الرسالة العميقة التي ترسلها الدولة في قرار تصدير الكلاب والقطط

234

تنظر الغالبية في مصر إلي قرار مثل تصدير الكلاب والقطط باستخفاف ظنًا منها أنها مسألة ثانوية إذا ما قورنت بجرائم النظام الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية الكبري. فمن يهتم بأمر الكلاب والقطط في دولة تتلذذ بتعذيب المواطن/ة، وفرض واقع اقتصادي، وسياسي، واجتماعي قاهر له. من يهتم بمعاناة الحيوانات في دولة يتفاخر رئيسها بأن مجد الدول، وبناءها لا يكون إلا بالمعاناة، واألم، ويدعو الجميع لتقبله، والخضوع له بالقوة كأمر واقع.

                 لكن حقيقة الأمر أن مسألة تصدير الكلاب، والقطط أعمق كثيرًا من النظرة الخارجية لها، والتي تجعل الكثيرين يظنون أن من يهتم بها إنما يهتم بأمور ثانوية، وقضايا مرفهين أو كما يطلقون عليها بمصر "مشاكل عالم أول". هناك رسائل عميقة تصل من خلف هذا القرار، رسائل ذات بعد سياسي عميق للغاية. حتي اليوم، يمكن النظر لأربع قرارات علي أنها حملت رسائل عميقة للغاية للشعب؛ أول قرار هو بيع تيران، وصنافير، الثاني هو تعويم الجنيه المصري، الثالث هو زيادة سعر تذكرة المترو، والأخير هو تصدير الكلاب والقطط. الدولة حملت رسائل عميقة خلف كل قرار من هؤلاء، وأرادت منه ما هو أهم من القرار ذاته.

               تعويم الجنيه المصري، وزيادة سعر تذكرة المترو كانت رسالته العميقة أن الدولة بشكل صريح تخبر المواطن/ة أن عليه/ا قبول أمر واقع اقتصادي، وأنه حتي وإن جاع أو مات لا يحق له محاولة العصيان وإلا سيواجه بالسلاح العسكري مثله مثل العدو، ومثل المجزرة التي حدثت في رابعة. الدولة شاءت أن تظهر حقيقتها بشكل علني؛ حقيقة أن توجهها صار لا يبالي علي الإطلاق بأي معاناة أو ألم اقتصادي، وأنها لن تحمي أحدًا، بل وستأخذ كل ما هو ملك لكل فقير، ولا يحق له أن يتألم حتي. والدولة هي تفعل ذلك تعلم جيدًا أن المواطن/ة المصري/ة ليس كما يحسبه شباب لثوار مغلوب علي أمره، ويريد العصيان بل هو في حقيقة الأمر يؤمن بعمق من خبرته الطويلة أن الواقع لن يتغير، وأنه لا يملك إلا المعافرة كل يوم بلا جدوي ليستطيع أن يعيش يومه، وإن حالفه الحظ حلم بأن يصير مكان القامعين ذات يوم، ويحمي ما وصل إلا بطريقة غير مشروعة بالقوة.

                الرسالة الثانية والأشد عنفًا كانت بيع تيران وصنافير؛ لم يكن النظام العسكري يستهدف فقط زيادة موارده المالية وهو الهدف الذي أشهرت الدولة أنها تعتبره أولوية تجنيها بأي ثمن بالمعني الكبير لعبارة "بي ثمن" لكنه أراد إرسال الرسالة الأقوي لأطراف كثيرة في الدولة. معروف أن النظام العسكري استعان بالنظام القضائي لأجل الإطاحة بمرسي، ووضح هذا الحلف في الدستور الأخير حيث أعطي رجال السلطة القضائية والعسكريين مكانة مرعبة، وحقوق مجحفة في هذا الدستور. لكن النظام العسكري أراد أن يرسل رسالة للقضاء أنه الأقوي؛ وأنه لا يمكن للسلطة القضائية أن تفرض أي شيء عليه بأي حكم تصدره أيًا كان. فرغم أن السلطة القضائية إنحازت لمصرية تيران، وصنافير إلا أن النظام العسكري فرض بالقوة البيع؛ متجاهلاً تمامًا أي إنحياز للنظام القضائي المصري. الرسالة كانت واضحة؛ فلا أحد يستطيع فرض أي شيء علي الجيش حتي وإن ارتكب الجيش أفظع ما يهدد مصداقية حمايته للوطن مثل بيع قطعة من أراضيه. هنا الرسالة الأكبر فكريًا؛ فلم يعد الجيش يكتسب قوته ومكانته من مفهوم وطني محدد بل صار هو فوق المفهوم؛ وفوق الوطنية وهو الذي يحدد ما هي الوطنية. هنا صارت القوة المطلقة التي تزيد عن حدود الديكتاتورية. الديكتاتورية سلطة مستمدة من فكرة معينة، وتطبق بشكل مطلق لكن ما هو أكبر من الديكتاتورية هو أن تتحول الفكرة "الوطنية" لما يدنو السلطة حتي. مثال علي ذلك أن الديكتاتورية الدينية في دولة ما تستمد شرعية ديكتاتوريتها من الدين أما إن صار حاكمها فوق الدين، وهو يحدد الدين، فقد حطم حتي مفهم الديكتاتورية، وصار يعلوه.

            الرسالة العامة التي ملتها كل قرارات السلطة قبلاً هي أنها تريد الحصول علي المال بأي شكل؛ وأننا يجب أن نعترف أننا عبيد لكل من يدفع فينا أكثر. ومن يملكون المال في العالم يشتروننا، وما يوجد فينا ليستغل يجب استغلاله. الأمر بدأ بافتتاح أفرع كثيرة للشركات متعددة الجنسيات خاصة التي تعمل في الإتصالات في مصر "الكول سنتر"؛ والفكرة خلف ذلك كانت استغلال رخص ثمن العمالة المصرية، وعدم حمايتها بقوانين صارمة تمنع استغلال العالم بمرتبات متدنية، وبعدد ساعات غير إنساني يقضي علي حياة المصري خارج عمله. ثم مضي لاستغلال كل فرة لعصر المصري/ة لإخراج أي ضرائب أو رسوم حتي علي وفاته "رسوم الدفن"! ثم وصل لرفع الحماية المعطاة في أي صورة من صور الدعم رغم أن الخدمات المدعومة –وحتي غير المدعومة- متدنية المستوي بشكل وضيع حتي إذا ما قورنت بالدول الفقيرة لا الدول الغنية. ثم مضي لبيع كل ما هو يمكن بيعه، ويجد من يشتريه مثل تيران وصنافير، والسيطرة علي الغالبية الكاسحة من شواطيء، وأراضي الدولة المواجهة لأجمل بقاع العالم، وبيعها للمن يدفع أكثر، وغالبًا يكونون عربًا وشبهة التورط في تسهيل الإتجار بالاّثار للخارج، وأخيرًا تصدير الكلاب والقطط للدول التي تشتريها. 

                نحن وصلنا لمرحلة نبيع فيها كل شيء وأي شيء لمن يريده، ويدفع ثمنًا بخسًا حتي في، ويذل كرامتنا الوطنية به، ووصلنا لبيع الكلاب، والقطط في الشوارع. أتعلمون ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة أن الخطوة القادمة ستكون تقنين الزواج المبكر للقاصرات من العرب، وحصول الدولة علي عائد عنه. المرحلة القادمة هي محاولة بيع أجساد المصريين، وأعضائهم. قد أكون مبالغة، ولكن هذا المسار لا يستبعد في خطوتها القادمة بيع الإنسان، وليست ساعات عمره فقط. نحن ما عدنا نملك الإنسانية أو الرحمة أو الحب أو التسامح أو أي منظومة أنثوية، نحن يحكمنا نظام ذكوري، يحكم بالفرض، والقوة، والقضيب. لكن الأسوأ أن النظم الأبوية كثيرًا ما تتمسك بمفهوم الرجولة، والكرامة، وترفض أن تبيع نفها لمن يدفع أكثر لكننا تنازلنا حتي عن الكرامة؛ فما عادت تحمينا الإنسانية الأنثوية، ولا الكرامة الذكورية. فلنتوقع أي شيء حتي وإن بيع عرض

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك