close

مستشفى الخانكة… أسرّة معطّلة منذ 20 عامًا ومرضى بلا مكان للعلاج

يتحول ملف علاج الإدمان في مصر إلى مشهد معقّد تتداخل فيه حملات إغلاق المراكز الخاصة مع مستشفيات حكومية تملك أسرّة شاغرة لا تعمل، ومرضى يبحثون عن مكان للعلاج فلا يجدون سوى قوائم انتظار، أو مراكز غير مرخصة بلا رقابة
Picture of آية ياسر

آية ياسر

كثّفت وزارة الصحة والسكان، مؤخرًا حملاتها التفتيشية على المراكز الخاصة لعلاج الإدمان والطب النفسي، والتي أسفرت عن  إغلاق 112 منشأة خاصة لعلاج الإدمان في 5 محافظات؛ ففي منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة أُغلق 12 مركزًا، وفي حي المقطم بالقاهرة أغلقت الصحة 16 منشأة لعلاج الإدمان، وفي منطقة أبو النمرس بالجيزة أُغلق 8 مراكز، بجانب 25 مركزًا آخر بالقاهرة والجيزة، وأغلق 5 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والطب النفسي بمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية، إضافة إلى 10 مراكز في محافظات الإسكندرية وأسوان وأسيوط.

وبحسب البيانات الرسمية فإن جميع المراكز المخالفة أُغلقت وتمت إحالة القائمين عليها للنيابة العامة، وشملت المخالفات التي أدت إلى إغلاقها، تشغيل منشآت دون تراخيص، إدارة من قِبل غير المتخصصين، استخدام أدوية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية، وغياب معايير مكافحة العدوى والسلامة، وطبقًا للوزارة فإن بعض القائمين على هذه المراكز من غير الأطباء، وأحيانًا من المتعافين من الإدمان، مما يمثل خطرًا على المرضى.

وبالتزامن مع حملات الإغلاق تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي، مقطع فيديو يوثق لهروب عدد من نزلاء مصحة لعلاج الإدمان بحي المقطم في القاهرة، فيما أعلنت وزارة الداخلية أن المصحة غير حاصلة على التراخيص اللازمة وأنها ضبطت القائمين عليها وأغلقت المصحة بالتنسيق مع الجهات المختصة.

الواقعة أثارت تساؤلات حول مصير مرضى الإدمان من نزلاء المنشآت غير المرخصة، لا سيما في ظل رفع أسعار خدمات مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، وقلة عدد الأسرة المتوفرة في المستشفيات الحكومية التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، والتي لا تضاهي معدلات تعاطي وإدمان المخدرات في مصر، إذ تشير آخر إحصاءات رسمية أجرتها مصر بشأن حجم الإدمان والتعاطي لعام 2020، إلى بلوغها نسبة 5,9% بالنسبة للتعاطي، ونسبة 2,4% بالنسبة للإدمان، فيما ارتفعت نسبة مرضى الإدمان المتقدمين للعلاج بسبب المخدرات التخليقية من 8 % عام 2020 إلى نحو 50 % في عام 2025، بحسب  الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.

وتضم مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان نحو 6660 من الأسرّة المخصصة للمرضى، بالمستشفيات للعلاج الداخلي، ولديها طاقة تشغيلية تصل إلى 5616 من الأسرّة بالمستشفيات التابعة لها، بحسب وزارة الصحة، وتستحوذ مستشفى الخانكة للصحة النفسية على النصيب الأكبر من تلك الأسرة، إذ تضم 1804 سريرًا، وفقًا لموقع الأمانة العامة للصحة النفسية، وتحل في المركز الثاني من حيث عدد الأسرّة، مستشفى العباسية للصحة النفسية والتي تضم 1069 سرير، ثم مستشفى حلوان للصحة النفسية وبها 331 سرير، وتتوزع الأسرة المتبقية على مستشفيات الصحة النفسية في محافظات مصر.

غير أن إحصائية للمرضى والأسرة بمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، موجهة من إدارة المستشفى إلى أمين عام الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة منها، أظهرت أن إجمالي عدد الأسرّة في المستشفى يبلغ (1780) ويوجد عدد (61 سرير) بقسم 21 تحت الصيانة وعدد (36 سرير) بأقسام الإدمان تحت الصيانة تخصم من الجملة وبذلك يكون عدد الأسرة الفعلي (1683).

وتكشف الإحصائية، الصادرة في سبتمبر 2024، عن وجود 80 سرير خالي من أصل 132 سرير في قسم إدمان تأهيل بمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، بجانب 61 سريرًا خاليًا من أصل 65 سريرًا في أقسام إدمان دي توكس، وعشرة أسرة خالية في وحدة خفض الضرر، و23 سرير في قسم التشخيص المزدوج، وأنه من بين 1780 سرير في القسم الداخلي  بمستشفى الخانكة للصحة النفسية، يوجد 428 سريرًا خاليًا، و 1352 سريرًا شاغرًا.

وعقب مرور عام على الإحصائية لا تزال الأسرّة نفسها معطلة بحجة الصيانة؛ ففي تقريرها اليومي الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 2025، والذي حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة منه، أوضحت مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان أن السعة السريرية الفعلية للمستشفى تبلغ 1783 سريرًا بعد استبعاد الأسرة التي تخضع للصيانة في قسم 21 وأقسام الإدمان، يكون عدد الأسرة الفعلي (1683).

وكشف التقرير عن أن إجمالي المرضى الداخليين بلغ 1308 مريض، فيما ظل 472 سريرًا خاليًا، وبيّنت الإحصائية أن قسم الرجال المجاني يقيم به 544 مريضًا، بينما يضم قسم الرجال الاقتصادي الطوعي 79 مريضًا، وقسم الرجال الاقتصادي الإلزامي 171 مريضًا، ويشغل قسم إدمان تأهيل 132 مريضًا، وقسم إدمان “دي توكس” 65 مرضى، في حين استقبلت وحدة خفض الضرر 14 مريضًا، وقسم التشخيص المزدوج 55 مريضًا، وقسم النساء الاقتصادي 30 مريضة، وأقسام دائرة الموضوعين 690 مريضًا.

 

نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء

إهمال الصيانة يحرم المرضى من الأسرّة

في سياق متصل يكشف مصدر طبي في مستشفى الخانكة للصحة النفسية، لـ”زاوية ثالثة” أن المستشفى يوجد بها حاليًا أكثر من 150 سريرًا شاغرًا ومعطل في كل من المبنى المميز وقسم العلاج المزدوج، لكنهم خارج الخدمة، نظرًا لوجود مشكلة في الصرف الصحي ودورات المياه بالمبنى، لم تعمل أيًا من الإدارات السابقة والجالية للمستشفى وللأمانة العامة للصحة النفسية، على حلها، مبينًا أن قسم 21 بالمستشفى متوقف عن العمل منذ 18 عام وبه 70 سرير خارج الخدمة، نتيجة توقف أعمال الترميم للمبنى.

يقول المصدر: “مستشفى الخانكة مليء بالأسرّة الشاغرة؛ فهناك مبنى كامل به حوالي 120 سريرًا فارغًا، بحجة أن الحمامات لا تعمل، وهذا الوضع مستمر منذ 6 أو 7 سنوات، وهناك مبنى آخر يتسع لنحو 60 سريرًا متروك دون استخدام، بينما معظم أقسام المستشفى بها أماكن شاغرة كثيرة، وبالطبع هذا بخلاف “دائرة المودعين” التي لا يمكن المساس بها، فهي دائمًا مزدحمة لأن الدخول إليها يتم عن طريق مكتب التعاون الدولي بمكتب النائب العام، وبموجب حكم قضائي بالإيداع للعلاج حتى الشفاء، وتتم مراجعة حالة المريض مرة سنويًا لتقرير خروجه”.

ويشرح المصدر أن بقاء تلك الأسرّة معطلة طيلة هذه السنوات، أدى إلى حرمان العديد من حالات المرضى النفسيين ومرضى الإدمان من الحجز في القسم الداخلي بالمستشفى، وكان الموظفون بالمستشفى يخبرون ذويهم بأنه لا يوجد أسرّة شاغرة بالمستشفى، مبينًا أن إهمال أعمال الصيانة والترميم أدت إلى إهدار للمال العام؛ إذ كانت تبدأ أسعار الإقامة الداخلية في المستشفى، من 750 جنيه شهريًا وتتراوح بين 1500 شهريًا إلى 3000 شهريًا، وذلك قبل القرار الأخير لوزير الصحة بزيادة أسعار خدمات الصحة النفسية، لتتراوح الأسعار طبقًا للائحة الجديدة بين 150 إلى 380 جنيه في الليلة الواحدة، حسب درجة الإقامة.

ويُبيّن المصدر أن أعداد طاقم التمريض في مستشفى الخانكة تتجاوز 1100، بينما عدد الأطباء النفسيين يزيد على 100 طبيب، كما يوجد أطباء في تخصصات أخرى مثل: أمراض الباطنة والجلدية والأشعة والعلاج الطبيعي والأسنان، والذين يعملون بنظام التعاقدات، وفي المقابل يوجد بالمستشفى نقص حاد في الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والإداريين.

 ويتابع: “الإداريون، يبلغ عددهم حوالي 54 أو 55، وهو عدد قليل جدًا بالنسبة لحجم المستشفى، كما أن عدد الأخصائيين الاجتماعيين، وهم عنصر مهم جدًا في المستشفى، يتراوح بين 23 و 24 شخصًا، ويبدو أنه لم يتم تعيين أي شخص في هذا التخصص منذ 15 عامًا، وبعضهم منتدبون من جهات أخرى، أما الأخصائيون النفسيون، فيبلغ عددهم نحو أربعة أو ثلاثة فقط، والمستشفى في أمس الحاجة إليهم، نظرًا لحجم العمل المطلوب منهم مثل اختبارات ذكاء، واختبارات نفسية، وجلسات علاج نفسي”.

وفي السياق ذاته يوضح مسؤول إداري سابق بمستشفى الخانكة  لـ”زاوية ثالثة” أن عدد أقسام المستشفى يصل إلى نحو ثلاثين قسمًا، إذ يوجد عشرة أقسام داخل ما يسمى بـ “دائرة المودعين”، وهذه الأقسام العشرة تم ترميم بعضها ورفع كفاءته، بينما لا يزال البعض الآخر على حالته القديمة، وتتبع هذه الدائرة وحدها وزارة الداخلية لاحتوائها على المرضى المودعين بموجب أمر قضائي، بعد ارتكابهم جرائم قتل أو اغتصاب، نتيجة لمرضهم النفسي، فيتم إيداعهم بالدائرة لحين شفائهم، أما بقية الأقسام، والتي يبلغ عددها عشرين قسمًا تقريبًا، فإن القسم الواحد يمتد على مساحة شاسعة، تضم حديقة كبيرة تعود إلى أكثر من 120 عامًا.

ويكشف المسؤول السابق، الذي رفض ذكر اسمه، أن القسم رقم 21 هو آخر قسم في المستشفى، وهو مهجور منذ نحو 20 عامًا، أو أكثر، وفي عام 2016، كان هناك المقاول يستعد لتغيير السيراميك وتجديد شبكة الصرف الصحي والمرافق والحمامات وغيرها، لكن أعمال الترميم تعطلت وظل مغلقًا حتى الآن، رغم أن سعة هذا القسم تتجاوز 70 سريرًا، أي أنه مستشفى قائم بذاته. 

يقول: “في الحقيقة، أي قسم في مستشفى الخانكة يتجاوز في سعته بعض المستشفيات مثل: مستشفى مصر الجديدة بالمطار، التي تبلغ سعتها الإجمالية 76 سريرًا فقط، بينما لديّنا قسم واحد بسعة 70 سريرًا، وهو بمثابة مستشفى متكامل، والقوى البشرية متوفرة لتشغيل القسم 21، الذي لا يزال تحت التطوير”. 

ويكشف المسؤول السابق عن أن قسم العلاج المزدوج، وهو القسم رقم 4، قد ظل تحت أعمال التطوير لمدة 7 سنوات، ثم توفي المقاول وتم إسناد العمل لآخر، وواجه المشروع مشكلات إدارية وتأخيرات كثيرة، إلى أن تم افتتاحه منذ عامين تقريبًا، مشيرًا إلى أن تكلفة العلاج فيه تبلغ 3000 أو 3500 جنيه على الأقل، ومن المتوقع أن ترتفع التكلفة مع اللائحة الجديدة.

ويضيف: “القسم 21 المغلق، لا علاقة له بعلاج الإدمان، ولكنه قسم يمكن تشغيله كمركز لعلاج إدمان السيدات، أو إدمان المراهقين، لأنه على مستوى الجمهورية، لا توجد أماكن كافية لحجز المرضى الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، وهؤلاء يخضعون للمادة 12، حيث يكون لديهم وصي، سواء الأب أو الأم، أو قرار وصاية في حالة اليتيم، وفي حين تتعرض حياة المراهق مريض الإدمان في الخارج للخطر، فإن غالبية مستشفيات الصحة النفسية لا تقبله، باستثناء مستشفى حلوان ومستشفى العباسية اللتان يوجد بهما قسم مخصص للمراهقين (للحجز الداخلي وليس فقط للعيادات الخارجية)، وربما يوجد قسم مماثل في مستشفى المعمورة”.

ووفقًا لموقع الأمانة العامة للصحة النفسية فإن مستشفى الخانكة للصحة النفسية بمحافظة القليوبية، تم إنشاؤها سنة 1912 في عهد الخديوي عباس حلمي في منطقة صحراوية وعلى مساحة 570 فدان، تبقى منها الآن ضمن مساحة المستشفى الفعلية تقريباً 171 فدان، ، وقد تم ضمها لديوان عام وزارة الصحة بتاريخ 21/9/1997 بناءً على القرار الجمهوري رقم 331 لسنة 1997، وليتم ضمها للأمانة العامة للصحة النفسية بتاريخ 21/1/1998، بناءاً على قرار وزير الصحة رقم 32 لسنة 1998.

ويضم المستشفى على 20 قسمًا، وتنقسم إلى 15 قسم نفسي للرجال خارج دائرة المودعين، 4 أقسام إدمان رجال، قسم نفسي للسيدات، إضافة إلى 10 أقسام لدائرة المودعين؛ وهي الأقسام المختصة بعلاج المرضى المودعين بأوامر من السلطات القضائية الذين ارتكبوا لجرائم وهم تحت تأثير المرض العقلي، وذلك بعد فحصهم بمستشفى العباسية للصحة النفسية، وتبلغ السعة التشغيلية للمستشفى 1804 سريرًا، وتقدم المستشفى عدداً من الخدمات للمرضى من خارج المستشفى لتضم عيادات: (الإدمان، النفسية، خفض الضرر، الفيروسات، طب المجتمع، كشف إثبات الاعاقة لمرضى الإعاقة الذهنية والتوحد)، فضلاً عن خدمات الأشعة العادية والسونار ورسم القلب، بالإضافة إلى خدمات وحدة تنظيم إيقاع المخ.

 

نوصي للقراءة: زيادات حادة في رسوم العلاج النفسي تصل إلى 900%.. هل تتراجع مصر عن مجانية الصحة النفسية؟

 محدودية الإنفاق على الصحة

 محمود فؤاد، رئيس جمعية الحق في الدواء وعضو مجلس إدارة مستشفى الخانكة سابقًا، يوضح أن نحو 35% من عدد الأسرّة الخاصة بمستشفيات الصحة النفسية في مصر، موجودة في مستشفى الخانكة، ويوجد بها نحو 300 شخص تعافوا من المرض النفسي لكنهم لا يزالون في مستشفى الخانكة طبقًا لقانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009، كون ذويهم قاموا بتسليمهم إلى مستشفيات الصحة النفسية منذ سنوات طويلة، وبعد تماثلهم للشفاء ورغبتهم في الخروج لم يستدل على مكان سكن الأهل أو رفضوا استلام المريض، مما اضطر المستشفى لإبقائهم داخلها، وبالتالي يشغلون عددًا كبيرًا من الأسرّة.

ويشير رئيس الجمعية إلى أن الأسر التي تبحث عن علاج لأبنائها من مرضى الإدمان يمكنها اللجوء إلى  إلى صندوق مكافحة الإدمان التابع لمجلس الوزراء، أو إلى وزارة التضامن الاجتماعي، أو المستشفيات الحكومية التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، غير أن ارتفاع تكاليف الفحوصات والتحاليل إلى أكثر من ألف جنيه أصبح عائقًا كبيرًا أمام دخول المرضى لهذه المستشفيات، فضلًا عن وجود نقص كبير في عدد الأسرّة بها، وضعف الميزانية المخصصة للصحة النفسية، موضحًا أن الأزمة الحقيقية تكمن في محدودية الإنفاق على الصحة، الذي لا يتجاوز 3% من الموازنة العامة، مما يقوض جهود علاج الإدمان ويجعل المرضى عُرضة للاستغلال.

ويؤكد فؤاد أن مراكز علاج الإدمان في مصر تشهد توسعًا سريعًا وغير منظم، مشيرًا إلى أن حملات التفتيش الأخيرة كشفت عن وجود أعداد كبيرة من المراكز غير المرخصة، كما حدث في العياط حيث وُجد ستة مراكز مخالفة مقابل أربعة مرخصة فقط، وفي العبور حيث عُثر على خمسة مرخصة وخمسة غير مرخصة، معتبرًا أن هذه الظاهرة تعكس الطلب المتزايد على العلاج نتيجة الانتشار الواسع للمخدرات التخليقية الرخيصة مثل الكريستال والشابو والآيس، التي أصبحت أكثر شيوعًا من الحشيش والترامادول بسبب انخفاض أسعارها.

يقول لـ “زاوية ثالثة”: “تعاطي المخدرات لم يعد مقتصرًا على فئات هامشية، بل امتد ليشمل طلاب الجامعات والموظفين، وهو ما تؤكده نسب المفصولين من العمل بسبب التحاليل المفاجئة، ووصلت قيمة الضبطيات الأخيرة، في بعض القضايا إلى مئات الملايين، وهو دليل على ضخامة حجم السوق وارتفاع الطلب”.

 وينتقد فؤاد اعتماد بعض المراكز الخاصة على ممارسات غير مهنية، مثل تشغيل غير المتخصصين وتكديس المرضى في غرف ضيقة أشبه بالزنازين، مؤكدًا أن كثيرًا منها يدار كأنشطة تجارية هدفها الربح فقط، في ظل غياب رقابة فعالة.  

 

نوصي للقراءة: انهيار علاج الإدمان في مصر: أزمة الميثادون تكشف خلل وحدات خفض الضرر

إهمال وهروب مرضى ومزاعم سرقات 

وفي وقت تعاني فيه مستشفى الخانكة للصحة النفسية من هدر للموارد وإهمال للصيانة، كشف مصدر لـ”زاوية ثالثة” عن تكرار حدوث سرقات داخل المستشفى نتيجة عدم وجود عدد كافي من موظفي الأمن وكون معظمهم من كبار السن، مشيرًا لحدوث وقائع هروب سابقة لبعض المرضى النفسيين.

وكانت مستشفى الخانكة قد شهدت، في 10 فبراير الماضي، واقعة هروب مريض نفسي خلال الفترة بين 11 صباحًا والواحدة ظهرًا، مستغلًا انقطاع التيار الكهربائي، وقد دخل المستشفى في 13 يناير لتشخيص إصابته بالفصام مع نسبة تخلف عقلي، بحسب ما نقلته وسائل إعلام في وقت سابق، وأكده مسؤول سابق بالمستشفى لـ”زاوية ثالثة”.

وتشير المعلومات الواردة في أخبار الصحف المصرية إلى تكرار حوادث هروب المرضى من مستشفى الخانكة للصحة النفسية، خلال السنوات الماضية، حيث تعود بعض الحالات إلى أعوام 2008، 2012، 2014؛ إذ شهدت في يوليو عام 2008 هروب ثلاث مرضي من الخانكة، متهمين في قضايا قتل وهتك عرض، ونجحت إدارة المستشفى بمساعدة الشرطة، وقتئذٍ من إعادة اثنين منهم إلى المستشفى فيما هرب المريض الثالث محمد حسن أبو النجا، الذي دخل المستشفى بعد تشخيص إصابته بالفصام غير متميز، عقب اتهامه في قضية قتل عمد في سنة 2005، وفي أغسطس 2012 قام مريض نفسي مصاب بفصام غير مميز، مُودع بقسم 9 مذنبين بالمستشفى بناء على قرار محكمة جنوب الجيزة، يدعى “أحمد ب ع م” 31 سنة، بالهرب، واُتهم الممرضين المسئولين عن القسم بالتسبب فى هروبه، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 971 إداري قسم الخانكة لسنة 2012، وتكررت الواقعة في مارس 2014 حين هرب سعدالله عبدالغني طايل، المودع بالمستشفى بناءًا على قرار إيداع نهائي من محكمة إستئناف الإسكندرية بعد حصوله على حكم البراءة في القضية رقم 1936 جنايات وادى النطرون لسنة 2011، والتي أُتهم فيها بالشروع في القتل.

وأفادت مصادرنا أن حملة تفتيشية مفاجئة زارت مستشفى الخانكة للصحة النفسية، في 21 أغسطس المنقضي، ترأسها الدكتور بيتر وجيه، مساعد وزير الصحة للشؤون العلاجية والمشرف على الإدارة المركزية للصحة النفسية، رفقة عدد من قيادات الإدارة المركزية، وأنه وجّه انتقادات لإدارة المستشفى.

فيما كشفت صحف محلية عن تعرّض مخزن تابع لشركة تغذية متعاقدة مع مستشفى الخانكة للصحة النفسية لحادث سرقة داخل مخزن مؤجَّر من إدارة المستشفى ويقع تحت حراسة شركة أمن متعاقدة معها، في أغسطس المنقضي، نتج عنها فقد مواد غذائية من الأغذية المخصّصة لوجبات النزلاء تُقدَّر قيمتها بين 250 و300 ألف جنيه.

 

وبالتزامن أعلنت الأمانة العامة للصحة النفسية أن  الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان، أعطى توجيهات بتعزيز الكوادر الطبية في التخصصات الحيوية مثل التخدير والباطنة، وزيادة عدد الصيادلة وأطقم التمريض وأطباء الأسنان، كما شدد على تجهيز المستشفيات بالأجهزة الطبية الحديثة والفرش غير الطبي، مع ضمان توفر مخزون استراتيجي من الأدوية والمستلزمات الطبية لتقديم رعاية متميزة للمرضى، وتطوير البنية التحتية وتسريع مشروعات التحول الرقمي، بما في ذلك إنشاء ملف طبي موحد للمرضى في جميع مستشفيات الصحة النفسية، لضمان دقة وجودة الخدمات.

 

نوصي للقراءة: أزمة الميثادون: ما سر ظهور الكيتامين في دماء مرضى خفض الضرر؟

الخانكة سلسلة من الخروقات والتجاوزات

وسبق أن تقدّمت النائبة البرلمانية عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، سناء السعيد، في 24 أبريل الماضي، بطلب إحاطة موجه لنائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، بشأن ما وصفته بحالة من عدم الاتزان الإداري التي تمر بها مستشفى الخانكة للصحة النفسية.

وتساءلت البرلمانية عن أسباب صمت الأمانة العامة للصحة النفسية تجاه هذه التجاوزات، كما طالبت بتوضيح موقف المجلس القومي للصحة النفسية ودوره الرقابي في مثل هذه القضايا، مؤكدة ضرورة التدخل العاجل لتصحيح الأوضاع وحماية المرضى وحقوقهم، مطالبة بإحالة الإحاطة إلى لجنة الصحة بمجلس النواب لمناقشتها واتخاذ ما يلزم من قرارات رقابية وتشريعية.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تواجه فيها المستشفى، اتهامات بسوء الإدارة ووقوع خروقات وتجاوزات؛ إذ سبق أن توفي 10 من المرضى المحجوزين بالمستشفى، والمودعين فيها تنفيذاً لقرارات وأحكام قضائية، خلال الفترة من 1/8/2015 حتى 10/8/2015، بسبب الإهمال الجسيم، الأمر الذي دفع بهيئة النيابة الإدارية، لأن تُحيل 34 متهماً من المسؤولين بالمستشفى إلى المحاكمة العاجلة، من بينهم: مدير مستشفى الصحة النفسية بالخانكة سابقاً، نائبي مدير مستشفى الصحة النفسية بالخانكة، وأربعة أطباء بالمستشفى، ورئيس ووكيل قسم التمريض بالمستشفى، و23 من أفراد طاقم التمريض بالمستشفى، ورئيس قسم شئون المرضى والموظفة بذات القسم بالمستشفى.

 

نوصي للقراءة: مستشفى الخانكة: ضرب مرضى، أطباء مزيفون، وفساد إداري

توجيهات رئاسية بتطوير البنى التحتية 

في مايو 2023، أوصت لجنة من المجلس القومي لحقوق الإنسان،  زارت المستشفى وقتئذ، باستمرار العمل في تطوير البنية التحتية لمستشفى الخانكة، وفي أغسطس من العام الماضي، وجّه د. خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، بوضع تصور لتطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية، ليصبح أول مدينة طبية متكاملة للصحة النفسية وعلاج الإدمان والمسنين، على أن تشمل جميع الخدمات العلاجية والوقائية وعلاج الأورام إلى جانب خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، بسعة إجمالية 1800 سرير، منها 300 سرير للخدمات العلاجية والوقائية، واثنان مُعّجل خطي لعلاج الأورام، إضافة إلى 1500 سرير لخدمات الصحة النفسية، وكلّف الوزير آنذاك، بدراسة إنشاء مستشفى طوارئ لتقديم كافة الخدمات الطبية المتقدمة للمرضى دون الحاجة لنقلهم للمستشفيات المحيطة. 

وخلال سبتمبر الماضي أعطى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، توجيهاته بالتوسع في إقامة منشآت الصحة النفسية، ودعم منظومة العلاج على نفقة الدولة، وقام بتكليف الحكومة بالبدء في إنشاء مستشفى “سكينة” للصحة النفسية وعلاج الإدمان بمدينة العلمين الجديدة، وسرعة الانتهاء من تطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية بمحافظة القليوبية، وإنشاء مراكز طبية للإقامة الممتدة للمرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

ورغم الحملات المكثفة التي تشنها وزارة الصحة لإغلاق مراكز علاج الإدمان والطب النفسي، غير المرخصة وتوجيهات الدولة لتطوير البنية التحتية للصحة النفسية، يبقى واقع مستشفيات الصحة النفسية مثقلًا بالأزمات، بين نقص الأسرّة وإهمال الصيانة، إلى غياب الكوادر المتخصصة وارتفاع تكاليف العلاج. 

وبينما يتزايد الطلب على خدمات علاج الإدمان في ظل الانتشار الواسع للمخدرات التخليقية، لا تزال مستشفيات الصحة النفسية تعاني من ضعف التمويل والرقابة وتراكم التجاوزات الإدارية، وهو ما يجعل مصير آلاف المرضى والمحتاجين للعلاج معلقًا بين فوضى القطاع الخاص وتعثر القطاع الحكومي، في انتظار إصلاحات جذرية تعيد الاعتبار لحقهم في الرعاية الصحية الآمنة والمستدامة.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search