أيها الصائم الشرير في شهر القمع

516

ذات يوم كان هذا الشهر أحب شهور العام إلي قلبي، وترقبته بين العام، والأخر. ذات يوم أحببت الصوم، ومحاربة الذات والصبر علي الإفطار وأحببت الروح الدافئة في رمضان ولكنني السنوات القليلة الماضية ظلت تزداد داخلي كراهية هذا الشهر العام تلو الأخر. وصرت أري قبح هذا الشعب في هذا الشهر أكثر من أي شهر أخر. 

                 كثير ما شعرت في ذا الشهر منذ طفولتي بأن جسدي مكروه أكثر؛ فالقاصي والداني في وسط الشارع ممن لا أعرفهم حرصوا علي تلقيني الدروس عن المظهر اللائق للملبس في رمضان. يشعر الصائم منهم أنه محروم من التحرش بي بسبب صيامه، ويغضبه ذلك جدًا فيقرر الانتقام مني وتلقيني الدروس الأخلاقية الجارحة حتي أخفي جسدي ولا يشعر أنه جوعان عليَ ولا يستطيع إشباع رغبته بالقنوات القذرة اللاشرعية من التحرش التي يمارسها طوال العام.

                  في الأعوام القليلة الماضية بعد تولي السيسي صارت الخمور تمنع في رمضان، وكذلك المقاهي الليلية، ويتم إلقاء القبض علي من يجرأون علي تناول الطعام أو الشراب في الشارع. الصائم الشرير الذي يؤمن أنه مجبر علي الصوم حتي لا يحرقه الرب الأقوي منه وحتي يتمتع بالخمور وحور العين في الأخرة يريد أن يمارس نفس السلطة والقهر التي يؤمن أن إلهه يمارسهم عليه علي الأضعف منه. فكيف يسمح لمن ولدوا مسلمين وقد يكونون أبناءه بأن يتناولوا الطعام أو الشراب وهو صائم؟ كيف تجرأ الأقلية الأضعف منه أن تشرب الخمر أو تري الراقصات بينما هو صائم؟ يشعر بالغضب لعدم احترام ما يقدسه هو، ويشعر في ذات الوقت بقمع ربه الذي يحرمه من تلك الملذات فيمارس القمع ذاته علي الأخرين، ويصل لحد ضربهم، وسجنهم إذا تجرأوا ومارسوا أبسط حقوقهم الإنسانية في تناول الطعام، والشراب أمامه. وبعد ذلك يعود ويعتبر أفعاله الشريرة تلك إحقاقًا لدين الإله وتنفيذًا لأحكامه.

                   رمضان صار بالنسبة إليَ الشهر الذي يمثل أبشع صور القهر، والقمع وفرض الأقوي لقوانينه علي الأضعف بل وحرمان الأضعف حتي من حق تناول الطعام، والشراب حتي بأذن له الأقوي. هؤلاء الصائمون الأشرار في هذا الوطن لا يصومون حتي يتعلموا تهذيب أراوحهم، وجعلها تسموا علي احتياجاتها الحيوانية بل صاروا يصومون حتي ينفذوا قوانين الغابة، ويرون في صومهم خضوعًا لملك الغابة، ويرون أنفسهم كحيوانات مفترسة ملجومة يجب أن تلجم الحيوانات الأضعف منها. رمضان فقد كل معناه في هذا الوطن، وصار سمو الروح وحريتها بديله الحام هو القمع، والشر.

                   إيها الصائم الشرير في شهر القمع أنت لست المؤمن المقاوم الحر من شهواته بل أنت العبد الذي يريد أن يبني أسفله مملكة تدنوه من العبيد.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك