يثير رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار حالة من الجدل في مصر، بسبب توسع استثماراته خلال السنوات الماضية، وتنوع خريطتها الجغرافية بين القاهرة الكبرى ومدن ساحلية، فضلًا عن حديثه الأخير، بشأن رغبته في الاستحواذ على أراض ومباني بمنطقة وسط القاهرة التاريخية، التي تطرحها الحكومة أمام الاستثمار الحر بهدف التطوير، بعد نقل المباني الحكومية والمقرات الإدارية إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
العبار الذي بدأ مشوار الاستثمار في مصر منذ عام 2005، وارتبط اسمه بمشروعات كبرى في السوق العقاري، تنامت بشكل ملحوظ بعد عام 2016 إثر التعثر المالي الذي واجهته البلاد، وفتح الباب واسعًا أمام الاستثمارات الخليجية، أثار جدلًا واسعًا، منذ سبتمبر الماضي، بعدما أعلن عن رغبته في الاستثمار بمنطقة وسط البلد التاريخية، في توقيت تشير العديد من التقارير إلى علاقات العبار مع تل أبيب، الأمر الذي أثار حفيظة المصريين بشكل كبير، وربما دفع الحكومة إلى توضيح الأمر في وقت لاحق.
في الثامن من سبتمبر الماضي، وفور توقيعه على عقد استثمار “مراسي البحر الأحمر” أعلن العبار عن شغفه بمدينة القاهرة ورغبته في الاستثمار في وسط البلد، وقال: نبحث عن فرص أخرى للاستثمار في مصر، أنا أريد وسط البلد، حبي لهذه المنطقة لأنها تدل على عظمة القاهرة، ليس حبًا في الاستثمار فقط، ولكن حبًا في القاهرة نفسها”، وأن عيونه على ” وسط البلد”، ما أثار جدلًا واسعًا ومخاوف من أن تتحول المنطقة العريقة إلى مشروع عقاري فاخر قد يهدد هوية المكان وسكانه الأصليين. إذ يرى خبراء في التراث المعماري- أن القاهرة تحمل إرثًا معماريًا وتاريخيًا غنيًا، يجعل أي مشروع تطوير يحتاج إلى مراعاة الطابع التراثي والحفاظ على الأصالة، مع استلهام نماذج مدن تاريخية نجحت في الجمع بين التجديد والحفاظ على التراث.
وليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها العبار حول طموحه بشأن منطقة وسط العاصمة، ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية والتاريخية، ففي فبراير الماضي نقلت مواقع اقتصادية ما وصفته بأنه “رؤية العبار لتطوير قلب العاصمة المصرية”، والتي جاءت أقرب إلى “داون تاون دبي”.
الحكومة المصرية، من جهتها، أوضحت في فبراير الماضي، أن ” الصندوق السيادي المصري مُكلف بوضع رؤية متكاملة لتطوير منطقة وسط البلد، وطرح الوحدات والمنشآت المملوكة للدولة التي تم إخلاؤها بعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بما يسهم في تعظيم العوائد الاقتصادية من هذه الأصول.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي، آنذاك، إن ” الصندوق السيادي، باعتباره الجهة المالكة لهذه الأصول، يعمل حاليًا على إعداد مخطط شامل بالتنسيق مع الجهات المعنية، بهدف طرح المشروعات الاستثمارية في وسط البلد وفق رؤية تنموية تحقق أقصى استفادة اقتصادية، لافتًا إلى أن ” العديد من الكيانات الاستثمارية، سواء المحلية أو الدولية، أبدت اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة في تنمية هذه المنطقة إضافة إلى تطوير مناطق الساحل الشمالي، والبحر الأحمر باعتبارها من أهم المناطق الواعدة لطرح وحدات ومشروعات استثمارية، سواء في القطاع السياحي والعقاري.
وفي أغسطس الماضي، أكد رئيس الوزراء أن أعمال التطوير بمناطق “القاهرة الخديوية” و”وسط البلد” تستهدف الحفاظ على الطابع المعماري والعمراني لهذه المنطقة التاريخية، دون تغيير في تركيبتهما الحضارية. مشددًا على أهمية متابعة مشروعات إعادة الإحياء بـ “القاهرة الخديوية” ووسط البلد، خاصة أن هذه المناطق تمثل جزءًا هامًا من تاريخ مصر، بما يُسهم في تحقيق الاستفادة الممكنة من الثروة العقارية الكبيرة التي تمتلكها الدولة في هذه المواقع.
نوصي للقراءة: البيع بالأمر المباشر.. ماذا نعرف عن صفقة “بنك القاهرة”؟

كيف ومتى بدأ العبار نشاطه في مصر؟
بدأ العبار استثماراته في مصر منذ عام 2005، عبر شركة إعمار مصر للتنمية، في عهد حكومة أحمد نظيف إبان عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وبحلول نهاية 2021، امتلكت الشركة نحو 2,600 فدان في القاهرة (حوالي 10.92 مليون متر مربع) تتمثل في مشروعات أب “تاون كايرو” بالمقطم و”ميفيدا” بالقاهرة الجديدة و”كايرو جيت” بالشيخ زايد، بالإضافة إلى مشروعات في الساحل الشمالي مثل مراسي على مساحة 1,600 فدان (حوالي 6.5 مليون متر مربع).
وفق إحصاء تم إعداده في ضوء هذا التحقيق، وصل إجمالي المساحات التي يمتلكها العبار في مصر بحلول 2025 إلى نحو 4300 فدان ( ما يعادل أكثر من 17 مليون متر مربع)، إلى جانب 2900 فدانًا بما يعادل أكثر من 12 مليون متربع مربع يعمل على تطويرها بجانب شركاء.
وبالعودة إلى عهد مبارك، يرى مراقبون أنه جرى تشكيل بنية الاقتصاد المصري وفق منطق السوق والانفتاح، حيث تراجع الدور الاجتماعي للدولة لصالح رأس المال الخاص الذي صعد ليحتل موقعًا مهيمنًا داخل قطاعات العقارات والسياحة والخدمات. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، ومع تطبيق برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي المدعومة من صندوق النقد الدولي، تحولت الأرض العامة من مورد سيادي إلى سلعة تُباع تحت شعار “التنمية”.
وجاء قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 ليمنح امتيازات واسعة للمستثمرين، سواء كانوا أجانب أو مصريين، شملت إعفاءات ضريبية طويلة الأجل، وتيسيرات في تخصيص الأراضي، وضمانات ضد التأميم أو المصادرة أو فرض الحراسة. ومع مرور الوقت، لم تعد التنمية تُقاس بتحسين الخدمات العامة أو دعم القطاعات الإنتاجية، بل بقدرة الحكومة على “جذب الاستثمارات”. ما أعاد تعريف الحقوق الاجتماعية باعتبارها امتيازات مشروطة وفقًا لأولويات رأس المال.
في ضوء هذا القانون، تعرضت أراضي وأملاك الدولة لاعتداءات واسعة، جرت بالمخالفة الصريحة للقانون والدستور، وبمشاركة مسؤولين سابقين استغلوا مناصبهم لتحقيق مكاسب غير مشروعة عبر تخصيص الأراضي بطرق ملتوية، وفقًا لتقرير صادر عن ديوان العمران بعنوان “أثر سياسات التخصيص على أراضي الدولة في عهد مبارك”.
إذ وثّق التقرير أنماطًا متشابكة من الفساد الإداري والمالي، امتدت لتشمل الأراضي المملوكة للدولة نفسها، مشروعات كبرى مثل مدينتي وبالم هيلز وكايرو فستيفال سيتي لم تكن مجرد استثمارات عقارية، بل تحوّلت إلى رمز لطريقة إدارة الدولة لأراضيها في العقد الأخير من حكم مبارك.
التقرير وثق أيضًا، توقيع عقود بيع تلك الأراضي بالأمر المباشر، دون منافسة علنية أو شفافية، وبأسعار تقل كثيرًا عن قيمتها الحقيقية في السوق. وكشفت أحكام القضاء الإداري اللاحقة حجم المخالفات التي شابت تلك الصفقات، إذ قضت ببطلان عدد منها لمخالفتها قانون المناقصات والمزايدات، مؤكدة أن هيئة المجتمعات العمرانية تصرفت في أملاك الدولة وكأنها ملكية خاصة. ورغم وضوح المخالفات، لم يتغير جوهر المنظومة، فقد استمر العمل بسياسات التسهيلات الخاصة، وهو ما سيتم استعراضه خلال السطور القادمة.

ماذا وراء “إعمار” مصر المملوكة للعبار؟
جاء العبار، المعروف عالميًا بمشروعات مثل برج خليفة في دبي، إلى مصر حاملاً طموحًا لا يقل ضخامة عن الأراضي التي حصلت عليها شركته حديثة التأسيس، إعمار مصر للتنمية، منذ ذلك العام، وقّع العبار عقودًا جعلته أحد أكبر اللاعبين في السوق العقاري المصري، بعد أن استحوذت شركته على أراضٍ مترامية في الساحل الشمالي، المقطم، والقاهرة الجديدة.
مشروعات مثل (أب تاون كايرو) في المقطم ومراسي في الساحل الشمالي وُلدت على يد شركة إعمار مصر للتنمية، لتصبح أيقونات للإسكان الفاخر ونمط الحياة المغلق الذي يعيد رسم الخريطة العمرانية لصالح طبقة ضيقة من القادرين. فمن منتجع (ميفيدا) في القاهرة الجديدة، إلى مشروع (كايرو جيت) على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، مرورًا بمخطط إعمار في الشيخ زايد، تمددت استثمارات محمد العبار في عدة مواقع استراتيجية داخل العاصمة ومحيطها، لتغطي آلاف الأفدنة التي انتقلت من ملكية الدولة إلى شركة خاصة خلال أقل من عقدين.
تأسست “إعمار مصر” كشركة مساهمة مصرية بموجب شراكة بين إعمار العقارية دبي بنسبة 40%، ورجل الأعمال المصري شفيق جبر بنسبة 60%، وفقًا لقانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997. وقد وفرت هذه القوانين إعفاءات واسعة للمستثمرين الأجانب، خاصة في قطاعات السياحة والتطوير العقاري.
لم تدم شراكة العبار مع شفيق جبر طويلًا؛ إذ انتهت بخلافات، أدت إلى خروج جبر مقابل تعويض مالي، فيما توسعت سيطرة إعمار العقارية على “إعمار مصر” خلال عام 2007. منذ ذلك الحين، أصبحت إعمار مصر شركة تابعة شبه مملوكة بالكامل لإعمار العقارية المدرجة في بورصة دبي، حيث تمتلك الأخيرة نحو 89٪ من أسهمها.
وفقًا لنموذج تقرير الإفصاح عن مجلس إدارة شركة إعمار مصر للتنمية للربع الرابع من عام 2021، بات، منذ ذلك الحين، هيكل ملكية الشركة موزعًا كالتالي: تمتلك إعمار العقارية (ش.م.ع) نسبة 88.74% من أسهم الشركة، وتشمل هذه الحصة ملكية (تلال الإمارات المرحلة الأولى- شركة ذات مسؤولية محدودة). فيما تشمل ملكيات المؤسسات العالمية: صندوق التقاعد الحكومي العالمي للأسهم (صندوق النرويج السيادي- بنك النرويج) بنسبة 0.84%، (Schroder (Investment Management Limited بنسبة 0.14%، ومجموعة (فانجارد) بنسبة 0.07%. أما التداول الحر في البورصة المصرية فمثل 10.21% من الأسهم.
نوصي للقراءة: تسريع بيع أصول الدولة.. من يضع السعر؟ ومن يشتري؟

لماذا تثير استحوذ العبار للأراضي المخاوف والجدل؟
استثمارات العبار في ما تتجاوز مساحته 17 مليون متربع من الأراضي المصرية، وما يعادل 35 مليار دولار، وفق تصريحاته، تأتي ضمن إطار الاستثمارات الخليجية في مصر، وخصوصًا القادمة من الإمارات والسعودية، والتي توسعت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين. بحسب تقرير صادر عن شركة نايت فرانك البريطانية المتخصصة في الاستشارات العقارية، فإن أكثر من 94٪ من المستثمرين الخليجيين ذوي الأصول المالية العالية يستهدفون السوق العقارية المصرية.
ويرى مراقبون أن الاستثمارات لم تقتصر على ضخّ رؤوس الأموال في مشروعات عقارية أو سياحية، بينما امتدت لتشكّل شبكة نفوذ اقتصادية وسياسية داخل قطاعات استراتيجية، تراوحت بين العقارات، واللوجستيات، والطاقة.
تنطلق هذه الاستثمارات وفقًا لتحليل نُشر في مجلة “مصر والعالم العربي” الصادرة عن المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، من ثلاثة محاور أساسية:”أولًا، تحقيق عوائد مالية مرتفعة في سوق عقارية واعدة تتوسع على أطراف العاصمة والمدن الساحلية؛ ثانيًا، توسيع النفوذ الجيو-استراتيجي في دولة تمثل ثقلاً محورياً في الشرق الأوسط؛ وثالثًا، النفاذ إلى السوق المحلية ومؤسساتها عبر شراكات وتسهيلات تمنحها الدولة المصرية تحت شعار “جذب الاستثمار”.
كذلك تشير الدراسة إلى أن “القوة الخليجية سيطرت فعليًا على المشروعات العقارية الكبرى في القاهرة الكبرى”، معتبرة أن دور الدولة المصرية “تحوّل من منتج مباشر إلى شريك أو وسيط في هذه المشروعات”. فيما رأت أن المشروعات العقارية الكبرى (مثل مشروعات إعمار وغيرها) نموذجًا لتحول القاهرة إلى مختبر مفتوح لرأس المال الخليجي.
في السياق ذاته، يلفت تقرير للكاتب ديفيد بتر نشر “المعهد الملكي للشؤون الدولية”، (معهد مستقل مقره لندن) بعنوان”مصر والخليج”، إلى أن الاستثمارات الخليجية في مصر لا يمكن اعتبارها مجرد تدفقات رأسمالية تبحث عن الربح، بل هي أداة نفوذ اقتصادي وسياسي أسهمت في إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمستثمرين المحليين والدوليين. كذلك يشير التقرير إلى أن هذه الاستثمارات كثيرًا ما ارتبطت بتفاهمات سياسية تتجاوز المنطق الاقتصادي البحت، ما يجعلها جزءًا من شبكة النفوذ الإقليمي التي تعيد رسم موازين القوى داخل الاقتصاد المصري، وتطرح أسئلة جوهرية حول من يملك القرار الاقتصادي ومن يجني فعليًا ثمار تلك الشراكات.
وعلى مدى العقدين التاليين، تراكمت استثمارات العبار لتتحول إلى أحد أكبر حيازات الأراضي الخاصة في مصر، وبحلول نهاية عام 2021، امتلكت إعمار مصر للتنمية نحو 2,600 فدانًا في القاهرة (~10.92 مليون متر مربع)، بينما وصل إجمالي مساحات الأراضي التي يمتلكها العبار أو يساهم في تطويرها، في مصر بحلول 2025 إلى أكثر من 17.2 مليون متر مربع في القاهرة الكبرى، الساحل الشمالي، إلى جانب مشروع التطوير في مراسي البحر الأحمر بالشركة مع شركتا سكاي تاور للتطوير العقاري وجولدن كوست المملوكة لشركة سيتي ستارز السعودية والذي يقع على مساحة 2.400 فدان ويحيطه الكثير من الغموض وعدم الشفافية.
نوصي للقراءة: أراضي البحر الأحمر تدخل سوق الصكوك: بيع أم سداد ديون؟

هل حصل العبار على تسهيلات حكومية؟
تعتمد إعمار في مشاريعها الكبرى في مصر على وسيلتين، إما عن طريق تملك الأرض بشكل مباشر (مثل أب تاون كايرو، ومراسي، وميفيدا التجمع) أو الدخول في شراكات استراتيجية (مثل ميفيدا جاردنز المستقبل ومراسي البحر الأحمر) حيث تدفع مقدمات مالية كبيرة وتكون مسؤولة عن التطوير والبيع.
سجّلت “إعمار مصر” دخولها العملي إلى سوق العقارات المصري عام 2006، بإطلاق مشروع “أب تاون كايرو“ المقام على مساحة تقارب 1200 فدان ( ما يعادل 5 ملايين متر مربع) بهضبة المقطم والذي تم اعتماد المخطط العام له بقرار محافظ القاهرة رقم 501 لسنة 2008 نشر بتاريخ 1 مارس عام 2008 في الوقائع المصرية العدد 50، لتقدّم من خلاله أحد أوائل المجتمعات السكنية المسوّرة الموجهة للفئات الأكثر ثراءً في مصر.
وفي 2007 فازت إعمار مصر، بمزاد تطوير منطقة سيدي عبد الرحمن بالساحل الشمالي، بمساحة تُقدّر بنحو 1600 فدان (ما يعادل 6 ملايين متر مربع). بلغت قيمة الصفقة نحو 1.004 مليار جنيه مصري بسعر 160.5 جنيه للمتر، بعد قرار من الجمعية العامة للشركة القابضة للسياحة برئاسة وزير الاستثمار الأسبق محمود محيي الدين ببيع الأرض كقطعة واحدة لمستثمر استراتيجي. لاحقًا، أثارت الصفقة جدلًا واسعًا بسبب حصر المنافسة في عدد محدود من التحالفات الاستثمارية، قبل أن تنتهي بترسية الأرض على تحالف يقوده العبار وشفيق جبر.
وعقب هذا المشروع وفي المدة الزمنية نفسها، أبرمت الشركة عقدًا جديدًا مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة للحصول على أراضٍ في القاهرة الجديدة لتطوير مشروع (ميفيدا) على مساحة تقارب 890 فدان (ما يعادل 3.8 مليون متر مربع). في عام 2008، حصلت شركة إعمار مصر للتنمية على قطعة أرض مميزة تقع على امتداد مدينة الشيخ زايد، تبلغ مساحتها نحو 133 فدانًا ( ما يعادل 558,310 متر مربع)، بهدف إنشاء مشروع سكني متكامل أُطلق عليه لاحقًا اسم “كايرو جيت”. جرى التخصيص في واحدة من أكثر المناطق الحيوية غرب القاهرة، بسعر لا يتجاوز 200 جنيه للمتر المربع آنذاك، في وقتٍ تتجاوز فيه سعر المتر التجاري في مناطق مماثلة في للشيخ زايد 50 ألف جنيه.
في عام 2021، أُطلق مشروع (بيل في) في مدينة الشيخ زايد ضمن موجة التوسع العمراني الفاخر غرب القاهرة، ليكون أحدث مشروعات شركة إعمار مصر للتنمية التابعة لرجل الأعمال الإماراتي محمد العبار. يمتد المشروع على مساحة تقارب 500 فدان (بما يعادل 2.1 مليون متر مربع) في موقع استراتيجي بالقرب من محور 26 يوليو وطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، بموجب عقد تخصيص مباشر تم توقيعه مع هيئة المجتمعات العمرانية.
وفي 2025، أعلنت شركة إعمار مصر للتنمية عن توقيع عقد شراكة مع شركة ميدار للاستثمار والتنمية العمرانية، لتنفيذ مشروع سكني متكامل، (ميفيدا الجديد بالقاهرة الجديدة). يقع المشروع بموقع استراتيجي على طريق القاهرة-السويس على مساحة نحو 2 مليون متر مربع (500 فدان). وتساهم “إعمار مصر” كشريك في إطار المطور العقاري دون تملك للأراضي، فيما لم تعلن تفاصيل حول التعاقد الذي تم بين ميدار والحكومة المصرية فيما يخص تملك الشركة للأرض.

محمد رمضان، – الباحث الاقتصادي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، يرى في حديثه لــ”زاوية ثالثة” أن السؤال الأساسي حول الاستثمارات العقارية الأجنبية في مصر لا يتعلق بحجم الأراضي، بل بالنمط التنموي لهذه الاستثمارات. موضحًا أن معظم الاستثمارات الإماراتية والسعودية في القطاع العقاري تتمثل في شراء أراضٍ وبناء وحدات فاخرة مرتبطة بالدولار بسبب الحاجة لتحويل تلك الأرباح للخارج، ما يؤدي لارتفاع أسعار الوحدات العقارية في القطاع ككل وكذلك يؤثر تحويل الأرباح خارج البلاد على المدى الطويل سلبًا على ميزان المدفوعات المصري، ويزيد من الضغوط على العملة المحلية.
ويشير رمضان إلى أن القطاع العقاري له ارتباطات خلفية جيدة ببعض الصناعات مثل الحديد والأسمنت، لكنه لا يساهم بشكل كبير في تشغيل الاقتصاد أ تحقيق التنمية المستدامة مقارنة بالمشروعات الإنتاجية، نتيجة لضعف الارتباطات الأمامية للعقارات ككل.
كذلك يوضح الباحث الاقتصادي أن هذا النمط الاستثماري، إذا كان هو الشكل الوحيد لجذب الاستثمارات الأجنبية، لا يخدم النمو الاقتصادي الشامل ولا يخفف من حدة البطالة، كما أنه يعزز الاعتماد على تحويلات الأرباح وليس على استثمارات إنتاجية مستدامة. ولفت إلى أن دور الدولة في تسعير الأراضي ورفع أسعارها، خاصة في مناطق المجتمعات الجديدة، ساهم بشكل كبير في إزاحة السوق ككل نحو الاسعار المرتفعة حتى في الوحدات الموجهة للطبقة الوسطي في مصر.

العبار من النزاع إلى التصالح
بتتبع المسار الزمني لاستثمارات محمد العبار في مصر، يتضح أن توسّعه لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج خطة تراكمية بدأت في منتصف العقد الأول من الألفية، مع صعود رأس المال الخليجي في أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، واستمرت في ظل سياسة جذب الاستثمارات الخليجية بعد عام 2014.
لكن خلف هذه الخريطة، تكمن سلسلة من الأزمات القانونية والنزاعات الإدارية التي رافقت كل مرحلة من مراحل التوسع، لكن جميعها انتهت بالتصالح لصالح شركة إعمار مصر.
ففي عام 2009، أقدمت هيئة المجتمعات العمرانية، على سحب ما يقارب 50% من مساحة الأرض المخصصة لمشروع كايرو جيب بالشيخ زايد. جاء القرار نتيجة عدم التزام شركة إعمار مصر بسداد رسوم تحويل النشاط من زراعي إلى عمراني متكامل، رغم حصولها على الأرض منذ عام 2008 بسعر رمزي يقارب 200 جنيه للمتر. وأوضحت الهيئة حينها أن المدن الأخرى، مثل السادس من أكتوبر، توفر خيارين للمستثمرين: السداد العيني (التنازل عن حصة من الأرض) أو السداد النقدي دون استقطاع الأرض، وهو مالم يتوفر في الشيخ زايد لعدم وجود مساحات إضافية لتلبية احتياجات المرافق الأساسية.
في نوفمبر 2019، توصلت شركة “إعمار مصر للتنمية” إلى اتفاق تسوية مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بشأن أراضيها في امتداد مدينة الشيخ زايد، إذ تقدمت الشركة بطلب رسمي لتغيير نشاط الأرض من زراعي إلى سكني، مقابل حصول الهيئة على ما يعادل 50% من مساحة الأرض الإجمالية، قبل أن تعود الشركة وتشتري حصة الهيئة البالغة 52.4 فدانًا. كذلك، شمل الاتفاق المساحات المتنازل عنها من قبل الشركة لتنفيذ الطرق الخارجية، ليصبح إجمالي مساحة الأرض نحو 120.9 فدان، مع التزام الهيئة بتوصيل المرافق والموافقة على تغيير النشاط، ما يمكّن الشركة من إقامة مشروع “كايرو جيت” السكني المتكامل، باستثمارات تصل إلى 11.5 مليار جنيه. كما وقع الطرفان اتفاقًا آخر لتخصيص قطعة أرض مساحتها 500 فدان لإقامة مشروع سكني متكامل الخدمات، باستثمارات تقدّر بنحو 37.8 مليار جنيه.
في محطة أخرى للنزاع تتعلق بمشروع (آب تاون كايرو)، أقامت شركة النصر للإسكان والتعمير، وهي مؤسسة مملوكة للدولة، قامت ببيع الأرض لإعمار دعوى تحكيم ضد الأخيرة عام 2017،، متهمة إياها بمخالفة شروط التعاقد لعدم استكمال التطوير خلال المدة الزمنية المتفق عليها، إضافة إلى استحواذها على نحو 47 فدانًا زيادة عن المساحة الواردة في العقد. استمر النزاع لأكثر من عامين قبل أن تتم تسويته في أكتوبر 2019، وذلك بسداد إعمار مصر 100 مليون جنيه مقابل المساحة الزائدة التي استحوذت عليها الشركة.
الجدير بالذكر أنه في أبريل 2019، وقبل أشهر قليلة من انتهاء النزاع القانوني، أعلن محمد العبار عن التبرع بمبلغ 878 مليون جنيه لتطوير المناطق العشوائية في مصر ضمن مشروع الإسكان بيوت الخير بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير الخيرية. وعقب التسوية بأشهر قليلة تبرع العبار مالك شركة إعمار مصر إلى الحكومة المصرية بـ 10 ملايين جنيه لصالح صندوق تحيا مصر والقطاع الطبي، بالإضافة إلى تبرعه لصالح مؤسسة مصر الخير بمبلغ 40 مليون جنيه، وذلك فى إطار بروتوكول التعاون المبرم مع مؤسسة مصر الخير ووزارة التضامن الاجتماعى. ومن ذلك التاريخ استمرت تبرعات إعمار مصر لصندوق تحيا مصر.
ومن أزمة (كايرو جيت) إلى مراسي سيدي عبد الرحمن بمرسى مطروح، حيث ظهرت دعاوى قضائية وادعاءات ملكية عام 2019، من أطراف مصرية تطالب بالحصول على جزء من الأرض أو بعوائد عن حقوق سابقة قبل تحويل ملكية الأرض إلى إعمار مصر، أبرزها دعوى رجل الأعمال وحيد رأفت المسجلة برقم 481 لعام 2019 أمام محكمة جنوب القاهرة، حيث ادعى ملكيته لأكثر من 400 فدان من أرض المشروع.
في المقابل، نفت شركة “إعمار مصر” هذه المطالبات واعتبرتها “غير سليمة” وذكرت الشركة في بيان لها أنها فازت في أغسطس 2006، بمزاد أرض سيدي عبد الرحمن السياحي بالساحل الشمالي بمصر مقابل مليار و4 ملايين و569 ألف جنيه مصري بسعر المتر 160,5 جنيهاً مصرياً. وفي يناير 2020، اعتذر القاضي عن نظر القضية، ما دفع محامي المدعي، خالد أبو بكر، للإعلان عن اتخاذ إجراءات قانونية لحماية حقوق موكله، وحتى الآن لم يصدر حكم نهائي في القضية.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال الفترة من عام 2016 وحتى عام 2020 وهي الفترة نفسها التي شهدت نزاعات متعددة لإعمار مصر، تبرعت الشركة بنحو ( 155 مليون جنيه مصري) لمجموعة من المشروعات القومية، وصندوق “تحيا مصر”، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات الخيرية مثل “مصر الخير”، وعدد من المستشفيات من بينها مستشفى الشيخ زايد، وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والخدمية- وفقًا لما جاء في تقارير القوائم المالية للشركة في الفترة من 2016 حتى 2020- وهو فقط ما استطعنا الحصول عليه.

مشروع سيدي عبد الرحمن ومخاطره البيئية
في سبتمبر الجاري، قدمت مجموعة من ملاك وحدات مشروع “مراسي” في الساحل الشمالي، ممثلة في 22 مالكًا ووكلائهم القانونيين برئاسة الدكتور حسام لطفي، دعوى قضائية أمام محكمة جنوب القاهرة ضد شركة “إعمار مصر للتنمية”، طالبوا فيها بإلزام الشركة بتنفيذ التزاماتها الواردة في عقود بيع الوحدات، وتعويضهم عن الأضرار المادية والأدبية والاستثنائية، إضافة إلى الفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ الاستحقاق.
وطالب الملاك بتعويض قدره 100 مليون جنيه، موزعة بواقع 50 مليونًا عن الأضرار المادية، و30 مليونًا عن الأضرار الأدبية، و20 مليونًا عن الأضرار الاستثنائية، إلى جانب إلزام الشركة بدفع فوائد قانونية بنسبة 5% من تاريخ الاستحقاق وحتى تمام السداد. كما تضمنت الدعوى فرض غرامة قدرها 100 ألف جنيه عن كل يوم تأخير في التنفيذ.
وجاء في الدعوى أن الشركة تعاقدت بتاريخ 27 يناير 2007 على شراء قطعة أرض مساحتها تتجاوز 6.2 مليون متر مربع بمنطقة سيدي عبد الرحمن بغرض إنشاء مشروع التنمية السياحية “مراسي الساحل الشمالي” إلا أن الشركة وفق ما ورد في عريضة الدعوى أخلّت بعدد من الالتزامات التعاقدية، ما دفع الملاك للمطالبة بالتنفيذ العيني لبنود العقود المبرمة معهم. ومن المقرر أن تنظر الدائرة المدنية بمحكمة جنوب القاهرة الدعوى يوم 20 أكتوبر المقبل.
فضلًا عن ذلك أثارت عملية إنشاء ميناء مراسي لليخوت في سيدي عبد الرحمن بالساحل الشمالي، التي نفذتها شركة “إعمار مصر للتنمية”، أزمة بيئية تمثلت في تآكل الشواطئ المجاورة للمشروع. وفقًا لتحقيق نشرته “زاوية ثالثة”، بدأت الشكاوى الجماعية من سكان قرى الساحل الشمالي في شتاء 2020، حيث أشاروا إلى حدوث تآكل في الشواطئ وظهور طبقة صخرية في بعض القرى السياحية الواقعة إلى الشرق من الميناء.
وأظهرت القياسات الجغرافية أن الشواطئ في المنطقة الواقعة إلى الشرق من ميناء مراسي تعرضت لتآكل بمسافات تتراوح بين 8 و11 مترًا، وفقًا لخرائط غوغل إيرث. هذا التآكل يتعارض مع المادة 91 من قانون وزارة الموارد المائية والري رقم 147، التي تحظر تعديل المسار الطبيعي للشاطئ دون موافقة الوزارة.
في يوليو 2022، أعلنت وزارة البيئة عن إيقاف أعمال التكريك بميناء مراسي وتشكيل لجنة لبحث الآثار السلبية للمشروع. ورغم ذلك، استمرت شركة إعمار في تنفيذ المشروع، مما دفع السكان إلى وضع أكياس رملية على الشواطئ كإجراء مؤقت للحد من تأثير التآكل.
نوصي للقراءة: موانئ مصر بيد منافسها: كيف تمددت الإمارات من السخنة إلى بورسعيد؟

مراسي البحر الأحمر تواجد جديد للعبار بدعوى التطوير
يمثل الساحل المصري للبحر الأحمر موقعًا استراتيجيًا في استثمارات محمد العبار من خلال شركة إعمار مصر للتنمية. من أبرز هذه الاستثمارات مشروع “مراسي البحر الأحمر” في منطقة خليج سومة جنوب الغردقة، على مساحة تقارب 2,426 فدانًا بما يعادل أكثر من 10 مليون متربع مربع. وكانت شركة إعمار مصر للتنمية، قد وقعت في الأسبوع الأول من سبتمبر، اتفاقًا ضخمًا لتطوير “مراسي البحر الأحمر” بمشاركة كل من سكاي تاور للتطوير العقاري، التي تمتلك إعمار مصر حصة فيها، وجولدن كوست المملوكة لمجموعة سيتي ستارز السعودية. جاء هذا الاتفاق بعد أن أنهت الحكومة المصرية تسوية قانونية أتاحت تمديد فترة الانتفاع بالأرض، وسمحت بدخول إعمار كمطور عقاري رئيسي للمشروع.
الجدير بالذكر أنه من غير المعلن حتى الآن عن حجم الحصة التي تمتلكها شركة إعمار في سكاي تاور، كما لم يتم الإعلان عن شكل الشراكة بين إعمار والشركتين السعوديتين في منطقة البحر الأحمر.
وتٌعَدّ منطقة البحر الأحمر أحد أكثر المواقع الاستراتيجية لاستثمارات محمد العبار في مصر، نظرًا لقربه من مطار الغردقة الدولي وسهولة الوصول إليه من الأسواق السياحية العالمية، إلى جانب تمتعه بواجهة بحرية مباشرة تمنح مشروعاته قيمة عقارية عالية.
وسط غياب المعلومات الرسمية حول تفاصيل الشراكة بين شركة إعمار مصر والشركتين السعوديتين في مشروع البحر الأحمر، يؤكد مصدر مسؤول لموقع زاوية ثالثة أن دور إعمار يقتصر على التطوير العقاري فقط، ولا تمتلك أي جزء من الأرض بشكل مباشر. يوضح المصدر أن اختيار إعمار لهذا الدور جاء بناءً على نجاحاتها السابقة في مشاريع عقارية أخرى، مما جعلها الشريك الموثوق لإدارة التطوير والتسويق في المشروع. دون الإشارة إلى حصة إعمار في شركة (سكاي تور).
من جهته يرى عبد المنعم إمام، النائب في البرلمان ورئيس حزب العدل، أن أي استثمار أجنبي، وخاصة بالدولار، يُعد أمرًا إيجابيًا، لكنه يحذّر في حديثه لـ “زاوية ثالثة” من الاعتماد على نوع واحد فقط من الاستثمارات. ويشير إلى أن الاستثمار العقاري بلا شك مهم، لأنه يشغل نحو 16 مهنة مرتبطة به ويخلق منافسة اقتصادية، إلا أن المشكلة الأساسية في مصر تكمن في جذب الاستثمارات الكبرى ذات الطابع الإنتاجي وتوطين الصناعات.
ويضيف إمام أن الأراضي غير المستغلة في مصر غالبًا تبقى بلا قيمة مضافة إذا لم يكن هناك استثمار شفاف ومعلن. معتبرًا أن المعيار الأساسي لأي استثمار أجنبي يجب أن يكون الشفافية في الطرح العام والمنافسة العادلة، بحيث يتم اختيار أفضل عرض متاح. ويشير إلى أن التجربة التاريخية مع الأجهزة الحكومية منذ 1952 تظهر أن أي مشروع يظل “ميتًا” دون استثمار فعلي أو قيمة مضافة، بينما الاستثمارات التي تفتح فرص عمل، مثل المطاعم والشاليهات، تعتبر مرحب بها لأنها تحرك الاقتصاد المحلي.
ومع ذلك، يحذّر إمام من أن يكون الاستثمار العقاري أو السياحي هو النوع الوحيد الجاذب للاستثمار الأجنبي، لأنه حينها لن يتحقق التوازن المطلوب في الاقتصاد، ولن يُنشأ قطاع إنتاجي مستدام قادر على توظيف القوى العاملة وتوطين الصناعات. ويؤكد أن انتقاد أي صفقة معينة—مثل صفقة رأس الحكمة—يتمحور حول مسألة الشفافية وليس معارضة الاستثمار ذاته، حيث يمكن أن تكون أي جهة، بما في ذلك الإمارات، الفائز في العطاء إذا كان العرض جيدًا وشفافًا.

دعم العبار لتل أبيب.. علامة استفهام كبرى
يعتبر رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار من أكبر المستثمرين في مصر منذ العام 2005 حتى الآن، وخلال السنوات العشر الأخيرة أثارت علاقة العبار بالكيان الصهيوني الكثير من الجدل، وفي الوقت الذي تتمدد مشروعات العبار داخل الأراضي المصرية والتي تأتي عن طريق شراء الأراضي لإقامة المنتجعات السياحية والترفيهية وكذلك السكنية، جاءت علاقة العبار بإسرائيل لتثير الكثير من الشكوك والتخوفات.
ففي ديسمبر من عام 2020، دعا العبار إلى توطيد العلاقات الاجتماعية بين الشعبين الإسرائيلي والإماراتي وذلك خلال مشاركته في المؤتمر الاقتصادي الإماراتي–الإسرائيلي المشترك، المنعقد على هامش فعاليات معرض “جيتكس” بدبي، حيث ألقى رجل الأعمال محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية.
واعتبر العبار في كلمته أن التعاون الاقتصادي بين الطرفين لا يمكن أن يترسخ إلا عبر بناء جسور اجتماعية وإنسانية متينة. وأوضح العبار أن “الأعمال مع إسرائيل ستحدث حتمًا”، لكنه شدد على أهمية الزيارات العائلية والتواصل المباشر بين الأجيال الجديدة في البلدين، وهو ما اعتبره ناشطون خطوة تطبيعية خطيرة تتجاوز حدود الاقتصاد إلى شرعنة الاحتلال على المستوى الشعبي.
وفي أغسطس عام 2021، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن قيام رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار بتقديم تبرعات وُصفت بـ”السخية” لصالح أحد مشاريع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، من خلال دعم آلاف الأسر الإسرائيلية التي تعاني الفقر والجوع.
وبحسب ما أورده الموقع الاقتصادي الإسرائيلي كلكالست (Calcalist)، فقد أعلن مؤتمر المبادرة الوطنية للأمن الغذائي في تل أبيب للمرة الأولى عن هوية خمسة مانحين رئيسيين موّلوا مساعدات غذائية لآلاف العائلات المحتاجة، بقيمة بلغت نحو 550 مليون شيكل (أكثر من 170 مليون دولار). وأشار الموقع إلى أن هذه المساعدات قُدمت على مدار ثمانية عشر عامًا بشكل سري، قبل أن يُكشف عنها أخيرًا، موضحًا أن آلاف الأسر الإسرائيلية كانت المستفيد الأساسي من هذا الدعم.
وفي 2005، التقى رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية ومدير دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، كلًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون ونائبه شمعون بيريز، ليصبح ذلك أول لقاء معلن بين مسؤولين من الجانبين رغم غياب العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل حينها.
وخلال الاجتماع، طرح العبار مبادرة لشراء المنازل التي سيتركها المستوطنون الإسرائيليون بعد خطة الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، في خطوة وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها محاولة لإيجاد تسوية تحافظ على البنية التحتية للمستوطنات. وهو اللقاء الذي نفاه العبار في فبراير 2005، مؤكدًا على أن زيارته إلى الأراضي الفلسطينية كانت “شخصية” وتهدف إلى الاطلاع على أوضاع الفلسطينيين وتقديم المساعدات الإنسانية، دون أي نية للتطبيع أو التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، بخلف ما نشرته مواقع صحفية عبرية.
في السياق، يؤكد طلعت خليل، النائب السابق والمنسق العام للحركة المدنية الديمقراطية، في حديثه لزاوية ثالثة على أهمية الاستثمار الأجنبي في مصر، لكنه في الوقت نفسه أعرب تخوفه من طبيعة الاستثمارات الإماراتية التي وصفها بأنها استحواذ على أراضٍ ومشروعات إستراتيجية، لا مجرد استثمار إنتاجي. وأشار خليل إلى أن محمد العبار يمتلك مشروعات وأراضي في مواقع ذات أهمية إستراتيجية للأمن القومي، مثل أراضي البحر الأحمر، مما يثير لديه علامات استفهام بشأن تأثير هذه الصفقات على الأمن القومي المصري.
وأضاف أن ما يقوم به رجل الأعمال الإماراتي يُثير الريبة والشك، خاصة في ظل علاقات محتملة مع الكيان الصهيوني، معتبراً أن فتح الباب على مصراعيه أمام هذه الاستثمارات دون تقييم دقيق يمثل خطراً محتملاً على الأمن القومي. وأكد خليل أن التركيز ينبغي أن يكون على الاستثمارات الإنتاجية التي تخلق فرص عمل وتساهم في التنمية الشاملة، وليس مجرد استحواذ على الأراضي والمشروعات القائمة.
من مراسي الساحل إلى قلب القاهرة، ومن البحر الأحمر إلى المقطم، نسج محمد العبار خريطة نفوذ اقتصادي فوق ملايين الأمتار من أرض مصر. غير أن خلف البنايات الشاهقة والواجهات البراقة، تظل الأسئلة قائمة حول العقود الاستثمارية الغامضة وغياب الشفافية، في وقت تؤكد المؤشرات أن هذا النوع من الاستثمار لم يكن طوق نجاة للاقتصاد المصري خلال العقد الأخير.