انتصار التاء واضطراب الجرذان

289

مُنذ عِدَّة سنوات تعوَّدت – دون إرادتي – أثناء وقوفي في انتظار القَطار مُراقبة حركة الجرذان وهي تنتقل بين قُضبانه، وما تلُبث أن تَمُر دقيقة أو دقيقتان حتَّى تبدأ في الإختفاء تحتها مُعلِنة اقتراب القِطار التالي. هكذا هُن النِساء حينما يقتربن مُعلِنات وصولهن تضطَّرب حَركَة الجُبناء الذين يتراقصون بعاداتهم وتقاليدهم ثُم يختفون ورائها مُتكسي الرؤوس مع رواسب الماضي متهرِّبين مِن مواجهة الواقِع والحاضِر. 

يتكاتف مُجتَمَع النِساء الحديث سويًا، فتجد المرأة دعمًا غير مشروط كُلَّما واجهت احباطًا، أو احتياجًا أو وِحدَة، سواء من صديقاتها المُقرَّبات، أو زميلاتها في العَمَل، أو امرأة عابرة بالطريق إذ خالجها قلبها بأن هذه التاء في حاجة إلى المُساعدَة، ولو لم تَكن هكذا هُن النِساء لِما حصلن على ما انتزعن من حقوق اليوم، ولن ننسى بالطبع شُركائنا في انتزاع تِلك الحقوق من الرِجال. 

أعِزَّائي الحائرين والحائرات، الغير قادرين والغير قادِرات، الراغبين والراغبات في التخلص من عباءة الماضي بأساطيره التي انقلبت لاحِقًا إلى عادات معسولة، نعم نقولها بكُل ما أوتينا بقوَّة، نتألَّم أثناء دورتنا الشهريَّة، بل وفي بعض الأحيان يتجاوز ما نشُعر به كَلِمَة (الألم). بالطبع تتذكَّرون كيف تضايقون عندما تُصابون بنوبة صُداع، وتتذمَّرون حينما تشتد تلك النوبة، أو كيف يكون شعوركم عِند اصابتكم ببرد في المَعِدة، شعور مؤلِم قد يدفعكم نحو المُسكِّنات، أو تناول نوع مُعيَّن مِن المشروبات أو إلى النوم، تخيَّلوا معي مزيجًا من الصُداع، وانقباضات عضلات الرَحم، ونقص الطاقة، وانعدام الشهية نحو الطعام، بل والشعور بالغثيان في بعض الحالات، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأعراض تختلف من فتاة لأُخرَى، هل تتوقعون من الفتيات الشعور بالخِفَّة، واإنطلاق كما هُن في بقيَّة الأيَّام؟ بالطبع لا. 

فاجئتنا احدى الشركات Shark & Shrimp  - التي تستحتق تِلك الدعايا غير مدفوعة الأجر – بواحِدة من القرارات التي جاءت نتيجة دعوات المُبادرات النسويَّة، احدى القرارات التي ستُحرِّك المياة الراكِدة في الشركات بالمُجتَمَع المصري بإعطاء يوم أجازة مدفوعة الأجر عن اليوم الأول او الثاني للنساء أثناء فترة الحيض، الأمر الذي تسبب في خروج الهوام من أجحارها، مُعلنين رفضهم التام لهذه الدعوى بشكل عام مُقللين مِن قيمة النساء، مُتناسين أن مثل هذه الدعوا أتت بعد تصالُح النساء مع أجسادهن، ومعرفتهن كيف يتعاملن معه ولا يخجلن منه، فكيف لمذعور أن يُفتت ذلك السلام؟! 


( - لماذا لم تأتِ مدام عفاف اليوم؟ - لأنَّها تُعاني من آلام الدورة.) ( هل هذا يعني أنه لا وجود لـ Strong independent woman؟) الكثير من التعليقات التي مِن المفتَرَض في مضمونها ساخرة بالنسبة لقائليها تكشف عن الكثير من الجهل والسطحية التي يعانون منها، جميع العاملون والعاملات في الشركة يستطيعون أن ينصرفوا مُبكِّرا من العمل، أو إبلاغ المسئول او المسئولة عنهم بعدم إمكانيه القدوم بسبب المرض – وفقًا لما يُحدده القانون وسياسة الشركة – فهل يقوم أي شخص طبيعي بعمل تحقيقاته الخاصَّة لمعرفة أي نوع من المرض يعاني منه الغائِب أو طَرق على الغائِبة؟ بالطبع لا! ويحدث أن تنصرف النساء مبكرًا عن عملهن أو أن يأخذن إذنًا يُخصَم من رصيد الأجازات نتيجة لشعورهن ببعض الإعياء أثناء زيارة الدورة الشهرية – فهل قالت لزميلها (آسفة لن أستطيع المجئ اليوم للعمل، أصل عندي الدورة)! تعبت فلم تأتِ وانصرفت، ببساطة! فلماذا تحدث تلك الزوبعة حينما يكون عدم المجئ أثناء الطمث حقًا مكفولًا ومدفوعًا! 

جميعنا نعلم جيِّدًا بأمر الدورة الشهرية، فهل فقدت المرأة استقلاليتها أو قوِّة شخصيَّتها وإرادتها مع كُل قطرة دماء تتساقط دون قُدرتها على التحكُّم بها؟ باختصار شديد، لم ولن تفقدهما سواء في السر أو العلن. 

أتعجَّب حقًا مِن سُخريِّة بعض النساء من قريناتها من النساء أيضًا المؤيِّدات لهذا القرار، وقولهن أن الأجازة الممنوحة هي إهانة للمرأة فأي إهانة تتحدَّثن عنها؟ هل أهانت دول مثل (اليابان، الفلبين ) وغيرهم المرأة حينما وفَّرت لهن مثل هذه الاجازة الدفوعة؟ بالطبع لا، بل الإهانة الحقيقيَّة هي عدم الانتصار لحقوقنا، والتصدِّي للمتطاولين على أجسادنا وطبيعتنا البيولوجية، الإهانة حينما تخجلن من أجسادكن وتُفضلن الخصم من الأجر أو رصيد الأجازات على أن يكفُل القانون بكامل حقوقن وانتن مرفوعات الرأس. 

ذه المُبادرة التي بدأت الشركة في تطبيقها بالفعل ابتداءا من الأول من ابري في 2019 هي بداية الطريق نحو إدراج بعض التحديثات على قانون العمل فيما يخص أجازات السيِّدات، والتي يجب أن يُولَّى اهتماما كبيرًا من قِبَل مُمثِّلي مجلس الشعب، ويجب ألَّا تختفي الحركات النسوية عن الساحَة  حتَّى لا تسنَح الفُرصَة للجرذان ليعاودوا الظهور فنجد أننا أمام عقبات عدم إدراج ذلك في القانون، أو أن يتم توفير تلك الأجازة مخصومة من رصيد الأجازات السنويَّة، أو أن تكون غير مدفوعة جزئيًا أو كليًا، بل على النسويات أن يتكاتفن معًا من أجل إقرار قانون يضمن حق المرأة ويتساوى معها الرجل، فحن نسعى لإقرار الحقوق والمُساواة، وحينما ننتزع حق الأجازة المدفوعة أثناء الدورة الشهرية، سنعمل على رفع حق الرجال أيضًا سواء بأجازة أو زيادة في المُرتَّب مُماثلة؛ لأن النسويات باختصار ساعيات نحو الحصول على المساواة لا نحو إقرار التمييز.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك