صفحة بيضاء

406

اغلبنا حينما يغضب لا يعطي للغضب حقه في الظهور خوفا من التغيير " بلاها مشاكل " والغالبية هذه تبتلع الغضب وتجعله يسبح في الأمعاء كما لو كان قطعة حبهان مزعجة ..


مرت إحداهن بجانب الحياه مرور الكرام لم تنتج شيئا إلا طاقة الخوف , ورثها عنها أطفالها وترعرعت الطاقة وأصبحت مرضا يؤخذ له علاج 

تولد احداهن لتجد نفسها أمام قدر غريب إذ عليها في طفولتها أن تكون أداه جنسية وغنيمة لمن حولها من المتحرشين بالأطفال وأن تري من كانوا سببا في وجودها في الحياه يلعنون يوم زفافهم لعنا وقد يصل بهم الامر الي معركة ودماء..

مراقبة من كل العيون بداية من أبويا إلي سابع جار علاقتها مع أبيها منذ نعومة أظافرها إلي أن تخطت العشرين مليئة بالاتفاهم لا إنسانية , ما كانت تنتظره من حنان لم يكن متوفر لم تحميها صرامته من الأفخاخ المنصوبة لها قبل ان تستكمل وعييها بعبارة اخري أن قيم العائلة التي يفترض ان تكون إيجابية بالنسبة لها قد تتحول إلي حالة مستعصية وعنصر سالب يعوق تفتح الشخصية وتوازنها .. وهو ما يحدث لكثير من الفتيات 

تجد نفسها في مراهقتها حائرة تريد أن تغضب وتصيح ولكن لم يتسن لهذا الفعل الشجاع أن يعلن عن نفسه بعد وتبرر بأن الاستقرار أفضل من الضب والتشرد , جالسة في مدرج جامعي تستمع إلي الدكتور الذي يتحدث عن دونية المرأة وعدم استطاعتها تأدية بعض الأعمال فهي للرجال فقط كونهم أقوياء البنية والعقل وجدت نفسها تقف وتتناقش معه تحاول إثبات نفسها أو تثور علي حالها مسكينة لم تكن تعلم أن بتفوهها برأيها بكل احترام أمامه وامام الطلبة سوف يجعله يرفض أن من تجرأت عليه يوما أن تصبح معيدة كما كانت تحلم وتتمني من أول يوم في الجامعة وفضل عليها من لم يسمع صوتها يوما فهي بذلك لن تملأ أدمغة الطلبة بكلام فارغ وهرتلات النسوية .

 وبدون مقدمات وجدت نفسها جالسة تتحدث إلي شخص يسمونه عريس يسألها عن هوايتها وطموحها يبدو سؤل يلمع يتبعه إبتسامة صافية ولكن الحقيقة أن الخبث يطوف حول ابتسامته يريد أن يضع خطة من أول يوم ليقضي علي ما يسمي شخصية فتاه كان هو أول شخص يسألها ما هو طموحك , فتاه عرف إسمها من والدته قبل أربع وعشرين ساعة ..

ومن مبدأ الاستقرار فقد حققت أحلام الوالد وهدأت من روع العمة وتمكت الجارة من النوم ليلا فالكل هدأ نوعا ما أو في إنتظار حدث يتناقل من أول إلي سابع جار ليصبح حديث المدينة 

وحدث بالفعل إذ أن الفتاه التي كانت ترمي بأحلامها في آخر سلم الأولويات صاحت في وجه من أتوا بها إلي الحياه صاحت في وجه من تحرش بها وقتل طفولتها صاحت في وجه والدتها التي علمتها أن لا تصيح بدا وان تكرر كلمة الاستقرار كل يوم ثلاث كما الاذكار

صاحت في وجه العمة ذا الأعين التي تقتحم الخصوصيات أصبح الجميع متحد علي أن يتنصلوا من هذه المتمردة التي تريد حريتها نصبوا لها صوانا واخذوا العزاء وهي لم تمت بعد..

ندمها الشديد أن تنفيسها عن الغضب جاء متأخرا جدا جاء وهي تودع شبابها بلا رجعة كل ما يدور برأسها أن تكف عن الندم وتلتف حول نفسها وتساعدها تواجه الآثار التي ختمها الزمن علي جسدها وروحها فقد يكلفها ذلك عمرا كاملا لتشفي نفسها و تنقي عقلها من الخيارات التي فرضت عليها تسعي لتحصل علي صفحة فارغة " بيضاء " تكتب فاتورتها الخاصة ومهما تكن ثقيلة فإنها بلا ش مستحقة .

أصبحت تعي بأنها كإنسان له الحق في خوض تجربة عيش الحياه بدون أن يكون لهذا العيش ثمن يمكن المساومة عليه , وبالمناسبة أي فتاه وصلت لهذا المفهوم لن يجرؤ أحد بدفعها في الاتجاه الذي يصب في صالحه.

تذكرت وهي تسطر صفحتها البيضاء محاضرة من محاضرات الجامعة طلبت فيها الدكتورة المتخصصة في علم النفس أن كل من يجلس بالمحاضرة يكتب ورقة عن معاناته عن أحلامه عن فرحه عن أي شي وغير مطلوب ذكر الاسم مجرد فرصة ذهبية لتبوح بما في الحلق اجعله ينطلق عبر قلمك واجعله أيضا متاح للقراءة من الجميع .. الجدير بالذكر أن هذه الدكتورة قدمت استقالتها بعد أن تمعنت في سطور طلابها الذي هم من المفترض أن يسطروا مستقبل البلد قالت أنتم مشوهون بشكل لا أحد يستطيع علاجه قالتها للكل ليس فقط للفتيات , المعاناه ذاتها الهواجس ذاتها المخاوف المكتومة ذاتها كما لو انكم جميعا تعيشون في دائرة واحدة وكانت جملتها الأخيرة أن المعاناه توحدكم انا امرأة يقولون انها علي اعتاب الشيخوخة لذا فأتمني أن أجد يوما من يقتلع المرض ويشفي الذات ولن يحدث إلا بمشاركة الألم بمشاركة المشاعر بمشاركة كل شيء مختبيء لا علي ورق بدون إسم بل في العلن وفي وجه من لا يرحم .


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك