لماذا ارفض تعديل الدستور؟

302


الجدل بشأن تعديل الدستور في مصر يأخذ -من وجهة نظري- الاتجاه الخاطئ. بمعني انها صارت معركة بين مؤيدي السيسي ومعارضيه. فإذا كنت مؤيدا للسيسي فأنت مع تعديل الدستور ليبقي ويواصل إنجازاته. أما لو كنت معارضا له، فلست في حاجة لسماع شئ عن المبررات، لأنك سترفضها مسبقا. 

لكن الجدل لاينبغي أن يذهب إلي تقييم السيسي خلال السنوات الماضية، لأني أري أنه لايجب تعديل الدستور حتي لو كان السيسي هو أعظم حاكم أنجبته مصر علي مدي تاريخها، لأن الأهم من شخص الرئيس هو بناء الدولة التي قال السيسي أنه أمضي خمسين سنة في دراستها، وهو لاشك علم أثناء هذه الدراسة أن الفارق الأساسي بين الدولة وشبه الدولة هو وجود المؤسسات في الأولي والشخصنة في الثانية التي تظل تعتمد علي القائد الملهم المنقذ. 

لكن السبب الأهم لرفض تعديل الدستور يرتبط بعبارة هامة قالها السيسي شخصيا وأتفق معها تماما وهي أننا طول ماحنا كدة (إيد واحدة) ماحدش هيقدر علينا. 

والحقيقة التي لاخلاف عليها الآن سواء كنت تحب السيسي أو تكرهه أننا لايمكن معه أن نعود (إيد واحدة). فهناك من يراه الرجل العظيم الذي "وضع روحه علي كفه لإنقاذ مصر من الإخوان والحرب الأهلية"، وهناك من يراه قائد انقلاب دموي. هناك من يراه رجل المخابرات الداهية الذي تلاعب بمخابرات العالم وأفشل مخططاتها لتقسيم مصر وإسقاطها، وهناك من يعتقد أنه باع جزءا من أرضها وفرط في سيادتها. هناك من يراه رجل الإنجازات الذي يعمل ليل نهار للنهوض بمصر، وهناك من يلعن سياساته الاقتصادية التي أفقرت المصريين وأفلست البلاد وأدخلتها في دائرة الديون. 

هل أنت من الفريق الأول ام الثاني؟ مش مهم. أي الفريقين علي صواب؟ أيضا مش مهم فلن يغير ذلك من الأمر شيئا. فسواء كنت من المؤيدين المخلصين أم المعارضين الكارهين هناك أمر واحد يمك أن يتفق عليه الجميع: أن من يكره السيسي لن يغير رأيه فيه غدا بل إنه علي الرجح سيزداد عداء، أما محبو السيسي فهم كما وصفتهم يوما يشبهون مؤيدي ترامب الذي قال إن دعمهم له لن يتزحزح حتي لو أطلق النار علي شخص في شوارع نيويورك. 

إذن هل يمكن أن يعود المصريون (إيد واحدة) في ظل هذه الظروف؟ أعتقد أن الإجابة الأقرب هي بالنفي، فهو ليس مجرد خلاف تقليدي بين يمين ويسار أو بين إسلاميين وعلمانيين أو بين الإخوان وغيرهم، إنه ببساطة حالة عداء قوي بين الفريقين وصل إلي القبول باستخدام العنف وإراقة الدماء، وأدي إلي تفتيت بعض الأسر المصرية التي كانت معروفة بتماسكها، ورأينا زواجا ينتهي بالطلاق بعد عشرة طويلة أو ابنا ينقلب علي أبيه وهكذا. فهل يمكن لمصر ان تخرج من أزمتها الحالية وهي ممزقة بهذا الشكل؟ طبقا لكلام السيسي نفسه هذا صعب، وأوافقه علي ذلك. يمكن لأي منا أن يؤيد السيسي كما يشاء، وأعتقد أن نسبة كبيرة من المؤيدين تنطلق من أرضية وطنية وليس نفاقا أو تطبيلا، لكن لايجب أن نغفل اننا بصدد استعادة هيبة الدولة وقوتها وقد حصل السيسي علي فرصته لأداء هذا الدور بكل نجاحاته وإخفاقاته، وعلينا الآن أن ننظر إلي المستقبل الذي لن يعترف بأشباه الدول القائمة علي تقديس الأشخاص. 

أعلم أن كلامي لن يوقف المسيرة المظفرة لتعديل الدستور، وأنه قد يجلب لي متاعب أنا في غني عنها وأنا بعيد عن الوطن، لكنها كلمتي اريح بها ضميري وس زفة مصنوعة ممن باعوا ضمائرهم

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك