خلف الكواليس، تُدار معارك لا تقل ضراوة عمّا يظهر في سياق التنافس الانتخابي في مصر، من بين أبرزها محاولات الحصول على رمز انتخابي “مميز”، ربما يمنح صاحبه قدرًا من الوجاهة الاجتماعية أو يسهم في ترسيخ صورته لدى الناخبين. فالرصيد الرمزي في الوعي الشعبي لا يقل أهمية عن الخطاب السياسي، إذ ارتبطت بعض الرموز في الذاكرة الجمعية للمصريين بدلالات اجتماعية وثقافية يصعب تجاوزها، مثل النخلة والهلال والميزان.
عرفت الحياة السياسية المصرية الرموز مع إقرار قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 47 لسنة 1956، حيث تم النص في المادة 29 منه على اقتران اسم كل مرشح للانتخابات، وكل موضوع مطروح للاستفتاء بلون أو رمز يُحدد بقرار من وزارة الداخلية، بحسب ما نصت عليه اللائحة التنفيذية للقانون. وبمرور العقود، تحوّل السباق على الرموز إلى ساحة خفية من النفوذ، تخوضها الأحزاب والقوى السياسية سعيًا لاحتكار العلامات الأكثر تأثيرًا، في مشهد يكشف جانبًا آخر من معركة الوعي في الانتخابات المصرية، حيث لا يدور التنافس فقط على الأصوات.
ورغم أن القانون ينظم عملية اختيار الرموز للمرشحين، فإن الصراع عليها لا يخلو من كواليس وضغوط واتصالات مكثفة تجري في اللحظات الأخيرة لحجز المميز منها لمرشحي أحزاب الموالاة القريبة من السلطة، حسبما تؤكد مصادر مطلعة تحدثت لـ”زاوية ثالثة”.
خلال الانتخابات البرلمانية التي تبدأ في 10 نوفمبر الجاري، طرحت “الوطنية للانتخابات” 183 رمزًا للمترشحين على النظام الفردي و148 رمزًا للقوائم تتنوع بين رموز نباتية وحيوانية وصناعية وأدوات من الحياة اليومية، لتغطي احتياجات المرشحين في الدوائر المختلفة، خصوصًا في ظل التنافس بين المستقلين وممثلي الأحزاب. غير أن بعض الرموز تظل أكثر جذبًا من غيرها، لما تحمله من دلالات إيجابية في الوجدان الشعبي، مثل “النخلة”، و”الأسد”، و”المفتاح”، و”الميزان”، على سبيل المثال، وهي رموز يُنظر إليها باعتبارها حاملة لمعاني القوة أو العدل أو البركة، ما يجعلها هدفًا يتسابق عليه المرشحون.
وفي المقابل، تظهر شكاوى من مرشحين يرون أن الأحزاب الكبرى أو الشخصيات النافذة تحظى بأولوية في الحصول على الرموز “المميزة”، لتصبح الرموز في حد ذاتها انعكاسًا لميزان القوى داخل المشهد الانتخابي، ووسيلة رمزية لإظهار النفوذ والسطوة السياسية قبل بدء التصويت الفعلي.
تجربة أحمد عبد ربه، مرشح حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بدائرة أول طنطا بمحافظة الغربية، تعكس هذا الجانب الخفي من المنافسة. ففي صباح الثامن من أكتوبر الماضي، كان يستعد لتقديم أوراق ترشحه لانتخابات مجلس النواب 2025، ووصل إلى مقر المحكمة قبل فتح باب الترشح بثماني ساعات كاملة، حرصًا على أن يكون أول المتقدمين. يقول لـ زاوية ثالثة: “وقفت أول شخص أمام باب المحكمة ولم يأتِ أحد قبلي”. رافقه عدد من أصدقائه إلى مجمع محاكم طنطا ليشهدوا معه لحظة الترشح رسميًا، على أمل أن يمنحه ذلك فرصة الحصول على رقم متقدم في القائمة، ومن ثم اختيار الرمز الذي يريده قبل غيره من المرشحين.
لكن المفاجأة، كما يروي عبد ربه، كانت في تدخل مجموعة من الأشخاص الذين وصفهم بـ”البلطجية” لمنعه من تصدر الصف، حيث اعتدوا عليه وأبعدوه بالقوة قبل فتح باب اللجنة في الثامنة صباحًا: “اعتدوا عليّ وأخذوا نظارتي وأبعدوني خارج الطابور، وانتهت القصة باشتباك بيني وبينهم”.
تقدّم عبد ربه ببلاغ رسمي للنيابة لإثبات الواقعة، مطالبًا بتفريغ الكاميرات، ومشيرًا إلى أنه لم يتلقَ حماية كافية رغم أن الواقعة حدثت أثناء عملية الترشح. يقول: “تحركت من الثانية منتصف الليل لأن اللائحة تنص على التوزيع بأسبقية الحضور، وكنت أول شخص موجود، ومع ذلك كان رقم 15 من نصيبي”.
ويضيف مستنكرًا: “أين الذين حصلوا على الأرقام (1، 2، 3، 4؟) لم يكن أحد منهم موجودًا أمام المحكمة، كانوا في منازلهم والأرقام ذهبت إليهم”. ويؤكد أن المشاجرة تم توثيقها بمقطع فيديو، وأن توزيع الأرقام تم على نحو غير مفهوم، قبل أن يخلص إلى تساؤل أكبر: “لو كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، فمن المستحيل أن يحصل حزب واحد على الرقم الأوّل نفسه وبالرمز نفسه في جميع الدوائر، هذا يعني أنّ هناك ترتيبًا مسبقًا وتدخلًا في تنظيم الأمر”.
نوصي للقراءة: حزب العرجاني وهندسة الحياة الحزبية

احتكار الرموز الانتخابية
بالرجوع إلى قائمة المرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025، المنشورة عبر الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات، رصدنا أن ثلاثة أحزاب تستحوذ على المراتب الأولى في أغلب الدوائر على مستوى الجمهورية، وهي بالترتيب: حزب مستقبل وطن، وحزب حماة الوطن، وحزب الجبهة الوطنية. كذلك تحافظ هذه الأحزاب رموز انتخابية بعينها، لا تكاد تفارقها من دورة لأخرى، أبرزها: القلم، والكتاب، والتاج، والماسة، والسيارة. وهي رموز تبدو وكأنها جزء ثابت من هويتها الانتخابية، إذ ترافقها من شمال البلاد إلى جنوبها دون تغيير، في حين تختلف رموز المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة من محافظة إلى أخرى.
وعلى الجانب الآخر، لا نجد أيًا من مرشحي الأحزاب الثلاثة (مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية) يظهر أمامه رمز مثل: الراوتر، أو رغيف العيش، ريموت كنترول، آثار أبو سمبل، شرشرة، وثمرة الموز، سكينة، جراب نضارة، فرشاة ملابس، قميص رجالي، علبة كبريت، بنطلون، تي شيرت، ولاعة بوتاجاز، كنبة حديقة، المونوريل، القطار السريع، دومينو، إطار سيارة، لمبة جاز، صراف آلي، منشار، دبوس مشبك، ميكرويف… وغيرها من الرموز “الغريبة” التي غالبًا ما تذهب إلى المستقلين أو المرشحين الأقل حظًا.
ففي الوقت الذي حصل فيه مرشحي حزب مستقبل وطن على رمزي القلم والكتاب، وحزب حماة الوطن على التاج والماسة والجبهة الوطنية استحوذ على رمز السيارة، كانت السكينة من نصيب المرشح عاطف معوض، مستقل عن دائرة طلخا بالدقهلية ورقمه 31، ومحمد مجدي مرشح مستقل في نفس الدائرة أيضًا ولكن رمزه المنشار ورقمه 35، بينما حصل أيمن البرنس، مستقل على رمز فرشة الأسنان عن دائرة الزاوية الحمراء محافظة القاهرة، أما في محافظة القليوبية دائرة الخانكة فكان مضرب الهوكي من نصيب عماد عبد السلام عنبة، مستقل رقم 13.
وفي دائرة العمرانية محافظة الجيزة، كان البوتاجاز رمز المرشح مدحت عبد التواب، مستقل رقم 13، والخزينة الحديدية رمزًا للمرشح أسامة البرنس، مستقل رقم 33، بينما كان الجزر من نصيب المرشح علاء مازن، مستقل رقم 32، عن دائرة سوهاج بمحافظة سوهاج، وفي دائرة المنشأة بنفس المحافظة كان الكوب من نصيب أمل والي، مستقل، رقم 17، والمشط لـ عبدالقادر سرور، مستقل رقم 24، عن دائرة كفر الزيات بمحافظة الغربية. أما في بني سويف فكان رمز أسامة المطراوي المقلمة ورقمه 11، وحصان البحر كان من نصيب علي بدر، مستقل رقم 9 عن دائرة إهناسيا ببني سويف أيضًا. والشرشرة رمز محمد خاطر، مستقل، رقم 19 عن دائرة ميت غمر الدقهلية.
(الصور أدناه من موقع الهيئة الوطنية للانتخابات، وتوضح خريطة توزيع عدد من الرموز)

أما في دائرة فاقوس بمحافظة الشرقية، فنلاحظ مجموعة من الرموز التي قد تبدو غريبة، ومنها الخريطة كانت من نصيب ولاء السيد عن حزب نداء مصر، ورقمها في القائمة 17، بينما كانت الولاعة من نصيب أبو رجب، وطفاية الحريق أيمن شعبان، الثلاجة الكهربائية للمرشح صلاح شريبة وجميعهم مستقلين، وغيرها من الرموز والأرقام التي تعبر عن مدى التمييز والتفريق في سياسة التوزيع.
من جهته، يوضح عمرو هاشم ربيع، – نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية-، أن تخصيص الرموز، أمر في حد ذاته متعارف عليه في دول كثيرة، لكن طرق توزيعها هو أمر غير المقبول، وذلك بسبب استحواذ بعض المرشحين على رمز معين دون الآخر، مشيرًا إلى ارتباط الرمز أيضًا بالأولوية في قائمة الاقتراع “الأولوية الآن لحزب مستقبل وطن، كأنه سُيدخل مصر الجنة” بحسب حديثه لـ زاوية ثالثة. لافتًا إلى أن ما يحدث “عدم نزاهة مطلق” بسبب احتكار أحزاب بعينها للرموز والأرقام الانتخابية.

يعود تاريخ الرموز الانتخابية في مصر إلى 69 عامًا مضت، ففي قانون رقم 73 لسنة 1956 الخاص بتنظيم الحقوق السياسية ومباشرتها، ورد في نص المادة رقم 3 مكرر (و)، وضع وتطبيق نظام الرموز الانتخابية بالنسبة لمرشحي الأحزاب السياسية والمستقلين، ووضع قواعد منظمة للدعاية الانتخابية، وحظر استخدام شعارات أو رموز أو القيام بأنشطة للدعاية ذات الطابع الديني أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل.
لكن في 2025، ستلاحظ بعد مراجعة قائمة مرشحي مجلس النواب المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات، لم تتصدر أي امرأة قائمة الترشح، وجاءت مونيكا مجدى المرشحة عن حزب الإصلاح والنهضة في دائرة روض الفرج التابعة لمحافظة القاهرة، رقم 2 في القائمة، لكن باقي دوائر الجمهورية يتصدر الرجال قوائم الترشح.
يتسابق المرشحين على تصدر القوائم الانتخابية، بسبب استسهال بعض الناخبين لاختيار الأرقام الأولى بدلًا من البحث. يفسر مرشح حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أحمد عبد ربه ذلك بأن هناك سببان رئيسيان لتصارع البعض على الأرقام الأولى، قائلًا: “هناك افتراض لدى البعض بأن الناخبين غير متعلمين بالقدر الكافي، وأنهم سيصوتون للأرقام الأقرب والابسط لهم، مثل الأول والثاني والثالث. ثانيًا، يكون التوجيه أسهل؛ فعندما يقف شخص أمام اللجنة ويوجه أقاربه وأصدقاءه، فإنه يقول لهم: انتخبوا أول واحد أو أول ثلاثة، وهو أسهل بكثير من أن يقول لهم انتخبوا رقم 15 مثلًا.”
ويضيف عبد ربه: “هناك أيضًا عامل آخر مرتبط بطبيعة الدولة المركزية؛ فجزء من الناخبين يرغب في التقرب من السلطة. هؤلاء يعتقدون أن من يحصل على الأرقام الأولى هو المرشح المرضي عنه من الدولة، تمامًا كما كان يحدث في زمن الحزب الوطني حين كان يأخذ الرقمين 1 و2. وبالتالي يرون أن من يحصل على هذه الأرقام هو صاحب فرص أكبر للفوز، فيتجهون لدعمه تلقائيًا، لأنهم يظنون بأن فوزهم أمر محسوم”.
بالإضافة إلى ذلك، يستنكر عمرو هاشم ربيع، ترك بعض المرشحين يتحركون بحرية كاملة وينفقون الأموال بلا حساب، دون أن يكون هناك فصل عادل بينهم، وعندما يحصل البعض على رموز معينة يحتكرونها ولا يتخلون عنها، وعندما يُمنح أحدهم أولوية في القوائم “فكل ذلك غير مقبول”، بالإضافة إلى ترك الرشاوى الحزبية تحدث، لافتًا إلى أنه يُشاع أن بعض الأحزاب تبيع المقاعد وتشتريها بينما لا يتم التدخل لإيقاف هذا الأمر، مضيفًا “هنا يكون السؤال: لماذا يحدث هذا؟ ولماذا تغلق الهيئة الوطنية للانتخابات أبوابها وتعمل فقط داخل إطار ضيق دون النظر إلى ما يحدث في الخارج؟ كل هذا يحتاج إلى تعديل وإصلاح.”
وتنص لائحة الهيئة الوطنية للانتخابات على أن، للمترشحين المنتمين إلى أي حزب طلب تخصيص الرمز الانتخابي السابق تخصيصه لحزبه اعتبارًا من الانتخابات البرلمانية 2020 بناء على خطاب من رئيس الحزب يقدم مع طلب الترشح ولا تسري تلك القواعد على الأحزاب المتنازع عليها.
هذا ما لم يجده “عبدربه”، حين توجه إلى باب المحكمة بطنطا وكان متصدر الطابور “لحظة فتح الباب البلطجية جذبوني واعتدوا عليا وأخذوا نظارتي وخرجوني من الطابور”، وانتهت القصة باشتباك، مؤكدًا أن القانون ينص على أن الأرقام والرموز توزع بأسبقية الحضور للجنة التابعة للهيئة العليا للانتخابات، موضحًا أنه من المستحيل أن تصادف في كل دوائر مصر أن حزب واحد يأخذ رقم ثابت بنفس الرمز والرقم في كل الدوائر.
نوصي للقراءة: 70 مليون للمقعد: من يشتري طريقه إلى برلمان مصر؟

الحظ يلعب دوره أحيانًا
وترى نشوى الديب، المرشحة المستقلة عن دائرة إمبابة بمحافظة الجيزة، أن حصول بعض الأحزاب على رموز بعينها أمرٌ متعارف عليه منذ زمن، مشيرةً إلى أن حزب الوفد ارتبط تقليديًا برمز النخلة، بينما كان الحزب الوطني يعرف برمز الهلال. وتوضح في حديثها إلى زاوية ثالثة: “الأحزاب لها الحق في اختيار رمز ثابت يمثلها من انتخابات إلى أخرى، وهذا أمر معمول به منذ سنوات”.
وتضيف أنها عندما تتقدم بأوراق ترشحها، تجد أمامها قائمة الرموز المتاحة لتختار منها، قائلةً: “رمزي هو الخاتم منذ ثلاث دورات انتخابية، وكان حظي جيدًا في الحصول عليه مجددًا”. وتتابع: “كنت خائفة ألا أحصل عليه هذه المرة لأن الناس اعتادوا عليّ بهذا الرمز، عشر سنوات والناس تحفظه، وهذا مهم جدًا، لأن بعض الناخبين مستواهم التعليمي بسيط أو لا يجيدون القراءة، فيتعرّفون على المرشح من رمزه بسهولة بدلًا من البحث عن اسمه”.
أما عبد القادر سرور، المرشح المستقل رقم 24 عن دائرة كفر الزيات بمحافظة الغربية، فلم يكن حظه مماثلًا. إذ كان يأمل في الحصول على رمز عنقود العنب الذي خاض به الانتخابات السابقة ووصل معه إلى جولة الإعادة، لكنه فوجئ برفض أحد المرشحين الذين سبقوه في الترشح التنازل عن الرمز، ما اضطره إلى اختيار المشط بديلًا. ويبرّر اختياره قائلًا لـ زاوية ثالثة: “الدائرة التي أنافس فيها معظم أهلها من البسطاء، ورمز المشط سهل عليهم يتذكروه. أنا احترمت رغبة الآخرين في الاحتفاظ برموزهم، لكن غيري لم يبادلني نفس التقدير. على أي حال، الناس تعرفني وسيعتادون على رمزي الجديد”.
في المقابل، لم تكن لدى أحمد عبد ربه رفاهية الاختيار، بعد أن فقد فرصته في الحصول على الرقم (1) والرمز الذي أراده بسبب ما وصفه بـ”التضييق” أثناء تقديم أوراق ترشحه. فاختار في النهاية رمز رغيف العيش، موضحًا أن اختياره يحمل دلالة رمزية عن تمثيل المواطنين الذين يحلمون بتحسين مستوى معيشتهم. وقال لـ زاوية ثالثة: “الانتخابات قائمة على صوت الناس لاختيار من يعبر عنهم. مهم جدًا أن يشعر المواطن أنه شريك في العملية السياسية وليس مهمشًا، لأن هذا يصب في مصلحة الدولة في النهاية”.
نوصي للقراءة: عسكرة الأحزاب في مصر: الطريق إلى انتخابات 2025 يمر عبر الأجهزة

العدالة الانتخابية؟
وتنص المادة 3 من قانون رقم 198 لسنة 2017 الخاصة بالهيئة الوطنية للانتخابات، على أن الهيئة تعمل على ضمان حق الاقتراع لكل ناخب، والمساواة بين جميع الناخبين والمترشحين خلال الاستفتاءات والانتخابات، ومنها، فتح باب الترشح، وتحديد المواعيد الخاصة به، والإجراءات والمستندات والأوراق المطلوب تقديمها من المرشح، وتلقى طلبات الترشح، وفحصها، والتحقق من استيفائها للشروط المطلوبة، والبت فيها، وإعلان أسماء المرشحين. بالإضافة لوضع قواعد سير عملية الاستفتاءات والانتخابات وإجراءاتها وآلياتها، بما يضمن سلامتها وجديتها ونزاهتها وشفافيتها.
يصف نائب مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، المشهد الانتخابي بأنه يفتقر إلى النزاهة بشكل كامل، مضيفًا، أن “يحصل كل مرشح على رمز يتمسك به ولا يُسمح لغيره باستخدامه، وعندما يُمنح البعض أفضلية في القوائم؛ فهذه جميعها ممارسات غير مقبولة، مشيرًا إلى وجود حالة استثنائية لافتة للنظر في دائرة بلقاس بمحافظة الدقهلية؛ حيث جاء حزب الإصلاح والتنمية في المركز الأول قبل حزب حماة الوطن، وهذا أمر غير معتاد.” ويستطرد: “كنت أتابع قوائم المرشحين وأقرأ البيانات، وهذه أول مرة أصادف ذلك؛ فحزب الإصلاح والتنمية حصل على رمز العصا، وجاء مرشحه أحمد عرفة في المركز الأول، بينما جاء حماة الوطن في المركز الثاني.”
وتظهر بيانات المرشحين المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات أن الدوائر التي لا يوجد بها مرشحون عن حزب مستقبل وطن، يتصدر فيها حزب حماة الوطن الترتيب. وفي حال غياب الحزبين معًا، يتقدم حزب الجبهة الوطنية أو المستقلين. عدا دائرة بلقاس محافظة الدقهلية تصدر المرشح أحمد عرفة القائمة برمز العصا يليه حزب حماة الوطن.
أما في الدوائر التي يخوض فيها حزب مستقبل وطن الانتخابات، فيأتي دائمًا في الصدارة، دون منافسة على الرقم (1) أو على رمزي القلم والكتاب.
“لا يهمني الأرقام أو الرموز” تقولها نشوى الديب، مؤكدة أن القضية الحقيقة هي الشخص نفسه، هل هو مؤثر في دائرته ويعمل بين الناس أم لا؟ مضيفة: “هذا هو ما يصنع الفارق الحقيقي. صدقيني، لو كان رقمي 50 أو حتى 90 لما اختلف الأمر بالنسبة لي. وكذلك الرمز؛ صحيح أنني كنت أتمنى الاحتفاظ برمز الخاتم، لكن لو لم أحصل عليه لما كان الأمر سيؤثر بشكل جوهري، فقط كان سيجعلني أبذل جهدًا إضافيًا لتعريف الناس بالرمز الجديد، لا أكثر.”
وحول الرموز الانتخابية، يوضح “هاشم” لـ زاوية ثالثة، أنه شاهد رموزًا كثيرة، بعضها متعارف عليه وبعضها غير مألوف، قائلاً: “غير مستحب وجود رموز مثل السكينة والشرشرة والآلات الحادة عمومًا، وهناك الكثير من الرموز التي لا يليق استخدامها”.
الصراع على الرموز ليس جديدًا، بل يمتد إلى عقود سابقة، خاصة خلال حقبة الحزب الوطني الديمقراطي الذي احتكر المشهد السياسي لعقود طويلة. فمع بداية اعتماد نظام الرموز الانتخابية في الثمانينيات، كوسيلة لتسهيل اختيار المرشحين أمام الناخبين غير المتعلمين، تحولت الرموز تدريجيًا إلى أداة سياسية ذات دلالة رمزية قوية، وأصبحت بعض الأحزاب تسعى لاحتكار الرموز “المحببة” أو “المألوفة” التي يسهل على المواطن تذكّرها وربطها بالثقة أو الاستقرار.
وخلال تلك الفترة، كان الحزب الوطني غالبًا ما يحصل على أفضل الرموز وأكثرها تميزًا مثل “الهلال” و”الميزان” و”النخلة”، في مقابل ترك الرموز الأقل جاذبية للمستقلين أو المرشحين من الأحزاب المعارضة. ومع مرور الوقت، أصبحت الرموز وسيلة غير مباشرة لقياس النفوذ السياسي؛ فالحزب الذي يمتلك رموزًا لافتة يوحي للناخبين بقدرته على السيطرة والتنظيم، وهو ما دفع كثيرًا من الأحزاب الجديدة بعد ثورة يناير 2011 إلى المطالبة بتوزيع أكثر عدالة للرموز، باعتبارها أحد مظاهر تكافؤ الفرص بين المتنافسين.
رغم وضوح النصوص القانونية والقرارات التي أصدرتها الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي من المفترض أن تضمن نزاهة وتكافؤ الفرص في انتخابات مجلس النواب المقبلة، لكن الواقع يؤكد أن هناك فجوة بين النص والتطبيق.
ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تُمنح الرموز والأرقام وفق قواعد معلنة بأسبقية الحضور، تظهر شواهد على أن الواقع يشهد تمييزًا لصالح أطراف بعينها، مما يجعل المنافسة غير متكافئة، ويعزز شعورًا بعدم الثقة لدى بعض المرشحين والناخبين على حدٍ سواء.