن تكون قادرة على تحمل هذه الأعباء، ما يجعل الحل المطروح معيقًا أكثر من كونه ميسرًا.”


علامات استفهام حول مدة الثلاثة أشهر 

في السياق تقول إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية – تحت التأسيس، وأحد المستأجرات المتضررات من القانون الجديد، في حديثها لـ”زاوية ثالثة”:”الإرشادات التي أعلنتها وزارة الإسكان بشأن التقديم للحصول على وحدات بديلة تثير علامات استفهام كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بالمدة الزمنية المحددة للتقديم، وهي ثلاثة أشهر فقط. لماذا يتم الضغط على المستأجرين في فترة قصيرة وكأنهم مجبرون على التقديم فورًا وإلا ضاع حقهم؟”

وتضيف عيداروس: “الكثير من الأسر، مثلي مثلًا، تعيش في أحياء قديمة مثل العجوزة، وحياتها مرتبطة بالعمل والمدارس والمجتمع المحيط. من الطبيعي أن يبحث الناس أولًا عن بدائل قريبة، سواء عبر اتفاق جديد مع المالك بعد انتهاء مدة السبع سنوات، أو من خلال سوق القطاع الخاص، قبل التفكير في الانتقال إلى وحدات الإسكان الاجتماعي البعيدة في المدن الجديدة. لكن المشكلة أن التقديم في الوحدات الحكومية يُعد بمثابة تنازل عن عقد الإيجار القديم، وبالتالي عن الحق القانوني في السكن خلال السنوات المتبقية. وهذا يعني أن المستأجر يفقد ورقة تفاوضه مع المالك مبكرًا، ويلتزم بدفع مقدم للوحدة الجديدة حتى لو لم تكن مناسبة له.”

وتتابع: “تفسيري لذلك أمران: إما أن الدولة تسعى لدفع الناس إلى التنازل المبكر عن عقود الإيجار لتفكيك الظاهرة سريعًا، أو أنها تدرك أن الوحدات البديلة المتاحة لن تكفي جميع المستأجرين، فتستخدم فترة الثلاثة أشهر كوسيلة لغلق الملف لاحقًا بالقول إنها أتاحت الفرصة ومن لم يتقدم فقد خسر حقه.”

واختتمت عيداروس حديثها قائلة: “هذا يؤكد ما حذرنا منه منذ البداية؛ فالسكن البديل ليس حلًا حقيقيًا، بل مجرد خدعة لا تعوض المستأجرين عن الكارثة التي صنعتها الدولة بتحرير عقود الإيجار. التجارب السابقة أثبتت ذلك، وكنا واضحين منذ البداية في التحذير من أن السكن البديل مجرد مقلب كبير”.

 

نوصي للقراءة: قانون الإيجار القديم يهدد آلاف العيادات والصيدليات بالإغلاق

مشاكل جوهرية في الطلبات والإجراءات

من جهته، يقول يحيى شوكت الباحث في شؤون السكن والعمران في حديثه لـ”زاوية ثالثة”: “وزارة الإسكان بدأت بالفعل مرحلة حصر المستأجرين الذين يحتاجون أو يرغبون في الحصول على سكن بديل، وذلك بهدف تحديد العدد المطلوب من الوحدات وتوزيعها على الفئات المختلفة، سواء كانت وحدات إسكان اجتماعي أو متوسط أو فاخر.

لكن هناك مشكلة جوهرية؛ إذ يُطلب من المستأجرين كم كبير من البيانات الشخصية، من دون أي توضيح لأسباب جمعها، أو حتى إعلان شروط التقديم كما يحدث عادة في مشروعات الإسكان. الأخطر من ذلك هو اشتراط تقديم إقرار بالتنازل عن الوحدة المستأجرة، رغم أن هذه المرحلة لا تزال استطلاعية، ولم تُعلن حتى الآن أي تفاصيل عن طبيعة الوحدات البديلة أو شروط الحصول عليها- يقول شوكت.

ويحذر  الباحث في شؤون السكن والعمران من أن “هذا الوضع قد يؤدي إلى إحجام كثير من المستأجرين عن التسجيل على المنصة، رغم حاجتهم الفعلية إلى السكن البديل، وهو ما سينعكس في النهاية على نتائج الحصر، فتصبح غير دقيقة وغير معبرة عن الواقع.”

ويختتم بالقول: “في المجمل، كان من الأفضل أن تركز الحكومة على توفير برنامج لدعم الإيجارات، بدلًا من الاتجاه إلى بناء وحدات إضافية وتحميل المستأجرين أعباء جديدة قد لا يكونون قادرين على تحملها.”

في السياق يقول  إبراهيم عز الدين الباحث العمراني ومؤسس شريك لديوان العمران للدراسات العمرانية  في حديثه لـ”زاوية ثالثة”:”إعلان الحكومة عن فتح باب الحجز للوحدات السكنية لسكان الإيجار القديم بداية من أكتوبر ولمدة ثلاثة أشهر فقط يكشف بوضوح عن محاولة للضغط على المستأجرين في فترة زمنية قصيرة. فالقانون الجديد يمنح مهلة سبع سنوات قبل تحرير العلاقة الإيجارية، لكن وزارة الإسكان تسعى عمليًا إلى تقليص الوقت أمام المستأجرين، حتى لا يلجأوا إلى بدائل أخرى، مثل الطعن على القانون أو الإصرار على عدم إخلاء الوحدات. وقد تلقيت بالفعل استفسارات من مستأجرين يسألون عن إجراءات التقديم على الشقق الجديدة، وهذا في حد ذاته يعكس استراتيجية حكومية لإلهاء الناس عن جوهر المشكلة: أزمة تحرير العلاقة الإيجارية.”

ويضيف عز الدين: “اللافت أن الإعلان عن التقديم جاء قبل صدور اللائحة التنفيذية للقانون، وهو استباق غير مفهوم. فاللائحة هي الأداة التي يُفترض أن تحدد تقييم المناطق والقيمة الإيجارية في كل منها، وبالتالي كان من الطبيعي انتظار صدورها قبل الشروع في أي خطوات تنفيذية.”

ويتابع: “من الواضح أن الحكومة تُظهر إصرارًا على إخلاء وحدات الإيجار القديم ودفع المستأجرين إلى التنازل عنها مقابل وحدات جديدة. هذا رغم أن حكم المحكمة الدستورية لم ينص على تحرير العلاقة الإيجارية بشكل كامل، بل اقتصر على تحريك القيمة الإيجارية فقط. وهو ما يثير تساؤلات جدية حول النوايا الحقيقية للحكومة، وهل الهدف في النهاية هو السيطرة على هذه المباني بعد فترة.”

ويشير الباحث إلى أن “الأوراق المطلوبة من المستأجرين تمثل صورة واضحة للبيروقراطية الحكومية، إذ تطلب الوزارة مستندات معقدة مثل إثبات الزواج أو الطلاق أو القيد العائلي أو شهادات الإعاقة، بينما الإثبات الأساسي والبديهي هو فقط أنني مستأجر ومقيم في هذه الشقة، دون الحاجة لكل هذه التعقيدات.”

ويختتم عز الدين حديثه قائلًا: “الوحدات التي تعرضها الحكومة مطروحة عمليًا بسعر السوق، من دون أي دعم أو تسهيلات حقيقية. وهذا يعني أن المستأجر الذي كان يدفع إيجارًا بسيطًا سيجد نفسه مضطرًا لدفع أضعاف ما اعتاد دفعه، من دون أي مراعاة لظروفه الاقتصادية والاجتماعية. في النهاية، ما تطرحه الحكومة لا يعالج أصل الأزمة، بل يفتح مسارًا جديدًا يفقد فيه المستأجرون حقهم في وحداتهم القديمة ويضعهم أمام بدائل غير عادلة.”

يظل قانون الإيجار القديم، بعد إقرار التعديلات الأخيرة، واحدًا من أكثر الملفات إثارة للجدل في السياسات السكنية بمصر. فبينما يتيح القانون للمالكين استعادة وحداتهم بعد سبع سنوات، فإنه يضع المستأجرين أمام واقع جديد يفتقد إلى الضمانات الاجتماعية والاقتصادية الكافية.ولا تكمن الأزمة فقط في تنظيم العلاقة الإيجارية، بل في غياب رؤية شاملة لسياسات السكن تراعي حقوق الطرفين وتوفر بدائل حقيقية قابلة للتطبيق. ومع استمرار الغموض في إجراءات التقديم، وضيق الوقت الممنوح، وارتفاع تكلفة الوحدات البديلة، يظل التساؤل مطروحًا: هل تعالج هذه السياسات جذور الأزمة، أم أنها تفتح الباب لأزمة سكنية أعمق في السنوات المقبلة؟ 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search