مأكلتش رز!

280


اقتربت من أنفاس الموت مرتين، مرة فعليا، ومرة في هواجسي، كانت الأولى خفيفة ولطيفة وحببتني في فكرة الموت، لأنها كانت "موتة" لها معنى وطعم، كنت في مظاهرة لما سقطت قنبلة غاز جديدة من مخازن أمريكا إلى يد الشرطة المصرية مباشرة في عهد الإخوان، تحملتها في المرة الأولى لكن القنبلة الثانية كانت قريبة جدا وحاولت أن أمسك بها فاستنشقت الغاز بكثافة، ففقدت وعيي لثواني معدودة بعد انقطاع نفسي من أثر الغاز، لازال صدري يؤلمنى ربما منها، وربما من حمل الفكرة حتى اليوم.

على كل لازلت أذكر الثوان التي ظننت فيها أني أفارق الدنيا، الثانية اتي انقطع فيها نفسي وكانت الدنيا ضبابية والأصوات كلها صامتة وكان النور صفيا للغاية، لحظة هدوء جميلة أسترجعها لأهدء كلما عصفت بي الدنيا، في هذا النهار أحببت الموت.


لكن المرة الثانية لم تكن بجمال الأولى إطلاقا، بل كانت سخيفة جدا، شعرت بالخيانة، ريما لانعدام المعنى منها، أو هذا ما أقوله لنفسي، شعري يتساقط بكثافة وأنا أعمل في مستشفى، فأسأل طبيبة الجلدية فتطلب مني أن أكشف أمراض نسا! أتعجب لأني لا أعاني أي خطب من تلك الناحية، لكنها تُصر، أتردد لكن تعلق الفكرة في عقلي، فأسأل طبيبة نسائية، فتباغتني بالكشف سريعا، فتكتشف ورم كبير وغريب! 

بعض تحاليل وأعة، وتقرير أشعة خطأ بأن الورم قد يكون "خبيث".

شعرت بالخيانة، لم أخف المت أبدا، أؤمن بوجود حياة أخرى، وأؤمن بشدة برحمة ومحبة الله، وأعلم أنه يحبنا ولن يعاقبني طالما لم أؤذِ أحد أو شيء، على الأقل هذا إيماني.

لكن ساعة قالت الطبيبة السفيهة هذا التشخيص، شعرت بالخيانة، لأني أضعت سنوات عمري في انتظار الموت، لم أحيا، واليوم ببساطة هكذا أنتهي بشكل سخيف وبلا معنى وبلا معركة! 

مأكلتش رز، مأكلتش رز، بطريقة احمد حلمي في فيلم "إكس لارج"، رددت تلك الجملة بضحك ليلة العملية، لكني كنت أشعر بنوع من التهكم والسخط الشديد، كان عمري خمسة وعشرين عاما، لكنى قد عشت الكثير، وشعرت أن الله قد خان اتفاق ما عقد بيننا، بينه وبين البشر جميعا، أن ننزل الأرض ونحيا ثم نموت وبعد ذلك الحساب، ألم تكن تلك هي الصفقة التي عقدناها لما تمللنا الجنة واشتهينا الأرض والدنيا؟ 

فكيف انتهى بي الحال، على وشك أن أموت وأنا لم أعش بعد! لهذا كنت أردد مأكلتش رز، وليس لنقص صلواتي وطقوس الدين في ميزاني، إنما لأنى لم أحظَ بالجزء الجيد من الصفقة بعد، أقصد أن أحصل على الدنيا وشهواتها، فكيف أنتقل للجزء الخاص بي من الصفقة وأؤدية وأحاسب وأنا مأكلتش رز! 

كانت مجرد مبالغات عاطفية، ودراما " ماجدية" نسبة لإله الُمحن الممثلة "ماجدة"، لقد كانت عملية بسيطة بالمنار لإزالة " بطانة مهاجرة"، لكن هرمونات الأنوثة مع بعض الشعور بالشفقة على الذات، وإلحاح كافة الخطط المؤجلة في خيالي وقتها، شعرت أني خُنت نفسي لما ارتديت ما يشبه الخمار والجوانتيات في مرحلة المراهقة وكنت أحسب لنفسي حسناتى بناءً على عدد استغفاري وتسبيحي وأضربهم في عشرة ومائة! شعرت أنى خنت نفسي حينما توقفت عن الكتابة، وعن الحب وعن الاستمتاع بالدنيا وانخرطت في الاكتئاب واليأس، شعرت أني أنا من خدع نفسه، حينما توقفت عن ممارسة الحياة واستسلمت للموت في فشل الثورة وانسداد الطرق التي كنت أسلكها.

ولهذا حينما انتهت فترة العلاج، وحملتني أقدامي مرة أخرى، تعلمت الدرس يدا، كان إنذار الموت ليس تذكيرا بالآخرة، إنما بالدنيا، الجزء الهام في الصفة بيننا وبين الله، هو أرادنا على الأرض، وخلقنا بشر بكل ما فينا، هو أرادنا منه عليها، وفيه بها، فكيف نخون الاتفاق ونضيع أعمارنا في انتظار النهاية خشية النتيجة! 

وعليه،،، فقد قررت أنا "أأكل رز" من يومها.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك