مركز القاهرة: قانون كبار القادة العسكريين.. صفقة السيسي للاستمرار في الحكم

452

بمناسبة مرور100 يوماً على إقرار البرلمان المصري للقانون رقم 161 لسنة 2018 الخاص بمعاملة كبار قادة القوات المسلحة، أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان صباح اليوم الأحد، ورقة تبسيطية لأهم ما ورد في هذا القانون وأبرز النتائج والدلالات السياسية لإقراره في هذا التوقيت، في شكل 10 اسئلة رئيسية تشرح وتفسر مواده.

 وحملت الورقة عنوان "قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة في سؤال وجواب"،واشتملت الورقة الحديث حول الغاية الرئيسية من هذا القانون، وهي التستر الكامل على جرائم الماضي وإفلات العسكريين المتورطين فيها من العقاب، بما في جرائم خطيرة شهدتها مصر خلال فترة الحكم العسكري 2011 وفي أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، بداية من كشوف العذرية، مرورًا بدهس المتظاهرين في أحداث ماسبيرو، وسحل وقتل المحتجين في محيط مجلس الوزراء وشارع محمد محمود، وصولاً إلى قتل ما يقرب من 1000 شخص خلال ساعات في مذبحة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة. 

واردفت الورقة انه وفقاً للقانون الذي أصدر فقد يحظر على النيابة العامة والعسكرية اتخاذ أي من إجراءات التحقيق بشأن تلك الجرائم بحق القادة العسكريين- إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي له حق رفض الاستدعاء والتحقيق، وبالتالي عدم ماسبة الجناة منهم.

 وأكد مركز القاهرة من خلال الورقة التي قدمها، بأن ذلك يقطع الطريق على القضاء الوطني في انصاف ضحايا العسكر، ويبعث برسالة واحدة مفادها أن القانون الدولي والمحاكم الدولية هي الوسيلة الوحيدة لمحاسبة القادة العسكريين المتورطين- بالأمر أو التنفيذ- في جرائم خطيرة أودت بحياة المئات خلال السنوات السبع الماضية.

كما بلورت الورقة معالم الصفقة" التي يسمح القانون لرئيس الجمهورية بعقدها للحد من الطموح العسكري في السلطة. ففي مقابل الحصانة القضائية والامتيازات الدبلوماسية وبعض الأوسمة والمرتبات والمعاشات المجزية، يسلب رئيس الجمهورية كافة القادة العسكريين- الذين يحددهم هو دون أية معايير أو ضوابط- حقهم في الترشح أو الانتخاب ومباشرة كافة الحقوق السياسية بعد انتهاء مدة خدمتهم العسكرية.

 إذ يعتبرهم القانون بمثابة مستدعيين لخدمة القوات المسلحة مدى الحياة، وبذلك يضمن الرئيس السيسي- الذي أقر هذا القانون- ألا يتطلع أيًا من هؤلاء القادة لمنصب رئيس الجمهورية، ولا يتطلع لمنافسته "عنان" أخر، وكأنه يعد نفسه ليكون رئيس مدى الحياة.


عن القانون:

في ال25 من يوليو الماضي، أصدر مجلس النواب القانون رقم 161 لسة 2018 بشأن معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، والذي منح رئيس الجمهورية السلطة المطلقة في اختيار من يروق له من القادة العسكريين، ومنحهم عدة امتيازات على رأسها الحصانة القضائية ضد إجراءات التحقيق في بعض الجرائم، فضلاً عن معاملتهم معاملة الوزراء في الداخل، ومنحهم الحصانات والامتيازات المقررة لأعضاء البعثات الدبلوماسية أثناء سفرهم للخارج. 


من هم كبار القادة العسكريين المشمولين بهذا القانون:

 من خلال الورقة التي طرحها مركز القاهرة، فقد أكد على أن أحكام هذا القانون تسري على بعض كبار قادة القوات المسلحة المستدعين للخدمة الذين يصدر بأسمائهم قرار من رئيس الجمهورية مدى حياتهم. أي أن تحديد أشخاصهم متروك برمته للرئيس دون وضع معايير محددة، وبناء على رغبته وحده.

 إذ لم تحدد القوانين العسكرية بدقة- وكذا القانون رقم 161 الجديد- من هم كبار قادة القوات المسلحة على وجه الحصر. ورغم أنه قد يكون المقصود بكبار القادة، هؤلاء العسكريون المخول لهم القيادة والسيطرة على القوات المسلحة، والذين حددهم القانون رقم 4 لسنة 1968 في (رئيس الجمهورية بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الحربية بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وأجهزة القيادة العامة، وقادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة وقياداتهم وقادة المناطق العسكرية والجيوش وقياداتهم.

إلا أن القانون رقم 161 لسنة 2018 لم يشر لهذا التصنيف، وترك الأمر برمته للسلطة المطلقة لرئيس الجمهورية في تحديد المشمولين بهذا القانون، بما وصفه المركز خلال تقريره، بأن هذا يفتح الباب على مصراعيه للإفلات من العقاب.


عن المزايا التي يمنحها القانون لكبار القادة العسكريين:

جاءت بالورقة التي طرحها المركز أن القانون رقم 161 يحدد على وجه الحصر طبيعة المزايا والمخصصات التي من المزمع أن يتمتع بها هؤلاء القادة المختارين، لكنه منح رئيس الجمهورية السلطة الكاملة ف تحديد هذه الامتيازات بموجب قرار يصدر عنه بها، مع جواز الجمع بينها وبين أية مزايا أو مخصصات منصوص عليها في قوانين أخرى. ولكن القانون نص بشكل صريح على منحهم امتيازات محددة- ليست على سبيل الحصر- أهمها "معاملتهم ذات المعاملة المقررة للوزراء، ومنحهم الأوسمة بقوة القانون، فضلاً عن منحهم الحصانات والامتيازات المقررة لأعضاء البعثات الدبلوماسية أثناء سفرهم للخارج، والأهم في ذلك أن القانون منح القادة العسكريين المختارين الحصانة القضائية ضد إجراءات التحقيق على المستوى المحلي في الجرائم المرتكبة خلال فترات محددة."


المقصود بمعاملة الوزراء:

أجابت الورقة التي طرحها مركز القاهرة للدراسات، عن المقصود بمعاملة كبار القادة العسكريين المختارين معاملة الوزراء، فقد أشار التقرير إلى أن هذا المعنى يقصد به  المعاملات المتعلقة بالأجور والمعاشات، إذ يتقاضى كل من نواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء مرتبًا شهريًا يعادل صافيه الحد الأقصى للأجور.

أي اثنين وأربعين ألف جنيه شهرياً، بالإضافة إلى عدم خضوع معاشاتهم لأية ضرائب أو رسوم، كما أن تسوية المعاش بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة في المنصب، بحسب آخر راتب حصلوا عليه في الخدمة، على ألا يجاوز صافي الحد الأقصى لأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب. ويكون الحد الأقصى للمعاش بواقع (80%) من أجر اتسوية.  

وإذا قل المعاش عن (25%) من أجر التسوية رفع إلى هذا القدر، وإذا انتهى شغل المنصب بسبب الوفاة الإصابية أو العجز الكلي الإصابي يكون المعاش بواقع (80%) من أجر التسوية. على أن يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.

وأشار التقرير الى انه بحسب القانون 161 لسنة 2018 يعامل "فقط" المعاملة المقررة للوزير كل من لم يشغل من كبار القادة المختارين منصب وزير أو منصبًا أعلى، أي أنه إذا تم استدعاء من سبق وكان وزيرًا أو تقلد منصبًا أعلى فلا يعامل هذه المعاملة. 

فمثلا المشير طناوي لو تم اختياره ليشمله هذا القانون بموجب قرار من الرئيس، فإنه لن يحظى بامتيزات الوزراء المقررة بهذا القانون، نظرًا لأنه كان يومًا وزيرًا للدفاع، وهو حاليًا يحظى بامتيازات وزير سابق بالفعل.


عن الأوسمة التي يجوز منحها بقوة هذا القانون:

وفقا لتقرير مركز القاهرة، لم يحدد القانون طبيعة الأوسمة (عسكرية فقط أم عسكرية ومدنية) وترك الأمر لقرار رئيس الجمهورية. وتتمثل الأولى في: (أ)وسام الجمهورية العسكري. (ب) وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى أو الثانية. (ج) وسام نجمة الشرف. (د) وسام النجمة العسكرية. 

والثانية في: (1) قلادة النيل. (2) قلادة الجمهورية. (3) وشاح النيل. (4) وسام الجمهورية. (5) وسام الاستحقاق. (6) وسام الكما. (7) وسام العمل. (8) وسام العلوم والفنون. (9) وسام الرياضة. 

كما لم يحدد القانون وقت معين أو مناسبة لمنح هذه الأوسمة، فبمجرد أن يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتحديد هؤلاء القادة، تمنح لهم الأوسمة.


عن الحصانات الدبلوماسية وقت السفر:

أجاب تقرير مركز القاهرة عن أمر الحصانات الدبلوماسية حيث يتمتع أعضاء البعثات الدبلوماسية -دون غيرهم- بمجموعة من الامتيازات والحصانات بموجب اتفاقية فيينا 1961، والتي يمنحها بدوره القانون رقم 161 لسنة 2018 للقادة العسكريين المخترين من رئيس الجمهورية، أثناء سفرهم للخارج طوال مدة خدمتهم أو مدة استدعائهم، ملزمًا وزير الخارجية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك. 

ومن بين هذه الحصانات : "عدم اخضاعهم لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال أثناء فترة وجودهم بالخارج؛ عدم جواز تفتيش منزلهم الخاص؛ تمتع الأوراق والمراسلات والأموال الخاصة بهم بالحصانة ضد إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز أو التنفيذ؛ تمتعهم بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المضيفة حال ارتكبوا جرائم بالخارج؛ إعفاءهم من الشهادة أمامه؛ إعفاء الأشياء المعدة لاستعمالهم الخاص أو أفراد أسرته من جميع الروم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى؛ إعفاء الأمتعة الشخصية من التفتيش إلا إذا كانت تحتوي على مواد يحظر القانون استيرادها أو تصديرها؛ علاوة على تمتع أفراد أسرهم –الذين يعيشون معه في نفس المسكن- بالامتيازات والحصانات نفسها.


عن الحصانة القضائية ضد التحقيق:

أشار التقرير الى أن الحصانة القضائية تعني أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء قضائي، بما في ذلك الاستدعاء للتحقيق، لهؤلاء القادة العسكريين إلا بإذن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي يمكنه بالطبع الرفض، لأن مضمون الإذن يتلخص في عدم ممانعة الجهة (المجلس العسكري) التي تًطلب القانون استئذانها قبل مباشرة التحقيق.

وبحسب القانون تسري هذه الحصانة ضد إجراءات اتحقيق في الجرائم المرتكبة خلال فترات تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه، أي أنه لا يجوز مساءلة أيًا من القادة العسكريين الذين يشملهم قرار رئيس الجمهورية عن الضلوع في أية جرائم محل تحقيق وقعت بين 19/2/2011 (تاريخ تعطيل دستور 1971) و 23/1/2012 (تاريخ انعقاد البرلمان).

وفي الفترة من 3/7/2013 (تاريخ تعطيل دستور 2012) إلى 10/1/2016 (تاريخ انعقاد البرلمان الحالي). كما أنهم يحظوا بحصانة مستقبلية ضد إجراءات المحاكمة عن أية جرائم قد تقع في حالة تعطيل الدستور الحالي وغياب البرلمان. فإذا حدث وتعطل العمل بالدستور الحالي وتوقفت الحياة النيابية فإن لهم هذه الحصانة إلى حين انعقاد مجلس نواب جديد.


عن أهم الوقائع محل التحقيق خلال فترة الحصانة المكفولة بقوة هذا القانون:

تجدر الإشارة أن الفترة الأولى والتي كانت مصر فيها تحت حكم المجلس العسكري- قد شهدت وقائع مفصلية ومذابح خطيرة منها اعتصام 8 أبريل 2011، أحداث ماسبيرو 9 اكتوبر 2011، وأحداث محمد محمود نوفمبر 2011 والفض المتكرر لميدان التحرير، وأحداث فض اعتصام مجلس الوزراء ديسمبر 2011.

 بينما بدأت الفترة الثانية بإعلان وزير الدفاع وقتها( الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي) عزل الرئيس المنتخب معلنًا ما يسمى" الحرب ضد الإرهاب" بعد تفويض شعبي طلبه بذلك وقد شهدت هذه الفترة أحداث دموية مريعة منها أحداث الحرس الجمهوري يوليو 2013، أحداث طريق النصر يوليو 2013، وأهمها أحداث فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة أغسطس 2013. 

فوفقا لهذا القانون، كل هذه الجرائم وغيرها، لا يجوز مساءلة القادة المشمولين بالحصانة لأنها وقعت ما بين تعطيل الدستور وانعقاد مجلس النواب، وفقًا للآجال المحددة سابقًا.


الدلالات السياسية لمنح هذه الحصانة:

 فسر مركز القاهرة من خلال تقريره وجود الًحصانة القضائية بالتستر الكامل على جرائم الماضي وإفلات العسكريين المتورطين فيها من العقاب، بما في جرائم خطيرة شدتها مصر خلال فترة الحكم العسكري 2011 وفي أعقاب أحداث 30 يونيو 2013،  ففي كل هذه الجرائم يحظر على النيابة العامة والعسكرية اتخاذ أي من إجراءات التحقيق بحق القادة العسكريين- حال شملهم رئيس الجمهورية بالحصانة-  إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي له حق رفض الاستدعاء والتحقيق، وبالتالي عدم محاسبة الجناة منهم.


عن مثل هذه الحصانة في الدول الأخرى:

ذكر التقرير انه في ديسمبر 2000، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا هامًا بخصوص مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن قاضي تحقيق بلجيكي باحتجاز وزير خارجية الكونغو- ندومباسي– الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم أثناء تداول القضية، لحين تسليمه لبلجيكا على خلفية اتهامات بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الانساني، إذ أقرت محكمة العدل سقوط "الحصانة القضائية" عن وزير الخارجية بمجرد انتهاء خدمته معتبرة أن الحصانة الدبلوماسية من الملاحقات القانونية أمام المحاكم الأجنبية ذات الولاية القضائية المتعلقة بالاختصاص العالمي تنحصر فقط على رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، ووزراء الخارجية ووزراء الدفاع طالما انهم مازالوا بالخدمة، وتسقط بمجرد خروجهم من الخدمة.

الأمر الذي يعكس انه من حيث المبدأ اجمع المجتمع الدولي على أن الجرائم الأساسية في القانون لجنائي الدولي يجب ألا تمر دون عقاب، إذ تسقط القيود التقليدية التي تخضع لها المحاكمة الجنائية (الولاية الإقليمية، الحصانات) على الجرائم الأساسية الدولية. 


عن القادة العسكرين المختارين والترشح للرئاسة:

أخر ما ذكره التقرير عن القانون فإن العسكريين المشمولين بقرار رئيس الجمهورية بمثابة مستدعين لخدمة القوات المسلحة مدى الحياة، مما سيؤدي بالتبعية إلى حرمانهم من مباشرة الحقوق السياسية -كالترشح والانتخاب- إذ أنه بموجب قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014 يعفى ضباط وأفراد القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية طوال دة خدمتهم أو استدعائهم من مباشرة حق الترشح والانتخاب وإبداء الرأي في كل استفتاء ينص عليه الدستور. وبذلك يضمن الرئيس السيسي عدم منافسته من قبل قادة الجيش سواء الذين مازالوا في الخدمة أو غيرهم من الذين انتهت خدمتهم- بمجرد أن يشملهم قراره بموجب هذا القانون. ففي مقابل الحصانة القضائية وبعض الامتيازات يضمن رئيس الجمهورية ألا يتطلع أيًا من هؤلاء القادة لمنصب رئيس الجمهورية.


اقرأ أيضا: محاولات تعديل الدستور دافع اضافي لتقييد حرية التعبير






 






















تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك