في الثالث من سبتمبر الماضي، كانت مروة عكاشة تُجهز حقيبتها للترحال بدراجتها الهوائية من القاهرة للفيوم، تضع ما تحتاجه للتخييم ثلاثة أيام، ملابس وبعض المُقبلات والمقرمشات التي تُحبها، كانت متحمسة لرحلتها التي تقطعها للمرة الخامسة لنفس المحافظة، لم تكن تعلم أنها ستتعرض لحادث أليم، يتسبب في مكوثها بالرعاية المركزة لأسبوعين، بل وتحتاج إلى ثلاثة أشهر للتعافي من الإصابات التي لحقت بها.
لا تتذكر “مروة” لحظة وقوع الحادث نفسه، لكنها لا تنسى حين بدأت تستفيق عقب نقلها لمستشفى الفيوم العام وهي تنادي على والدتها المتوفاة: “كنت أصرخ وأنادي على ماما، فين ماما، هاتولي ماما؟”، كان جرحها عميق بالداخل والخارج، حيث أُصيبت بكسور في مشط القدم اليُمنى، وشرخ في الركبة اليسرى، وكدمات بالبطن والظهر، وجرح قطعي بفروة الرأس نتج عنها تجمع دموي، وارتشاح حاد على الرئة وغيرها، مما استدعى وضعها على جهاز الأكسجين لأكثر من أسبوع.
كُتب لـ”مروة” عمر جديد، بعد نجاتها من موت محُقق بحسب ما تروي شقيقتها “هالة” مؤسس فريق “كايرو بايك فور إيفر”، لـ”زاوية ثالثة” لكن محمد منصور، 19 عام، ودع دراجته للأبد، بعد تعرضه لحادث مروع على الطريق الدائري في نوفمبر، تشرين الثاني 2024، أودى بحياته، بعد أن كان في طريقه للمشاركة في مسابقة للدراجات تمثل الجامعات والمعاهد.

الموت على الطريق
تلقى والده منصور محمد، خبر وفاة نجله من “فيس بوك”: “قالوا إن محمد تعرض لحادثة على الدائري ونشروا صورته”، هرول الأب لمستشفى الوراق المركزي ليجد ابنه جثة هامدة، شارك في غُسله مؤكدًا أن الخبطة التي تعرض لها نجله لم تكن من الخلف، بل في العجلة الأمامية لدراجته، مما أدى إلى تلفيات في أسلاك الدراجة وكسر في خوذته. وقد عانى من كسور في يده ورأسه، وتوفي على الفور في موقع الحادث. بحسب حديثه لـ”زاوية ثالثة”.
يحكي والده، لـ”زاوية ثالثة” أن ابنه كان مرتبط بدراجته بشدة: “من شدة حبه للعجلة، كان يضعها على السرير بجانبه. كان يخاف عليها أكثر مما يخاف على نفسه. كنت أمازحه وأقول له: يا محمد، لنبع الدراجة، فيرد قائلًا: لا، قد أبيع نفسي لكن الدراجة لا”، لافتًا إلى أن محمد كان يشعر بالقلق والتوتر في ليلة السباق وخرج في الصباح الباكر حوالي الخامسة فجرًا استعدادًا له، والذي كان مقررًا أن يقام في مدينة المستقبل: “كان لديه آمال كبيرة لتحقيق المركز الأول في المسابقة”. سبق وحقق الشاب الراحل، مراكز متقدمة في السابق، حيث حل ثانيًا على مستوى المعاهد وسابعًا على مستوى الجمهورية.
انهى الوالد كافة الإجراءات وحرر محضر بالواقعة، واستخرج شهادة وفاة نجله، غير مصدق أنه فقده للأبد: “محمد كان طيب وجدع ومحبوب من الكل وده اللي مصبرنا على فراقه”.
لم يكن الدراجين وحدهم الذين يعانون، بل طالت المعاناة الموقع الرسمي للاتحاد المصري للدراجات، الذي لم يُحدًث منذ يونيو 2024، ولا تزال كلمة رئيس الاتحاد السابق وجيه عزام المتصدرة صفحته الرئيسية، فضلًا عن الأخبار التي مر عليها سنوات، بجانب أنه يستغرق وقت طويل للدخول عليه، ويخلوا من اللوائح الأساسية التي تحكم اللعبة في مصر.
وكذلك الاتحاد العربي للدراجات، الذي يخضع للتحديث بمجرد الضغط للدخول لأي صفحة دون الرئيسية، ولم نتمكن من الوصول لأي لوائح منشورة على مواقع الاتحادين الرسمية للاستعانة بها كمصدر موثوق.
فيما تُبرز مدوّنة الأخلاقيات للاتحاد الدولي للدراجات (UCI) مسؤولية جميع الاتحادات التابعة له، في حماية السلامة الجسدية والنفسية لجميع المشاركين في عالم الدراجات، وتعتبر أي انتهاك يعرض الرياضيين للخطر إخلالًا بمبادئ النزاهة والواجب الأخلاقي. فالميثاق يضع حماية حياة الدراجين في صميم التزامات الاتحادات والمنظمين، مؤكدًا أن واجبهم لا يقتصر على تنظيم المنافسات بل يمتد إلى توفير بيئة آمنة تحمي من الحوادث والإهمال وسوء الممارسات.
كما يشدد على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات التي تمنع الإهمال، الترهيب، أو الضغط الجسدي الزائد على الدراجين، خصوصًا القُصّر. وبذلك، تُعدّ المدوّنة وثيقة أخلاقية تلزم كل من يعمل في منظومة الدراجات بتحمّل مسؤولياته في منع المخاطر على الطرق وحماية أرواح الرياضيين، بما يعكس التزام الاتحاد العالمي بأن تكون الرياضة وسيلة لحياة صحية وآمنة لا سببًا للموت أو الأذى.
لكن مجتمع الدراجات الهوائية في مصر بات يشعر بالزُعر مع كل صورة لدراج مُصاب على الطريق أو آخر فقد حياته، بسبب الحوادث التي انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة، مُتمنيين تقليل المخاطر حتى لا يفقدوا زميل جديد، خاصة بعد خبر حادثة “مروة”، التي كانت برفقة شقيقتها “هالة”، ضمن فريق مكون من حوالي 40 دراج، للتنافس على جمع نقاط لدخول سحب على أداء عمرة أعلنها فريق مشوار للدراجين باسم “مارثون الحرم المكي”، لم تكن تعلم “مروة” أن الرحلة التي تحمست لها، ستدخل على إثرها المستشفى بدلًا من السحب.
يقول زميلها هشام بكرى، الذي كان بجوارها على الطريق في تمام الثانية صباحًا يوم الأربعاء 4 سبتمبر لـ”زاوية ثالثة”: “كنا نسير معًا، ملتزمين بكل احتياطات الأمان، من إضاءات خلفية وخوذ واقية. فجأة وجدت نفسي ساقطًا على الأرض، بينما دكتورة مروة قذفتها السيارة بقوة لتسقط على زجاجها الأمامي ثم على الأرض، واتصلت بشقيقتها “هالة” التي كانت تسبقنا، وطلبت الإسعاف لنقلها سريعًا بعد أصابتها وفقدانها الوعي.
تؤكد “مروة”: “أحب أن أسير بهدوء، وحتى أثناء قيادتي لسيارتي لا أحب السرعة”، انقسمت خوذتها إلى نصفين، وتحطمت دراجتها بالكامل. بينما أصيب “هشام” بكدمات طفيفة.
أجريت زاوية ثالثة استطلاع رأي عبر الانترنت، شارك فيه 320 دراج من الجنسين، لقياس حجم المخاطر التي يتعرض لها الدراجين في مصر، وأبرز المشاكل التي يعانون منها على الطريق.
وتنوعت المشاركات من مختلف المحافظات وتصدرت القاهرة والجيزة ثم الأسكندرية، كما هو موضح في الشكل البياني التالي:
ويشير الرسم البياني التالي إلى أن 86% من الدراجين في مصر تعرضوا لحوادث أثناء قيادتهم على الطريق، وهي نسبة تكشف غياب الأمان والبنية التحتية المخصصة لهم.
كما يوضح الرسم البياني التالي أن أكثر من 70% من الدراجين في مصر يشعرون بعدم الأمان أثناء القيادة، ما يعكس حجم التحديات التي يواجهونها على الطرق.

حماية الدراجين .. مسؤولية من؟
أيمن سالم، المدير التنفيذي لاتحاد الدراجات، يشير إلى وجود تعديلات في اللائحة الجديدة، التي تلزم تسجيل جميع الدراجين على مستوى الجمهورية تحت مظلة الاتحاد، مع تسجيل فرق الهواة وفقًا لمبادرة “الدراجة للجميع”: “كل مجموعة تعيين قائد، ويحصل على كارنيه رسمي، لإخطار الاتحاد قبل كل نشاط لتنسيق الأمور مع المرور” وفي حالة عدم التسجيل سيكون هناك منع من المشاركة مستقبلًا حفاظًا على الأمن والسلامة.
ويلفت في حديثة معنا إلى أن قانون الرياضة لعام 2025 واللائحة الأساسية للاتحاد ينص على مسؤولية الاتحاد الكاملة عن تنظيم كل ما يتعلق بالدراجات في مصر، مع ضرورة إبلاغ الاتحاد بأي سفرات تنظم للدراجين.
ويوضح أن التعليمات الطبية والاحترازية الصادرة عن وزارة الشباب والرياضة تم تطبيقها على جميع الاتحادات الرياضية، مؤكدًا أنه يجب على جميع اللاعبين إجراء كشف طبي والحصول على تأهيل طبي وبدني، وقبل أي سباق أو بطولة يتم إخطار الأجهزة الأمنية والمرور لتأمين الطرق وغلقه، حيث يسير المتسابقون في مسارات خاصة بهم، وهو أمر لم يكن موجودًا في السابق بحسب وصفه.
كذلك يشير سالم إلى أن مسارات الدراجات هي من خطط الدولة وليس قرار الاتحاد وحده، حيث يوجد رصد للميزانيات بالتنسيق مع الجهات المعنية، مؤكدًا أن الدراجات تتضمن مخاطر، وأن الاتحاد يسعى لتوفير وسائل أمان لتقليل الحوادث. كما يتم تقديم برامج توعية ودورات تثقيفية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، التي تقوم بدورها في التوعية المستمرة.
بينما يرى حوالي 85% من الدراجين أن الطرق التي يسيرون عليها غير آمنة، كما هو موضح في الرسم البياني التالي:
كان حمزة أسامة، لاعب منتخب مصر السابق للدراجات والثلاثي (جري، عجل، سباحة)، يتعرض لحادثة كل أسبوعين بحسب وصفه، مؤكدًا أن الحوادث أصبحت جزءًا من روتينه اليومي كدراج، والتي تعكس ثقافة الاستهتار التي يواجهها راكبو الدراجات، قائلًا: “هناك حوادث بسيطة تتكرر، كأن يفتح سائق باب سيارته فجأة، أو أن تصدمني مرآة ميكروباص مسرع”، لافتًا إلى أنه في معظم هذه الحالات، كان السائق يكمل طريقه دون اكتراث، وإن توقف، فغالبًا ما يُلقي باللوم على الدراج لأنه يسير على الطريق.
في عام 2019، تعرض صاحب الـ25 عامًا، لحادث مروع بالقرب من منطقة القلعة، وهو الحادث الذي غير مسار حياته لعام ونصف، حيث جاءت سيارة مسرعة صدمته بقوة، مما أدى إلى كسر خوذته وإصابته بإصابات بالغة في الرأس والجسم.
بدأ رحلة علاج طويلة وشاقة استمرت قرابة العام وثلاثة أشهر، خضع خلالها لخمس عمليات جراحية دقيقة، منها: ثلاث عمليات في المخ، يضيف: “أجريت تركيب أنبوبة لتصريف المياه الزائدة من المخ، ثم عملية أخرى لتطويلها، وعملية استئصال الزائدة الدودية نتيجة للالتهابات التي انتقلت من الأنبوبة المزروعة، وعملية رابعة في المخ بعد أن تسبب صديد في المخ والبطن في ورم وحمى شديدة، تم استئصال الأنبوبة: “بعد إزالة الأنبوبة، دخلت في غيبوبة قصيرة، وأصبت بفقدان مؤقت للذاكرة، ولا أتذكر أي تفاصيل عن الحادث حتى لحظة إفاقتي في المستشفى،” بحسب حمزة لزاوية ثالثة.
لم تنته محنة حمزة عند هذا الحد، فبسبب العمليات الجراحية المتعددة والتخدير الكلي، انهارت مناعته تمامًا، مما جعله عرضة للإصابة بفيروس كورونا بشكل حاد، الأمر الذي استدعى حجزه في المستشفى لأسبوعين إضافيين.
وبحسب الاستطلاع الذي أجرينا، هناك 154 دراج من الجنسين، توقفوا عن القيادة لفترة طويلة بسبب الحوادث التي تعرضوا لها ومنهم من مكث أسبوعين و3 أشهر وحتى عام وأكثر. رغم أن حوالي 84.8% من الـ320 دراج الذين شاركوا في الاستطلاع يرتدون أدوات الحماية أثناء القيادة مثل الخوذة وغيرها.
عانت “مروة” أيضًا، من تركيب أنبوبة الصدر، حيث كانت تؤلمها بشدة عند دخولها وخروجها، تحسنت حالة رئتها تدريجيًا، وتم سحب المياه الزائدة منها، وكذلك الأكسجين: “كلما تراجعت السوائل الموجودة على الرئة كلما بدأت اتنفس بشكل أفضل”، تواجه تحديات كبيرة الآن من صعوبة في الحركة وألم في القفص الصدري: “أحيانًا المسكنات لا تفيد وبدأت استشعر نعم الله الكثيرة مثل أتوضأ لمفردي مثلًا”.

خسائر بشرية ومادية
عن أول حادث تعرض له بيجاد شريف، 21 عامًا، يحكي في حديثه إلى زاوية ثالثة أنه كان في أواخر 2019، كان متمكنًا ويسير بسرعة على طريق المقطم الذي لم يكن قد تم تجديده بعد. وعند نزوله من الطريق وصعوده كوبري السيدة زينب، دخل إطار الدراجة الرفيع بين حديد الكوبري الواسع، بينما كان يسير بسرعة 50 كم/س والسيارات خلفه: “وقتها تعرضت لشرخ في الكتف وكدمات في الجانب الأيمن من جسدي كله، ورغم ذلك لم أفضل الذهاب إلى المستشفى.” بحسب بيجاد لـ”زاوية ثالثة”.
بدأ بيجاد، ممارسة ركوب الدراجات بشكل احترافي عام 2019، بعد ممارستها كهواية منذ طفولته، إذ كان يحبها لكنه توقف فترة بسبب خوف أسرته. لاحقًا، وبالتشجيع من أصدقائه، اشترى دراجة خاصة به، ومع الوقت أخذ يطور مستواه ويغير دراجته بما يناسب احتياجاته حتى دخل سباقات رسمية، وكانت أول بطولة له في عام 2020، وحصل على العديد من البطولة الدولية والعربية والمحلية.
يقول إنه، تعرض لحوادث متعددة منها، في مصر الجديدة قرب نادي النصر عام 2022، حيث اصطدمت به سيارة غيرت اتجاهها فجأة، مما أدى إلى سقوطه مع أصدقائه، لكنه كان المصاب الوحيد بكدمات متعددة. وفي السويس عام 2022، سقط بسبب مطب كبير في طريق سريع، فتضررت دراجته وحذاؤه الذي كان قد اشتراه بـ12 ألف جنيه، كما تحطم هاتفه.
في المعادي، أثناء عودته من طريق السخنة، اصطدم بتاكسي عند مطب قرب أحد المولات، ما تسبب له بخدوش. في حادث آخر بالمعادي أيضًا، أصيب بشرخ في الركبة وجروح بعد سقوطه في جزء مكسور من الطريق أثناء مرور حافلات ودراجة نارية بشكل مفاجئ.
ويوضح، أن آخر حادث كان قبل شهر ونصف تقريبًا، على طريق بادية في أكتوبر، عندما اصطدم بطوبة في منتصف الطريق أثناء تمرين منفرد، فانقلبت الدراجة، ما أدى لإصابات وكدمات وتلفيات في معداته.
95% من الدراجين الذين شاركوا في الاستطلاع أكدوا غياب المسارات المخصصة للدراجات مما يهدد حياتهم وسلامتهم كما موضح في الرسم البياني التالي:
وعن أنواع الحوادث التي تعرض لها الدراجون تصدرت حوادث التصادم مع السيارات نسبة الاستطلاع، تلاه السقوط بسبب حالة الطريق، ثم تصادم مع دراجة أو دراجة نارية، بالإضافة لأسباب أخرى.
“لا نحرم من شيء”.. بكلمتين تلخص نورهان ناجي، 28 عامًا، علاقتها بدراجتها رغم تعرضها لحادثتان خطيرتان، الأولى في خريف عام 2023 على طريق السويس، وتصفها بأنها كانت “خطأ بشريًا”. تتذكر قائلةً: “كنت في نهاية مجموعة صغيرة من ستة دراجين، عندما خرجت سيارة من طريق فرعي وصدمت طرف دراجتي من الخلف. كانت خبطة صغيرة لكنها كانت كافية لأطير من على الدراجة”. رغم إصابتها بكدمات والتهاب في مفصل الركبة، عادت نورهان إلى دراجتها في غضون أسبوعين.
أما الحادث الثاني، فكان أكثر قسوة ويكشف عن خطر من نوع آخر وهو إهمال البنية التحتية. وقع على طريق المحور أثناء رحلتها من منزلها في رمسيس إلى عملها في 6 أكتوبر. تقول نورهان: “كنت أسير بسرعة تقارب 55 كم/ساعة، وفجأة وجدت نفسي أمام حفرة عميقة لا يمكن تفاديها. كان إما السقوط في الحفرة، أو الانحراف نحو السيارات المسرعة، أو الاصطدام بسيارة متوقفة على اليمين”.
اختارت نورهان الحفرة، لتسقط بقوة وتصاب بجرح عميق في ركبتها تطلب خياطة وترك ندبة دائمة. في هذه المرة، لم يكن هناك سائق لتلقي عليه اللوم، بل كان “الطريق” هو المذنب.
يرى حمزة، أن مسؤولية الحوادث مشتركة. فمن ناحية، هناك تهور السائقين وغياب الثقافة التي تحترم الدراج كشريك في الطريق. ومن ناحية أخرى، يعترف بأن الدراجين المحترفين يضطرون أحيانًا للمخاطرة بالتدرب في أماكن غير مخصصة للدراجات، مثل الطريق الدائري، لعدم وجود بدائل مناسبة.
وأوضح، أن المشكلة تكمن في أن المسارات المخصصة للدراجات، إن وجدت، تكون مصممة للهواة وليس للمحترفين الذين يحتاجون مساحات مفتوحة وسرعات عالية. وعن حادث فريق أكتوبر الذي أصيب بالكامل، يشير إلى أن سببه كان سائقًا مخمورًا، مما أدى إلى إصابات خطيرة لعدد من زملائه، أبرزهم “مرام” التي لا تزال تعاني من شلل نصفي وتخضع للعلاج: “منهم لاعيبة بدربهم وحالتهم النفسية والصحية سيئة”.
يشير بيجاد أيضًا، أنه فقد صديقًا له في حادث على طريق السويس، فيما أصيب آخر بإصابة خطيرة على نفس الطريق. كما تعرض هو نفسه لموقف أغضبه حين صدمه سائق سوزوكي في الحارة المخصصة للدراجات بوسط البلد ثم دخل معه في مشادة يلومه على سيره في طريقه المخصص الذي اتخذه الآخر جراج لركن سيارته بحسب وصفه.
ويؤكد بيجاد، أن المشكلة الأكبر تكمن في غياب الوعي: “أحيانًا يطلب مني الناس السير على الرصيف رغم أنني أرتدي زي المنتخب وأتدرب بشكل رسمي. بعض السائقين يتعمدون مضايقتنا، مؤكدًا أن هذه الحوادث كلفته ما يقرب من 300 ألف جنيه معدات، سواء جنوط وإطارات أو ملابس رياضية تتمزق مع كل حادث: “في شهر واحد بس كسرت خمس دراجات.”
بينما أكد 91% من الدراجين الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم يتعرضون لمضايقات على الطريق أثناء القيادة، كما هو موضح.
يرى كابتن إيهاب حافظ، مؤسس فريق مشوار، في حديث إلى زاوية ثالثة، أن الحوادث جزء من اللعبة. قائلًا: “لا أقول ذلك فرحًا بها، ولكنها جزء من اللعبة لأن رياضتنا شاقة جدًا، سواء كانت رحلات أو ممارسة احترافية لركوب العجل”، مشيرًا إلى أن الدول الأخرى، بخلاف مصر، لديها وعي أعلى بكثير: “نحن نعمل في مجال الترحال منذ حوالي عشر سنوات، في البداية، لم يكن أحد يعرف ما هي الدراجة أصلًا، فالسائقون لا يعرفون بالدراجة ولا يهتمون بها.
ويضيف: “المشكلة ليست في السير على الطريق، بل هي توعية للناس، فالحوادث موجودة وستحدث ولن تنتهي، ولكننا نقللها قدر الإمكان: “ببقى شايف السواق وعينه في عيني في المرآة وهو يقف أمامي عادي”.
ويطالب مؤسس فريق مشوار، الدولة بتوسع الطرق، وإنشاء مسارًا للدراجات على جميع طرق مصر، أو على غالبية الطرق السريعة في مصر: “قبل أن يُنشأ طريق خاص بالدراجات في العين السخنة، كانت الحوادث كثيرة جدًا عليه. الآن، أصبح جميع مرتادي الطريق يعرفون أن هذا الطريق خاص بالدراجات”،
وعن الإجراءات الاحترازية الواجب اتباعها، يقول: “الشيء الوحيد الذي يمكننا قوله هو أن نأخذ احتياطات الأمان قدر الإمكان كدراجين، وأن تحاول الدولة التوعية أو إنشاء طرق أو حارات خاصة بالدراجات، مثل الكاميرات التي ترصد من يتجاوز أو يدخل فيها. لأننا للأسف كشعب لا نأتي إلا بالشدة، لو شخص خد مخالفة أو توقفت رخصته أو دخل السجن هنلاقي الجميع بدأ يخاف ويحترم الدراجين”، مؤكدًا أن الحل الجذري للحد من مخاطر الطرق يكمن في قرارات الجهات الرسمية.
ويوضح، أن السنوات الأخيرة شهدت حوادث كثيرة للدراجين على الطريق، وقد توفى البعض وأصيب أخرين: “الحوادث لا حصر لها، لكن اللعبة في النهاية إدمان. من يحبها فعلًا لا يستطيع أن يتوقف، بيتكسر ويصلح ويقوم ليركبها تاني”.
كذلك يتذكر بعض الحوادث التي واجهها الدراجون، بينها حادث اللاعب “أنس” قبل سنوات حين اصطدم بسيارة أثناء محاولة الاحتماء من الهواء، ما أدى إلى سقوطه في “بلاعة” كبيرة وكاد أن يفقد حياته، قبل أن يتعافى، لافتًا إلى أن البنية التحتية في مصر تمثل تحديًا خاصًا للدراجين.
من جهته، يؤكد مجدي صلاح الدين، أستاذ هندسة الطرق،، وأحد أعضاء اللجنة الاستشارية لـ “الكود المصري للطرق”، أن المواصفات الفنية لإنشاء مسارات آمنة ومنفصلة للدراجات الهوائية موجودة وموثقة بالفعل ضمن الكود، لكنها لا تُطبق على أرض الواقع بسبب تركيز الاهتمام على مسارات السيارات، موضحًا أن شبكة الطرق الحالية غير مصممة بكفاءة لعمل مسارات للعجل، مشددًا على أن الحل الآمن يكمن في وجود مسارات منفصلة.

مسارات مع إيقاف التنفيذ
ويؤكد أستاذ هندسة الطرق، في حديثة معنا أن التجاهل الحالي لمسارات الدراجات لا يمثل مجرد تقصير بل نوع من عدم الاهتمام الكافي، مشددًا على أن المواصفات الفنية لهذه المسارات موجودة بالفعل، لكن لم تطبق، وأوضح أن المشكلة لا تكمن في غياب الخطط، بل في التنفيذ.
ويلفت إلى بعض النماذج الناجحة في أوروبا وخاصة في هولندا، مضيفًا: “حتى على المستوى العربي نجد دبي الأمر تطور في القوانين والالتزام بالمرور. وطالب بالعودة إلى المعايير المتبعة من خلال الرجوع للمواصفات المصرية في هذا المجال واحترام هذه المواصفات في المدن الجديدة مثلًا. ودعا لاتخاذ قرارات فورية لتحسين الوضع.
وتصدر عدم تطبيق القوانين نتائج الاستطلاع، للكشف عن أسباب الحوادث، ثم قلة الوعي السائقين وثقافة قيادة الدراجة وغياب التخطيط العمراني وسوء حالة الطرق، كما هو موضح بالرسم البياني التالي:
وبالتواصل مع محمد عز، المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل، للحصول على رد بشأن التحقيق، أخبرنا بالرجوع إلى الهيئة العامة للاستعلامات، باعتبارنا موقع أجنبي، وبالاتصال على ضياء رشوان، لم نحصل على رد حتى الآن رغم المكالمات المتكررة والتواصل عبر الواتس اب.

الدراجون: حارات آمنة وقوانين للحماية
تكشف إجابات 320 دراجًا ودراجة من مختلف المحافظات مما شاركوا في استطلاع الرأي الذي أُجري لهذا التحقيق، عن واقعٍ صادم يعيشه مستخدمو الدراجات في مصر. أكد المشاركون أن الحوادث أصبحت جزءًا متكررًا من تجربتهم اليومية على الطرق، وأن الإهمال وغياب الوعي المروري هما أبرز الأسباب وراء تلك الكوارث. كما أشار كثيرون إلى أن سلوك سائقي السيارات، والتكاتك، والموتوسيكلات المتهورين يمثل الخطر الأكبر، إلى جانب الطرق المتهالكة، وضعف الإضاءة، وغياب المسارات الآمنة.
ويروي عدد من الدراجين حوادث مروعة فقد خلالها زملائهم حياتهم أو أصيبوا بإصابات خطيرة، مثل حادث فريق 6 أكتوبر وحادث الدكتورة مروة عكاشة، مؤكدين أن “ركوب الدراجة في مصر أصبح مغامرة قد تنتهي بالموت”. وطالبوا بضرورة تخصيص حارات آمنة للدراجات، وتشديد رقابة مرورية، وسنّ قوانين لحماية الدراجين، إلى جانب نشر ثقافة احترام الطريق بين جميع مستخدميه..