close

صديق البيئة عدو المسؤولين: مصادرة السكوتر في القاهرة وإغلاق المحال بلا إنذار

قرار محافظ القاهرة بمصادرة السكوترات الكهربائية شمل سكوترات البالغين أيضًا، ما تسبب في خسائر للتجار، بينما أقر البرلمان تعديلًا جديدًا يسمح بترخيص الدراجات الخفيفة لمن هم فوق 16 عامًا.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

أثار القرار الصادر مؤخرًا عن محافظ القاهرة بمصادرة سكوترات الأطفال وإغلاق المحال التي تبيعها، جدلًا واسعًا في الشارع وسوق الدراجات الكهربائية معًا. فبينما يقول بعض المواطنين إن الخطوة تهدف إلى حماية الأطفال بعد تكرار حوادث الطرق، يرى تجار ومستخدمون أن التنفيذ العشوائي للقرار ألحق أضرارًا كبيرة بالسوق وأربك حركة البيع والشراء.

القرار، الصادر في 28 أكتوبر الماضي والمنشور على الصفحة الرسمية لمحافظة القاهرة، كان يستهدف السكوترات الصغيرة التي تُستخدم دون ضوابط من الأطفال، بعدما تسببت في حوادث ووفيات. إلا أن تطبيقه امتد إلى سكوترات البالغين أيضًا، ما أدى إلى مصادرة بضاعة من متاجر عدة في أحياء مثل عابدين والمعادي وشارع رشدي.
أحمد حسن (اسم مستعار)، تاجر دراجات كهربائية يملك متجرًا في وسط القاهرة، يصف لـ”زاوية ثالثة” ما جرى بأنه “عشوائي وتعسفي”، موضحًا أن “التجار لا يعرفون ما إذا كانت هناك غرامات أو إجراءات لاستعادة البضائع المصادَرة”. ويضيف: “صادر الحيّ سكوترات من متجري في وسط البلد، وتكرر الأمر مع زملاء في مناطق أخرى. في القاهرة يُنفذ القرار بصرامة غير مبررة، بينما في الجيزة كان التطبيق أكثر اتزانًا واقتصر على مؤجري السكوترات للأطفال فقط”.

ويشير التاجر إلى تناقض القرار مع سياسات الدولة الإنتاجية، إذ تُنتج الهيئة العربية للتصنيع، التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، معظم سكوترات البالغين المتداولة في السوق، إلى جانب كميات مستوردة قانونيًا من الصين عبر تجار كبار. ويتساءل: “إذا كانت هذه المنتجات ممنوعة، فلماذا يُسمح بإنتاجها أو استيرادها من الأساس؟”.

ويؤكد حسن تفهمه للدوافع الأمنية، لكنه يشدد على ضرورة وضع لائحة واضحة لترخيص واستخدام السكوترات الكهربائية، خاصة أن قانون المرور لا يتضمن أحكامًا تخصها، ما يجعل إدارات المرور تصادرها بدعوى أنها غير مدرجة في القانون. ويرى أن غياب التنظيم القانوني خلق ارتباكًا لدى التجار والمستهلكين معًا، رغم أن السكوتر الكهربائي وسيلة نظيفة وصديقة للبيئة تعمل بالكهرباء ولا تصدر انبعاثات ضارة، ويجب إدماجه في منظومة النقل الحديثة.

وجّه نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية  الدكتور إبراهيم صابر، في 28 أكتوبر الماضي، نوابه بالمناطق الأربعة ورؤساء الأحياء، إلى الإغلاق الفوري للمحال التي تبيع السكوتر الكهربائي، باعتباره من “ألعاب الأطفال الخطرة”، مع مصادرة أي سكوتر مخالف من هذا النوع. وأعلنت المحافظة أن الأجهزة التنفيذية في حي النزهة أغلقت محلًا لبيع وتأجير سكوترات الأطفال بسبب عمله دون ترخيص وممارسته نشاطًا غير مصرح به، مشيرة إلى أن الحملات التي نُفذت في عدد من الأحياء أسفرت عن التحفظ على سكوترات كانت تُستخدم في الشوارع بالمخالفة للقرار.

وسبق قرار القاهرة توجيهات مماثلة من محافظ الجيزة، عادل النجار، في 25 يوليو الماضي، لرؤساء الأحياء والمراكز بالتعاون مع إدارة المرور لتنفيذ حملات لضبط السكوترات الكهربائية الخاصة بالأطفال. وأوضح بيان صادر عن محافظة الجيزة حينها أن التوجيه يقتصر على السكوترات التي يستخدمها الأطفال والصبية كمركبات ترفيهية على المحاور والطرق العامة، والتي لا تُرخص وتشكل خطرًا على سلامة المستخدمين والمارة. وخلال الأشهر الماضية، نظمت المحافظة حملات عدة صادرت خلالها عددًا من السكوترات الكهربائية التي كانت تُؤجر للصبية والأطفال.


لم تقتصر تداعيات قرارات المحافظين الأخيرة بمصادرة السكوترات الكهربائية ومنع بيعها أو تأجيرها على كبار التجار، بل طالت أيضًا أصحاب المشاريع الصغيرة. من بينهم نصر مبارك، موظف سابق يبلغ من العمر 59 عامًا، يعاني من الروماتويد المزمن وضعف شديد في البصر اضطره إلى التقاعد المبكر. بعد خروجه من العمل، بحث عن مشروع صغير يعينه على الإنفاق على أسرته.

يقول مبارك إنه استوحى فكرته من انتشار تأجير السكوترات للمصطافين في الإسكندرية، فاستثمر كل مدخراته في شراء ثلاث سكوترات كهربائية وموتوسيكل لتأجيرها للشباب. لكن القرارات الأخيرة أوقفت نشاطه تمامًا، إذ عزف المستهلكون عن الشراء أو التأجير خوفًا من مصادرتها، رغم أنه يقيم في إحدى قرى محافظة أسوان التي لم تُطبَّق فيها القرارات بعد.

ويضيف لـ”زاوية ثالثة”: “السكوترات التي أملكها مخصصة للبالغين وليست للأطفال، وسرعتها القصوى لا تتجاوز 40 كيلومترًا في الساعة. هي وسيلة مناسبة للتنقل داخل القرى التي تفتقر إلى وسائل مواصلات كافية. هذا القرار حرم كثيرين من وسيلة نقل اقتصادية، أما أنا فلا أعرف كيف أتصرف بعد أن أنفقت مدخراتي بالكامل على شرائها، خاصة أنني متزوج ولدي خمسة أبناء في مراحل دراسية مختلفة، وأعتمد الآن على معاش والدي الراحل البالغ 1800 جنيه شهريًا فقط، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة”.

ويتفق حديث مبارك مع ما أفاد به عدد من المواطنين، الذين تحدثوا إلى “زاوية ثالثة”، واعتبروا أن السكوتر الكهربائي وسيلة نقل اقتصادية، وفّرت عليهم نفقات المواصلات، بجانب كونها أرخص سعرًا بكثير من الدراجات النارية التقليدية، التي تبدأ أسعارها في مصر من 30 ألف جنيه وتصل إلى مليون ونصف، وأكثر توفيرًا لاعتمادها على الكهرباء وليس البنزين أو السولار اللذان ارتفعت أسعارهما، بنسبة تصل إلى 13% في ثاني زيادة لهما، خلال عام 2025، إضافة لكونها لا تصدر ضجيجًا ولا تلوث البيئة، وعلى النقيض أكد مواطنون سعادتهم بالقرار، خوفًا من تعرض أطفالهم لحوادث الطرق.

وشهدت مصر خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الحوادث المأساوية التي راح ضحيتها أطفال أثناء استخدامهم دراجات كهربائية (سكوتر) في مناطق مختلفة؛ ففي فبراير 2025، لقي طفل مصرعه في منطقة جسر السويس بالقاهرة، إثر اصطدامه بسيارة نقل أثناء قيادته سكوترًا كهربائيًا كان قد استأجره للترفيه، ما أدى إلى وفاته في الحال، وفي 27 يوليو 2024، اصطدمت سيارة بسكوتر كهربائي كان يستقله ثلاثة أطفال بمدينة نصر، ما أسفر عن مصرع طفلين وإصابة الثالث بجروح خطيرة.

فيما أوضح النائب البرلماني، عمرو رشدي، عضو لجنة الإدارة المحلية عن حزب مستقبل وطن، أن قرار محافظ القاهرة بالغلق الفوري لمحال الاسكوتر الكهربائي لم يأت من فراغ لكنه نتاج متابعة ومطالبة مباشرة كان قد تقدم بها خلال اجتماع بالمجلس التنفيذي مع المحافظ و طلبات إحاطة تقدم بها للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب بمنع ما وصفه بـ”ظاهرة السكوتر الكهربائي” في الزيتون والأميرية، لما تمثله من خطر حقيقي على حياة الأطفال والطلاب بسبب الاستخدام العشوائي له، – بحسب ما ذكر على صفحته الرسمية -.

وكان قد تقدّم المحامي أيمن محفوظ، في 15 فبراير الماضي، بشكوى إلى رئاسة الوزراء، تحمل رقم( 9444344)، ويطالب فيها بمنع استخدام سكوترات الأطفال الكهربائية في شوارع مصر، مبيّنًا أنّ تلك السكوترات تُستورد بكميات كبيرة وتُؤجَّر لطلاب المدارس، ما يجعلها سببًا لحوادث وجرائم، كما أنّ بطارياتها تنطوي على خطر انفجار، داعيًا إلى تفعيل قرار وزارة التجارة والصناعة الذي ينظم استيراد وتداول هذه المركبات وتحديد اختصاص محال البيع لها فقط، وشنّ حملات رقابية وأمنية عاجلة لحماية الأطفال والمارة من مخاطرها في الشوارع المصرية. 

 

نوصي للقراءة: رفع أسعار الوقود للمرة الـ20.. الحكومة تختار الطريق الأسهل.. والشعب يدفع

سكوترات كهربائية محلية الصنع

لا تقتصر السكوترات الكهربائية المتوفرة في الأسواق المصرية على تلك المستوردة من الصين؛ إذ يُنتج مصنع قادر للصناعات المتطورة، التابع للهيئة العربية للتصنيع، على تصنيع أنواعًا منها، وتطرحها للبيع في الأسواق بأسعار تنافسية؛ إذ يؤكد اللواء أركان حرب مهندس مختار عبد اللطيف، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، أن الهيئة، من خلال مصنع “قادر” للصناعات المتطورة، تقوم بتصنيع الدراجات البخارية الكهربائية “السكوترات” بجميع أنواعها، موضحًا أن عملية الإنتاج تعتمد على مكونات محلية الصنع وأخرى مستوردة من الخارج.

ويؤكد عبد اللطيف لـ”زاوية ثالثة”، أن الهيئة بدأت إنتاج هذا النوع من السكوترات قبل نحو ثلاث سنوات، مشيرًا إلى أن الأسعار تختلف باختلاف المواصفات والإمكانيات، مثل قدرة البطارية الكهربائية على قطع المسافات وسرعة الدراجة، حيث تتراوح الأسعار بين 15 ألف جنيه مصري وتصل إلى 100 ألف جنيه، نافيًا أن تكون الهيئة قد أنتجت أيًا من السكوترات الصغيرة الخاصة بالأطفال، والتي تُباع جاهزة في الأسواق بعد استيرادها من الخارج.

يقول: “الهيئة تنتج فقط الدراجات الكهربائية الشبيهة بالدراجات النارية من حيث التصميم والاستخدام، وبعض أنواع هذه الدراجات تخضع للترخيص المروري مثلها مثل الدراجات النارية التقليدية، وأعتقد أن قرار محافظ القاهرة الأخير بشأن منع السكوتر الكهربائي لا يستهدف هذا النوع من المركبات، بل يخص سكوترات الأطفال، وإلاّ فليتم منع الموتسيكلات بالضرورة”.

ويضيف أن السكوترات الكهربائية المصنعة في مصنع “قادر” مطابقة لمعايير الأمان، ويمكن قيادتها على الطرق الداخلية والسريعة على حد سواء، حيث تصل سرعتها إلى نحو 120 كيلومترًا في الساعة، وهو ما يجعلها منافسة قوية للدراجات النارية التقليدية، وهي تعمل بالكهرباء، لذا تُعد وسيلة نقل صديقة للبيئة واقتصادية في استهلاك الطاقة، فضلًا عن أن قيادتها أسهل بكثير من قيادة الدراجة النارية التي تعمل بالوقود، كما أنها أخف وزنًا.

ويشير عبد اللطيف إلى أن الهيئة تشهد إقبالًا متزايدًا من الشباب على هذا النوع من الدراجات منذ بدء إنتاجها، مؤكدًا أن مصنع “قادر” يضم نماذج متعددة منها، ويدعو وسائل الإعلام لزيارة المصنع للتعرف على خطوط الإنتاج ومواصفات الدراجات عن قرب، باعتبارها نموذجًا لتصنيع وطني واعد يعتمد على التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة.

فيما توضح مروة محمد، مسوّقة دراجات كهربائية (سكوترات)، أن أنواع السكوترات الكهربائية المتداولة في السوق تختلف وفقاً لقدرة الموتور وسعة البطارية، وأكثر رواجًا في مصر هي ماركة “كواوي”، الصينية المنشأ، مُبينة أن هناك ثلاثة مستويات من السكوترات الكهربائية، تنقسم إلى: النوع الصغير المزود ببطارية 450 وات، ويُباع بسعر يبلغ نحو 10 آلاف جنيه، والنوع المتوسط بقدرة 650 وات ويبلغ سعره نحو 14 ألف جنيه، بينما يبلغ سعر النوع الأكبر، المزود بمحرك 2000 وات، حوالي 35 ألف جنيه.

وتضيف في حديثها لـ”زاوية ثالثة”، أن السكوتر الصغير يُناسب الأطفال حتى سن 13 أو 14 عامًا، في حين يُستخدم النوع المتوسط عادةً من قبل الفئة العمرية حتى نحو 19 أو 20 عامًا، مؤكدة أن جميع هذه الأنواع تعمل بالكهرباء ولا تحصل على ترخيص مروري، على عكس السكوترات أو الدراجات النارية التي تعمل بالبنزين، مشيرة إلى أن السكوترات الكهربائية يفترض أن تُستخدم كوسيلة للترفيه أو التنقل داخل المناطق المغلقة، إلاّ أن بعض المحال تؤجرها بالساعة للاستخدام داخل مناطق محدودة.

 

نوصي للقراءة: ارتفاع حوادث الطرق في مصر يُناقض المشاريع العملاقة

التقنين وتخصيص مسارات آمنة

من جهته يرى الدكتور حسن مهدي، أستاذ الطرق والنقل بكلية الهندسة جامعة عين شمس، أن استخدام الدراجات البخارية الكهربائية (السكوتر) قد يكون مناسبًا داخل المجتمعات السكنية المغلقة أو القرى السياحية والمناطق المؤهلة ذات المسارات المخصصة لحركة الدراجات الهوائية، لكنه غير آمن على الطرق العامة أو السريعة، موضحًا أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الترخيص، إذ أن مستخدمي هذه الدراجات لا يحملون رخصة قيادة ولا يخضعون لقواعد المرور، ما يزيد من احتمالات وقوع الحوادث، خاصة في ظل ضعف التزام قائدي المركبات أنفسهم بالقواعد المرورية.

ويوضح أن كثيرًا من الطرق في مصر تفتقر إلى أرصفة أو مسارات مخصصة، كما أن بعض الطرق السريعة غير مضاءة جيداً، بينما قد تكون الدراجات الكهربائية غير مزودة بإنارة كافية، ما يجعلها عرضة لحوادث التصادم، مشيرًا إلى أن الدول المجاورة تستخدم هذه الوسائل في نطاقات محدودة فقط، مثل المناطق السكنية أو الممرات الواسعة المخصصة للمشاة، وليس على الطرق السريعة أو المحاور الرئيسية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن هذه الوسائل يمكن أن تكون مفيدة لخدمات التوصيل داخل نطاقات محدودة، لكن استخدامها عبر مسافات طويلة أو على المحاور السريعة يمثل خطرًا كبيرًا، ومن الضروري أن يتم سنّ تشريع واضح ينظم ترخيص هذه الدراجات ويضمن مطابقتها لمعايير الأمن والسلامة قبل السماح باستخدامها على نطاق واسع”.

ويشير خبير الطرق والنقل إلى أن مصر شهدت تجربة لاستخدام السكوترات الكهربائية بنظام المشاركة من خلال تطبيق إلكتروني يتيح استئجار الدراجة والدفع إلكترونيًا، لكنه لم يحقق النجاح المطلوب بسبب ضعف الإقبال وغياب ثقافة الاستخدام الجماعي، لافتًا إلى أهمية تقييم هذه التجربة ودراسة أوجه القصور لتطويرها وإعادة تطبيقها في ظل الحاجة إلى حلول نقل منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة، وضرورة التحول إلى النقل النظيف مع ارتفاع أسعار الوقود وزيادة التلوث، موضحًا أن الدراجات الكهربائية لا تصدر عنها ضوضاء أو انبعاثات ضارة، بخلاف الدراجات النارية التي كثيرًا ما تُستخدم دون ترخيص وتسبب حوادث متكررة.

ويشرح مهدي أن وسائل النقل الخفيفة مثل الدراجات الكهربائية أو عربات “الجولف”، فلا تزال خارج منظومة الترخيص لأنها تُستورد في صورة أجزاء وتُجمع محلياً دون معايير فنية أو رقابية، ما يجعل ترخيصها حالياً أمراً غير ممكن، مُبينًا أهمية تقنين أوضاع هذه الوسائل ومنحها اعترافاً مرورياً، بالتزامن مع إنشاء مسارات آمنة مخصصة لها ضمن مشروعات تطوير الطرق، على أن يبدأ التنفيذ في مناطق محددة ويتم التوسع تدريجياً مع نجاح التجربة.

بدوره يعتبر  المحامي المتخصص في قضايا البيئة، أحمد الصعيدي، رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية للحقوق البيئية، أن قرار محافظ القاهرة بمنع الدراجات البخارية الكهربائية (السكوتر) يكشف عن أزمة أعمق تتعلق بغياب الإطار التشريعي المنظم لوسائل النقل الحديثة، مشيرًا إلى أن قانون المرور المصري الصادر عام 1973 لم يعد مناسبًا للتعامل مع التحديات المرورية الراهنة ولا مع التطور التكنولوجي في وسائل النقل.

يقول لـ “زاوية ثالثة”: “هذا القصور التشريعي أدى إلى أزمات متكررة مع ظهور مركبات جديدة مثل “التوك توك” والدراجات الكهربائية، إذ لا يتضمن القانون نصوصاً تنظم استخدامها أو تراخيصها، ما يضطر المسؤولين المحليين إلى اتخاذ قرارات منفردة لمعالجة المشكلة دون مشاركة مجتمعية أو استشارة للخبراء البيئيين، وهو ما ينتج عنه حلول غير مكتملة”.

ويضيف الصعيدي أن قرار المنع، رغم أنه قد يستند إلى دوافع تتعلق بحماية الأطفال وسلامة المواطنين، إلا أنه ليس حلًا عمليًا، لأن هذه الوسائل موجودة بالفعل وتُستخدم على نطاق واسع، مشددًا على أن الحل يكمن في تقنين الوضع وتنظيمه وليس منعه، لاسيما أن الدراجات الكهربائية تعد وسيلة نقل موفرة للطاقة وصديقة للبيئة، لأنها تعمل بالكهرباء ولا تنتج ملوثات، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو النقل المستدام وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في ظل أزمة الطاقة الحالية.

ويشير المحامي البيئي إلى أن الدول المتقدمة واجهت المشكلات ذاتها، لكنها لم تلجأ إلى الحظر، بل خصصت مسارات للدراجات الهوائية والكهربائية ومسارات للمشاة، مما جعل استخدام هذه الوسائل آمنًا ومنظمًا، ويستشهد بتجربة هولندا، التي بدأت هذا التحول منذ عام 1984، واستطاعت من خلال السياسات المشجعة والحوافز وبناء البنية التحتية المناسبة أن تجعل الدراجات وسيلة نقل رئيسية هناك.

ويؤكد أن مصر بحاجة إلى تحديث تشريعاتها المرورية، وإطلاق برامج توعية وتثقيف بيئي، إلى جانب دعم المبادرات الفردية التي تشجع على استخدام وسائل النقل النظيفة، معتبرًا أن المنع ليس حلًا، لأن المستخدمين سيستمرون في استعمال هذه الوسائل، بينما تظل المشكلة قائمة، متسائلاً: “كيف نمنع وسيلة صديقة للبيئة في وقت نسعى فيه لتقليل الانبعاثات وتشجيع التحول للطاقة النظيفة؟”.

 

نوصي للقراءة: دراجات المدينة.. مشروع بيئي أم تجميل سياسي؟

الغرف التجارية تتابع الموقف 

بسؤاله حول قرار محافظي القاهرة والجيزة بمنع استخدام الدراجات البخارية الكهربائية (السكوتر) ومصادرتها وإغلاق المتاجر التي تبيعها، يؤكد المهندس أسامة الشاهد، رئيس غرفة الجيزة التجارية، أن القرار ما يزال قيد الدراسة داخل الغرفة، وذلك لبحث تداعياته على التجار والبضائع الموجودة بالفعل في الأسواق، وكذلك على المستهلكين من أصحاب السكوترات التي تسير حالياً في الشوارع.

يقول لـ “زاوية ثالثة”: “إن الغرفة التجارية تتابع الموقف عن كثب تمهيدًا لعرضه على الجهات المعنية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق التجار والمستهلكين المتأثرين بالقرار، وستتواصل مع محافظ الجيزة لمناقشة تفاصيل القرار وآثاره قبل إصدار أي موقف رسمي بشأنه”.

ويشير الشاهد إلى أن عددًا من التجار المتضررين بدأوا بالفعل في التقدم بشكاوى إلى الغرفة، لافتاً إلى أن المواطنين الذين اشتروا هذه الدراجات من السوق ربما يتقدمون هم أيضًا بشكاوى مماثلة، نظرًا لما قد يسببه القرار من أضرار مادية لهم.

فيما نفى أيمن العشري، رئيس غرفة القاهرة التجارية، علمه بقرار محافظ القاهرة، الصادر في أواخر أكتوبر الماضي، بمصادرة الدراجات البخارية الكهربائية (السكوترات) أو إغلاق المحال التي تبيعها، مؤكدًا أنه لم يتم إخطار الغرفة بأي تعليمات أو قرارات في هذا الصدد، مشيرًا إلى أنه كان في اجتماع مع المحافظ في اليوم نفسه، الذي تواصلنا فيه معه، ولم يتم التطرق الحديث إلى أي موضوع يتعلق بالسكوترات الكهربائية أو حملات مصادرتها.

يقول لـ “زاوية ثالثة”: “الغرفة التجارية في القاهرة لم تتلق حتى الآن أي شكاوى من التجار أو أصحاب المحال حول هذا الأمر، لكني سأتواصل مع الجهات المعنية في محافظة القاهرة للتحقق من حقيقة القرار ومتابعة الموقف، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حال ثبوت صدوره رسميًا”.

بدوره وافق مجلس النواب، ـ مطلع نوفمبر الجاري ـ، نهائيًا على مشروع تعديل قانون المرور وقانون الطفل، الذي يسمح لمن يبلغ سن 16 عامًا بالحصول على رخصة قيادة للدراجات النارية الخفيفة مثل: الموتوسيكل والسكوتر. 

بدوره أشاد المستشار أحمد سعد، وكيل مجلس النواب، بتعديلات قانون المرور الجديد التي قدمتها وزارة الداخلية، وأقرها المجلس مؤخرًا، موضحًا أن القانون جاء مواكبًا للتطورات العالمية في ما يخص المركبات الآلية الخفيفة، مثل الدراجات الكهربائية والاسكوترات المزودة بمحرك، مؤكدًا أن التعديلات لا تشمل الدراجات النارية أو مركبات التوك توك، مضيفًا أن التجربة المصرية تستند إلى نماذج مماثلة في فرنسا وألمانيا، حيث يُسمح للمراهقين بقيادة الدراجات الخفيفة ضمن ضوابط محددة.

وخلال مداخلة هاتفية في برنامج «90 دقيقة» على قناة المحور مع الإعلامية بسمة وهبة، أوضح النائب أن من أبرز التعديلات استحداث رخصة قيادة للدراجة الآلية الخفيفة، وخفض سن الحصول على الترخيص إلى 16 عامًا بدلًا من 18، بهدف تنظيم استخدام هذه المركبات التي انتشرت مؤخرًا، مشيرًا إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون ستحدد المواصفات الفنية وسرعة هذه المركبات، ولن يُسمح بترخيص أي مركبة لا تستوفي تلك الشروط.

وفي وقتٍ أقر فيه مجلس النواب تعديلات قانون المرور الجديدة، التي تستحدث لأول مرة رخصة لقيادة الدراجات الآلية الخفيفة وتنظم استخدام السكوترات الكهربائية، في محاولة منه لتقنين وسيلة نقل صديقة للبيئة وتخفيف الزحام المروري، فإن قرارات المحافظين الأخيرة بحظر السكوترات ومصادرتها، تسببت في خسائر  للتجار والمستهلكين على حد سواء. 

 وبينما ينتظر التجار والمستهلكون صدور لوائح تنفيذية واضحة تميز بين سكوترات الأطفال والمركبات الكهربائية المرخصة للكبار، يبقى الأمل معقودًا على أن تسهم تعديلات قانون المرور في إعادة تنظيم السوق، وتحقيق التوازن بين متطلبات الأمان والسلامة وحماية مصالح المواطنين.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search