سيناريو الدولة لتمرير التعديلات الدستورية

416

في البداية نعيد التأكد على أن التعديلات الدستورية بالنسبة للدولة والنظام الحاكم هي أربعة مواد فقط ،وباقي التعديلات هي مجرد حشو يمكن تعديله أو حذفه، يخص السيسي مادة واحدة منهم وهي التي تم تفصيلها واستحداثها بالسماح له بالترشح لفترتين بعد انتهاء فترته الحالية ، ومادتين للقوات المسلحة بتوسيع مهام ومنحها حق دستوري بالتدخل السياسي ، ومادة أخرى تلزم السيسي تعيين نائب من أبناء المؤسسة ، لضمان تقلبات العمر والسياسة خلال 14 عاما ، والمادة الرابعة لتحجيم سلطة القضاء ووضعه تحت يد السلطة التنفيذية.

كان هناك عدد من المحددات وضعتها الأجهزة الأمنية في اعتبارها أثناء كتابة سيناريو تمرير التعديلات ، أهمها الخريطة الزمنية، فالبرلمان يقضي شهوره الأخيرة قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، وهو ما عجل بتمرير تعديل بقاء السيسي قبل عامين من انتهاء ولايته رسميا في 2022 ، كما أن السيسي يفضل التمرير السريع ، ضمن سيناريو موضوع سلفا يغلق باب الاحتمالات ويضمن التنفيذ.

استقر السيناريو على النصف الأول من عام 2019 ، ولكن زيارة ماكرون اضطرت الأجهزة إلى تأخير طرح التعديلات في البرلمان لأول فبراير ، تلزم لائحة البرلمان اللجنة التشريعية بمناقشة مشروع التعديلات وفتح الباب للحوار المجتمعي لمدة 60 يوما ، أي أن البرلمان لن يقر المشروع نهائيا قبل 15 أبريل بأي حال من الأحوال ، ثم يعلن الرئيس ميعاد الاستفتاء خلال ستين يوما أخرى.

يبدأ المصريون أسبوعا للاجازات في25 أبريل ينتهي في 1 مايو يعقبه اجازة نهاية الأسبوع ثم يبدأ شهر رمضان تتخلله وتتبعه امتحانات نهاية العام الدراسي ، فيصبح الحل الوحيد اما أن يحدد السيسي موعد الاستئناف خلال 10ايام فقط من عرضه عليه ، دون أي مساحة للحوار المجتمعي ، أو تأخير الاستفتاء حتى يوليو ، وهو موعد الزيادة المرتقبة لأسعار المحروقات والكهرباء .

بحسب التسريبات من المقربين ، يبدو أن الجهاز يسابق الزمن لتمرير التعديلات خلال شهر أبريل ، وصل به الاستعجال لدرجة تقديم موعد مناقشة البرلمان للتعديلات من الأحد 17 فبراير إلى الأربعاء 13 فبراير ، مما يظهر أن الجهاز في حاجة لكل حظة قبل موعد الاستفتاء.

بعيدا عن الجدول الزمني ، يواجه سيناريو الدولة لتمرير التعديلات الدستورية عقدة أخرى لم يكن يتصورها ، وهو ميل المصريين للمشاركة في الاستفتاء هذه المرة ،وفقا لسلوك المعارضة المصرية في الفترة الأخيرة ، وهو ما اتبعه أغلب الشعب المصري ، كان اختيار عدم المشاركة في الاستحقاقات هو السائد لديهم ، وراهنت المعارضة على أن خواء اللجان والصناديق سوف يبعث برسالة قوية الى النظام والعالم ، وهو مالم يحدث طبعا .

استغلت الأجهزة الأمنية انتخابات 2018 كفرصة لاختبار قدرتهم على حشد الشعب الى صناديق الاقتراع بكل السبل ، في اطار استعدادهم لتمرير تعديلات الدستور ، ويبدو أن سيناريو 2018 كان الاختيار الأمثل ، فضباط أقسام الشرطة في حالة انعقاد دائم ، واجتماعات مع أصحاب المصالح ، وتكليفهم بأن يحضر كل فرد منهم عدد من صور بطاقات كل من يقدر على حشده للتصويت ، على أن يلتزم باحضاره يوم الاستفتاء.

ليس الموضوع جديدا فقد تم بحذافيره في 2018 ، تصويت جماعي عبر وسطاء لهم مصالح مع الأمن ، كل فرد يحشد بطريقته سواء بتوزيع أموال عينية أو مواد غذائية ، أو حشد قبلي لعائلته ، أو العمال والموظفين بمؤسسات القطاع الخاص.

كما تستعد الجمعيات الخيرية لتجهيز "كراتين" السلع الغذائية لاستغلالها في حشد الفقراء الى اللجان ، فالكرتونة تستلمها أمام اللجنة ، هكذا كانت انتخابات 2018.

يبدو السيناريو مثالي ، يقوم بتنفيذه قوات الشرطة بكل ما لها من سطوة ونفوذ ، يلتزم هيكليا كل مسئول عن قسم شرطة بحشد عدد من المصوتين بطريقته الخاصة ، حيث يقوم جهاز الشرطة بدور التنظيم السياسي ، غير الموجود ، طوعا أو اجبارا سيستجيب قطاع كبير من المواطنين ، ملايين المواطنين على وجه الدقة.

ولكن تبقى العقدة الرئيسية فالسيناريو معد بفرضية عدم مشاركة رافضي التعديلات في الاستفتاء ، وربما هو الموقف الطبيعي ، فالسلطة اعتدت على الدستور وعدلت مادة محظور تعديلها ، كما استحدثت أخرى مفصلة على مقاس الحاكم ، الغريب أن المعارضة المصية بكل تنوعاتها الى جانب قطاع ممن كانوا مؤيدين للسيسي حتى الانتخابات السابقة ، قد قرروا مواجهة التعديلات الدستورية ايجابيا ، ودعوة المواطنين الى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا.

اذا استمرت حملة رفض التعديلات الدستورية بقوتها ، معتمدة على الغضب الشعبي المكتوم من الاجراءات الاقتصادية والاستبداد السياسي ، ومستغلة للاعلام البديل كوسيلة لنقل وصناعة المحتوى ، ونجحت الحملة في الوصول الى قطاعات أوسع من جمهور الطبقة المتوسطة واعادته الى المشاركة ، ربما تشكل أزمة لسيناريو الجهاز السيادي في تمرير التعديلات.

فاذا كان الاتجاه العام يميل لرفض التعديلات ، ان كل حشد يصنعه الجهاز الأمني عبر هيكله المعقد والمتجذر ، ربما يتحول إلى حشد للرافضين إلى الصندوق للتصويت ، وهو ما يعني زيادة أصوات الرافضين في الصندوق ، وهو ما يعني ضرورة تزوير نتائج الاستفتاء ، والأهم من ذلك اعلان هزيمة جديدة للدولة بأجهزتها الأمنية والمخابراتية وحلفائها وأموالها ، أمام الجماهير باستخدام "الموبايل" فقط.

في انتخابات 2018 كان اجمالي الأصوات الباطلة 1,762,000 ، رغم عزوف رافضي حكم السيسي عن المشاركة ، ورغم أن الانتخابات كانت بين السيسي وأحد مجهولي السياسة .

كنت توقعت في قال سابق ، أن تنفذ الدولة سيناريو انتخابات 2018، وهو ما يمكن ان يمثل فرصة لرافضي التعديلات .

بنجاح حملة رفض التعديلات ، من الممكن أن يتحول حشد الدولة من حشد للمؤيدين ، إلى حشد للرافضين ، فقط اذا وصل للمواطن الذي سيتم اجباره على الوقوف أمام الصندوق ، أن باستطاعته أن يقول لا في البطاقة ، وأن ملايين المصريين سيشاركونه .


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك