مع انعقاد جلسته الأولى في الثامن عشر من أكتوبر الماضي، أثار مجلس الشيوخ المصري، (الغرفة الثانية للبرلمان)، موجة انتقادات واسعة، ارتبطت بثلاث دوائر رئيسية: أولها آلية التعيين التي تمنح الرئيس سلطة اختيار ثلث الأعضاء، ما أوجد كتلة محسوبة بالكامل على السلطة التنفيذية. والثانية تتعلق بهيمنة رجال المال والأعمال على مقاعد المجلس، سواء من خلال القوائم الانتخابية المغلقة أو عبر التعيين المباشر، وهو ما حوّل المنبر التشريعي إلى ساحة لحجز الحصانة والامتيازات لا للدفاع عن مصالح المواطنين. أما الدائرة الثالثة فترتبط بتهميش الدور التشريعي للمجلس نفسه، إذ تقتصر صلاحياته على “إبداء الرأي” دون قدرة حقيقية على اقتراح أو تعديل القوانين ومراقبة الحكومة.
الجلسة الافتتاحية كما وصفها مراقبون، كانت مؤشرًا، لأداء سيء، وتشكيل مترهل، ومجلس لا يختلف عن سابقه. المشهد الأكثر تداولًا منها هو تعثر عدد من النواب في قراءة القسم، ما اضطرهم لإعادته أكثر من مرة، بين أبرز الحالات النائب أحمد مصطفى محمد عدلي، والنائب أحمد سلام مدخل سليمان، حيث أعادا أداء اليمين مرة ثانية بعد الخطأ أثناء التلاوة، وكذلك النائب مشيل مرعى عطا الله الذي أعاد أداء اليمين بعد الخطأ نفسه. كما وقع النائب عمر خميس عمر في خطأ أثناء تلاوة القسم ثلاث مرات بسبب عبارات مثل “ووحدة وسلامة أراضيه” وكلمة “أرعى”، في حين أعادت النائبة ريم حسين أحمد فؤاد الصاوي القسم مرتين لنفس السبب، كما أعادت النائبة إيفا ماهر نصيف أداء القسم مرتين أيضًا بسبب عبارة “ووحدة وسلامة أراضيه”.
ويرى مراقبون تحدثوا إلى زاوية ثالثة أن مجلس الشيوخ الحالي يعكس بشكل واضح تحول الغرفة الثانية من منصة تشريعية إلى مساحة رمزية لمظاهر الولاءات السياسية والاقتصادية، حيث يسيطر عليها رجال المال والوجاهة الاجتماعية أكثر من خبراء وقوى شعبية تمثل المواطنين، مشيرين إلى أن المجلس أصبح يستخدم لتظهير السياسات الحكومية وتعزيز حضور رموز السلطة، بينما تظل المبادرات التشريعية والرقابية الفعلية شبه غائبة، ما يحوّله عمليًا إلى ما يشبه “نادي رجال الأعمال” أكثر منه إلى بيت خبرة وطنية يُفترض أن يصوغ القرارات الكبرى ويوازن بين الرؤية السياسية والمصلحة العامة.
ويتكون مجلس الشيوخ المصري من 300 عضو، يُنتخب ثلثاه، أي 200 عضو، عن طريق الاقتراع العام السري المباشر، في حين يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي، أي 100 عضو. ويجري اختيار الأعضاء المنتخبين وفق نظام انتخابي مختلط يجمع بين القوائم المغلقة المطلقة والنظام الفردي، بما يتيح تمثيلًا متنوعًا ظاهريًا، لكنه يظل خاضعًا في الممارسة لتوازنات سياسية محددة سلفًا.
نوصي للقراءة: رموز انتخابية محجوزة: القلم والكتاب للموالاة.. والموزة والقميص للمستقلين

إلغاء ثم عودة بلا أثر
قررت الدولة المصرية عام 2020 إعادة مجلس الشيوخ إلى الحياة السياسية بعد ست سنوات من إلغائه في دستور 2014، وحينها اعتبرت السلطات القرار محاولة لإحياء التوازن داخل المؤسسة التشريعية، وإيجاد مساحة أوسع للنقاش وصياغة الرؤى قبل إصدار القوانين، فضلًا عن “تعميق الحوار المجتمعي”، و”دعم النظام البرلماني بمجلس استشاري يعين في دراسة التشريعات”. غير أن السنوات التي تلت التأسيس أثبتت أن المجلس لم يتمكن من تجاوز حدود الشكل البروتوكولي إلى الدور الفعلي في صناعة القرار.
وعلى مدار أربع سنوات، عمر الدورة البرلمانية الماضية، بدا مجلس الشيوخ أقرب إلى هيئة استشارية تُستدعى عند الحاجة إلى دعم التوجهات الرسمية أو تمرير توصيات جاهزة، لا مؤسسة تملك أدوات رقابة أو تشريع حقيقية. كذلك، غياب التنافس الحزبي داخل المجلس، وهيمنة القوائم المغلقة التي صُممت على مقاس التحالفات السياسية الموالية للسلطة، أفقده التعددية التي تميز الغرفة الثانية في البرلمانات المقارنة. وعلى الرغم من بعض النقاشات حول قضايا اجتماعية واقتصادية، فإن تأثيرها ظل محدودًا ولم ينعكس على السياسات العامة أو التشريعات الصادرة عن مجلس النواب.
قبل عام 2014، كان لمجلس الشورى المصري، دورًا محدودًا لكنه حاول الحفاظ على توازن بين السلطة التنفيذية والرقابة المجتمعية. مع دستور 2014 بعد أحداث 2013، أُلغي مجلس الشورى وبقي البرلمان أحادي الغرفة، مع التأكيد على ضرورة مركزية قوية لتثبيت الاستقرار السياسي.
لكن المجلس الجديد، الذي أعيد بمسمى مجلس الشيوخ في 2020، منح صلاحيات محدودة، تقتصر على الإبداء بالرأي والدراسة الاستشارية لمقترحات تعديل الدستور والخطط التنموية والمعاهدات ومشروعات القوانين، لكنه لم يحصل على أدوات رقابية أو تشريعية مستقلة، ما جعله على الورق أداة لتعزيز التشريع بينما تحول عمليًا إلى غرفة استعراض أكثر منها منصة تشريعية حقيقية.
وتنص (المادة 248) من الدستور، على أن “يختص مجلس الشيوخ بدراسة واقتراح، ما يراه كفيلًا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته”.
فيما تحدد (المادة 249) اختصاصات المجلس، وتنص على: “يؤخذ رأي مجلس الشيوخ فيما يلي: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات، تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية، ويبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب”.
بالإضافة إلى ذلك، تمنع (المادة 253) المجلس مساءلة رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، والمهام التشريعية غالبًا ما تأتي إحالات من الحكومة أو مجلس النواب، مما يحد من قدرة المجلس على المبادرة.
الصلاحيات المحدودة ليست الإشكالية الوحيدة، فقد أدى تعيين ثلث أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية إلى تعزيز نفوذ السلطة التنفيذية على المجلس، مع توجيه التعيينات غالبًا إلى رموز حزبية مهادنة أو شخصيات مقربة من الدولة ورجال أعمال، مثل محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، سحر نصر وزيرة الاستثمار الأسبق، أسامة كمال وزير البترول الأسبق. وقد أثار اسم الفنان ياسر جلال، حالة جدل استثنائية كونه بعيد تمامًا عن الوسط السياسي والتشريعي كذلك.
فضلًا عن ذلك، أبرز التحالف بين قوائم الانتخابات ورجال الأعمال، مع تغلغل النفوذ الاقتصادي في مراكز القرار مثل انتخاب أحمد أبو هشيمة لرئاسة لجنة الشباب والرياضة، أبرز سيطرة الولاءات والمال على المجلس، وحوّله إلى شبكة مصالح اقتصادية وسياسية أكثر منها منصة تشريعية تمثل مصالح المواطنين.
وفي مقاله المنشور تحت عنوان: ” مجلس شيوخ بلا صلاحيات… صراع على الحصانة والوجاهة”، يقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إن ” الناظر والمدقق لصلاحيات مجلس الشيوخ الحالي، يجد إننا أمام صلاحيات شبه معدومة مقارنة بكل المجالس السابقة منذ العام 1923. ويضيف: “ارتبط كل ذلك بدستور 2012 المعدل عام 2019، والقوانين الأخرى، خاصة قانون (141) لسنة 2020 في شأن مجلس الشيوخ.
ويتابع: “عقب الدعوة إلى تعديل دستور 2012 للمرة الثانية، وكان ذلك عام 2019، كان أحد أبرز التعديلات الفرعية لذلك هو تأسيس مجلس آخر، باسم مجلس الشيوخ. وكانت م 82 من هذا الدستور في الأصل قد أقرت عام 2012 وجود برلمان من غرفتين، يمثلان معًا السلطة التشريعية، هما مجلس النواب ومجلس الشورى.
ويضيف: “لما كان الأخير قد نشأ بموجب لجنة الـ100 التي شكلها مجلس النواب عام 2012 لوضع الدستور، وكانت تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين، على غير رغبة معظم القوى المدنية التى كانت أقلية داخل اللجنة، وكانت لا ترغب في وجود هذا المجلس، بسبب الميراث السلبي الناتج عن عدم فاعليته في النظام السياسي، فقد كان أحد أولويات تعديل الدستور عام 2014، أي عقب أحداث 30 يونيو 2013، هو وجود برلمان من غرفة واحدة، وبالفعل كان التصويت بوجود غرفة واحدة هو الغالب داخل لجنة الـ50.” ويرى ربيع أن عودة المجلس الثاني عقب التعديل الدستوري عام 2019، كان بمثابة العودة لما أُقر عام 2012، لكن بشكل هزلي وكاريكاتيري.
نوصي للقراءة: 70مليون للمقعد: من يشتري طريقه إلى برلمان مصر؟

هيمنة رأس المال والسلطة
يرى زهدي الشامي – رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، أن قصة تحالف السلطة ورأس المال في مصر ليست جديدة، بل كانت موجودة دائمًا، لكنها تصاعدت وظهرت على السطح بشكل أوضح مع لجنة سياسات جمال مبارك وذراعه اليمنى أحمد عز، الذي خلف كمال الشاذلي أمينًا لتنظيم الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت. وقد أشرف هذا التحالف على انتخابات ٢٠١٠ الشهيرة، التي أتت بمثابة النهاية لنظام مبارك بسبب فجاجة إخراجها واستفزازها لعموم المصريين.
ويؤكد الشامي لـ”زاوية ثالثة” أن المشهد الراهن في انتخابات كل من مجلسي الشيوخ والنواب يذكرنا بذلك الماضي على نحو أكثر فجاجة، مشيرًا إلى أن السلطة ضمنت مسبقًا أغلبية المقاعد في المجلسين بواسطة ما يُسمى القائمة الوطنية المطلقة، التي انتشرت حولها أقوال كثيرة، حتى من داخل أحزاب السلطة المكونة لها، عن تسعيرة الترشح من خلالها.
ويضيف الشامي: “للأسف، تدل التركيبة النهائية لمجلس الشيوخ والأولية لمجلس النواب على الهيمنة التامة لمختلف صنوف رجال البيزنس، من مطورين عقاريين ومقاولين وأصحاب توكيلات السيارات وخلافه، وغياب أي تمثيل حقيقي لما كان يسمى قوى الشعب العامل: عمال وفلاحين وطبقة وسطى ومثقفين بارزين. وبالتالي يبدو المجلس مجرد مجلس لمجموعات مصالح، ولا يمت بأي شكل لمصر الحية التي نعرفها جميعًا، وهو وضع بالغ الخطورة.”
تمنح عضوية مجلس الشيوخ المصري حامليها امتيازات واسعة تتجاوز أي دور تشريعي فعلي، إذ تُتيح بطاقة العضوية المرور السلس والسريع عبر المطارات والمنافذ والكمائن الأمنية دون تفتيش. إلى جانب ذلك، يحصل العضو على مكافأة شهرية تصل إلى 42 ألف جنيه معفاة من الضرائب والرسوم، لا يمكن الحجز عليها أو التنازل عنها، ما يجعلها مصدر دخل مضمون ومحصنًا قانونيًا.
ولا تقتصر الامتيازات على المكافآت المالية فحسب، بل تشمل مزايا عينية فاخرة مثل التأمين الطبي الشامل له ولأسرته من الدرجة الأولى، بطاقات سفر جوية سنوية، واشتراك سفر بالدرجة الممتازة على السكك الحديدية، إلى جانب إمكانية الاقتراض من المكافأة الشهرية والاحتفاظ بالمخصصات المالية من جهة العمل طوال فترة العضوية، مع احتساب مدة العضوية في المعاش أو المكافأة.
نوصي للقراءة: ممنوع من التصويت: مصريون أنهوا عقوبتهم لكن حُرموا حق الانتخاب

مجلس الشيوخ: ركيزة دستورية مهدرة
ترى الدكتورة سارة كيرة، رئيسة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للدراسات السياسية، أن مجلس الشيوخ المصري، في بنيته الدستورية والفكرية، يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التوازن داخل المنظومة السياسية والتشريعية للدولة. فهو، على حد وصفها، ليس مجرد غرفة ثانية للبرلمان، بل مساحة عقلانية يُعاد فيها التفكير في القرارات قبل أن تتحول إلى قوانين ملزمة. موضحة أن المجلس بطبيعته الاستشارية، صُمم ليكون منبر النخبة الفكرية والعلمية في البلاد، يُستدعى إليه من تَكَوَّنت لديهم الخبرة والمعرفة والقدرة على الرؤية الأبعد من اللحظة السياسية، ليشكلوا حلقة الوصل بين العلم والسياسة، وبين الرؤية والقرار.”
لكنها تحذر من أن تحول المقعد التشريعي إلى موقع للتمثيل الشكلي، بدل أن يكون منصة للعقول المتخصصة، يفرغ المجلس من جوهره، ويحول القوانين من نصوصٍ تعكس فكرًا ووعيًا ومعرفة بتوازنات المجتمع والدولة والعالم، إلى قرارات بلا عمق استشاري، مؤكدة أن “غياب الخلفيات القانونية والبحثية عن أغلبية أعضاء المجلس يفرغ دوره من جوهره، ويحوّله من بيت خبرة وطني إلى مجلس بروتوكولي بلا تأثير فعلي في صياغة السياسات.”
وتتابع الباحثة بالشأن السياسي: “السياسة الرشيدة لا تقوم على النوايا فقط، بل على تراكم المعرفة والخبرة. مجلس الشيوخ في صيغته المثالية يُفترض أن يكون المصفاة الفكرية للدولة المصرية؛ المكان الذي تتلاقى فيه الخبرات القانونية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعلمية لصياغة الرؤى المستقبلية الكبرى للدولة”، مشددة على أن غياب الخبراء لا يضر الأفراد فحسب، بل يُضعف الدولة ذاتها ويقيد الحوار الوطني: “إقصاء الكفاءات أو تجاهلها يُفقد الدولة صوت العقل، ويزرع داخل النخبة إحساسًا بالعزلة السياسية، ويجعل الحوار الوطني فقيرًا في التنوع والرؤية.”
وتقول: “إن إحياء الدور الحقيقي لمجلس الشيوخ يبدأ من احترام الفكرة التي أُنشئ من أجلها: أن يكون بيتًا للعقول لا للولاءات، ومنبرًا للخبرة لا للوجاهة. الدولة التي تُصغي إلى خبرائها تبني لنفسها مستقبلًا أكثر استقرارًا، أما التي تكتفي بالأصوات القريبة منها، فإنها تُعيد إنتاج قراراتها في دائرة مغلقة بلا تطور ولا أفق. البرلمان قوة التشريع، لكن مجلس الشيوخ هو ضمير التشريع، وإذا غاب الضمير، ضاعت الحكمة واختفى الاتزان الذي تحتاجه الدول لتبقى على مسارها الصحيح.”
تاريخ حافل.. وحاضر يبحث عن مكانة
على مدار تاريخه، نحو مائتي عام ظل مجلس الشيوخ يمثل تقليدًا نيابيًا راسخًا في النظام المصري، يجمع بين الاستشارة والممارسة التشريعية الجزئية. وفي نشأته، كان يمثل نخبة الأعيان والعلماء، ثم تطورت مهامه تدريجيًا. مر المجلس بفترات من الإلغاء وإعادة التأسيس بحسب الظروف السياسية والدستورية، وظهر بشكل واضح منذ 2020 كغرفة استشارية تعكس دورًا محدودًا في السياسات العامة، مع إبراز خبرات القطاع الخاص والمجتمع المدني، دون امتلاك أدوات رقابية قوية أو قدرة على المبادرة التشريعية المستقلة.
في عهد محمد علي باشا (1824-1829)، بدأ تأسيس المجلس العالي عام 1824، ثم تأسس مجلس المشورة عام 1829 بعضوية 156 شخصًا، بينهم 99 منتخبين، وهو ما مثل أولى المحاولات لمشاركة محدودّة في الحياة النيابية. في عهد الخديوي إسماعيل (1866)، شهدت مصر أول تجربة برلمانية فعلية مع تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه للمرة الأولى، بما شكّل خطوة مهمة نحو تطوير الحياة السياسية.
بين عامي 1913 و1923، وُجدت فترة الجمعية التشريعية التي شملت مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، قبل صدور دستور 1923 الذي أنشأ مجلس الشيوخ كغرفة ثانية للبرلمان إلى جانب مجلس النواب، مع اختصاصات استشارية وتشريعية جزئية، إذ انتخب ثلاثة أخماس أعضائه وعُين الباقي بواسطة الملك.
بعد ثورة 1952، شهدت هياكل البرلمان تغييرات متكررة، مع إنشاء مؤسسات جديدة بعضها أُلغي أو تغير دوره وفق الدساتير المتعاقبة. وفي عهد دستور 1971 أُنشئ مجلس الشورى كمؤسسة استشارية استمرت حتى 2013، عندما أُلغي عقب أحداث الثورة، ليختفي المجلس مؤقتًا من المشهد البرلماني.
عاد مجلس الشيوخ إلى المشهد بعد التعديلات الدستورية عام 2019، وأُجريت أول انتخابات له في 2020، ليصبح الغرفة الثانية للبرلمان المصري من جديد. المجلس الجديد يمتاز بصلاحيات محددة يغلب عليها الطابع الاستشاري، ويتكون من أعضاء منتخبين ومعينين، مع التركيز على التعاون مع مجلس النواب وصياغة سياسات عامة، بدلًا من ممارسة تشريع كامل ومستقل.
في ظل اعتماد المجلس على التعيينات والنفوذ المالي، وغياب ارتباط جماهيري حقيقي، أصبحت الغرفة الثانية واجهة صورية لتظهير السياسات الحكومية، مع تشريعات غالبًا إجرائية أو إدارية، ما يفقد المجلس أهميته كهيئة تشريعية حقيقية قادرة على حماية مصالح المواطنين أو تعزيز الرقابة على السلطة التنفيذية.